اطبع هذه الصفحة


[] الهدية []
14/5/2008
9/5/1429

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


" هديةُ المرءِ تُنبي عن مروءتِهِ "
شعر : سبط ابن التعاويذي


الهدية من جوالبِ المودة بين الناس ، و هي تَعْمُرُ بٌنياناً راسخاً من المحبةِ ، لما تحمله من جليلِ معاني حقيقة الاتصال بين المُهْدي و المُهْدى إليه .
و يَختلفُ المُهْدُون من حيثُ هداياهم ، فليسوا سواءً ، منهم مَن يُهدي مُقَيِّماً هديته على قانونِ قدرِ المُهْدى إليه ، و لا ينظرًُ إلى الهديةِ مُغْفِلاً المُهْدي إلا من لم يَحْظَ بشيءٍ من حقيقة المودَّةِ التي الهديةُ رسولٌ أمينٌ يحملها إليه ، و إذْ كانَ أناسٌ ينظرون لقدرِ الهديةِ اهتمَّ كثيرٌ من المُهْدِيْن بقدرِها فاستوضعوا نفوسَهم من أجل وُضعاءِ نفوسٍ ، فكانت الهديةٍ ممقوتةَ المعنى ، و لا تبايُنَ بين هديةٍ رفيعة القدرِ و أخرى وضيْعَته .
و من المُهْدِيْن من كان شأنُهُ في أن ينظرَ إلى ذات الفعلِ ، فالإهداءُ فعلٌ شريفٌ ، يَشْرُفُ بالإهداءِ المُهدي و الهديةُ و المُهْدى إليه ، و لا يُهدي أصحاب هذا النظرِ هداياهم إلا لمن أدركوا صِدق مودتهم ، و صحيح محبتهم ، فكانت الهديةُ لديهم تكميلاً لأساسٍ ، و ليستْ توثيقاً بمعنى التوثيق .
حينَ تكون الهديةُ بقدرِ ذاتِ الإهداءِ ، فإنَّ النظرَ يتقلَّب في معنى الإهداء لا في مبناه ، و معنى الإهداءِ إبقاءُ أواصرِ المودَّةِ و استدامتها ، و لذا جاءَ التوجيه النبوي حاملاً هذا المعنى " تهادوا تحابوا " ، فالهديةُ تحقيقٌ لمعنى المحبة بين الطرفَيْن .
و إبقاءُ معنى الإهداءِ في الهديةِ يَكون بهديةٍ تقوم بالوظيفةِ ، و يُعْنَى بذاتِ العُمُرِ الطويلِ ، أو ذاتِ الاستعمال الدائم ، أو ذاتِ الأثرِ القوي التأثيرِ ، فلا تعْزُبُ عن قلبِ المُهْدَى إليه ، و لا يَسْتغني عنها ، و لا تغيب عن جارحةٍ ، فتكون حاضرةً في كلِّ أحواله ، أو في أغلبها ، و في مُلاحظةِ محبوباتِ المُهدى إليهِ و ميَلِهِ في الهديةِ تحقيقٌ لتحصيلِ معنى الإهداءِ ، و هذا ذَوقٌ من سِر الإهداءِ ، قلَّ من يَنتبِهُ إليه .

عندما تكون الهديةُ بهذا الذوقِ الرفيع يَهيمُ في واديها المُهْدى إليه ، فيُدرِكُ بِذوقِه ما جالَ في خاطرِ المُهدي ، فيَسْتَبْقي هديته كما قَصَدَ ، على أقلِّ الحالِ في حَضْرَتِهِ ، و هذا من أدبِها الراقي ، و ربَّما استبقى المُهْدى إليه معنى الهديةِ لدى المُهدي بهديةِ الإبقاءِ ، فغَدَتْ الهدايا رُسُلَ وَصْلٍ ، و الرُّسُلُ لا تكذب .
قَد يستدعي الإنسانُ هديةً لإبقاءِ حقيقةِ الوصلِ ، و استدعاءُ المُبْقِياتِ وظيفةُ عُمَّارِ المجدِ التليد ، و بُناةِ القصدِ الرشيد .
فإبقاءُ معنى الإهداءِ بأيِّ مبنى غايةٌ يَسْعى إليها أهل الكمالِ ، و تهفو إليها نفوسُ الجَمالِ ، فالمعاني تُزَيِّنُ المباني ، و المخابرُ تُطَهِّرُ المظاهر .


Abdullah.s.a
 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية