صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة استقبال شهر الغفران

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتوحِّد بالعزة والجلال ، المتفرد بالقوة والكمال ، أحمده تعالى وأشكره على سَوابِغ الفضل والنوال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال ، وأشهد أنَّ نبينا وسيدنا محمّدًا عبد الله ورسوله عظيم السجايا شريف الخصال ، ندَب أمّتَه إلى صيام رمضان وقيام الليال ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل ، الذين طهروا العقول من الأوهامِ والضّلال ، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقَب شروق وزَوال

، أما بعد : فأوصيكم عبادَ الله ونفسي بتقوى الله ، فهي أربَح بضاعَة ، واستقيموا على أعمالِ الخير والطّاعة ، إلى أن تقومَ السّاعة ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
أيها المسلمون : إن المتأمل في واقع كثير من الناس ، في ظل المتغيرات المتكاثرة ، والتحديات المتناثرة ، والركام الهائل من المصائب والبلايا ، والنوازل والرزايا ، ليلحظ بوضوح أن كثيرًا من النفوس المسلمة ، توّاقة إلى تحصيل ما يُثبت قلوبها ، ويطفئ ظمأها ، ويسقي زرعها ، ويجلو صدأها ، فهي أحوج ما تكون إلى احتضان ضيف كريم ، يحمل في جنباته مادة النماء ، وبين طياته لحظة الصفاء ، فهي مشرئبّة لحلوله ، لتسكب العبرات ، لتقال العثرات ، في مظاهر حية من مقل ملئ بالدموع ، ووجوه بيضاء من السطوع ، تطرح همومها وكدَّها ، وغمومها وكدحها ، عند أول عتبة من أعتابه ، بعد أحداث مترادفة ، ومنغصات متلاحقة ، فما أحوج الناس ، إلى حلول

شهر الصيام والإيناس ، والقيام والاستئناس ، ما أحوجنا إلى استلهام حكم الصيام ، والاستفادة من معطياته ، والنهل من معين ثمراته ، ومورد خيراته ، شهر ضياء المساجد ، شهر الذكر والمحامد ، شهر البعد عن ملذات البطون ، وشهوات الفروج ، والعقول والأفئدة ، والتي شرع الصيام لأجل تضييق مجاريها في النفوس ، فرمضان فرصة كل تائب ، وعبرة كل عائد وآيب ، فليس مقصود الصيام ، الإمساك عن الشراب والطعام ، بل مقصوده تقوى الملك العلام : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، فها هو هلال رمضان قد حلَّ ، ووجه سعدِهِ قد طلَّ ، رمضان منحةُ ربّانية ، وهبةُ إلهية ، قال صاحب الذات العلية : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
عباد الله : لقد أظلّنا موسم كثير الفضائل ، عظيم الهبات والنَّوَائل ، أتاكم شهرُ المرابح ، فاكبحوا الشهوات بشتى المكابح ، ها هو رمضان قد هلَّ هلاله ، وخيّم ظلاله ، وهَيْمَنَ جلاله ، وسَطَع جماله ، زائرٌ زاهر ، بالخيرات زاخر ، شهر عاطر ، فضله ظاهر ، ونوره باهر ، فلا ترى فيه إلا عابداً يركع ، وقارئاً يرتّل ويخشع ، يرقُّ قلبه ويدمع ، فاسألوا الله أن يبلغكم شهر رمضان ، وادعوه أن يؤخَّركم إليه ، ويمكَّنكم منه ، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهر فما بلغه ، وكم من مؤمِّل إدراكَه فما أدركه ، فاجأه الموت فأهلكه ، اللهم بلغنا رمضان ، واجعلنا ممن يصومه احتسابنا وإيماناً ، نعمة منك وامتناناً .
عباد الله : أيام رمضان ولياليه ، نفحاتُ الخير والغفران ، ونسائم الرحمة والرضوان ، فما ألذّها من أيام وأزمان ، معطّرةً بذكر الرحيم الرحمن ، ليال التهجد والتراويح ، والأذكار

والتسابيح ، لها في نفوس الصالحين بهجة ، وفي قلوب المتعبدين فرحة ، ما أجملها من ليالٍ منوّرةً بابتهالات الراغبين ، وحنين التائبين ، فكونوا فيه من الصائمين الصادقين ، العابدين الوجلين ، ولا تنكصوا على أعقابكم بعد يوم أو يومين ، ففي أوله نشاهد زحمة المصلين ، وكثرة المرتادين ، وما هي إلا ليال معدودات ، وأيام معلومات ، حتى تقل الصفوف ، ويضجر الألوف ، فما هكذا يكون التعبد ، بل شمروا عن سواعد الجد والتهجد ، ولتكن آخر ليلة منه كأول ليلة ، أليس لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل أسوة ، وأعظم قدوة ، فلقد كان يتعبد في العشر الأواخر منه أكثر من أوله ، والزموا المساجد ، صلوا مع الأئمة حتى تنقضي الصلاة ، فبذلك تحوزوا الأجر ، مدى الدهر ، فهل يعقل أن تودَّع صالحَ الأعمال والقُرُبات ، والذّكر وعاطِر التّلاوات ؟! بعد أيام من بدء الشهر وبلوغه ؟ كلاّ وكلاّ ، فعجيب والله أن الهمم عن ربها فاترة ، والعزائم عن الجنة قاصرة ، في مظهر ذل

للشيطان ، واستكانة للعصيان ، فترى بَعضَهم إذا أقبلَ رمضانُ صام واستقام وتعبَّد وتنسَّك ، وإذا انقضى منه أيام تكاسل وتهتَّك ، غَيرَ وجِلٍ ولا آسفٍ ، كرمادٍ اشتدَّت به الريحُ في يومٍ عاصِف ، فهل هذا من العقلِ في قليل أو كثير ، فضلاً عن شِرعةِ الحكيم الخبير ؟! شتّان بين من حظُّه من شهرِ رمضان الغفران ، والعِتق من النيران ، وبين من كان حظّه الخسران والخذلان ، ألا فلتكن أيام رمضان جملة واحدة ، لا تبديل فيها ولا تغيير ، ولا سآمة ولا تفريق ، وحسبكم من رمضان أن أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، اللهم بلغنا شهر الذكر والاعتبار ، واجعلنا فيه من العتقاء من النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار .
عباد الله : شهر رمضان ، شهر الجود والإحسان ، شهر الصدقات ، وإخراج الزكوات ، وتفقد المحتاجين والمنكسرين ، والفقراء والمعوزين ، تذكروا بجوع النهار ، جوع المساكين واليتامى ، وظمأ الأرامل والثكالى ، فجودوا مما به

عليكم أفاء ، تتظللوا الأفياء ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، فجودوا بالفضل من أملاككم تنعموا ، وأخرجوا زكاة أموالكم تغنموا ، { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا " [ رواه أحمد وهو صحيح لغيره ] .
معاشرَ المسلمين : ذلكم شأنُ شهر رمضان ، خيرُ مكنز للحسنات ، وأعظم مغنم لتكفيرِ السيئات ، ولكن مع شديدِ الأسَى والأسف ، ضلَّ أقوامٌ عن مسالك الرّشاد في أيّامه المباركة ، فصاموا عن الطعامِ والشراب ، وما صاموا عن فضائيَّات الخلاعة والمجونِ ، ومشاهدة مناظر العفن والفتون ، ومجالِس الغيبة والنميمةِ والبهتان ، التي تُعَدّ أعتَى مِقراض ، لفَريِ الأعراض ، فيا الله ، لقد هتَكوا حجابَ الفضيلة هتكًا ، وسفكوا حرمَة شهرِ القرآن سفكًا ، ألا وإن من المخزِيات المشينات ، أنّ كثيرًا من الأفراد والأسر ، قد

ثبت وتسَمَّرَ ، على تلك الموائِدِ الوبِيئَة ، وحول القنوات الدنيئة ، دونَ ارعواءٍ أو خجَل ، أو خوف أو وجل ، فأين آثارُ الصيام ؟! وأين أنوارُ القيام ؟! ومَع كَونِ شياطين الجن تصفَّد في شهر الغفران ، إلا أن كثيراً من شياطين الإنس تتفلت في رمضان ، فما بالهم لا يُصفدون مع إخوانهم ؟ فهذه القنوَات لا تجِد رواجًا لها إلاّ في عز ليالي رمضان ، في سِباقٍ محموم ، وطرحٍ مَسموم ، تعرض من خلاله الهابط من المسلسلات ، والرخيص من المشاهدات ، وكل ما يلهي عن الصلوات ، في أشرف الأوقات ، وكأنهم يدعون الناس إلى البعد عن دين الله القويم ، وصراطه المستقيم ، فلاَ يليق بزمانٍ فاضل وأمّة واعيةٍ ، أن تركن لأعدائها كراهية أو طواعية ، فعجباً لأولئك مَتى يَستفيقون من رَقدَتهم ، ويَنهَضون من كَبوتِهم ، وهَذا شهرُ النّفَحاتِ والهِداياتِ ، والانتصارات والفتوحَاتِ ، يفصلهم عنه سويعات ، وفِئامٌ لا يَزالونَ وراء غَفَلاتهم لاهثين ، وعَن مجدِ أمَّتِهم لاهِين ، فرُحماك ربَّنا رُحمَاك ، أما يكفِي واعظاً

، ويُغني رادِعًا ، قولُه جل وعلا : { وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } .
فيا شديدَ الطَّول والإنعامِ
إليك نَشكو محنَةَ الإسلامِ
عباد الله : ما كثرة الكسوف والخسوف ، إلا زجر من الله لعباده وتخويف ، ألم تطرق أسماعكم آية الإسراء ، في أعظم نسق وبناء ، حيث قال رب الأرض والسماء : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } ، فاحذروا الذنوب القواصم ، فما لكم من الله من عاصم ، فاتَّقوا الله تعالى أيَّها المسلمون ، واستقبِلوا شَهرَكم بالتّوبَةِ والاستغفار ، وهجرِ الذنوب والاغترار ، استقبلوا شهركم بردِّ المظالِمِ ، والبعد عن المآثم ، وإخلاصِ العِبادَة لله وحدَه ، واتِّباع السّنّة ، والعَزيمةِ المقرونةِ بالهمَّةِ ، للظَفَر بخير هذا الشّهر الكريم ، وإظهارِ الفرَح والاستبشار به ، والحذَرِ من التذمُّر والتسخُّط منه : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ، اللهمّ اسلُك بنا سبيلَ المتقين الأبرار ، واجعلنا من صَفوةِ

عبادك الأخيار ، ومُنَّ علينا جميعًا بالعِتقِ من النار ، برحمتك يا عزيز يا غفّار ، أقول قولي هذا ، وأستغفِر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إن ربي غفور رحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله يمنُّ على عباده بمواسم الخيرات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب البريات ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بكريم السجايا وشريف الصفات ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات . . . أما بعد :
فيا أيها المسلمون : مواسمُ الخيرات أيام معدودات ، مصيرها الزوال

والفوات ، فاقصروا عن التقصير ، في هذا الشهر القصير ، وقوموا بشعائره التعبدية ، وواجباته الشرعية ، وسننه المروية ، وآدابه المرعية ، و: " لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر " ، فلا تعجلوا بالفطر قبل تحقق الغروب ، واعلموا أن : " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " ، فتسحَّروا ولو بجرعة ماء ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات ، حسا حسوات من ماء ، وكان إذا أفطر صلى الله عليه وسلم قال : " ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله " ، و : " من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه ، فإنما أطعمه ربه وسقاه " ، ولا كفارة عليه ولا قضاء ، و: " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمداً فليقض " ، ويفطر من استمنى لا من احتلم ، و : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ، و: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما

تقدم من ذنبه " ، و : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " ، و : " من فطَّر صائماً كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " ، " وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم " ، و : " عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم " فحوزوا الغنائم يا أهل العزائم ، فهذا هو شهر المغانم ، فكونوا فيه ما بين ساجد وقائم ، اللهم بلغنا شهر رمضان ، واعتقنا فيه من النيران .
أيها المسلمون : احذروا الفطرَ قبل تحلة صومكم ، ووقتِ فطركم ، واحذروا انتهاكَ حرمة نهار شهركم ، بالفطر بلا عذر شرعي ، أو حق مرعي ، فلقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم معلَّقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قال : من هؤلاء ؟ قال جبريل عليه السلام : " الذين يفطرون قبل تحلة صومهم " [ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ] .

أيها المسلمون : على المرأة المسلمة إذا شهدت العشاء والتراويح ، أن تجتنب العطور والبخور ، ولباس الزينة والسفور ، أو تقليد نساء الكفرة والفجور ، هكذا دعا الرحيم الغفور ، فقال الحليم الشكور : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } ، وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ " ، وعَنْ زَيْنَبَ الثقفية قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيباً " [ رواه مسلم ] ، ولا يمنع الرجل زوجته بيوت الله إذا طلبت ذلك ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " ، ولتحرص المرأة المسلمة ألا تأتي بالأطفال إلى المساجد ، لما يسببونه من إيذاء الراكع والساجد .
أيها المسلمون : إن مما يؤسِف الناظر ، ويُحزن الخاطر ، ظاهرة

الإسراف في المآكل والمشارب في شهر رمضان ، زيادة على قدر الحاجة ، وإكثار على مقدار الكفاية ، في صورة من النهمٌ المُعِرّ ، والشرهٌ المضرٌّ ، بطنةٌ مورثة للأسقام ، مفسدة للأفهام ، وبطر وأشر ، وضرر وخطر ، حمل الكثير إلى رمي ما زاد ، من الأكل والزاد ، في النفايات والزبالات ، مع المهملات والقاذورات ، بيد أن هناك أكباداً جائعة ، وأُسرًا ضائعة ، تبحث عما يسدّ جوعَها ، ويروي ظمأها ، ويكسو عُراها ، فاتقوا الله عباد الله ، فما هكذا تُشكر النعم ، وتستدفَع النقم ، لاسيما والمعيشة في غلاء ، والحياة كد وعناء ، { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } ، { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا } ، وعليكم بالتوسط والاعتدال ، فالتوسط غير ملوم ، والاعتدال غير مذموم ، { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً } ، هذه بعض الوصايا ، في استقبال شهر الهدايا ، مبذولة لكم معاشر البرايا ، ثم صلّوا وسلّموا على

صاحب الحوض والشفاعَة ، ومن أوصى بلزوم السنّةِ والجماعَة ، نبيِّنا محمّد بن عبد الله ، أظهر الناس بِشرًا وأُنسًا ، وأنداهم خلُقًا ونفسًا ، كما أمركم ربُّكم بذلك جنًّا وإنساً ، فقال الأعلى مكانة وقدساً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك وأنعِم على سيّد الأوّلين والآخرين ، ورحمةِ الله للعالمين نبيِّنا محمّد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، وصحابته الغرِّ الميامين ، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا أجود الأجودين ، ويا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين ،

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأييدك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة ، وجنبه بطانة السوء الطالحة ، اللهم وفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحبه وترضاه ، اللهم أيدهم بالحق ، وأيد الحق بهم يارب العالمين ، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك ، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك ، حرباً على أعدائك ، بكرمك ومنك ، اللهم إنا نسألك الجنة ، ونعوذ بك من النار ، يا عزيز يا غفار ، اللهم بلغنا شهر رمضان ، ومنَّ علينا بالتوبة يا منان ، اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وذرياتنا من النار ، يا كريم يا ودود ، اللهم عليك بأعداء الملة والدين ، من اليهود والنصارى المعتدين المحتلين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم رحماك بإخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ، ومعيناً وظهيراً ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا

عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية