اطبع هذه الصفحة


عن المحاضن التربوية أتحدث

وضاح بن هادي
@wadahhade

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أكتب كلماتي هذه؛ وأنا واحد من هذا الميدان الرحب الفسيح الذي ساهم ولازال في إخراج أجيال وأجيال وطاقات وطاقات..
ولذا ليس من اللائق بي وأنا أكتب عن تراجع أضحى ملموسا أن أتنصّل من هذا الركب، أو أجحد هذا الجهد..
بل إن واجب القيادات التربوية اليوم في تقويم مسار ونتاج هذه المحاضن هو أوجب من أي وقت مضى..
فلا يليق بنا في الوقت الذي نرى فيه هذا التقهقر في النتاج والمخرج، ونرى فيه التهم تُسدّد عليها من كل حدب وصوب، وهمز ولمز وتصيّد في مجالس العوام والركبان..
ثم نقول نحن بخير، ولسنا بحاجة إلى النقد أو التصحيح أو التقويم لهذا المسار..

وحتى لا أشتت الحديث وقارئه، وأنا أتكلم عن مسببات هذا التراجع، فيمكن أن أقصر حديثي في الجوهر دون تفاصيل المضامين والجزئيات..
وهي على النحو التالي :
أحسب أن إحدى كبرى إشكالاتنا في المحاضن التربوية اليوم، والتي عليها مرد كثير من الإشكالات الأخرى المترتبة عليها؛ ما يمكن أن نختصره في قولنا : فقدان كثير من تلك المحاضن للرؤية الواضحة والمنهجية..
وأعني بذلك : غياب الرؤية الواضحة مما ترجوه قيادات الصف الأول من العاملين في المحاضن التربوية، وينعكس هذا تلقائيا لغياب الرؤية أيضا لدى المربين وما يرجونه من المتربين تحت أيديهم..
وهذا يثمر عدم منهجية للأهداف، وعشوائية في البرامج، وربما تكرار وتكرار في كل فصل وعام..
ولا تسأل بعدها ما المنتج الذي ستُخرجه لنا فوضوية كهذه؟!

وفي ظني أن بيوت الخبرة التربوية بما تحمله من كفاءات تخصصية جاءت لتسدّ فجوة مهمة على مستوى هذا الملحظ الرئيس، من خلال بناء الرؤية المنهجية لتلك المحاضن ومخرجاتها، ومن ثم إصباغ الواقع عليها..
وإن كنتُ أؤمن أن هذا يستغرق وقتا وجهدا كبيرين، خاصة وأنها ستصتدم بقناعات مربين نهجوا أن يقودوا أنفسهم بأنفسهم، وبرؤى وسياسات هي من صنع ذواتهم..

وبناء على غياب هذه الرؤية؛ هو ما يؤدّي إلى قصور المعايير والتأهيل الذي على أساسه يُؤهّل المربي ليُمارس عمله مع شرائح المتربين المختلفة..
وحين نقول : قصور أو غياب تلك المعايير؛ فإننا نعني : المعايير التي رُشّح لأجلها هذا المربي للعمل مع طلاب المرحلة الابتدائية، ورُشّح هذا للعمل مع طلاب الثانوية... وهكذا.

وهذا حتما ينجّر حتى على مستوى المعايير التي تُمكنّنا كقيادات لتأهيل وتخليف قيادات من الصف الثاني والثالث في المحاضن التربوية..
ولا مفاجئة حينها حين تقفز تلك الصفوف على السطح التربوي فجأة، وفي ظل حاجة ماسة لها لسد الفراغ، ومن ثمّ تُمارس عملها التربوي وهي لم تتأهل التأهيل التربوي والنفسي الكافيين الذي يمكنّها من أداء عملها التربوي البنائي بكفاءة.

اليوم ونحن نسمع ونرى تفلّت كثير من أبناء هذه المحاضن ممن ترعرعوا في حضنها وتتلمذوا على برامجها؛ إلا ويقفز إلى ذهنك سببٌ رئيس وراء ذلك وهو : ضمور العناية بالتأصيل والعلم الشرعي..
وحين نريد أن ندلل حقيقة على هذا الضمور فلا داعي أن نرهق أنفسنا في تقصّي ذلك..
فمن خلال نظرة عجلى على أهدافنا التربوية، وبرامجنا الميدانية يتبين لنا موقع الدرس العلمي الشرعي في قائمة أولوياتنا..
بل وعُدّ بنظرك؛ كم هم طلاب تلك المحاضن ومربوهم في الدورات العلمية الصيفية وغير الصيفية؟
بل أين جدولة تلك المحاضن عن زيارة أهل العلم وسؤالهم والجلوس بين يديهم؟

وهنا لابد أن نرفع أصواتنا، ونقول : أن لا ملجأ اليوم مما يقذفه أهل الأهواء والبدع من فتن الشهوات وفتن الشبهات؛ إلا بتسليح المربين أولا، ومن تحت أيديهم ثانيا بالعلم الشرعي المؤصّل..

ومن خلال نظرة لمحتوى المناهج التربوية التي رُسمت من قبل كفاءات متخصصة في بيوت الخبرة التربوية، كمؤسسة المربي ونحوها؛ تلحظ أن تلك المناهج أوّل ما تفتتح معاييرها التربوية بالبناء الشرعي، وما يحتاجه المربي والمتربي في كل مرحلة عمرية..

وحسبي إن وقفت هنا أن أقول : أن الحديث بعد هذا يجب أن لا يتوقف هنا، بل لمزيد ومزيد من الشراكات وورش العمل الفاعلة والبنّاءة لأجل تشييد صرح ممنهج ومنتج، نجني من خلاله ما تقرُّ به أعينا مؤمنة، وتغيظ منه قلوبا حاقدة..

والله ولي التوفيق ..

 

وضاح هادي
  • القراءة
  • التربية والدعوة
  • مشاريع قرائية
  • قراءة في كتاب
  • تغريدات
  • أسرة تقرأ
  • الصفحة الرئيسية