اطبع هذه الصفحة


[] عُمْقٌ []
15/5/2008
10/5/1429

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


" الأنهارُ الأكثرُ عُمْقاً أكثرُ هدوءاً "

في مسيرةِ العقلِ و اشتغالِه في التفكيرِ في جميع أحوال الحياة نجد تبايُنا في مدى إدراكِه لما حولَه ، و هذا التبايُنُ يرْجع اختلافُه إلى مدى قوةِ تلك النظرة ، فمن كان ذا نظرةٍ بعيدةٍ ليس كمن كان ذا نظرة لا تتجاوَزُ ظِلَّه ، و كذلك من كانت نظرته مرتبطة بالأسبابِ غير من كانت نظرته مرتبطة بالنتائج .
قد يكون سببُ النظرةِ التفكيرُ ، و النظرةُ سبب التفكير ، فكان الحالُ دَوْرَاً ، و عَوْداً على بَدءٍ ، و مهما يكن السببُ فالحالُ يدور في الحكمِ مع الأثر الظاهر .
عُمْقُ النظرةِ في أبعادِ الأحداثِ ، و النظر إلى ما وراءها من الأشياء التي لم يُوْلِها الكثير اهتماماً ، بل لم ينظر أحد إليها ككونها موجودة ، فكانتْ المنظوراتُ أشياء لا تُحدثُ أثراً في الحياة .
أولئك الذين يمتلكون العُمقَ في نظرتهم إلى الأشياء يمتازون بقدرٍ من العقلِ الفاحص ، و قدرٍ من الإدراك لما خلفَ تلك الأشياء ، فيُفصِح بشيءٍ لا يؤمن به إلا هو ، حتى أولئك الذين يُشاركون بُعداً في النظرة العقلية ، و عمْقاً في الإدراك ، لأن الـعمْقَ وظيفة نادراً أن تقبلَ شريكاً .
العُمْقُ قد يكون في التفكيرِ المنطقي ، و التحليل العقلي ، و قد يكون في صناعةِ الآثار و النتائج ، فصاحبُ العُمْق لا يرضى بأن يكون طافحاً ، لأنه لا يطفح على سطح الماءِ إلا الخفيف ، و صاحبُ العُمْق ثقيلُ الفكرِ و العقل .
العُمْق لا يتأتَّى إلى الإنسان إلا بتحصيل كَمٍّ من حقائق المعارف و الثقافات ، و لا لن يتأتَّى بمجردٍ تمريرِ العينِ و تشغيل الذهن بهامشيِّ الثقافة ، أو يتأتَّى من تجربةٍ خرجَ بعُمْقِ فكرِهِ و نظرهِ بأثرٍ كبيرٍ بنَّاءٍ .
في حياتنا احتياجنا لأصحابِ العُمْقِ ليس بأقلَّ من احتياجنا للماء ، لأنَّ وجودَ أُلاءِ يبني حضاراتٍ كبيرة ، تدوم بعدهم ، كما بقيتْ حضاراتٌ قديمة حتى اليوم ، و ربما ستبقى مزيداً ، ما بقيَ فينا ذوو العُمْق .
في وجودِ العُمْقِ في حياتنا إيجادٌ للهدوءِ و الاستقرارِ ، لشِبْهِ التلازُمِ بينهما ، حيثُ رسوخُ العُمْقِ و بُعْدِه عن الأنظارِ بِبُعْدِ نظراته ، في كلِّ عُمْقٍ هدوءٌ ، و لكلِّ هدوءٍ عُمْقٌ .

Abdullah.s.a
 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية