اطبع هذه الصفحة


استجلاب البركة

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله منَّ على عباده بالنعم والخيرات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيم البركات ، أغدق على عباده صنوف الأفضال والهبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأعطر التسليمات ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والمكرمات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات . . . وبعد :
كم من الناس من يشكوا قلة البركة ، ويظن أنه أحيط به ، فلا بركة في المال ، ولا بركة في الرزق ، ولا بركة في الولد ، ولا بركة في الزوجة ، ولا بركة في الدار ، ولا بركة في العمر ، ولا بركة في الوقت وهكذا ، ومن الناس من على النقيض من ذلك ، فالبركة في كل شؤون حياته ، بركة في العمر والوقت ، وسعة في راحة البال ، وزيادة في العمر ، وتنام في المال ، وخير في الأولاد وهكذا دواليك .
فمن الناس من لديه مال ، وهو يعرف حق الله فيه ، ويتصدق منه ، ويساعد أهل الحاجة ، ويعين الملهوف ، فماله في زيادة لا نقصان ، لأن الله وضع له بركة في ماله .
وآخر لديه أبناء فبارك الله له فيهم .
وآخر كلما باع أو اشترى ربح في ذلك ، وبارك الله له فيه ، بل كما قيل : لو باع تراباً لربح فيه .
وآخر وقته مبارك له فيه ، فنجد أن الله تعالى نفع به الكثير من المسلمين .
وعلى العكس من ذلك ، فمن الناس من لديه مال ، وهو شحيح به ، ولا ينفقه في وجوه الخير ، فتراه معذباً بماله ، يحسبه ويحصيه آناء الليل وأطراف النهار ، مشغول به في النهار ، وحريص عليه بالليل ، فوقته في ضيق عليه ، لا بركة في ماله ولا في وقته ، يشتري بماله العذاب النفسي والروحي ، وعدم الراحة ، وآخر يصرف ماله في معصية ربه وخالقه .
وآخر لديه عشرة أبناء أو أكثر أو أقل ، وتراهم خصوماً له ، لسان حالهم يقول : " متى هي ساعة أجلك " ، والعياذ بالله ، فهذا لم يبارك الله له في ولده ، نسأل الله العفو والعافية .
وآخر كلما باع أو اشترى خسر وذهب ماله هباءً منثوراً ، من خسارة إلى أخرى ، ومن نكسة ونكبة إلى أخواتها ، نُزعت البركة من بيعه وشرائه .
وآخر لديه علم كثير ، لكن لم يستفد منه المسلمون والعياذ بالله ، فُقدت البركة من علمه .
والسؤال المهم : كيف نستجلب البركة ؟
والجواب : نستجلب البركة من الله تعالى بالأمور التالية :
أولاً / تقوى الله عز وجل :
قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف96 ] .
ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم.
إذاً ما هي التقوى ؟ لقد عرف جمع من أهل العلم التقوى بتعريفات مختلفة في المعنى ، متوافقة في المضمون .
قال الحَلِيمي : حقيقة التقوى فعل المأمور به ، والمندوب إليه ، واجتناب المنهي عنه ، والمكروه المنزه عنه ، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار ، وهو إنما يقي نفسه من النار بما ذكرت .
وقيل التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، واجتناب المنهيات .
وقال علي بن أبي طالب رضي الهج عنه : التقوى : العمل بالتنزيل ، والخوف من الجليل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل .
قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [ الطلاق2-3 ] .
فالتقوى تزيد في بركة العمر والرزق ، ويحصل المتقي مطلوبه منها .

=================

ثانياً / قراءة القرآن الكريم :
قال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ الأنعام92 ] .
وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ ص29 ] .
فتلاوة القرآن الكريم من جملة الأعمال الصالحة النافعة المباركة بإذن الله تعالى ، فهل نحن قمنا بقراءته وتدبره وتعقله والتفكر في آياته ؟
الجواب : أن أكثر الناس اليوم انساقوا وراء مغريات الحياة ، واهتموا بسفاسفها وتركوا معاليها ، ومن أعظم ما صدهم الشيطان عنه ، هجر كتاب الله تعالى قراءة وتدبراً ، وغفلوا أن القرآن العظيم يأتي شفيعاً لأصحابه وقرائه وحفظته يوم القيامة ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ، فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ " [ رواه مسلم ] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ ، يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيَشْفَعَانِ " [ رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع ، وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ] .
بل معظم الناس اليوم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، فنسأل الله السلامة والعافية ، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، وقد جاء التهديد والوعيد من الله في ذلك ، في قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان30 ] .
وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به .
الله عز وجل يرفع بالقرآن أقواماً ، ويخفض به آخرين ، فوا أسفا على من هجر القرآن ، وغفل عن فضله وشرفه ومكانته وبركته .

=================

ثالثاً / الصدق في البيع والشراء :
كم من التجار من إذا أتيته لتشتري منه شيئاً ، حلف لك أيماناً مغلظة أنه اشترى السلعة بكذا _ وهو كاذب _ وربحه فيها كذا _ وهو كاذب _ فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
ومن التجار من يقول أن السلعة أصلية وهي ليست أصلية ، بل مقلدة ، ومنهم من يغش في بيعه وشرائه ، فأولئك بركة بيعهم ممحوقة والعياذ بالله .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " [ متفق عليه ] .
فمن كذب في بيعه وشرائه ، فهذا ممحوق البركة ، والعياذ بالله ، عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ أَبُو ذَرَ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب " [ أخرجه مسلم ] .
وكم نجد من الباعة من يؤكد للمشتري أن السلعة صناعتها في دولة كذا _ وهو كاذب _ وربما حلف بالله كذباً وزوراً أن السلعة اشتراها بكذا ، ومربحه فيها كذا ، وهو كاذب ، فهل هذا يسعى للبركة ، أم لمحقها ؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّـينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " [ رواه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَة عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَفْظُهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
فما أن أراد أن يستجلب البركة في بيعه وشرائه ، فليصدق في قوله ، وليبين ما فيها من عيب فالرزاق هو الله تعالى ، فإن صدق مع الناس زادة بركة تجارته ، ورزقه الله من حيث لا يعلم .

=================

رابعاً / الصدق بين الشركاء :
كثيراً ما نجد أن هناك شركاء في تجارة ما ، يجمعهم الصدق والوفاء والإخلاص ، فتجد أن تجارتهم مباركة ، وفيرة الرزق ، كثيرة الخير .
ومن الشركاء من يسرق من مال صاحبه ، ولا يخبره بحقيقة البيع والشراء ، فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان خرجت من بينهما " ، زاد رزين فيه : " وجاء الشيطان " [ رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد والدار قطني ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " [ وضعفه الألباني رحمه الله تعالى ] .
قال المناوي : " بالمعونة وحصول البركة والنماء ( ما لم يخن أحدهما صاحبه ) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خَرَجْتُ من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما " .
وقال الطيبي : " فشركة اللّه لهما استعارة ، كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط ، فسمى ذاته ثالثاً لهما ، وقوله خرجت : ترشيح للاستعارة ، وفيه ندب الشركة ، وأن فيها البركة ، بشرط الأمانة ، وذلك لأن كلاً منهما يسعى في نفع صاحبه ، واللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، كما في خبر آخر " .

=================

خامساً / البعد عن الفسق :
الفسق نوعان :
فسق أكبر : مخرج من ملة الإسلام ، كالكفر والنفاق ، أو جحد أمر من أمور الدين كأركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، أو تحليل أمر محرم معلوم من الدين بالضرورة ، كتحليل الربا أو الزنا أو اللواط ، أو السرقة وغير ذلك كثير .
فسق أصغر : وهو ارتكاب الذنوب ، واقتراف المعاصي ، دون حل لها ، بل يعلم أنها حرام ، ومع ذلك يتبع هواه والشيطان ، ويعصي الرحمن ، فهذا فسق لا يخرج من دين الإسلام ، لمعرفة العبد حرمته ، ولكن تجرأ على المعصية اتباعاً للهوى والشهوات ، فهذا على خطر عظيم إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح ، والعودة إلى الله تعالى قبل الموت .
قال تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ التوبة53 ] .
المنافقون ينفقون أموالهم كيف شاءوا , وعلى أي حال ، طائعين أو كارهين , لن يقبل الله منهم نفقاتهم ; لأنهم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.
فمن لم يتقبل الله منه ، فليس في نفقته بركة ، وسيعود ألم ذلك على الشخص نفسه .
ومن تقبل الله منه نفقته ، فهو على خير كبير ، وأجر عظيم ، وما وقع بلاء ولا فتنة ولا نُزعت بركة إلا بذنب ، ولا زادة بركة ورفع بلاء إلا بتوبة .
سادساً / الإسلام :
فمن أسلم ودخل دين الإسلام ، عن حسن نية وإخلاص ، وطواعية ، فحسن إسلامه ، فله البركة في كل أموره .
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه ، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها ، وكان بعد القصاص الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يتجاوز الله عنها " [ رواه البخاري ] .
والإسلام يجب ما قبله ، ويهدم الذي كان من الذنوب والعصيان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره .
وهذه بركة في العمل ، فالله يضاعف لأهل الإسلام أعمالهم ، والله يضاعف لمن يشاء .

=================

سابعاً / البكور في كل أمر :
عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " [ أخرجه أحمد ] .
فالبكور فيه خير وبركة ، ومن أعظم البكور ، أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين ، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس ، فليس ذلك ببكور ، بل ذلك تأخير وفتور وضمور .
ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً ، وتسافر باكراً ، فكل ذلك مجلبة للبركة ، وفوز بحصول بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
عن صخر الغامدي رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللّهُمَّ بارِكْ لأمَّتِي في بكورهم " قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أوّل النهار ، وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان لا يبعث غلمانه إلا من أوّل النهار ، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله " [ أخرجه أحمد وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
فهذه بركة في المال والرزق بسبب البكور .
فما أعظم البكور في العمل ، لبركة الرزق والراتب المترتب على ذلك ، فكم من الناس من حصَّل الملايين وأكثر جراء البكور في العمل ، وعلى العكس من ذلك ، فكم من الناس من خسر بسبب التكاسل ، وعدم الاستيقاظ مبكراً ، فلا يأتي عمله إلا متأخراً ، حتى نُزعت البركة من ماله والعياذ بالله .
فليكن البكور هو همك ودأبك ، لتنال الدعوة المحمدية ، والبركة النبوية .

=================

ثامناً / الاستخارة :
قيل : ما خاب من استشار ، وما ندم من استخار ، فالإنسان قبل أن يُقدم على أمر ما ، كشراء سيارة ، أو شراء أرض أو منزل ، أو أقدم على الزواج من امرأة أو أسرة معينة ، فإنه ينبغي له ألا يقدم على ذلك حتى يستشير أهل الخبرة من الناس في ذلك ، ليدلوه على الطريق الصواب ، وإن كان رأيهم يحتمل الخطأ والصواب ، لكن يسأل الثقات الأثبات .
وتعالى الله عن عباده علواً كبيراً ، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ينبغي لكل مسلم ألا يقدم على أمر حتى يستخير الله تعالى ، فعند الله الخيرة ، وعنده الخير لعباده ، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، فإذا أراد المسلم أن يقدم على أمر من الأمور ، فعليه بالاستخارة ، يستخير رب الأرض والسماء ، فهو سبحانه أعلم بما ينفع عباده ، وهو سبحانه الهادي إلى أفضل الطرق ، وأقوم السبل .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللّه رضيَ اللّهُ عنهما قال : " كان رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأُمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ منَ القرآنِ يَقولُ : " إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيَركعْ رَكعتَينِ منِ غيرِ الفريضةِ ، ثمَّ لِيَقُلْ : اللَّهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك ، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِكَ ، وأسألُكَ من فضلكَ العظيمِ ، فإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلمُ ولا أعلَمُ ، وأنتَ علاَّمُ الغُيوب ، اللهم إِنْ كنتَ تَعلم أن هذا الأمرَ ـ ثم يسمِّيه بعينِهِ ـ خيراً لي في عاجلِ أمري وآجِلِهِ ـ قال : أو في دِيني ومعاشي وعاقِبةِ أمري ـ فاقدُرْه لي ويَسِّرْه لي ثم باركْ لي فيه ، وإن كنتَ تَعلم أنه شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري ـ أَو قال في عاجِلِ أمري وآجِلِه ـ فاصرفه عني ، واصرِفني عنه ، واقْدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان ثم رضِّني به " [ أخرجه البخاري ] .
فهل نحن عملنا بوصية رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ، أم أننا تخلينا عن هذه السنة العظيمة ؟
الحقيقة أن الوقائع والشواهد تدل على أننا لم نحظ بالعمل بهذه السنة المحمدية ، ولذلك ترى النكبات والنكسات التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم ، وبما أن حديث الساعة هو الأسهم وما ينتابها من هبوط حاد ، سبب أزمات قلبية ، وجلطات دماغية ، وتخلفات عقلية ، وأمراض نفسية ، وأدى إلى الانتحار وقتل النفس المعصومة بغير حق ، وأسهم في شيوع الجريمة ، وكثرت السرقات نسأل الله العفو والسلامة .
بل وأجزم أنه بسبب التخلي عن هذه السنة ، والحرص كل الحرص على دخول بوابة الأسهم ، لجني المال بطرق سهلة ميسرة محرمة أو شبه محرمة ، كانت النتيجة كما نرى ونسمع من قصص واقعية سببت انهيار في القيم ، وتفسخ في الأخلاق .
وماذا نخسر عندما نستخير ربنا ، ونسأله بعلمه ومن فضله أن يدلنا على الخير وطرقه ، والبر وأبوابه ؟ لن نخسر شيئاً ، بل سيكون لنا الفضل والسبق والخير وفتح أبواب الرزق ، وإغداق الأموال الحلال ، كل ذلك بسبب استخارة الله تعالى ، وسؤاله الهداية لطريق الصواب ، وتجنب طريق الخطأ والضلال .
ولكن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريض على الحرام بكل أنماطه وطرقه ، فانتبهوا أيها المسلمون ، وخذوا حذركم من عدوكم .

=================

تاسعاً / الدعاء :
والدعاء من أجَلِّ العبادات ، وأرفعها منزلة عن ملك الأرض والسموات ، فالدعاء هو العبادة ، والدعاء صلة بين العبد وربه ، فيجب على العبد ألا يغفل عن هذا الباب العظيم ، والحبل الممدود بين الله وبين عبيده ، فبالدعاء تستجلب البركة والرحمة والمغفرة من الله الرحيم الرحمن ، وهناك أمثلة على الدعاء الذي ينفع الإنسان وينفع غيره وبه تستجلب البركة والخير في الرزق والعمر والمال والولد ، فمن ذلك :
  الدعاء لمن أكل عندهم بالبركة :
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ عَلَىٰ أَبِي قَالَ : فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَوَطْبَةً ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَىٰ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَىٰ قَالَ شُعْبَةُ : هُوَ ظَنِّي ، وَهُوَ فِيهِ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ ، إِلْقَاءُ النَّوَىٰ بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ ، ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ ، قَالَ فَقَالَ أَبِي ، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ : ادْعُ اللّهَ لَنَا ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ " [ أخرجه مسلم ] .
  الدعاء بعد الطعام :
عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَفَعَ مائدته قال : " الحمدُ لله كثيراً طيِّباً مُباركاً فيه ، غير مَكفِيّ ولا مُودَّع ولا مُستَغنىً عنه ربّنا " [ متفق عليه ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث ، فقالت : ألا نطعمكم من هدية أهدتها لنا أم غفيق ؟ قال : فجيء بضبَّيْن مشويّين ، فتبرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له خالد : كأنك تقذره ؟ قال : أجل ، قالت : ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا ؟ فقال : بلى ، قال : فجيء بإناء من لبن ، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي : الشربة لك ، وإن شئت آثرت بها خالداً ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤرك علي أحد ، فقال : من أطعمه الله طعاماً فليقل : " اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن " [ أخرجه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن ] .
  بيان بركة الطعام :
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَىً وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّىٰ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ ، قَالَ : وقَالَ : " إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَىٰ ، وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ " وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ، قَالَ : " فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ " [ أخرجه مسلم ] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ ، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ ، وَلاَ تَأَكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ " [ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي ، واللفظ له : حديث حسن صحيح ] .
ولفظ أبي داود وغيره : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحَفَةِ ، وَلكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا ، فَإنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاَهَا " .
  سُكنى المدينة المنورة :
عن أَنسِ بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللّهُم بارِكْ لهم في مِكيالِهم ، وبارِكْ لهم في صاعِهم ومُدِّهم ، يَعني أهلَ المدينةِ " [ متفق عليه ] .
وقد أخبرنا من نثق به ، أنه ينفق راتبه كله ، في غير المدينة النبوية ، فإذا عاد إلى المدينة ، فإنه يتبقى له من راتبه شيئاً يدخره ، وذلك ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ يُؤتَىٰ بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، وَفِي ثِمَارِنَا ، وَفِي مُدِّنَا ، وَفِي صَاعِنَا ، بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ " ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوَلْدَانِ " [ أخرجه مسلم ] .
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ نَبِيُّكَ وَخَلِيلُكَ دَعَاكَ لأَهْلِ مَكَّةَ ، وَأَنَا نَبِيُّكَ وَرَسُولُكَ أَدْعُوكَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدهِمْ وَصَاعِهِمْ وَقَلِيلِهِمْ وَكَثِيرِهِمْ ضِعْفَيْ مَا بَارَكْتَ لأَهْلِ مَكَّةَ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُمْ مِنْ هٰهُنَا وَهٰهُنَا ، وَأَشَارَ إِلَى نَوَاحِي الأَرْضِ كُلهَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ فَأَذِبْهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ " [ أخرجه ابن عساكر ] .
  سُكنى الشام واليمن :
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال : ذكرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " اللهمَّ باركْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارك لنا في يمننا ، قالوا : يا رسول الله : وفي نجدِنا ، قال : " اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا " قالوا : يا رسولَ اللَّه وفي نجدِنا ، فأظنُّه قال في الثالثة : " هناك الزلازلُ والفِتن ، وبها يطلعُ قرنُ الشيطان " [ أخرجه البخاري ] .
  الرضا بالقضاء :
عن ابنِ عبّاسٍ رضيَ الله عنهما قال : لما كان بينَ إِبراهيمَ وبينَ أهلهِ ما كان خرجَ بإِسماعيلَ، ومعهم شَنةٌ فيها ماءٌ، فجعلَتْ أمُّ إِسماعيلَ تشرَبُ من الشَّنَّةِ فيَدِرُّ لبنُها على صبيِّها حتى قَدِمَ مكةَ فوَضعَها تحتَ دَوحةٍ، ثمَّ رَجع إِبراهيمُ إلى أهلهِ، فاتبعَتْهُ أمُّ إِسماعيلَ حتى لما بلَغوا كداءَ نادتهُ من ورائهِ: يا إِبراهيمُ إلى من تَتركُنا ؟ قال: إلى الله. قالت: رضيتُ بالله. قال: فرجعَت فجعلَت تَشرَبُ منَ الشَّنَّةِ ويدِرُّ لبنُها عَلَى صبيِّها، حتى لما فَنِيَ الماءُ قالت: لو ذَهبتُ فنظرتُ لعليِّ أُحسُّ أحَداً. قال: فذَهَبت فصعِدَتَ الصَّفا فنظرت ونظرت هل تُحِسُّ أحداً ؟ فلم تحِسَّ أحداً. فلما بَلغتِ الوادي سَعَت وأتَتِ المروةَ، ففعلَتْ ذلك أشواطاً، ثمَّ قالت: لو ذهَبتُ فنظرتُ ما فعلَ ـ تعني الصبيَّ ـ فذهَبَتْ فنظرتْ فإِذا هو على حالهِ كأنهُ يَنشغُ للموت، فلم تُقرَّها نفسُها، فقالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعليِّ أُحسُّ أحداً، فذهبتْ فصعِدتِ الصفا فنظرت ونظرت فلم تُحِسَّ أحداً، حتى أتمتْ سبعاً، ثم قالت: لو ذَهبتُ فنظرتُ ما فعل، فإِذا هي بصَوتٍ، فقالت: أغِثْ إن كان عندَكَ خيرٌ، فإِذا جبريلُ، قال: فقال بعَقِبهِ هكذا، وغَمزَ عَقِبَهُ على الأرضِ، قال: فانبثقَ الماء، فدَهَشَتْ أمُّ إسماعيلَ فجعلت تَحفِرُ، قال: فقال أبو القاسمِ: لو ترَكَتْهُ كان الماء ظاهِراً، قال: فجعَلَت تشربُ منَ الماء ويَدِرُّ لبنُها على صَبِيِّها. قال فمرَّ ناسٌ من جُرهُمَ ببطن الوادي فإِذا هم بطَيرٍ، كأنهم أنكروا ذلك، وقالوا: ما يكونُ الطيرُ إِلا على ماءٍ، فبعثوا رسولهم فنظَر، فإِذا هم بالماء، فأتاهم فأخبرهمِ، فأتَوا إليها فقالوا: يا أم إِسماعيلَ أتأذَنينَ لنا أن نكونَ معَكِ، أو نَسكُنَ معكِ ؟ فبلغَ ابنُها فنكحَ فيهم امرأةً. قال: ثمَّ إِنهُ بدا لإبراهيمَ فقال لأهلهِ: إِني مُطَّلِعٌ ترِكتي. قال: فجاءَ فسلَّمَ فقال: أينَ إسماعيلٌ ؟ فقالتِ امرأتهُ: ذهبَ يَصيدُ. قال: قولي لهُ إذا جاء: غَيرْ عَتبةَ بابك. فلما جاءَ أخبَرَته، قال: أنتِ ذاك، فاذهَبي إلى أهلِكِ. قال: ثمَّ إنه بَدا لإبراهيمَ فقال لأهلهِ: إِني مَطَّلِعٌ تَرِكَتي. قال فجاء فقال: أين إسماعيلُ ؟ فقالتِ امرأتهُ: ذهبَ يَصيدُ، فقالت: ألا تَنزلُ فتطعَمَ وتَشرَب ؟ فقال: وما طعامكم، وما شرابُكم ؟ قالت: طعامُنا اللحمُ وشرابُنا الماء ـ قال: اللّهمَّ باركْ لهم في طعامِهم وشرابهم . قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: بركةٌ بدعوةِ إِبراهيم. ثمَّ قال إنه بَدا لإبراهيمَ فقال لأهله: إِني مُطَّلِع تَرِكتي، فجاءَ فوافقَ إسماعيلَ من وراءِ زَمزَم يُصلِحُ نَبْلاً له، فقال: يا إسماعيلُ إِنَّ ربَّكَ أمرَني أن أبنيَ لهُ بَيتاً. قال: أطِعْ ربَّك. قال: إِنه أمرَني أن تُعِينَني عليه، قال: إِذَن أفعَلُ ـ أو كما قال. قال: فقاما فجعل إبراهيمُ يبني وإِسماعيلُ يُناوِلهُ الحجارة، ويقولان : { رَبَّنا تقبَّلْ منّا إِنكَ أنتَ السميعُ العَليم } [ البقرة 127 ] [ متفق عليه ] .
  الدعاء لمن رأى شيئاً جميلاً :
العين حق ، فمن رأى شيئاً يعجبه قدم البركة من الله لصاحبه ، ليبارك له فيما رزقه الله ، ولا يضره شيء بعد ذلك بإذن الله تعالى .
عن أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْف ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ : اغْتَسَلَ أَبِي ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْف بِالخَرَّارِ ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ ، قَالَ : وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الجِلْد ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ : مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ وَلاَ جِلْدَ عَذْرَاءَ ، قَالَ : فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ ، وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ ، فَأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ : أَنَّ سَهْلاً وُعِكَ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِح مَعَكَ يَا رَسُولَ الله : فَأَتَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أمْرِ عَامِر ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " عَلاَمَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ ألاَّ بَرَّكْتَ ، إنَّ العَيْنَ حَقٌّ ، تَوَضَّأْ لَهُ " فَتَوَضَّأْ لَهُ عَامِرٌ ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَع رَسُولِ الله لَيْسَ بِهِ بَأَسٌ " [ أخرجه أحمد ومالك واللفظ له ] .

 الدعاء عند الجماع :
عنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " أما إنَّ أحدَكم إذا أتى أهلَهُ وقال : بسمِ الله ، اللهمَّ جَنِّبْنا الشيطانَ ، وجنِّبِ الشيطانَ ما رزَقتنا ، فرُزقا ولداً ، لم يَضُرَّهُ الشيطان " [ أخرجه البخاري ] .
  الدعاء عند اختيار الزوجة :
عن أبـي أيوبَ الأنصاريَّ رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ : " اكْتُـمِ الـخُطْبَةَ ، ثم تَوَضَّأْ فأَحْسِنْ وُضُؤَكَ ، ثم صَلِّ ما كَتَبَ الله لكَ ، ثم احْمَدْ رَبَّكَ وَمَـجِّدهُ ثم قُلْ : اللهمَّ إنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ ، وتَعْلَـمُ ولا أَعْلَـمُ ، وأَنْتَ عَلاَّمُ الغيوبِ ، فإنْ رأيتَ لِـي فلانةَ ويُسَمِّيهَا باسْمِهَا ، خيراً لِـي فـي دِيْنِـي ودُنْـيَايَ وآخِرَتِـي فَاقْدُرْهَا لِـي ، وإنْ كانَ غَيْرُهَا خيراً لِـي فـي دِيْنِـي ودُنْـيَايَ وآخِرَتِـي فاقْدُرْهَا لِـي " [ أخرجه البيهقي وضعفه الألباني رحمه الله ] .
ولكن يكفي في ذلك دعاء الاستخارة والحمد لله .
  الدعاء للزوجين :
عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمٍ ، فَقَالُوا : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فَقَالَ : لاَ تَقُولُوا هٰكَذَا ، وَلٰكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ " [ أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله ] .
وعنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا رَفَّأَ الإنْسَانَ إذَا تَزَوَّجَ قالَ : " بَارَكَ الله لك ، وبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا في الْخَيْرِ " [ أخرجه الدارمي وابن حبان واللفظ لهما ، والترمذي وقال : حَدِيثُ حسنٌ صحيحٌ ] .

=================

عاشراً / التوكل على الله :
التوكل مأخوذ من الوكالة ، وكل فلان أمره إلى فلان : أي فوض أمره إليه ، واعتمد فيه عليه .
فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل ، ويجب أن يكون حال العبد مع ربه في التوكل ، كحال الطفل مع أمه لا يعرف سواها ، ولا يشكو لغيرها ، ولا يفضي إلا لها ، ولا يعتمد إلا عليها ، وإن حصل له أمر ، فأول خاطر يخطر على قلبه ، وأول سابق إلى لسانه : يا أمَّاه .
فمن كان تألهه إلى الله ، ونظره إليه ، واعتماده عليه ، كُلِّف به كما يكلف الطفل الصبي بأمه .
فإذا مسته ضراء قال : يا الله ، وإن أصابته سراء قال : الحمد لله .
هكذا فليكن التوكل على الله والاعتماد عليه في كل شؤون الحياة .
ولا يعتقد شخص أن التوكل على الله ، ترك التكسب ، وهجر العمل ، والبقاء في البيت بانتظار الرزق دون فعل الأسباب ، ومن اعتقد ذلك فقد ضل عن سواء السبيل ، بل ذلك أمر محرم في الشرع .
والشرع قد أثنى على المتوكلين ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي غُفر له ما تقد من ذتبه ، وما تأخر ، والذي يرعاه ربه في كل شؤونه ، ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ، لم يخرج دون فعل الأسباب ، بل استأجر من يدله على الطريق ، وأخذ الزاد والراحلة التي توصله إلى قصده ، هذا هو التوكل المحمود ، أن تبذل الأسباب ، وتعتمد على المسبب وهو الله سبحانه وتعالى ، فلن يضيعك ما اعتقدت ذلك .
وأقدم هذه الباقة العطرة من رياحين الكتاب ، ورحيق السنة ، تدل على فضل التوكل وعلو شأنه ، وأنه من صفات أهل التوحيد والإيمان :
قال تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ التغابن13 ] .
وقال تعالى : { وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } [ إبراهيم12 ] .
وتأمل هذا الحديث في فضل التوكل ، وأنه سبب لدخول الجنة ، فضلاً عن أنه سبب لزيادة الرزق وحصول المطلوب ، عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " يَدخُلُ الجنة من أمَّتي سبعون ألفاً بغير حساب : همُ الذين لا يَستَرْقون ، ولا يَتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يَتوكلون " [ متفق عليه ، وهكذا رواه البخاري مختصراً ] .
وأخرجه مسلم مختصراً من حديث عُمْرَانَ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفَاً بِغَيْرِ حِسَابٍ " قَالُوا : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : " هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " .
وعن عمر بنِ الخطاب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " لو أنكم تتوكلونَ على اللَّهِ حقَّ توكلهِ ، لَرزقَكم كما يَرْزُقَ الطَّيرَ ، تغدوِ خماصاً ، وتروحُ بِطَاناً " [ رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة ] .
الطير تغدو صباحاً تبحث عن قوت لها ولصغارها ، فتذهب في الصباح الباكر ، عند بزوغ الشمس ، ولا تعود إلا وهي شابعة من فضل الله تعالى ، وتعود بالرزق لصغارها ، لتطعمهم إلى اليوم التالي وهكذا .
واعلم أيها المسلم أن التداوي لا ينافي التوكل على الله ، بل هو من التوكل على الله عز وجل ، واتخاذ الأسباب ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد تداوى وأمر بالتداوي .
فقد احتجم عليه الصلاة والسلام ، ورقاه جبريل عليه السلام .
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : " أمرنا رسول الله أن نتداوى من ذات الجنب بالقُسطِ البحري والزيت " [ أخرجه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ] .
واعلم أيها المسلم أن التداوي بالكي خارج عن التوكل على الله تعالى ، للحديث الذي أخرجه الشيخان ، أن سبعين ألفاً من هذه الأمة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وذكر منهم : " والذين لا يكتوون " .
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل " [ قال الشيخ الألباني : صحيح ] .
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي ، قال : فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا " [ أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني رحمه الله ] .
ثم اعلم أيها المسلم أن الكي منهي عنه ، عنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشِّفاءُ في ثلاثة : في شَرطةِ محجم ، أو شَربةِ عَسَل ، أو كيَّةٍ بنار ، وأنهى أُمَّتي عن الكيّ " [ أخرجه البخاري ] .
واعلم أن الكي لا يكون إلا بعد استنفاذ جميع الأدوية الأخرى ، فإن لم ينفع إلا الكي فلا بأس به بحيث لا يضر المريض ، وشهد بذلك من له خبرة في هذا المجال ، وإلا فلا يجوز الكي .

=================


الحادي عشر / بر الوالدين ، وصلة الرحم :
بر الوالدين وصلة الرحم من أعظم أسباب استجلاب البركة ، بركة العمر ، وبركة المال ، وبركة الوقت ، وبركة الأبناء ، وهكذا دواليك .
ثم إن البر والصلة متصلة بالله تعالى ، من وصل رحمه وصله الله ، ومن قطع رحمه قطعه الله تعالى .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " [ رواه البخاري
] .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة لوقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قال : حدثني بهن ولو استزدته لزادني [ متفق عليه ] .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ متفق عليه ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ رواه البخاري والترمذي ] ولفظه قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم ، محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " [ صححه الألباني رحمه الله ] ، ومعنى منسأة في الأثر : يعني به الزيادة في العمر .

=================

الثاني عشر / السحور :
السحور هو ما يأكله الصائم قبل طلوع الفجر الثاني ليتقوى به على صيام النهار ، وهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن في اتباعه عليه الصلاة والسلام أجراً وفضلاً وخيراً وبركة .
وقد بين الحبيب صلى الله عليه وسلم بركة السحور في حديث : " إن السحور بركة أعطاكموها الله فلا تدعوها " [ أخرجه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1636 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " [ متفق عليه ] .
وقال عليه الصلاة والسلام : " السحور أكله بركة ، فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " [ أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 3683 ] .‌

=================

الثالث عشر / الانتفاع بالدنيا بما يفيد في الآخرة :
الدنيا مزرعة للآخرة ، الدنيا دار مفر ، والآخرة دار مقر ، فيجب على المسلم أن يدرك هذه الحقيقة ، ويعمل في هذه الدنيا جاهداً راجياً ما عند الله تعالى من المثوبة والأجر ، يعمل في هذه الدنيا وهو ينتظر نهاية أجله في أية لحظة ، يعمل في الدنيا بصدق ويقين وإخلاص .
يعامل الناس بالحسنى والأخلاق الحسنة ، يريد وجه الله تعالى .
يجعل ثمرة هذه الحياة الدنيا للنجاة يوم القيامة برحمة الله تعالى ، وكم من الناس من علم هذه الحقيقة فعمل لها ، فمات ميتة حسنة ، وكم من الناس من غفل عنها ، فأتته منيته في أسوأ حال ، ساجداً لعاهرة ، أو معاقراً لكأس خمر ، أو شارباً لمسكر ، أو متعاطياً مخدر ، أو زانيا ً أو لوطياً ، وهلم جراً من الفواحش والآثام .
فمن أراد بركة الدنيا وخيرها في الآخرة ، فليعمل عملاً صالحاً ، ولتكن غايته رضا ربه وخالقه ، فينتفع بما يأخذه من الدنيا بالتنمية ، وفي الآخرة بأجر النفقة [ فيض القدير6/3277 ] .
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قالَتْ : قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، فَمنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بَارَكَ اللّهُ لَهُ فِيهَا ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مَالِ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ رواه الطبراني بإسناد حسن ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1592 ، وفي صحيح الجامع 1/3410 ] .
وَعَنْ عَبْدِ اللْهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولَ : " إن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بَارَكَ اللّهُ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ النَّارُ " [ رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات وصححه الألباني في صحيح الجامع وهو في الصحيحة 4/123 ] .
وكم من الناس من فقدوا البركة لأنهم أخذوا الأموال من الحرام ، وساهموا بها في الحرام ، وأنفقوها في وجوه الإثم والعدوان ، فكانت النتيجة محق لبركة المال ، واستمتاع الزوجة به والأولاد بعد ممات وليهم ، ثم يحاسب على ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه .
فليحرص العبد جاهداً أن يكون ماله حلالاً ، ولا يأكل إلا حلالاً ، ولا يُطعم ماله إلا تقي نقي ، فهناك البركة والخير العظيم .
فمن أخذ هذه الدنيا بحقها ، وعلم أن لله فيها حقاً ، وأنفق وتصدق ، فهذا مبارك له في ماله وعمره وولده ووقته .
قال تعالى : { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [ الروم 6-7 ] .
نعم والله ، كم هي الغفلة والإعراض عن دين الله عز وجل ؟
وكم هم الناس الذين لا يعلمون من الدنيا إلا معايشها من التجارة والزراعة والبناء والغرس وغير ذلك ، أما الآخرة فهم عنها غافلون .
ربما يم يدركوا أن هناك حساب وجزاء ، وأن هذه الدنيا دار إمهال ، وليست دار إهمال ، الدنيا دار عمل لا حساب فيها ، والآخرة دار حساب لا عمل فيها .

=================

الرابع عشر / اتخاذ الغنم :
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ فقال : " توضؤوا منها " وسئل عن لحوم الغنم ؟ فقال : " لا تتوضؤا منها " وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل ؟ فقال : " لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين " وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ فقال : " صلوا فيها فإنها بركة " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني 1/133] ، وفي رواية : " اتخذوا الغنم فإنها بركة " [ صحيح انظر حديث رقم: 82 في صحيح الجامع ] .
وقال عليه الصلاة والسلام : " الإبل عز لأهلها ، والغنم بركة ، والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة " [ أخرجه البيهقي عن عروة البارقي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2760 ، وحديث رقم 4181 ] ‌. ‌

=================

الخامس عشر / سور البقرة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران ، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف ، يحاجان عن أصحابهما ، اقرءوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة _ السحرة _ " [ أخرجه مسلم ‌ ] .

=================

السادس عشر / تيسير المهر :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعظم النساء بركة ، أيسرهن مئونة _ أي مهراً وتكلفة _ " [ أخرجه أحمد وضعفه الألباني رحمه الله ] .‌

=================

السابع عشر / أكل التمر :
عن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أفطر أحدكم ، فليفطر على تمر ، فإنه بركة ، فإن لم يجد فليفطر على ماء ، فإنه طهور " [ رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي ، وصححه الألباني رحمه الله ، ولم يذكر فإنه بركة غير الترمذي ] .

=================

الثامن عشر / السلام على الأهل :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم ، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك " [ رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، وقال الألباني : حسن لغيره ] .

=================

التاسع عشر / الحجامة :
أخرج البيهقي وابن السني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحجامة على الريق أمثل ، وفيه شفاء وبركة ، وتزيد في العقل ، وفي الحفظ ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس ، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحرياً ، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء ، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء ، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء ، فإنه اليوم الذي ابتلي فيه أيوب ، وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء ، أو في ليلة الأربعاء " [ حسنه الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع برقم 3169 ] .

=================

العشرون / ماء السماء :
والمقصود به ماء المطر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أنزل الله من السماء من بركة ، إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الله الغيث فيقولون : بكوكب كذا وكذا " [ رواه مسلم ] .
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " .
هذا ما تيسر لي كتابته في هذا الموضوع الذي أراه من الموضوعات القيمة المهمة التي ربما غفل عنها كثير من الناس اليوم ، لأن موضوع البركة في الأعمار والأرزاق والأوقات من أهم ما ينبغي للمرء أن يعتني به ويهتم ، وهذا جهد المقل ، فما كان من صواب فمن الله وحده ، وله الحمد على توفيقه وإرشاده ، وما كان غير ذلك فأستغفر الله منه ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه وتوكلت وإليه أنيب ، والله يتولى الضمائر ، ويعلم السرائر ، وهو الغفور الرحيم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية