اطبع هذه الصفحة


القراءة.. وشماعة المعوقات

وضاح بن هادي
@wadahhade

 
بسم الله الرحمن الرحيم


بمجرد أن تواجهه بسؤال : أين هو موقع القراءة من جدولتك، وأولوياتك، واهتماماتك؟
إلا ويبادرك بسيل من تلك الأعاذير الخدّاعة..
لا زلت طالبا في الجامعة..
لا زلت عزبا، ولا زال ذهني مشغول البال..
لا زال وقتي يُقضّى في البحث عن وظيفة أقتات منها..
لا زلت فقيرا أبحث عن مال يُعينني في طريقي ومستقبلي..
لا زلت صغيرا، والعمر لا زال فيه فسحة للتدارك..
إلى آخر تلك المسوّلات الشيطانية..

وهو بعد هذا كلّه لا يترك للشيطان والنفس العاجزة سبيلا ولا بابا إلا وفتحه أمامها؛ فيبقى على حاله ولو تخرّج من جامعته، أو توفر له سبيل الزواج والوظيفة والمال معا.. ليبدأ بعدها في اختراع قائمة جديدة من الحيل..
أنا لدي ضيق نفسي..
تعكّر في المزاج..
تراكم في الهموم..
وهو في كل هذا يبرر لنفسه العاجزة، واهتماماته الفارغة.
وما علم أنه لو سار في حياته وهو يتشبث بأي قشّة يتعلق بها ليهرب من خلالها لأخذ زمام المبادرة في الارتقاء باهتماماته؛ ما قرأ، ولا اغتنى، ولا تخرّج، ولا حتى توظّف أو تزوّج.. والله المستعان.

ولو تأملت حال فقرك؛ لوجدت أن هناك من هو أفقر منك، ومع هذا هو لا يتوانى عن مجلس علم إلا وبادر إليه.
ولو تأملت حال شغلك؛ لوجدت من هو أكثر منك شغلا، وقد ألزم نفسه بساعتين أو ثلاث أو أكثر يجول فيها النظر بين الكتب وفي المكتبات.

واقرأ إن شئت لتعلم حقيقة هذا كتاب ‘قيمة الزمن عند العلماء‘، أو طالع إن شئت في كتاب ‘البرامج اليومية لأعلام الأمة الإسلامية‘ متقدمهم ومتأخرهم..
وإن لم تقبل بهذا ولا ذاك؛ فاقرأ في سير بعض أهل الغرب، مرؤوسا كان أو رئيسا وهو لا يجد دقيقة فراغ في يومه وليلته، لكنك تجده يقتطع نصف ساعة أو أكثر قبيل نومه يطالع فيها الكتب، وهو بهذه النصف ساعة يكون قد قرأ بعد حين عشرات بل مئات الكتب؛ فعُدّ بها من أكابر الرؤساء والمثقفين..

وليس هذا بغريب؛ متى ما كانت القراءة ذات أولوية وضرورة حياتية في حياة الشخص، فأوجد لها نسمة أو نسمات من وقته، ولو كان هذا الوقت ثانويا أو طارئا..
بل إنني أعلم من بعض أولئك المعاذير من أصحاب الكسب الدنيوي؛ وقد اضطرتهم الحياة إلى أخذ صباحهم ومساءهم في شُغل يقتاتون منه لقمة عيشهم؛ ومع ذاك فهم يستثمرون حتى أوقات انتظارهم في إشارات المرور، وفي فترات تنقلهم بين الطرقات لقضاء أعمالهم في مطالعة كتاب صغيرا كان أم كبيرا..
وليس بخاف عليك فعل المجد ابن تيمية، أو الرازي أبي حاتم؛ الذي كان يُلزم ولده أو حفيده أن يقرأ عليه وقت دخوله للخلاء..

إذن المشكلة ليست في المال، ولا في الوقت، ولا في العمل، ولا في الزواج، ولا حتى في حالتك المزاجية، لكنها هي في شيء واحد، هو أن القراءة في الحقيقة ليست ضمن أولوياتك ولا اهتماماتك، وأنك لا تملك الأهداف الواضحة التي تلزمك بأن تضغط على الزمن لتطور من ذاتك من خلال قراءاتك..

ولن تتحوّل القراءة إلى أن تُصبح جزءا لا يتجزأ من جدولتك اليومية؛ ما لم تُعايش الكتاب والقراءة، وتُزيل كل الأوهام والأعذار لتكسر الحاجز ما بينك وبينها، وحينها تعيش المتعة الحقة، وتلمس الفرق الكبير الذي ستُحدثه القراءة على مستوى تفكيرك، أو قراراتك، أو حتى نظرتك لنفسك وللحياة من حولك..

ولن تعجب حينها حين يمر عليك قول القائل : "إن حب القراءة من النعيم المعجّل للمؤمن في الدنيا"..
أو قول من قال : "لو أدرك الملوك ما نحن فيه من لذة العلم وقراءة الكتب لجالدونا عليها بالسيوف"..

سائلا المولى عودة حقيقية قريبة لأمة ‘اقرأ‘


 

وضاح هادي
  • القراءة
  • التربية والدعوة
  • مشاريع قرائية
  • قراءة في كتاب
  • تغريدات
  • أسرة تقرأ
  • الصفحة الرئيسية