اطبع هذه الصفحة


كيف تفوز بمحبة الله عز وجل

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الكبير المتعال ، أحمده على كل حال ، وأعوذ به من حال أهل النار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال ، وبه تعلق الآمال ، إليه المآل ، وإليه تشد الرحال ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
محبة الله عز وجل للعبد غاية المنى ، والمطلب الأسمى ، والمرغوب الأسنى ، فمن حاز حب الله له ، فقد حُفظ ، ووقِي ، وكُفي ، وهُدي ، لأن الله يحبه ، وسوف يسدده ، ويحفظه من الانحراف والخطأ والزلل ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ ، نَادَى جِبْرِيلَ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ " [ متفق عليه ] .
فما أعظمها من محبة ، ويا لها من آثار طيبة كثيرة ، وثمار يانعة وفيرة ، وطوبى لمن استحق هذه المحبة الربانية ، اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .

وطرق الوصول إلى محبة الله كثيرة ، منها ما يختص بالأعمال ، ومنها ما يختص بالأقوال ، ومنها ما يتعلق بهما جميعاً ومنها :
1- اتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل ذلك :
قال الله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آل عمران31 ] .
ولهذا جاء التحذير من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في النصوص الشرعية ، تارة بنفي الإيمان ، وتارة بدخول النار والعياذ بالله :
قال تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ النساء65 ] .
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك , ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك , ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك , وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً , فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم .
قال ابن كثير رحمه الله 2 / 349 : " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ؛ وإذا حكموك ، فإنهم يطيعونك في بواطنهم ، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن ، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " [ رواه البغوي في شرح السنة وصححه النووي رحمه الله ، وضعفه الألباني رحمه الله ] . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " [ رواه مسلم ] .
2- التقوى والإنفاق الخفي ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران76 ] .
وعن سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ " [ رواه مسلم ] .
فالتقوى من أعظم ما يتواصى به الموصون ، وأفضل ما يُذكر به المسلمون ، كيف لا يكون ذلك وقد وصانا به ربنا جل في علاه ، في قوله سبحانه : { وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } [ النساء131 ] .
ومعنى التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، وذلك بفعل الطاعات ، وترك المعاصي والمنهيات .
هذا وصف موجز يبين معنى التقوى حقيقة ، فهل نحن متقون ؟
هذا ما سوف يجيب به كل إنسان عن نفسه ، بينه وبينها لا يعلم أحد مخفاها إلا خالقها ومولاها ، لأنه سبحانه وتعالى مطلع على مكنون الضمائر ، وما تلمحه البصائر ، فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين ، يا رب العالمين .
3- ثلاثة أعمال يحب الله أصحابها ، ودليل ذلك :
عن أَبَي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُحِبُّ اللَّهُ ؟ قَالَ : " الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ ، فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لأَصْحَابِهِ ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سَرَاهُمْ ، حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الأَرْضَ ، فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّى حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ " ، قُلْتُ : وَمَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ ؟ قَالَ : " التَّاجِرُ الْحَلاَّفُ - أَوْ قَالَ الْبَائِعُ الْحَلاَّفُ - وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ " [ رواه أحمد ، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 3074 ] .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئة ، قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل ، فإما أن يُقتل ، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ؟ والذي له امرأة حسنة ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، فيقول : يذر شهوته ويذكرني ، ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر ، وكان معه ركب فسهروا ، ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراء وسراء " [ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن ، وهو في صحيح الترغيب والترهيب ، وفي الصحيحة ج7 ] .
4- صفات يحب الله أهلها ، ودليل ذلك :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : " مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ : فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ ، فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ، وَإِنَّ مِنَ الْخُيَلاَءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ ، فَأَمَّا الْخُيَلاَءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ ، وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ ، وفي رواية : " في الفخر " [ أخرجه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني رحمه الله في الإرواء 7/58 ] .
فالغيرة في الريبة أي يكون في مواضع التهم والشك والتردد بحيث يمكن اتهامها فيه كما كانت زوجته أو أمته تدخل على أجنبي أو يدخل أجنبي عليها ويجري بينهما مزاح وانبساط ، وأما إذا لم يكن كذلك فهو من ظن السوء الذي نهينا عنه .
وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح : " وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجال ، لضرورة امتناع اجتماع زوجين للمرأة بطريق الحل ، وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم ، إما بالزنا مثلاً ، وإما بنقص حقها وجوره عليها لضرتها وإيثارها عليها ، فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه ، فهي غيرة مشروعة ، فلو وقع ذلك بمجرد التوهم عن غير دليل ، فهي الغيرة في غيرة ريبة ، وأما إذا كان الزوج مقسطاً عادلاً ، وأدى لكل من الضرتين حقها ، فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء ، فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك " [ 9/326 ] .
5- الإحسان والمحسنين ، ودليل ذلك :
قال تعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ البقرة195 ] .
الإحسان منزلة علية ، وخير مطية يمتطيها العبد للصول إلى كمال العبوديات لربه عز وجل ، فالإسلام منزلة ، ثم يليه الإيمان ، ثم الإحسان ، وهو أعلى شأناً من الإسلام والإيمان .
كيف وصل الإحسان بصاحبه لهذه الدرجة ، تعالى وتأمل لتعرف ذلك .
عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً " قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ ؟ قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ ؟ قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا ، قَالَ : " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " ، قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ " [ رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ مسلم ] .
6- التوبة والتطهر ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة222 ] .
ويسألونك عن الحيض _ وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء جِبِلَّة في أوقات مخصوصة _ فهذا الدم أذى مستقذر يضر من يَقْرَبُه , فاجتنبوا جماع النساء مدة الحيض حتى ينقطع الدم , فإذا انقطع الدم , واغتسلن , فجامعوهن في الموضع الذي أحلَّه الله لكم , وهو القبل لا الدبر ، إن الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة , ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار .
7- الصابرون ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران146 ] .
وعد الله الصابرين بوعود عظيمة ، ونهايات سعيدة ، وقد جاءت الأحاديث مبينة ذلك الثواب العظيم ، والأجر الجليل .
8- التوكل على الله ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران159 ] .
وأخرج البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ، ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ ، قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا : نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ ، أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَقَالَ : " هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " ، فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا ؟ قَالَ : " سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ " .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصاً ، وَتَرُوحُ بِطَاناً " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
9- الحُكْمُ بالعَدْلِ ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [ المائدة42 ] .
هؤلاء اليهود يجمعون بين استماع الكذب وأكل الحرام, فإن جاؤوك يتحاكمون إليك فاقض بينهم, أو اتركهم, فإن لم تحكم بينهم فلن يقدروا على أن يضروك بشيء, وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل ، إن الله يحب العادلين .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا " [ رواه مسلم ] .
وجاء في الحديث الصحيح أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : " إمام عادل " .
فطوبى لمن عدل في حكمه ، واتخذ من كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم دستوراً ونبراساً يستضيء به .
وويل لمن لم يعدل في حكمه ، بل جار وظلم ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، وزاغ عن سبيل الحق ، ولم يحكم بشرع الله الذي بينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل تولى عنه واعتمد الدساتير الغربية الوضعية التي وضعها البشر ، وترك حكم رب البشر ، ونبي البشر صلى الله عليه وسلم ، فهذا مآله الهلاك والعياذ بالله .
10- صفات يحب الله من اتصف بها ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ المائدة54 ] .
ذكر الله عز وجل في هذه الآية صفات اتصف بها أهل الإيمان يحبها الله تعالى ، ويحب من اتصف بها ، ولهذا وعدهم بحبه لهم .
فمن يرجع عن شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويرتد عن دينه , ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك , فلن يضرُّوا الله شيئًا , وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه , صفاتهم : رحماء بالمؤمنين ، أشدَّاء على الكافرين , يجاهدون أعداء الله , ولا يخافون في ذات الله أحدًا ، وهذا الخير والإنعام مِن فضل الله ، يؤتيه من أراد , والله واسع الفضل , عليم بمن يستحقه من عباده .
11- الجهاد في سبيل الله ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف4 ] .
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان متراص محكم لا ينفذ منه العدو ، وفي الآية بيان فضل الجهاد والمجاهدين ؛ لمحبة الله سبحانه لعباده المؤمنين إذا صفُّوا مواجهين لأعداء الله , يقاتلونهم في سبيله .
12- حب الأنصار ، ودليل ذلك :
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَ الأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ " [ أخرجه ابن ماجة ، وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 5953 ] .
وعنه رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ " [ متفق عليه ] .
13- حب سورة الإخلاص ، ودليل ذلك :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ؟ ، فَسَأَلُوهُ فَقَالَ : لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ " [ متفق عليه ] .
سورة الإخلاص هي قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ {4} .
وقد جاء في فضلها ما يلي :
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ " قَالُوا : وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ ، افْتَتَحَ بِـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا ، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا : إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ، ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى ، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى ، فَقَالَ : مَا أَنَا بِتَارِكِهَا ، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ : " يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ؟ " فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّهَا ، فَقَالَ : " حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ " [ رواه البخاري ] .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها والكافرون في سنة الفجر ، وسنة المغرب ، وركعتي الطواف ، وفي ختام الوتر ، وفي صلاة الضحى .
14- أداء النوافل :
وأصِلُ وإياكم الآن إلى لُبِّ الكلام ، وصلب الموضوع ، وأساس هذه الرسالة .
فأقول :
النوافل كثيرة ، لا سبيل لحصرها ، لكن منها :
السنن الرواتب التي تكون قبل أو بعد الصلوات المفروضة ، وكذلك صوم التطوع ، وصدقة التطوع ، والحج والعمرة التطوعان ، وهما غير الفريضة ، وغير ذلك كثير .
وقد جاء الفضل العظيم لمن حافظ على النوافل ، وأنه بذلك يصل إلى محبة الله عز وجل ، ودليل ذلك :
أخرج البخاري في صحيح من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ قَالَ : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " .
وأرجو أن نمعن النظر ، وندقق البصر ، في هذا الحديث القدسي ، ففيه فائدة عظيمة ، تبين محبة الله تعالى لعبده الذي يتقرب إلى ربه ومولاه ، وما هي الثمار المترتبة على هذه المحبة .
هذا الحديث يبين لنا أن هناك حبان لله تعالى يحب بهما عبده :
الحب الأول / فعل الفرائض :
فالله جعل وعلا يحب الفرائض ، والتي من أجلها خلق الإنسان ، وأنزل له الكتب ، وأرسل له الرسل ، فالصلوات الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام ، من استطاع إليه سبيلاً ، وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله ، ونحو ذلك من الفرائض هي التي يحبها الله تعالى ، ويحب من يفعلها ويحافظ عليها .
الحب الثاني / فعل النوافل :
أما العمل الثاني الذي يتوصل به العبد إلى الحب الثاني لله تعالى ، ألا وهو المحافظة على النوافل .
فالمحافظة على النوافل يجعل العبد محبوباً عند ربه ، ولهذا نرى الناس اليوم أن من يحافظ على الفرائض كالصلوات الخمس جماعة مع المسلمين في بيوت الله تعالى ، والذي لا يمكن أن يفوته فرض ، من الممكن أن يضيع بعض النوافل ، فمن الممكن أن يترك سنة الظهر أو المغرب أو العشاء أو الفجر ، أو يترك الوتر أو الضحى أو سنة الجمعة البعدية ، أو ربما ترك صلاة التراويح أو القيام سواءً في رمضان أو غيره .
لكن إذا رأينا الرجل يصلي السنن الرواتب محافظاً عليها ، فهل يمكن أن يترك الصلاة المفروضة ؟
لا ، لا يمكن أبداً ، فمن حافظ على السنة فمن باب أولى أن يجتهد في المحافظة على الفريضة .
وكذلك في الصيام ، من يحافظ على صيام شهر رمضان دائماً وأبداً ، فمن الممكن أن يفوته بعض صيام التطوع ، لكن من يحافظ على صيام التطوع كالاثنين والخميس ، والأيام البيض ، وثلاثة أيام من كل شهر ، أو صيام عرفة أو عاشوراء أو الست من شوال ، أو يصوم تطوعاً لله من غير سبب معلوم ، فهذا من المستحيل أن يفوته شهر رمضان أبداً .
فإذا حافظ العبد على النوافل ، أحبه الله عز وجل ، وإذا أحبه الله عز وجل ، فانظر ماذا قال الله له : " فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ " .
يا لها من ثمار يانعة ، وفوائد ذائعة ، الله عز وجل يسدد هذا العبد في سمعه وبصره ويده ورجله ، ثم يستجيب دعاءه إذا دعا ، ويُعيذه إذا استعاذ بالله .
فلا يسمع إلا ما يُحب الله ، لا يسمع الحرام ، ولا ينصت له ، ولا يمكن أن يطرأ على باله ، فهو مع ربه ، يسدده ويقومه ويحفظه .
لا يسمع الأغاني ، ولا يسمع الغيبة والنميمة وسب الناس ، وإن سمع تراه مدافعاً ذاداً عن عرض إخوانه وأخواته المسلمين والمسلمات .
لا يستمع إلى الكلمات النابية المحرمة والمنهي عنها ، بل يستخدم هذه الحاسة فيما يرضي الله عنه ، وهكذا يحفظ نعمة الله عليه ، فكم من الناس من فقد حاسة السمع وهو أحوج ما يكون إليها ، ليستمع العلم ، ويستمع القرآن ، وللأسف الشديد أن هناك كثير من الناس استغل هذه الحاسة والنعمة المسداة من الله تعالى في معصية ربه وخالقه ، فهذا على خطر عظيم ما لم يتب إلى الله عز وجل .
وكذلك البصر ، فلا ينظر إلى ما حرم الله من المسلسلات والأفلام والنساء العاريات وشبه العاريات ، يحفظ بصره عما حرم الله عليه .
وكذلك يده ، لا يبطش بها أحداً من الناس ، لا يأكل بها حراماً ، ولا تمتد إلى حرام ، بل لا تعرف يداه إلا الحلال الطيب ، يستخدم يده في طاعة الله تعالى ، يمدها بالعطاء والإنفاق في سبيل الله ، لا يستخدمها في شرب الحرام من دخان أو مسكر أو مخدر ، فهي نعمة من الله عليه ، فكيف يستخدمها فيما حرم الله ، فهذا ليس من شكر النعمة ، بل هذا من الجحود وكفر النعمة والعياذ بالله .
لا يضرب بيده مسكيناً أو ضعيفاً أو يتيماً ، بل يستخدمها في الحق وقول الحق كتابة وحركة .
وكذلك الرجل ، لا يمشي بها إلى حرام ، لا يستخدمها فيما حرم الله من مشي إلى زنا ، أو لواط ، ولا يمشي بها إلى الكازينوهات ليتعاطى بها محرماً كالشيشة والمعسل مما يضر بالبدن والمال والنفس ، وغير ذلك من طرق الحرام ومسالكه .
بل يمشي بها إلى المساجد إلى حلق الذكر ، إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، إلى تعلم العلم الشرعي ، إلى البذل والعطاء والسخاء ، يطوف بها حول الكعبة الشريفة ، لا يمشي بها إلى فعل إجرامي ، فمن استخدم هذا العضو في طاعة الله تعالى فهو على خير عظيم ، وإلا فلن يندم إلا هو .
هكذا نرى أن من لزم النوافل ، فإنه على خير عظيم من الله تعالى ، فالله يحفظه حواسه وجوارحه وأعضاءه من الميل إلى الحرام ، ويسدده إلى فعل الطاعات والتقرب إلى رب البريات .
ومن حافظ على النوافل ، فإن الله تعالى قريب منه ، يسمع دعاءه ويجيبه ، ويحفظه من شياطين الإنس والجن ، فإذا استعاذ بالله من شر شيء أعاذه الله منه ، وهكذا نرى أن الله تعالى مع عبده حفظاً وسداداً ، ما حافظ العبد على نوافل الأعمال والأقوال الصالحة النافعة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلاة وسلاماً على أفضل الأنبياء ، وأكرم المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم فإحسان إلى يوم الدين .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية