اطبع هذه الصفحة


(] بَحرُ الوَصْل [)
15/4/2008
9/4/1429

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


' جسدك لا يكذب '
أنيس منصور


يَعجبُ المرءُ في أحيان كثيرةٍ ما يحدثُ من تواصُلٍ بينَه و بين أطرافٍ أُخرى ، لم يَكنْ في حُسْبانه أن تكون تلك الصِّلَة ، ليس لنقصٍ في طرفٍ مَّا ، و إنما لعدم ظنيةِ ذلك ، و هذا التواصُل المفاجيءُ ليس آتياً دون ترتيبٍ مُسْبَقٍ من دواخل النفوس ، فإنه آتٍ من توافُقٍ بين الطرفين في شيءٍ أوقَع ذاك التواصل ، و سِرُّ التواصلِ في معرفة نقطته التي هي بِذرةٌ .

يتبايَن الناسُ في مداخلِ التواصُلِ ، و معرفة المداخلِ ضمان صحة الدخول ، فمن الناسِ مَن يأخذُ بخُلُقٍ امتازَ به فصار جذاباً إلى ذاته به ، كمن يمتاز بابتسامةٍ ترتسم على مُحَيَّا وجهه تبعثُ سروراً في عين ناظره ، أو يكون ممتازاً عن غيرِه بنظرةِ العينِ ، فللعينِ رسالاتٌ تُدركها العيونُ ، و كلُّ شيءٍ له لغةٌ يُدركها شبيهه ، و آخرُ يمتازُ بفكرٍ يسلُبُ لُبَّ آخرَ في مباحثاته و ثقافاته ، فيكونان متنقلَيْن بين أزهار بساتين المعارفِ لا يَلويان على شيءٍ ، فمعرفةُ المدخلِ حِرفةٌ و ذوقٌ ، و تميُّزُ أصحاب العلائقِ الواسعة في إتقان مهارة التواصل .

يتنكَّبُ كثيرون طريق التواصل مع الآخرين ، لغياب الدراية في المدخل المُوْلِجِ إليه ، و لو دُرِيَ قليلاً لكان الكسْبُ وفيراً ، و التوفيق للتحقيق مبني على التصديق ، التواصلُ قانونٌ له إشاراته العامةُ في الحياة ، و الإشاراتُ إيحاءاتٌ تنتثرُ في دروبها ، تصديقُ كونها مدخلاً ينقُلُ إلى تحقيق التواصل .

مواكبةُ حالِ الطرفِ الآخرِ عند التواصُلِ مدخلٌ بديعٌ لتحصيل تمام التواصل ، كما أن المُناكبة قَطعٌ له ، فلا يكون التواصل قائماً على ساقِ الإتقانِ عند المعارضاتِ في الجزئيات ، كما أنه لن يتحقق عند الموافقةُ في الأساسيات المتعارضات ، إذ ليس من شأن التواصُلِ التنازلُ و لا المنازلة و لا المماثلة ، و هنا كان الخللُ في نُقاط التواصلِ و اخترامِ بنائها .

عدمُ مواكبةُ حال الطرفِ الآخر نوعٌ من استعلاء الذاتِ بِزَيْفِ اللذات ، حيث كان رؤيةً لحال النفسِ منحازةً نحوَ امتيازٍ عن الغيرِ مخصوصةً به ، فيَئِدُ التواصُلَ في مهده ، و الجسد لا يكذبُ في تعبيراته ، و لصِدقه كان مُسْتَشْهَداً به ، فالعفويةُ في التواصل صِلةٌ المعافاة ، و تعبيراتُ الجسدِ منطلقة من تفاعلات الروح ، نبرةُ الصوتِ رسالةٌ في نغمتها لأُذن السامع يُدركُ منها مدخلاً للتواصلِ مع المتكلم ، مَلْمَسُ اليدِ عند المصافحةِ تنقلُ حرارَة الصدق في اللقاءِ و التواصل ، العينُ تحكي ما يحكيه اللسان ، و العينُ تعكسُ الروح ، و الأُذنُ تسترقُ حديث النفسِ قبل همس الحرفِ به ، فالجسد كله لغة تتكلم بالتواصلِ و عدمه ، و هُنَّ إشاراتٌ مُرْسلاتٌ و منثورات ، يُدركها حصيفُ العقلِ ، و يغفلُ عنها خفيف الفِطنة ، و هي من أسرار علائق الخلائق بعضها ببعضٍ ، فليست بين بني الإنسان فقط ، و واقعنا يَحكي صوراً ، لو تأملنا أدركنا .

فلا تكون الروح لطيفة في معشرِها إلا مع من تآلفتْ معه فتكون حاكمة على الجسدِ ، فيرى الحَسَنَ و القبيحَ سواءً ، فالمحبوبُ مغفورُ الذنوب مستور العيوب .
فتعبيراتُ الجسد تتكوَّنُ من تلك التفاعلات الروحية ، و غالباً ما تكون خارجَ مقدور المرءِ ، فلا يُمكنه أن يكون مُتحكِّماً بتعابير الجسد ، و ربما مُكِّنَ من التصنُّعِ ، و التصنُّعُ بَدلٌ ، و البَدلُ أعورُ ، و في تصنُّعِ تعبيراتِ التكميلِ في التواصل بلوغٌ لكماله ، فالتصنُّعُ بالكمالات كمالٌ ، و عند التصنُّعِ يعتمد المرءُ على ما يَعْضُدُ مسيرته ، فالمُصانعةُ مُجهِدَةٌ ، و الإجهادُ مُمِلٌّ ، و المللُ خللٌ ، و الخللًُ زلل .

تبدأُ عملية التواصلِ من بذلِ الروحِ تفاعلاتها على مظهر الجسد لتَتمَّ على سُوقِ الكمال ، فيبدأ الجسدُ برَدِّ الجميلِ في وصل الروحِ بالروحِ ، و العاطفة بالعاطفة ، و المشاعر بالمشاعر ، فتندمجَ النفسان ، و تتعانق الروحان ، فتُدركان من بعضهما عن بعضهما دون وسيطٍ ظاهرٍ ، و تدوم وظيفة الترابط و لو بَعُدَت الأجساد ، و تفارقت الأعينُ ، فجوارح الروحِ تحكم جوارح الجسد ، و تلك غايةُ التواصل و سر المصاحبة ، و الإثراءُ بثراءِ التنمية ارتقاءٌ لثَرى ثُريا المصاحبة ، و ليس فوقَ المصاحبة إلا مخاللةُ الأرواحِ ، و نِعْم الفوقية .

عبد الله العُتَيِّق
Abdullah .s. Alotaig

 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية