اطبع هذه الصفحة


[] حرْف البِناء []
5/11/1428
15/11/2007

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


الحرفُ رسالةٌ قائمةٌ بذاته ، يحملُ الكثير من المعاني الآتية بكونه مفرداً أو مُسنداً إلى غيره ، و معانيه المُبَطَّنة أدق من تلك المُظْهَرة ، و قد يغيبُ عن الكثير بواطن المعاني انشغالا بظواهرها .
إنَّ لكلِّ حرفٍ وظيفة تُلازمه ، فلا يَحِلُّ مكانَه حرفٌ آخرَ ، و إلا فيختل المعنى المُراد ، و قد رفضَ قومٌ مِن اللغَويين التناوُبَ بين الحروف ، و حيثُ كان هذا في قِوام الحرفِ بذاته مجرداً من كونه مركَّباً في كلمات تحملُ معاني ، فإنَّ وظيفته في كونه في منظومة من الحروفِ سيكون له أثرُه الكبير .
البناءُ بالحرفِ من لطائفِ الكَلِمِ ، لأنه سيكون حاملاً شيئاً من المقاصد الموجودة في العربية ، و في أصول كلماتها ، فإننا نلْحظ أثرَ تلك الحروفِ في بناءِ أشخاصِ الناسِ الناظرين فيها ، و تأثيرها في نفسياتِهم تأثيراً بليغاً ، و نلحظ كثيراً سلك الحرفَ سِلعةً لبناءِ وَجهٍ مقبولٍ له عند قاريءٍ و إن كان مُتَرتِّباً عليه هدمٌ لجَسَدِ أمةٍ ، و تلك نظرةُ الأنا المُحقَّرة مِن قِبَلِ بُناةِ معانٍ بَناهم حرفُ الوصف .
حين يكون قَصْدُ الكاتبِ مِن رَقْمِ حَرْفِهِ أن يجعلَه لَبِنَةً في حائطِ الانتهاضِ يُقبلُ قُرّاءُ الحرفِ يَسُوقهم المعنى المُبَطَّن ، فأرواح الأشياءِ تَدعو الأرواح ، و لأجل هذا يُرى الإقبالُ على حروفٍ ليستْ بتلك الصَّنعة الكتابية أكثر من ذوات الصنعة الكتابية ، لعِلَّةِ القصد البنائي .

وظيفة الحرفِ في معناه ، و معناه مطروقٌ عند أهل المعارفِ مِن جهتين :
الأولى : جِهة الفردية ، فكلُّ حرفٍ له معناه المنفردِ به ، و تلك المعاني لا يُتَوَصَّلُ إليها إلا من خلالِ تأملاتٍ ذَوقية ، أو متعلقةٍ بعلومٍ اندثرَ المشتغلون بها ، و في معاجم اللغةِ تلميحٌ ، كما في تصانيفها تصريح .
الثانية : جهة التركيب ، من حيثُ انضمام الحرفِ إلى غيرِه ، و المُنْضَمُّ إليه نوعان :
الأول : كلمة ، و تلك الأحرُفُ التي لا يَظهرُ معنى كلمةٍ إلا بها ، أو لا يظهرُ معناها إلا بالكلمة ، و أقربُ إلى ذلك ما يقوله أهل النحو : أو حرفٌ جاءَ لمعنى ، فيقصدون به الأحرف المجردة الأبجدية .
الثانية : حرف ، و هي العملية التي تتكون بها الكلمةُ ، فليس للأحرفِ المنفردةِ معنى كمعناها حين ينضمُّ بعضها إلى بعضٍ ليتكوَّن منها كلمة يُدركها القاريءُ .
و مراعاةُ الكاتبِ أثرَ الحرفِ في البناءِ مِن الأمانةِ المُلقاة على أهل القلم ، و مَن لَم يُدرك ، أو لنْ يُدرك فلا يُقْحِمَنَّ نفسَه في شيءٍ هو في عُذرٍ منه حيث كان القلم عنه مرفوعاً ، و أهلية الكتابة عنه موضوعة ، فالحرفُ حينئذٍ حتفٌ ، و الحتفُ ليس بناءً .

Abdullah.s.a
 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية