اطبع هذه الصفحة


ويل لشهر زاد من رب العباد

يحيى بن موسى الزهراني

 
توطئة :
طلاسم الحروف والأرقام ، والمرآة الروحية ، كل ذلك ممزوج دجلاً بآيات القرآن الكريم ، للتمويه على المشاهدين ، وهو في الأصل كفر بالله ، وشرك بالرحمن ، وخروج من دائرة الإسلام ، يشترك فيه المُتَّصِل ، والمُتَّصَلُ به ، والويل لمن كان واسطة بينهما .
وهيهات أن تُعمر الحياة وتُشاد الحضارات بالمشعوذين الذين لا يرعون للإنسان كرامة، ولا للعقول حصانة وصيانة.

قال الله تعالى : { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .
ويزداد ذهول أهل التوحيد حينما تجد هذه الأوهام رواجًا لدى جبلٍ كثيرٍ من العامة ممن ينساقون وراء الشائعات، ويلغون عقولهم عند جديد الذائعات، ويتهافتون تهافت الفراش على النار على الأوهام، ويستسلمون للأباطيل والأحلام، حتى أضل سُرادق الشعوذة عقول كثيرٍ من أهل الملّة والديانة.
ولا تسأل بعد ذلك عما تفعله هذه المسالك المرذولة في أوساط كثيرٍ من الدهماء، وما تحدثه في عقول كثيرٍ من السُذّج والبسطاء. فأين الإيمان عباد الله، وأين الحجى والعقول السليمة. أولسنا نتلو، ونؤمن بقول الحق تبارك وتعالى : { وإن يمسسك الله بِضُرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يُردكَ بخيرٍ فلا راد لفضله يُصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم } ، لكن العجب، والعجائب جمّةٌ، حينما تُلغى العقول والأفكار أمام قول كل دعي مأفون .
 


كذب المنجمون ولو صدقوا


مقدمة :
الحمد لله المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صادق الوعد والوعيد ، توعد بالنار والحديد ، كل ضال عنيد ، وكل ساحر عربيد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله السعيد ، صاحب القول السديد ، حذر من عصى ربه بالتهديد الأكيد ، والعقاب الشديد ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وكل عبد وفي شهيد . . أما بعد :
فإن من المسلمات في ديننا ، ومن الأصول المعتقدة في شريعتنا ، ومن الثوابت في عقيدتنا ، أن الله وحده استأثر بعلم الغيب ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ التغابن18 ] ، قال الطبري رحمه الله : " عالم الغيب والشهادة : يعني الذي يعلم السرّ والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها " .

الغيب لله وحده لا شريك له :
لقد نفى الله جل جلاله أن يعلم الغيب أحد من الخلق أجمعين سواه سبحانه المتفرد بالعبودية والربوبية والألوهية ، فقال عز من قائل عليماً : { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النمل65 ] .
وقال تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام59 ] ، مفاتيح الغيب الخمسة لا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له ، قال الله جل شأنه : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] .
فلا يعلم الغيب ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا ولي ولا صالح من المؤمنين ، ولا يعلم الغيب شيطان أو جان ، بل استأثر الله بعلم الغيب .

الرسل لا يعلمون الغيب :
الرسل الكرام _صلوات الله وسلامه عليهم _ هم أفضل البشر على الإطلاق ، وخير الناس إلى الأبد .
وأفضلهم أولي العزم الخمسة وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد _ عليهم أفضل الصلوات وأعظم التسليمات _ وأفضل هؤلاء الخمسة ، هو خاتمهم وآخرهم محمد بن عبد الله _ صلى الله عليه وسلم _ ومع تلكم المكانة المرموقة لأنبياء الله عند ربهم ، ورفع منازلهم ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، فقد قال أولهم نوح عليه السلام : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ } [ هود31 ] .
وقال آخرهم وخاتمهم محمد بن عبد الله _ صلى الله وسلم عليه _ : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف188 ] .

الملائكة لا يعلمون الغيب :
ومع كل ما يتمتع به الملائكة الكرام من قرب من ربهم تبارك وتعالى ، وما يحظون به من مكانة عظيمة ، ورفعة كبيرة ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، ولا يطلعون عليه ، فقد اختص الله به سبحانه نفسه العلية الكريمة ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } [ الجن26- 27 ] ، يخبر الله جل وعلا أنه لا يعلم الغيب أحد من الملائكة ولا الرسل إلا من أطلعه الله على بعض الأمور الغيبية ، فلما مات الرسول البشري انقطع علمه من الله تماماً بموته ، وكذلك انقطع خبر السماء عن أهل الأرض بوفاته ، لأن الرسل هم الواسطة بين الله وخلقه ، هم الذين يبلغون عن ربهم ، وهم الذين اختصهم الله لذلك ، وانتدبهم لذلك الأمر العظيم ، فلما ماتوا وبلغوا رسالة ربهم ، بقي الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك .

البشر لا يعلمون الغيب :
قال تعالى : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران179 ] ، وهذا نفي منه سبحانه أن يكون أحد من البشر أو الملائكة قد علم الغيب أو علم ما كان قبل وقوعه ، أو ما سيكون ، وهذا تعجيز من الله تعالى لعباده جنهم وإنسهم .

الجن لا يعلمون الغيب :
الجن خلق من خلق الله ، خلقهم لعبادته ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، والقرآن الكريم يثبت وجود الجن ، ولا ينكر ذلك إلا جاحد لصحة القرآن ، ويثبت كتاب الله تعالى أيضاً أن هناك من الجن مؤمن وكافر ، مردة وفساق وأهل فساد ، ومع ذلك فهم لا يعلمون الغيب ، ولم يطلعوا عليه قط ، إلا ما يسترقونه من السمع ، عندما يقضي الله أمراً فيسمعون من الملائكة ، ومع ذلك يحرقهم الله بالشهب ، قال تعالى : { إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر18 ] ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا قضى اللَّهُ الأمرَ في السماء ، ضَرَبَتِ الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضعاناً لقوله ، كالسِّلسلة على صفوان ، قال عليُّ وقال غيرُهُ : صفوانٍ يَنُفَذُهم ذلك ، فإذا فزِّعَ عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربُّكم ؟ قالوا للذي قال : الحقَّ وهو العليُّ الكبير، فيسمعُها مُسترقو السمع ، ومسترقو السمع ، هكذا واحدٌ فوقَ آخر ، وَوَصَفَ سفيانُ بيدِهِ وفرَّجَ بين أصابع يدهِ اليمنى ، نَصبَها بَعضَها فوق بعض ، فرُبما أدركَ الشهابُ المستمعَ قبل أن يَرمِيَ بها إلى صاحبِهِ فيُحرِقَه ، وربما لم يُدركهُ حتَى يرميَ بها إلى الذي يَليه _ إلى الذي هو أسفلَ منه _ حتى يُلقوها إلى الأرض ـ وربما قال سفيانُ : حتى تنتهي إلى الأرض ـ فتُلقى على فم الساحِر ، فَيَكذبُ معها مائةَ كَذبة ، فَيُصَدَّقُ ، فيقولون _ أي الناس _ : ألم يُخبرنا يومَ كذا وكذا ، يكون كذا وكذا فوجدناه حقاً ؟ للكلمةِ التي سُمعت من السماء " [ أخرجه البخاري ] .

علم الغيب لله :
فإذا كان الرسل والملائكة والجن والناس أجمعين لا يعلمون الغيب ، فمن الكفر بالله العلي العظيم أن يخرج عبر شاشات التلفاز من يقول ويدعي علم الغيب من دون الله ، أو يقول أنه نداً لله وشريكاً له في علم الغيب ، وأي عاقل وأي فاهم وأي مسلم يصدق ممثل هذه الأقاويل والأراجيف والأكاذيب التي يروم أهلها جمع أموال الجهال والسفهاء من الناس ، في عملية ابتزاز وتسول لم يشهد لها التأريخ مثيلاً ، اتصالات عبر القنوات الفضائية تكلف المتصل الكثير من المال ، ليصل للساحر أو المشعوذ أو المنجم ويتحدث معه ، ويشكوا إليه حاله وبؤسه ومشكلته ، ثم يسأله الساحر عن اسم أمه ، ومن ثَمَّ يخبره بأمور _ والله العظيم _ إنه لا يعلمها إلا الله ، ولكنه استخدام الجن والشيطان فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل .

توكل على الله :
مساكين أولئك الناس من رجال ونساء ، وأخص النساء ، لأنهن تركن للشيطان مجالاً يسرح ويمرح ، ويوسوس وينزغ بينهن .
فيا إماء الله ، اتقين الله ، واخشينه سبحانه فهو قادر على إهلاككن وعذابكن ، قادر سبحانه أن يبتلي إحداكن ببلاء وهم وغم ومصائب لن تجد لها من دون الله كاشفة ، ولو ذهبت لسحرة العالم بأكمله ، فراجعوا أنفسكم أيها المسلمون ، ولا تبيعوا دينكم بعرض من الدنيا ، أو اتصال هاتفي محرم ، واعلموا أن الله مطلع عليكم ، وتالله لولا أن رحمت الله سبقت غضبه لأهلككم جميعاً مصداقاً لقوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل61 ] ، وقوله سبحانه : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } [ الكهف58 ] ، وقوله سبحانه : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [ فاطر45 ] .

سؤال الساحر كفر بالله :
وكم هي الرحلات والزيارات التي يقوم بها المسلمون لأولئك السحرة والمشعوذين ، دون خوف من الله تعالى ، أو تفكير في عقابه سبحانه ، أو تأمل في وعيده لهم ، عن بعضِ أَزواجِ النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ ، عن النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ قالَ : " مَنْ أَتـى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عن شيءٍ ، لـم تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ لـيلةً " [ أخرجه مسلم ] .
وعيد شديد ، وتهديد أكيد من الله تعالى لمن عصاه وسأل كاهناً أو عرافاً بمجرد السؤال فقط ، لا من أجل أن يصدقه ، أن لا تُقبل له صلاة أربعين ليلة والعياذ بالله .
فإن سألهم وصدقهم فهي الكارثة التي لا كارثة بعدها ، لأن في ذلك خروج من حوزة الإسلام والإيمان ، إلى دائرة الكفر والعصيان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، وأخرج البيهقي من حديث عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : " مَنْ أَتَـى ساحراً أَوْ كَاهِناً أَو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بـما يقولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِـمَا أُنْزِلَ علـى مـحمدٍ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ " .

تحذير خطير :
فاحذر أيها المسلم ، وأيتها المسلمة أن تأتي عرافاً أو كاهناً أو ساحراً ، لأي غرض من أغراض الدنيا ، لا للعلاج ، ولا لكشف غمة ، ولا لأذى تلحقه بالآخرين ، ولا لإيجاد مفقود ، ولا لفك سحر ، فكل ذلك حرام أشد الحرام ، وهو شرك بالله الواحد القهار ، الذي لا يعلم الغيب سواه ، ونسوا أن النافع الضار هو الله الواحد القهار ، قال تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ يونس107 ] ، وقال سبحانه : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [ الأنعام17 ] .

الصبر أجر :
ولو تدبر العاقل الحصيف ، واللبيب الأريب ، أن المصائب كفارات للذنوب ، ماحيات للخطايا ، ما تركوا سبيل الرشاد ، وطرقوا سبيل الغواية والضلال ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما يُصيبُ المسلمَ من نَصبٍ ولا وَصَبٍ ولا همّ ولاَ حَزَن ولا أذى ولا غَمّ ـ حتى الشَّوكةِ يُشاكها ـ إلا كفَّرَ اللهُ بها من خَطاياه " [ متفق عليه والفظ للبخاري ] ، وفي لفظ لمسلم ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ ، وَلاَ حُزْنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ في قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأَثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجَلاَءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إلاَّ أَذْهَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : " أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ " [ رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني رحمه الله ] .

خطر السحر :
وليعلم كل مسلم ومسلمة أن السحرة لا يأتون بخير ، بل كل أمرهم شر ووبال على الإنسان في الدنيا والآخرة ، وتدبر أيها المسلم ، وتأملي أيتها المسلمة هذه الآية العظيمة في سورة البقرة ، حيث يقول الحق تبارك وتعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ البقرة102 ] .
ففي هذه الآية فوائد جمة منها :
1- كفر الساحر ، وحرمة تعلم السحر ، وحرمة استعماله ، وحرمة التعامل به ومعه ، وحرمة تعلمه وتعليمه ، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو كافر خارج من ملة الإسلام ، لقوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } .
2- الله تعالى هو النافع الضار ، فلا نفع ولا ضرر إلا بإذنه ، فيجب الرجوع إليه والتضرع إليه ، ودعاءه سبحانه لكشف الضر ، ودفع الشر ، قال تعالى : { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ } .
3- أن اليهود أخذوا السحر عن طريق الشياطين .
4- السحر من أعمال الشياطين ، لقوله تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } .
5- أن من عِظَم السحر أن يكون أثره التفريق بين المرء وزوجه ، أو الربط بين المرء وزوجه .
6- أن السباب وإن عظمت فلا تأثير لها إلا بإذن الله ،لقوله تعالى : { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ } .
7- أن تعلم السحر ضرر محض ولا خير فيه أبداً ، لقوله تعالى : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } .
8- ذم من تعلم السحر ، وأنه خاسر في الدنيا والآخرة ، لقوله تعالى : { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } .

شهر زاد ويوم المعاد :
وفي هذا المقام أُذكِّر القائمين على قناة شهر زاد وما شابهها من قنوات فضائية ، والتي تدعوا الناس للسحر والعمل به وتعليمه ، أدعوهم بأن يتقوا الله تعالى في المسلمين ، وألا يلبسوا عليهم دينهم ، وأن يحذروا كل الحذر من إخراج الناس من دينهم ، وألا يشجعوا أولئك السحرة والمشعوذين ، ليبتزوا أموال الناس ويأكلوها بالباطل ، فويل لهم ثم ويل لهم ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء29-30 ] .
وأذكرهم بقول الله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ المائدة2 ] .
وليعلم كل مسلم وكل قائم على مثل هذه القنوات الهابطة أنه مسؤول بين يدي الله في قبره ويوم حشره ، عن أولئك الناس الذين أضلهم ، وسنَّ لهم سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، كما صح الحديث بذلك فعن جريرٍ بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قَالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً عُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أجْرِهِ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيّئَةً ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " [ أخرجه مسلم ] .
وأعلموا أن الثراء والترف لا يكون بمثل هذه الأعمال المشينة ، والأفعال المحرمة التي تبعد العبد عن ربه ، وتبعده عن رحمته ، وتقربه من عقابه وسخطه ، فالمال الذي يأتي بهذه الطرق الملتوية طريق إلى جهنم ، طريق إلى نار تشوي الوجوه ، سبيل إلى نار تنضج منها الجلود ، وتنهري منها الأجساد ، والنجاة من ذلك أن يعافيك الله من هذه الطرق وتلكم المكاسب المحرمة التي جاء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بتحريمها ، وبيان خطرها ، قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ " [ أخرجه أحمد والبزار ، وقال الهيثمي : ورجالهما رجال الصحيح ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون 15] ، وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ البقرة271 ] " ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذٰلِك؟ " [ أخرجه مسلم ] .

المصائب فوائد :
ألا فليعلم كل مسلم ومسلمة أن الرضا بالقضاء والقدر ركن عظيم من أركان الإيمان ، فاقنعوا بما قسم الله لكم ، وارضوا بقضائه وقدره تكونوا من الفائزين السعداء في الدنيا والأخرى ، واعلموا أن ما أصابكم فبما كسبت أيديكم ، وليس الله بظلام للعبيد ، قال تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم41 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } [ الشورى30 ] .
فليبحث كل مسلم ومسلمة في نفسه ، ليكتشف ذنوبه ومعاصيه التي اقترفها في يومه وليلته ، ثم يبكيها ، ويتوب إلى الله عز وجل ، ويكثر من الاستغفار ليل نهار ، فقد رتب الله على الاستغفار من الخير والأجر ، ما لا يخطر على قلب بشر ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [ آل عمران135-136 ] ، وانظروا ماذا رتب الله على الاستغفار ، في قوله تعالى : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } [ نوح10-12 ] .
وتأمل هذا الحديث الصحيح وما ترتب على الاستغفار فيه من فوائد عظيمة ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ : جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب " [ رواه أبو داود ، والنسائي، وابن ماجة ، والحاكم ، والبيهقي ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ] .

تعلق بالله وتوكل عليه :
فعجباً والله لمن يترك الله تعالى الذي بيده خزائن السموات والأرض ، الذي يملك الضر والنفع ، الذي خلق السحرة والكهنة ، ثم يذهب العبد لغير خالقه وفاطره ورازقه ومغيثه ومعينه ، لكنها الغفلة المهلكة ، والجزع والهلع ، واتباع الهوى ، والانزلاق في براثن الشهوات والشبهات ، التي ترتب عليها كثير من المشاكل الأسرية والنفسية ، حتى ظن العبد الفقير الضعيف أن المخرج منها بالتوكل على السحرة ، والاتصال بالقنوات الفضائية ، وسؤال سحرتها ومشعوذيها ، عما لا يمكن أن يجليه إلا الله تعالى ، فلابد من التوبة إلى الله عز وجل ، والرجوع إليه والتوكل عليه ، وسؤاله ودعاءه في كل أمر صغير أو كبير ، فهو المجيب وهو سبحانه المغيث ، وهو مزيل الكربات ،
ودافع النقمات ، الله مزيل الهموم ، ومُذهب الغموم ، فعليه توكلوا إن كنتم مؤمنين .

القرآن شفاء :
القرآن شفاء من كل داء ، فتدبروا واقرءوا كتاب الله عز وجل كل يوم ولية ، وليكن لأحدكم ورد يومي يقرؤه من كتاب الله تعالى ليكون حرزاً وحصناً حصيناً من كل سوء ومكروه بإذن الله تعالى ، قال الله عز وجل : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء82 ] ، وقال سبحانه المعافي الشافي : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس57 ] ، ويقول سبحانه : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت44 ] .

نهاية المطاف وثمر القطاف :
كانت تلكم حروف كونت كلمات ، وكلمات تحولت سطوراً ، وسطوراً أنتجت صفحات ، تذكيراً للمسلمين والمسلمات ، ودعوة صادقة لكل عبد لبيب ، أواه منيب ، أن يرجع عن غيه وزيغه ، ويعود إلى الله تعالى الرحيم الرحمن ، النافع الضار ، الذي بيديه كل شيء ، من لجأ إليه لن يخيب ، ومن سأله أُجيب ، قال الله الحسيب الرقيب : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف56 ] ، وقال سبحانه : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر60 ] .
فهو سبحانه الذي وعد بالمزيد لمن شكر ، وتأذن بالأجر لمن صبر ، فقال سبحانه : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } [ البقرة155-156 ] ، وقال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر10 ] .
فما أعظم ثواب الصبر واحتساب الأجر عند من لا يضيع عمل أحد أبداً .

وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يرزقنا الفقه في الدين ، والنفع العميم ، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، واحفظنا من بين أيدينا ، ومن خلفانا ، وعن أيماننا ، وعن شمائلنا ، ومن فوقنا ، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد أفضل النبيين ، وسيد المرسلين .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
مساء الاثنين 24/1/1428هـ

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية