صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة رمضان شهر التوبة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خلق الخلق لعبادته ، وشرع الصوم لأسرار بحكمته ، وعد من أطاعه بجنته ، وتوعد من عصاه بعقوبته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه وملكوته ، شمل الكون برحمته ، وعم الخلائق بمغفرته ، وأسبغ النعم بمنته ، فله الحمد والشكر لا نحصي ثناءً على نعمته ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، جميل في هيئته ، بهي في خلقته ، صادق في نصيحته ، أفضل من اختاره ربه من صفوته ، أرسله ربه بشيراً ونذيراً لأمته ،

صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحابته ، ومن تبعهم بإحسان وتمسك بسنته ، ومن اقتفى أثرهم إلى دار كرامته . . أما بعد : فيا عِبادَ الله ، خيرُ ما استقر في الجَنان ، ونطق بهِ اللّسان ، الوصية بتقوى المولى الرحيم الرّحمن ، فاتَّقوا الله يا أهل الصيام والقرآن ، فالتقوى سبيل الجنان ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
عباد الله : في ظل سابغ العطاء ، ووارف الآلاء ، من رب الأرض والسماء ، يتمتع المسلمون بأيام شهرهم العظيم ، وضيفهم المبجَّل الكريم ، ضيفٌ بالخيراتِ جَميم ، وبالفضائلِ عَميم ، غمَر الكونَ بضِيائه ، وعمر القلوب بحبِّه وبهائِه ، وعطر الأسماع بقرآنه وسنائه ، شهرٍ تفيضُ أيّامه بالقرُبات والسرور ، وتنيرُ لياليه بالآيات المتلوَّات والنور ، موسِمٌ باركَه الرحمن ، وخلَّده القرآن ، { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } ، هذا هو شهر رمضان المبارك ، يقترب

المسلمون فيه إلى مرضاة الله جل وعلا ، ويتنافسون في عبادته ، ويقتربون فيه من رحمته ، إنه شهر حافلٌ بالطاعات ، مفعم بالقربات ، جعَلَه المولى لعباده شهراً للتوبة والندم على ما فات ، من الذنوب والزلات ، شهر تسكب فيه الدموع ، وترى فيه الخضوع والخشوع ، ليقبل العباد على ربهم ، ويعودوا إلى خالقهم ، ويتوبوا من ذنوبهم ، فاللهم لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان ، وعلمتنا الحكمة والقرآن .
معاشر المسلمين : كُتِبَ على ابن آدم حظه من المعاصي والذنوب ، مدرك ذلك لا محالة ، فمستقل ومستكثر ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " [ رواه مسلم ] ، فسبحان الله ما أعظمه ، سبحانه ما أكرمه ، سبحانه ما أحلمه ، عظيم كريم ، غفور رحيم ، فتح لعباده باب الغفران ، والتوبة

والإحسان ، وامتن عليهم بمواسم تكفير السيئات ، وزيادة الحسنات ، ورفع الدرجات ، وإقالة العثرات : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، فها هو شهر التوبة ، والعودة والأوبة ، فيا من عصيت الله في كل الأحوال ، ها هو شهر القبول والنوال ، فلا يعقل أن يمر شهر رمضان دون إحداث توبة جدية ، وعودة حميدة ، وترك للهوى والشهوات ، ورجوع صادق إلى رب البريات ، لابد من تغير الحال في شهر رمضان ، فلا يمرن شهركم إلا وقد أريتم الله من أنفسكم خيراً ، فلا يكن الحال قبل رمضان ، كما هو في رمضان ، بل شمروا عن سواعد الجد والاجتهاد ، والمجاهدة والجهاد ، ومقاومة عدوكم اللدود ، إن الشيطان يقعد لكم كل مقعد ، ويرصد لكم كل مرصد ، ليوقعكم في الذنوب والخطايا ، والآثام الرزايا : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ

أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } ، فمن لم يتب في شهر التوبة ، فمتى سيتوب ، ومن لم يندم في شهر رمضان فمتى سيئوب ؟ هاهو شهر رمضان ، قد غلقت فيه أبواب النيران ، وفتحت فيه أبواب الجنان ، وصفدت فيه مردة الجان ، وكبت فيه الشيطان ، ها هو باب التوبة قد فتح ، فليدخل فيه التائبون ، { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } ، رمضان ! شهر تغسل فيه الحوبات ، وتنبذ فيه الخطيئات ، فلا يخرجن هذا الشهر إلا وقد تبدلت الطباع ، وتغيرت الأوضاع ، وظهر أثر رمضان على الظاهر والباطن ، هكذا نستلهم منه العبر ، ونجني الدرر ، من شهر البكاء والعبرات ، والندم على ما فات ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، يا عالم الخفيات ، يا مجيب الدعوات .
أيها الصائمون : التّوبةُ خضوعٌ وانكسَار ، وتذلُّل واستغفارٌ ، واستِقالَة

واعتِذار ، وابتِعاد عن دواعِي المعصيةِ ، ونوازِع الشرِّ ، ومجالس الفِتن ، وسُبُل الفساد ، وأصحابِ السّوء ، وقرَناء الهوى ، التوبةُ صفحةٌ بيضاء ، وطهر ونقاء ، وخشيَة وصفاء ، وإشفاق وبكاء ، وتضرُّع ونداء ، وسؤالٌ ودعاء ، وخوفٌ وحياء ، التوبة خجَل ووَجل ، وعودة ورجوع ، وانكسار وخضوع ، وندم ونزوع ، وإنابةٌ وتدارك ، وخوف من المهالك ، التوبة يا عباد الله نجاةٌ من كلّ غمّ ، ووقاية من كلّ همّ ، وظفَرٌ بكلِّ مطلوب ، وسلامةٌ من كلّ مرهوب ، بابُها مفتوح ، وخيرُها ممنوح ، ما لم تغرغِر الروح ، قال صلى الله عليه وسلم قال اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ " [ أخرجه مسلم ] ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً ، فاغفر لنا الذنوب ليلاً ونهاراً ، يا من لا يزال تواباً وغفاراً
أيها الأخوة في الله : يا له من فضلٍ عظيم ، وعطاء جسيم ، من ربٍّ كريم ، وخالقٍ رحيم ، أكرمنا بعفوِه،

وغشَّانا بحِلمِه ومغفرتِه، وجلَّلنا بسِتره، وفتح لنا بابَ توبته ، يعفو ويصفَح ، ويتلطَّف ويسمَح ، وبتوبةِ عبدِه يفرَح ، { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } ، { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ } ، " يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النّهارِ، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها " [ رواه مسلم في صحيحه ] ، فأكثروا ـ عبادَ الله ـ من التوبةِ والانكسار ، والتذلل والاعتذار ، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكثِر من التّوبةِ والاستغفار ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : " ما رأيتُ أكثرَ استغفارًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه أحمد ] ، يقول صلواتُ ربي وسلامه عليه : " والله إني لأستغفِر الله وأتوب إليه في اليومِ أكثرَ من سبعين مرة " [ أخرجه البخاريّ ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإني أتوب في اليومِ مائة مرّةٍ " [ أخرجه مسلم ] .
أيّها المسلمون : هذه التوبةُ قد شُرِعت أبوابُها ، وحلَّ زمانها ، ونزل

أوانُها ، فاقطعوا حبائلَ التسويف ، وهُبّوا إلى الرحيم اللطيف، { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }، وإياكم وطول الأمل ، والتواني والكسل ، فالموت يفجأ الأجل ، والقبر صندوق العمل ، { وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }، وعن عبد الله بن عمَر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ اللهَ عزَ وجلَ يقبَل توبة العبدِ ما لم يغرغِر " [ أخرجه الترمذي ] ، ألا لا تغترّوا بعيشٍ لا يدوم ، وأمل معدوم ، وتوبوا إلى الله عزّ وجلّ من كبائر الذنوب ، وفادحات الخطوب ، لتغفر لكم الصغائر والعظائم ، قال تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } ، ألا فاحذروا عباد الله الظلم والجور ، وتوبوا على الفورِ ، وإياكم والإصرار ، وتوبوا إلى العزيز الغفار ، وأحدِثوا توبَةً

لكلّ الذنوب التي وقعت ، وتوبوا من المعاصِي ولو تكرَّرت ، { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، فيا عبدَ الله ، لا تكن ممّن استغفِر الله بلسانِه ، وقلبُه مصِرٌّ على المعصيةِ ، وهو دائمٌ على المخالفة ، وليكن الاستغفارَ باللسان ، موافقاً الجَنان ، مقروناً بصلاح الجوارِحِ والأركان ، { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، فأقبِلوا على الله بتوبةٍ نصوح وإنابة صادقة ، وقلوبٍ منكسرة ، وجِباه خاضِعة ، ودموعٍ منسكِبة ، فأنتم في شهر التوبة ، والإحسان والكرامة ، اللهمّ لك الحمد أن بلِّغتنا شهرَ رمضان ، ومننت علينا فيما مضى منه بالصوم والقيام وتلاوة القرآن ، اللهم ارزُقنا فيه توبةً نصوحاً ، تُمحَى بها الأوزار ، ونرتقي بها إلى منازلِ الأبرار ، يا عزيز يا غفّار ، اللهم انفعنا بالنور المبين ، وبهديِ سيِّد

المرسلين ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، فيا فوز التائبين والمستغفرين .

الخطبة الثانية
الحمد لله تاب على من تاب ، وقبل من رجع وأناب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد التواب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب ، اللهم صل عليه كل غدو وإياب ، وصل عليه كلما لاح نجم وغاب ، وعلى آله وأزواجه والأصحاب ، والتابعين ومن تبعهم وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الحساب . . أما بعد : فاتقوا الله رحمكم الله ، اتقوا الله في ما ظهر واستتر ، وكونوا خير من صام وقام واستبشر ، وأصلحوا من

أنفسكم المظهر والمخبر ، تحوزوا عظيم الأجر وأكثر .
عباد الله : إلى من يلجَأ المذنِبون؟! وعلى من يعوِّل المقصِّرون؟! وإلى أيِّ مهرَب يهربون؟! والله تعالى يقول : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، أين المفر ، وإلى الله المستقر ، إلى أين الهروب ، وإلى الله جميع الدروب ، وأنِّى وكيف ومرجِع العباد ، إلى الله يومَ المعادِ ، { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، يا الله ما أفرح الله عز وجل بتوبة عبده ، ورجوع أمته ، فيا أيها التائبون أنتم أحباب الرحمن ، قال الكريم المنان : { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ، أيها التائبون الصادقون ، هنيئاً لكم غفران الذنوب ، وتكفير السيئات ، إذا خلصت النية ، وصدقت العزيمة ، وصلحت الأعمال ، { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ، أخرج ابن ماجة وقال الألباني حديث حسن صحيح من

حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ ، ثُمَّ تُبْتُمْ لَتَابَ عَلَيْكُمْ " ، فبشراكم عباد الله بشراكم ، في أولاكم وأخراكم ، ولا تيأسوا من روح الله ، ولا تقنطوا من رحمة الله ، وسيروا بمشاعل الإيمان والهداية ، والتوفيق والرعاية ، فأنتم في شهر المنح الإلهية ، والبشائر الربانية ، في المسند وصححه الألباني عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ : بِعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لاَ أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتِ الأَرْوَاحُ فِيهِمْ ، فَقَالَ اللَّهُ : فَبِعِزَّتِي وَجَلاَلِي لاَ أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي " ، فاستغفروا الله العظيم الكريم ، الغفور الرحيم ، يغفر لكم ذنوبكم ، وإسرافكم في أمركم ، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
أيها الأخوة في الله : ها هي العَشرُ الأولى من رمضان ، قد انقضت وفارقتنا ، وأقبلت علينا عشرُ الثانية

وعانقَتنا ، ألا فجِدُّوا وأنيبوا ، وعن الشّرّ أقصِروا وتوبوا ، فها هو الشهرُ الكريم كادَ أن ينتَصِف ، وكثيرٌ منّا من نفسِه لم ينتَصِف ، واحذروا يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام ، وتشهد عليكم الليالي والأيام ، وكل وقت ومقام ، { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } ، فهاهي الفرص سانحة ، والعطايا مانحة ، فاستغلوا ما بقي من شهركم ، واعملوا صالحاً تغنموا ، قبل أن تندموا وتغرموا : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } .
أمـا والله لـو عـلـم الأنام لمـا خـلـقوا لما غفلوا وناموا
لـقـد خـلـقوا لما لو أبصرته عـيـون قـلوبهم تاهوا وهاموا
مـمـات ثم قـبـر ثم حـشر وتـوبـيـخ وأهـوال عـظام
فيا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي،يا شموس التقوى والإيمان اطلعي،يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي،يا قلوب الصائمين اخشعي،يا أقدام

المتهجّدين اسجدي لربك واركعي،يا ذنوب التائبين لا ترجعي،تقبّل الله منّا ومنكم الصيامَ والقيام،وأدام علينا الخيراتِ في مستقبل الأيّام،إنه جواد كريم،هذا وصلّوا وسلموا رحمكم الله،على النبيّ المجتبى،والرسول المصطفى،والحبيب المرتضى،سيّدِ الأنام،خير من صلّى وصام،وتهجّد لله وقام،كما أمركم بذلك المولى الملك العلاّم،فقال تعالى قولاً كريمًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيد الأولين والآخرين ، ورحمة الله للعالمين ، نبِيّنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الغر الميامين،وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين،وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين،اللهم أعز الإسلام والمسلمين،وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين،واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين،اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا،وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا،اللهم إنا نعوذ بك من

الغلاء والوباء،والربا والزنا،ونعوذ بك من المحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن،يا حي يا قيوم،اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،والمسلمين والمسلمات،الأحياء منهم والأموات،اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين،اللهم إنا نسألك رضاك والجنة،ونعوذ بك من سخطك والنار،ربنا آتنا في الدنيا حسنة،وفي الآخرة حسنة،وقنا عذاب النار،عباد الله:اذكروا الله ذكرًا كثيرًا،وسبحوه بكرةً وأصيلاً، وأقم الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية