اطبع هذه الصفحة


الأزمة المعرفية .. وأرباب التربية

وضاح بن هادي
@wadahhade

 
بسم الله الرحمن الرحيم


حين نتكلم عن الأزمة المعرفية.. فمن المهم أن يُقال أنها أزمة يشترك فيها جميع طبقات المجتمع بلا استثناء، وهذا ما تُؤكده الإحصاءات والدراسات والواقع المعاش اليوم ..

وحتى نضع لبنة صحيحة في طريق العلاج؛ علينا أولا أن نوجّه أصابعنا إلى ذواتنا، وأقصد بذلك أهل التربية بمختلف مستوياتهم ومكاناتهم ..

وإن من المقررات البدهية؛ أننا حين نريد أن نرتقي بإنسان إلى مستوىً أرفع؛ فلابد أن نكون نحن في مستوىً أرفع منه حتى نستطيع أن نرتقي به حين نناوله أيدينا ..

وحين يكون المربي (أبا كان أو أما أو معلما أو معلمة) أقل معرفيا من المستوى المطلوب (شرعيا – تربويا – فكريا ...)، فكيف له أن يرتقي بمن يرعاه؟!

إذ فاقد الشيء لا يمكن أن يُعطيه، بل لابد من مخزون معرفي كافٍ يمتلكه المربي حتى يكون قادرا على تغذية التربية معرفيا ومهاريا، والارتقاء بها ورعايتها.

وهذا يجّرنا للحديث عن القراءة كأداة رئيسية للارتقاء المعرفي بالمربي والمتربي معا، إذ مما لا يخفى على كل ذي بصيرة؛ أن من أعظم ما يحقق تلك الغاية ويُنشد من خلالها المأمول.. هي القدوة من قِبَل المربي، فالطفل أو المتربي بشكل عام يتأثر لا محالة بمن يحب، وبمن يبذل له النصح والتوجيه والرعاية والاهتمام، وبمن يمثّل له مصدرا للتلقي والمُثُل ..

وصدق القائل حين قال :

مشى الطاووس يوما في اختيالِ --- فقلّد شكل مشيته بنوهُ
فـقـال عـلامَ تـختـالـون قـالـوا --- سبَقْتَ به ونحن مقلدوهُ
ويـنشـأ نـاشـئ اـلفـتـيـان مـنـّا --- على ما كان عوّده أبوهُ


وهذه المسئولية العظيمة تتطلب منّا اليقظة مبكرا منذ النشأة الأولى، بل إن الدراسات تؤكد : أن بإمكان ارتباط الطفل بالكتاب وبناء علاقة حميمية ما بينه وبين القراءة منذ سن الستة أشهر، وربما أقل من ذلك ..

وللوهلة الأولى قد يقول قائل : أن هذا كلام قد يجانبه الصواب، بل وفيه نوع من المجازفة أو المبالغة، لكن حين نُبسّط الأمر ونقول : أنه بإمكانا أن نصل منذ هذه السن المبكرة من خلال عرض الكتب على عيني الطفل، وتقليب صفحاتها أمام ناظريه، وإلحاق الكتاب مع سائر ملهياته، وسرد الحكايات المشوّقة على مسامعه، حينها سنجد الإيجابية حتما ..

وهكذا يتطوّر الأمر شيئا فشيئا حتى تصبح القراءة بالنسبة للطفل متعة ولذة يتلذذ بها كما يتلذذ بطعامه وشرابه وسائر لعبه ..

وقديما قيل في المثل الصيني : "إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة .. فانظر إلى ما يقرؤوه أطفالها".
ويمكن القول كذلك : إذا أردت أن تعرف مستقبل أسرة .. فانظر إلى موقع القراءة في حياة أفرادها.

حتى ومن ظن أن القطار قد فاته في الصغر، فهو نعم يحتاج إلى مزيد جهد وتشجيع وتحفيز لاستنهاض الهمة المدفونة، لأجل استدراك ما فات، ولن يكون الأمر عسيرا أو مستحيلا – كما يُخيّل للبعض – متى ما وُجدت الرغبة وانبعثت العزيمة ..


وإذا كانت النفوس كبارا --- تًعِبَتْ في مرادها الأجسامُ


دمتم بود
 

 

وضاح هادي
  • القراءة
  • التربية والدعوة
  • مشاريع قرائية
  • قراءة في كتاب
  • تغريدات
  • أسرة تقرأ
  • الصفحة الرئيسية