اطبع هذه الصفحة


يَا حَسْرَةً عَلِيهِمْ مَا لَهُمْ لَا يُذْعِنُونَ

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مقيل العثرات ، قابل التائبين والتائبات ، والعافي عن المذنبين والمذنبات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاطر الأرض والسموات ، خالق الكائنات ، ورازق المخلوقات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى الرحمات ، أخرج العباد من الزيغ والضلالات ، وأنقذهم من سبل الندامة والحسرات ، وهداهم إلى طريق الجنات ، عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأزكى التسليمات ، وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكرامات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات . . وبعد :
هل يرضى عاقل أن يكون من أصحاب النار ؟
هل يقبل مسلم أن يكون من المعذبين يوم القرار ؟
هل يريد مسلم عرف الله ورسوله ، وقرأ القرآن الكريم ، والسنة المطهرة أن يكون عرضة للعقاب يوم القيامة ؟
وكم هي الأسئلة التي تدور في المخيلة ، وربما كان ما مضى من أسئلة يعبر عما يجول في الخاطر .
فمن يرى حال الناس اليوم يجد عجباً ، وربما مات كمداً ، شفقة ورحمة ، فأكثر الناس اليوم زاغوا عن دينهم ، وهربوا من إسلامهم ، رغبة في طول الأمل ، وحباً في الدنيا ، عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لاَ يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا ، وَطُولِ الأَمَلِ " [ أخرجه البخاري ] .
ولنقف وقفات مع حال الناس مع دين الله عز وجل :

الوقفة الأولى :
وأيم الله من ركن إلى الدنيا واتخذها دار استقرار وقرار ، لهو خاسر لا محالة ، لأن الدنيا دار ممر ، لا دار مقر ، الدنيا مزرعة للآخرة ، الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ، ولو رضيها الله لعباده لجاءت النصوص الشرعية في الكتابين الوحيين بلزومها ، والاهتمام بها ، ولكانت محل اهتمام الأنبياء والرسل والعلماء ، ولكن لما لم يكن ذلك هو مقصود خلق الخلق ، عُلم بالضرورة أن الدنيا تغتال من رغب فيها ، وتنسيه الآخرة ، فلا يجتمع حب الدنيا وحب الآخرة في قلب عبد أبداً ، لقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وما شبع من طعام قط ، بل كان يربط بطنه الشريف بالحجر والحجرين من شدة الجوع ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ " [ أخرجه البخاري ] .
يا أيها الناس أين أنتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رغب في الدنيا طرفة عين ، وانظروا إلى هذه الوصية المحمدية ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ : " كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ " [ أخرجه البخاري ] .

الوقفة الثانية :
وتأملوا لما خَيَّر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا وملكها ومالها وزخرفها وملذاتها ، وبين الآخرة ونعيمها الباقي الذي لا يحول ولا يزول ، ماذا كان الاختيار ؟ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ : خَطَبَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَال : " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا ، قَالَ : " يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ " [ أخرجه البخاري ] .

الوقفة الثالثة :
أيها المسلم ، أيتها المسلمة ، الدنيا ليست لكم ، الدنيا لغيركم من الكفار والملحدين والمشركين ، أعداء الإسلام والدين ، أنتم لكم الآخرة الذي لا يفنى نعيمها ولا يبيد ، دار كل سعيد ، أنتم لكم الجنة ، التي أعدها الله لعباده الصالحين ، فكونوا من الصالحين تفلحوا وتغنموا وتسعدوا ، قال ربكم وخالقكم : { أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ البقرة86 ] .
وقال العزيز الحكيم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [ النساء77 ] .
لا إله إلا الله ما أقبح الدنيا ، وما أحقر شأنها ، إذ يقول الله تعالى في حقها : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام32 ] .
وقال سبحانه : { الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ الأعراف51 ] .
كم من الناس من يظن أنه خلق للدنيا ، يجمع حطامها ، ويفني عمره في تحصيلها ، يستلذ بملذاتها ، ويتعب نفسه ويرهقها لتحصيل ما يستطيع من نوائلها ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ، فَمَرَّ بِجَدْي أَسَكَّ _ مقطوع الأذن _ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ : " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ؟ فَقَالُوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ : " أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ " قَالُوا : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْباً فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ : " فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ " [ أخرجه مسلم ] .
سبحان الله متى يصحوا أولئك الناس من غفلتهم ، ويستيقظوا من رقدتهم ، فالله جل وعلا قال في كتابه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات56 ] .
المصيبة العظمى أننا إذا متنا عُدنا إلى ربنا ليحاسبنا على أعمالنا وأقوالنا ، وما تنطق به صحائفنا ، كما قال ربنا وخالقنا : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون115 ] ، أفحسبتم- أيها الخلق- أنما خلقناكم مهملين , لا أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ، وأنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للحساب والجزاء ؟ بل لابد من الرجوع إلى الله تعالى للجزاء والحساب ، والفصل بين العباد ، ولو أنا إذا متنا تركنا ، لكان كل واحد منا يرغب في الموت ، لكن المعضلة أن وراءنا يوماً ثقيلاً ، قال من أحسن قيلا : { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } [ القيامة36 ] .
فيا حسرة على العباد ، لهم قلوب لا يفقهون بها ، ولا يعقلون بها ، ولا يتدبرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها أوامر ربهم ونواهيه ، ولهم أعين لا يقرءون بها كتاب ربهم ، بل صرفوها إلى المعصية والتأثر بها والعياذ بالله ، إلا من رحم الله وعصم ، وعلم أن حياته ومماته لله ، كما الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الأنعام162 ] .

الوقفة الرابعة :
إذن أيها العبد أنت وقف لله تعالى ، يجب أن تعبد الله في كل أحيانك وأوقاتك ، ما دامت تنبض شرايينك ، وتلمس دقات قلبك ، وتأمل قول الحق تبارك وتعالى حيث يقول : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء103 ] .
وقت المسلم ثمين لا يفرط فيه مهما كان الواقع والشغل ، وكم سيبكي الباكون ، ويندم النادمون حين لا ينفع الندم ، ولو بكت المقل الدم ، فكل شيء يمكن أن يؤجل ، إلا أجَل العبد إذا دنا فإنه لا يؤجل ، فاغتنم الفرص واقتنصها في طاعة ربك تبارك وتعالى .
بيت القصيد ، والمقصود من هذه الأسطر أنك ترى عجباً عُجاباً ، من كثير من الناس ، تأتيهم الأوامر الإلهية ، والنواهي الربانية ، في الكتاب والسنة النبوية ، ولا تجد آذاناً صاغية ، ولا قلوباً واعية ، لا سمع ولا طاعة ، والعياذ بالله تعالى ، وكأنهم اقتفوا أثر أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمنافقين الذين قالوا لربهم : سمعنا وعصينا ، فنهانا الله تعالى أن نكون مثلهم ، وحذرنا من سبيلهم ، قال تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [ الأنفال21 ] ، وقال تعالى : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ الحشر19 ] .
ولو نظر الحصيف العاقل ، بعين البصيرة والحقيقة لواقع الناس لذهل ، إذ كيف بين أظهركم كتاب الله تعالى ، بما فيه من إحلال الحلال ، وتحريم الحرام ، وفيكم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا بينت حلالها وحرامها ، علم ذلك العلماء وطلاب العلم ، ثم تنقضون العهود والمواثيق ، ولا تتبعون كتاب الله تعالى بل تعصونه ، ولا تقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تزيغون عنه ، فأي دين هذا ؟ وأي تمسك بالإسلام ذاك ؟

الوقفة الخامسة :
الله جل وعلا حرم الزنا ومنع دواعيه ، وكل سبيل يؤدي إليه ، فقال سبحانه : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [ الإسراء32 ] ، عَنِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " [ أخرجه مسلم ] .


الوقفة السادسة :
الله عز وجل أمر عباده بإعفاء اللحية ، وحرم عليهم التعرض لها بالحلق أو التقصير ، وبين لنا الكتاب العزيز أن إعفاء اللحية من سنن المرسلين ، وهدي النبيين ، فقال سبحانه وتعالى : { قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [ طه94 ] .
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من حلقها ، وأمر بإعفائها ، وبين أن حلقها أو الأخذ منها فيه مشابهة لليهود والنصارى والمجوس والمشركين والعياذ بالله ، ومن تشبه بقوم فهو منهم _ نسأل الله السلامة والعافية _ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى " [ أخرجه مسلم ] ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ " [ أخرجه مسلم ] ، وقد جاء في كتاب الديات في كتب الفقه ، أن من اعتدى على آخر فتسبب في عدم إنبات لحيته أن عليه دية رجل كاملة ، لما للحية من أهمية وفضل ، وفيها مخالفة لأهواء الأهواء من الكفار ، وفيها مخالفة لما عليه النساء من الحسن والبهاء ، فعلى العبد أن يتق الله تعالى ويعلم أن هذه الدنيا سويعات وأيام ثم اللقاء ، أمام جبار الأرض والسماء ، وهناك السؤال والجواب ، فيسألهم الله تعالى كما في قوله سبحانه : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص65 ] ، فما عساهم يقولون ؟ وقد خالفوا هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم .

الوقفة السابعة :
الله سبحانه حذر من جر الثوب ، وحرم إطالته على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتوعد على بالعقاب والنار ، وقد جاء النصوص الشرعية الصحيحة مبينة حرمة ذلك الفعل المشين ، والعمل القبيح ، المخالف لما أرسل به النبي صلى الله عليه وسلم ، فالله تعالى أرسل رسوله ليطاع لا ليعصى ، فقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } [ النساء64 ] ، وحذر الله تعالى من مخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل سبحانه : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور63 ] ، وتوعد الله من عصاه وعصى نبيه عليه الصلاة والسلام بالنار والعذاب ، فقال الله تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء14 ] .
كما بين للناس أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، طاعة لله تعالى ، فقال تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [ النساء80 ] ، وطاعة الله عز وجل ، وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم هداية للناس وخير لهم في دنياهم وأخراهم ، قال العزيز الحكيم : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } [ النساء69 ] ، وقال تعالى : { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ النور52 ] ، وقال تعالى : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } [ الفتح17 ] ، وقال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [ النور54 ] .
فسبحان الله العظيم ما أحلمه على عباده ، وسبحانه ما أرأفه بخلقه ، يدعوهم لطاعته ومغفرته ، وهم يسعون إلى معصيته ونقمته ، هذان طريقان واضحان بينان ، طريق إلى الجنة ، وآخر إلى النار ، فكيف يليق بعاقل مسلم ميز بين الخير والشر ثم يترك طريق الهداية ، ويسلك طريق الغواية ، لقد صدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف179 ] .
وتالله إنه لعجب العجاب أن ترى الناس يعصون الله عز وجل وهو خالقهم ورازقهم والقادر عليهم ، وسيعودون إليه للحساب والجزاء ، ومع ذلك تراهم في غفلة وهم معرضون .
أأمنوا عذاب الله ؟ والله تعالى يقول : { أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ يوسف107 ] .
أم قنطوا من رحمة الله ؟ والله تعالى يقول : { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [ الحجر56 ] .
أم أنهم تمسكوا بقولهم : إن الله غفور رحيم ؟ نعم ربنا غفور رحيم ، لكنه شديد العقاب ، قال سبحانه : { اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة98 ] .

الوقفة الثامنة :
ورغب الله تعالى في التوبة وأنزل أرجى آية في كتابه العزيز ، آية التائبين فقال سبحانه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر53 ] .
ما أعظم التوبة لمن ذاق حلاوتها ، إنها البلسم الشافي ، والدواء المعافي ، من أثر السيئات والمعاصي .
وليست التوبة لأهل المعاصي فقط بل لكل الناس ، أليس نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : " وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً " [ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
وعَنْ أَبِى بُرْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ الأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ " [ أخرجه مسلم ] .
وقبل هذا كله يجب أن يعرف العبد أن الله تعالى وهو الغني عن عباده يفرح بتوبة أحدهم إذا عاد إلى ربه ، فيالها من فرصة سانحة أن يعود المذنب إلى الله غفار الذنوب ، ويرجع المقصر إلى التواب ستار العيوب ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
قال الله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء 17-18 ] .
وقال الغفور الرحيم : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ التوبة104 ] .
وقال سبحانه : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ] .
فالله الله أيها الناس بالتوبة النصوح ، والعودة إلى خالق الروح ، فلا يدري أحدنا متى يأتيه الموت ، فلنستعد بالأعمال الصالحة ، ولنحذر من الأعمال القبيحة السيئة ، كي يموت أحدنا وهو يرجو رحمة الله تعالى ، يموت ميتة حسنة ، فالأعمال بالخواتيم ، نسأل الله تعالى أي يُحسن خاتمتنا ، ويغفر ذنوبنا ، ويمنُّ علينا بتوبة قبل الموت ، وراحة عند الموت ، إنه سميع قريب مجيب الدعوات .




الوقفة التاسعة :
وفي خضم آيات كتاب الله تعالى ، وأقوال نبيه صلى الله عليه وسلم وهي تتلى وتقرأ على الناس ، إلا أنك تكاد تُصعق من هول الانحراف والبعد عن تعاليم الشريعة السمحة ، يقول الله سبحانه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات10 ] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه ، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل " [ أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1229 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " [ أخرجه الترمذي وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6710 ] .
واليوم تجد أن أكثر الناس لم يسلم المسلمون من أيديهم ولا ألسنتهم ولا أرجلهم ولا أعينهم ولا أسماعهم ، انظر إلى كثرة القتل والمشاجرات والمضاربات بين المسلمين ، تأمل كيف تُنتهك أعراض المسلمين ويؤذون في أنفسهم وأعراضهم وبيوتهم وممتلكاتهم ، مخالفة صريحة للحديث السابق ، مخالفة واضحة لهدي القرآن الكريم ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } [ الأحزاب58 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } [ البروج10 ] .
كم هي المشاكل بين الناس والتعديات والخصومات والمضاربات والقتل وسفك الدماء ، ونشر الأشلاء ، والصحف مليئة بذلك ، تطالعنا بأخبار والله حتى لكأن الإنسان ليس في بلاد الإسلام ، بل كأنه يعيش في غابة يأكل فيها القوي الضعيف ، فنسأل الله السلامة والعفو والعافية .
وكم هي المضاربات بين الشباب واستخدام السكاكين والسواطير والأسلحة المختلفة والعياذ بالله .
وانظر إلى إيذاء الناس في الشوارع والطرقات بالأهازيج والأغاني والموسيقى المحرمة ، لاسيما عند فوز فريق أو منتخب أو احتفالٍ باليوم الوطني أو نحو ذلك من الاحتفالات الباطلة التي لم ينزل الله بها من سلطان .
وكذلك إيذاء الطالبات والمعلمات أثناء خروجهن من أعمالهن ومدارسهن ، وإيذاء الطلاب ، وتحطيم مقدرات الوطن في حركات سفيهة بواسطة السيارات ، وصور ذلك لا تنضبط فهي كثيرة جداً .

الوقفة العاشرة :
إن واقع الحال اليوم لا يجعلك تأمن أحداً أو تثق به ، لأن أكثرهم خان الأمانة ، فربما وجدت إنساناً محافظاً على صلاته ، وصيامه ، وزكاته ، وصدقته ، وحجه ، وعمرته ، وغير ذلك من أمور الدين ، لكنه في أمانة الأموال خائن ، وفي عمله غير أمين ، فلا يحافظ على عمله حضوراً وانصرافاً ، فكيف تأمن هذا على أمور مهمة ، وتفكروا في هذا الحديث العظيم عن أمر الأمانة ، وأنك اليوم لا تجد في القبيلة الواحدة أو الحي الواحد رجل أمين _ ولا حول ولا قوة إلا بالله _ عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأمانة نزلت في جذر _ أصل _ قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ، ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً ، وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله ، وما في قلبه حبة خردل من إيمان " [ متفق عليه ] .
اليوم تجد خيانة الأمانة في صور كثيرة ، وأشكال مريرة ، البائع يحلف الأيمان أن سلعته أصلية ، وهي غير كذلك ، أو يحلف أنها تساوي السعر الفلاني ، وهي لا تعادل ربعه مثلاً ، وأمثلة ذلك كثيرة لا تنحصر ، ومن الناس من يخون الأمانة في بيته وأهله ، فلا يهتم ولا يراعي ولا يقدر عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه جراء تحمله للأمانة ، التي أبت أن تحملها السموات والأرض والجبال وأشفقن منها ، ثم حملها الإنسان الضعيف لجهله وظلمه ، فمن الناس من يقضي الساعات الطوال خارج بيته ، ويترك أهله وأولاده بين أركان بيته لا تربية ولا إرشاد ولا توجيه ، ومن الناس من هو كالحمار يحمل أسفاراً ، في بيته من أجهل الناس ، يرى المنكرات والموبقات ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، بل ربما بجهله أدخل على أهله الدش ليقضي على أخلاقهم وقيمهم وحيائهم وعفافهم ، وربما أدخل كثيراً من وسائل الفساد وكأن الأمر لا شيء فيه ، ونسي المسكين حديث معقل بن يسار رضي الله عنه حيث قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية ، يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله تعالى عليه الجنة " وفي رواية : " فلم يحطها بنصحه ، لم يرح رائحة الجنة " [ رواه البخاري ومسلم ] .
ومن صور خيانة الأمانة من يؤجر محلاً تجارياً ليباع فيه ما حرم الله تعالى ، أو يبيع على المسلمين ما يضرهم ولا ينفعهم ، يبيع عليهم ما حرم الله عز وجل من أجل حفنة قذرة من المال الحرام ، كمن يبيع الملابس المحرمة ، أو أشرطة الأغاني والأفلام المحرمة ، أو الدخان أو الشيشة أو ما شابه ذلك .

الوقفة الحادية عشرة :
الله تعالى يتحبب إلى عباده ليعملوا ويجتهدوا لينالوا جنة الخلد يوم القيامة ، ولكن أكثرهم معرضون عن ربهم ، مقبلون على أوامر شياطينهم ، وإني أدعو كل عاقل أن يتدبر قول الله تعالى : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم22 ] .
ما أعظم ربنا تبارك وتعالى ، ما أحلمه ، ما أرأفه ، ما ألطفه ، غفور رحيم ، يمهل ولا يهمل ، فإذا أخذ الظالم ، أخذه أخذ عزيز مقتدر ، يملي للظالم ، يمد للعاصي ، لعله يتوب ، وإلى ربه يئوب ، فليحذر أولئك من عقاب الله تعالى وعذابه ، فأخذه أليم شديد ، قال سبحانه وتعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود102 ] .
فهلا من توبة أيها المسلمون ؟ هل من رجعة صادقة لدين الله تعالى ؟ الدين الذي اعترف به الأعداء اليوم ، وعرفوا أنه دين الله الحق الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه ، فهاهو الكونجرس الأمريكي يعترف بالإسلام ويحترمه ويعلم أنه دين سماوي ، بينما يوجد من بني جلدتنا من ينكر كثيراً من شعائر الدين ويرفضها ، ويتهمها بالرجعية والتخلف ، فهاهم يستهزئون بدينهم وبشخصياته المعروفة ، وبأحكامه المعلومة ، كمسلسل طاش ما طاش ، فهو مسلسل يحارب الإسلام ديناً ومعتقداً ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، إن من يشاهد هذا المسلسل الفاشل المارق من الدين ، أو يشيد بممثليه ، أو يجلبهم لأي مصلحة كانت فهو متعاون معهم على الإثم والعدوان ، وهو مقر بما هم عليه من الضلال والانحراف والفسق ، فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .

الوقفة الثانية عشرة :
أيها الأخوة ، الله تعالى يأمر الرجال من عباده برفع ثيابهم فوق الكعبين ، ومهم يعصون أوامره ، ويتحدونه ، عن العلاء بن عبد الرحمن رضي الله عنه عن أبيه قال : سألت أبا سعيد عن الإزار فقال : على الخبير بها سقطت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أزرة المؤمن إلى نصف الساق ، ولا حرج أو قال لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة " [ رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني رحمه الله ] .
انظروا إلى التهديد والوعيد لمن أسبل ثوبه تحت الكعبين ، نار حامية تأكل قدمية في جهنم ، تهري جسده ، وتفرق لحمه والعياذ بالله .
الإسبال بالنسبة للرجال حرام ، وهو من كبائر الذنوب ، لأن الله تعالى توعد عليه بالعقاب والنار .
وهناك علاقة وطيدة بين الإسبال والتكبر والخيلاء ، فكل من أطال ثوبه تحت كعبيه فهو في النار ، سواء كان ذلك عادة _ كما يزعمون _ أو كان خيلاء ، والعادة إذا عارضت نصاً شرعياً يُرمى بها عرض الحائط ولا يُعمل بها أبداً ، لأنها سبب لمقت الله وغضبه ، وأي عاقل يرضي شهوته ورغبته ، ويترك أمر ربه ؟ لا شك أنه مجنون .
بل جاء في الحديث أن من يسبل ثوبه ويطيله حتى يكون أسفل من كعبيه أنه متكبر ولو قال أنه ليس متكبر ، فواقع الحال يدل على كبره ، لأنه ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال : " . . . وإياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، ولا يحبها الله . . . " [ أخرجه الطيالسي وابن حبان عن جابر بن سليم الهجيمي ، وصححه الألباني برقم 98 في صحيح الجامع ] .
وجاء الوعيد والتخويف لمن أطال ثوبه ، وبلغ أسفل من الكعبين ، بالحرمان من رحمة الله تعالى يوم القيامة ، وتوعده الله بأربع عقوبات :
عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مِرَارٍ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " قُلْتُ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا ؟ فَقَالَ : " الْمَنَّانُ ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
ومن جر ثوبه تكبراً وغطرسة وخيلاء فليبشر بهذا الحديث ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَراً " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ] .
وجاء الوعيد لمن أسب ثوبه بأن لا تُقبل صلاته _ والعياذ بالله _ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّى مُسْبِلاً إِزَارَهُ ، إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ " فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ جَاءَ ثُمَّ قَالَ : " اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ " فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنَّ يَتَوَضَّأَ ؟ فَقَالَ : " إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّى وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ " [ أخرجه أبو داود ] .
الله جل وعلا طيب يحب الطيب ، ولا يحب الخبيث ، يحب من يأتي أوامره ، ويترك نواهيه ، ولهذا لا يحب الله من أسبل إزاره ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا سُفْيَانَ بْنَ سَهْلٍ لاَ تُسْبِلْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ " [ أخرجه ابن ماجة ] .
فخطر إسبال الثياب للرجال خطر عظيم ، وإثمه وخيم ، وعاقبة خسران مبين ، فياحسرة على الناس ، ما لهم لا يتعظون ؟ ومن عذاب لا يخافون ؟ .

الوقفة الثالثة عشرة :
الله جل جلاله حرم على عباده كل ما يضرهم ، حرم عليهم كل خبيث ، رحمة بهم ، ورأفة بهم ، ومع ذلك تجد أكثرهم يسعون إلى إهلاك أنفسهم ، بشرب الدخان ، وتعاطي المسكرات ، وشرب المخدرات ، وكل ذلك ضرر بالدين والبدن ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف157 ] .
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ضرر ولا ضرار [ أخرجه أحمد وغيره ، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 7517 ] .
يا حسرة عليهم يتعدون حدود الله تعالى ، يتنكبون طريق الهداية ، إلى طريق الغواية ، فمالهم لا يذعنون لأمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، بالنهي عن الخمر وما يتبعها من سموم ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [ المائدة 90-92 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم الخمر وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه " [ أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1746 ] .
ويالها من مصيبة عندما يتبجح أحد الآباء ويقول : أن ابنه أو زوجته يجهز له شيشته أو معسله ، كيف يكون هذا الزوج ، وذاك الأب قدوة صالحة لأبنائه وزوجاته وجيرانه والناس أجمعين ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
رجل خان الله في نفسه وعرضها للهلاك ، بشربه للشيشة والتنباك _ الدخان _ وخان الله في أمانة تربية الأبناء والزوجة ، بفعله للمحرم أمام أعينهم ، حتى وكأن الحرام أصبح حلالاً ، لاستمرائه وتقبله ، إنا لله وإنا إليه رجعون .
وآخر يعاقر الخمر ، ويتعاطى المسكر في بيته وبين أفراد أسرته ، حتى قيل لي : أن أحدهم إذا فعل ذلك الفعل المشين ، خرج عارياً أمام أبنائه وأهل بيته _ نسأل الله السلامة والعافية _ .
كيف ينعم أولئك الناس بالأمن والطمأنينة ؟ كيف يشعرون بالراحة النفسية ؟ وهم بعيدون كل البعد عن الخالق الجبار سبحانه وتعالى .
بينهم وبين خالقهم وحشة وظلمة وقسوة ، بسبب ترك أوامر الله عز وجل ، وارتكاب نواهيه ، فمتى يشعر أولئك البشر أن الله قادر على عذابهم وإهلاكهم ؟ متى يعرفون أن الله هو الحق وأن كل شيء دونه هو الباطل ، متى يعودون إلى الله عز وجل ويكونون أُناس أسوياء يحبهم أهلهم وذويهم ، حتى يكونوا نواة صالحة في مجتمعهم ، وقدوة طيبة يُحتذى بها ، ألا يعلمون أن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ، فلا ييئسوا من رحمة الله فالله غفور رحيم ، يفرح بتوبة عبده ورجوعه إليه ، وإقباله عليه ، فباب التوبة مفتوح ما لم تغرغر الروح ، فبادر يا عبد الله ، يا أمة بالتوبة النصوح التي تجب ما قبلها من الذنوب والمعاصي ، والتي وقع فيها الداني والقاصي ، لعل الله تعالى أن يقبل التوبة ، ويقيل العثرة ، ويبدل السيئة حسنة ، قال تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان70 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " [ أخرجه أبو داود ] .

الوقفة الرابعة عشرة :
الله جل جلاله يأمر نساء المسلمين في كتابه بالحياء والستر والعفاف والقرار في البيوت ، ويحذرهم من أخذ الزينة حال خروج المرأة من بيتها ، ويحذر النساء من التبرج والتعطر أثناء الخروج من المنزل ، لما في ذلك من فتنة بهن ولهن ، قال ذو العطاء والمن : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب33 ] .
ومن يرى نساء المسلمين وما هم عليه من تبرج وزينة ، وسفور ، وتقليد لنساء الكفرة والفجور ، ليدرك مدى صحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ ، إِلَىَ الْمُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا " فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ . . . " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
مشاهد العري ، وشبه العري ، من قصير ، وضيق ، ونقاب يظهر العينين والخدين ، ولباس البناطيل ، والأحذية المزخرفة ، والعباءات المزركشة ، وروائح العطر الفواحة ، والتكسر في المشي والكلام ، لتبرهن على أن أكثر النساء اليوم قد طغين وبغين ، وتركن أوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليدرك خطورة وضعهن الراهن .
ثم أتت مصيبة المصائب ، ومطالبة بعض الساقطات بقيادة السيارات ، وأخريات يزاحمن الرجال في الأعمال ، حتى أنهن يطالبن بنادي رياضي ، ومقهى للإنترنت ، وغير ذلك مما يستحيي من طلبه الرجال فضلاً عن النساء العفيفات التقيات النقيات ، فما الذي دهى أولئك النساء ؟
إنه التقدم الحضاري الزائف ، والتمدن الكاذب الزاحف ، ومشاهدة القنوات الهابطة التي تحارب دين الإسلام علناً ، مطالبة المرأة المسلمة الحيية العفيفة بالتحرر من دينها ، والخروج من إسلامها ، حتى تتبع الغرب والشرق في موضات وقصات وحفلات وألبسة ما أنزل الله بها من سلطان .
يريدون إخراج المرأة المسلمة ذات الخمار ، مربية الأجيال ، ومعدة الأبطال ، من بيتها حتى تضيع أجيال المسلمين ، ويفقدون هويتهم الدينية ، وتنشئتهم الإسلامية ، وتترك التربية للخادمة الكافرة أو الفاجرة التي لا ترعى إنسانية ولا ديناً ، ولا تحترم قيماً ولا أخلاقاً .
فينشأ لدينا جيل لا يعرف من الدين إلا اسمه ، مسلم بالطاقة فقط ، وواقع حاله ، ربما أخرجه من الإسلام بالكلية ، وهانحن اليوم نعاني ويلات الخادمات ، وخروج المرأة للعمل ، فكم هي جرائم الخادمات والسائقين ، مع الأزواج والزوجات .
فكيف إذا قادت المرأة السيارة ؟ وكيف إذا خرجت المرأة للمقاهي ودور الرياضة ؟ قل على الدين السلام .
نحن اليوم نعايش من المشاكل الاجتماعية ما لم نصل إلى حله ، أو حتى جزءاً من حله ، والمرأة لم تقد السيارة ، ولم تخرج للنوادي والمقاهي ، أبناء كثير من المسلمين اليوم لا يصلون ، ولا يصومون ، ولا يعتمرون ، ولا يحجون ، ولا يتصدقون ، ولا يزكون ، لقد كثر فيهم الخبث ، وانتشر بينهم الشر ، حتى ضاقت بهم مراكز الهيئات ، والشرطة ، وتزاحموا في السجون ، وتراكموا في ردهات المحاكم ، جراء تفشي الجريمة ، وانحطاط الأخلاق ، كل ذلك بسبب البعد عن منهج الله القويم ، وصراطه المستقيم ، ثم ينبح النابحون ، وينهق الناهقون مطالبين بأمور لا يرضاها جاهل ، فضلاً عن العاقل ، يريدون إخراج المرأة المسلمة من بيتها ، من خدرها ، من بين أطفالها ، من زوجها ، ليستفردوا بها ، والله ثم والله أن من تأمل حال وواقع من حولنا من الشرق والغرب ، لوجد الألم الذي يعتصر نساءهم جراء التبرج والسفور ، ووضع المكياج ومخالطة الرجال ، المرأة لا تملك لنفسها حولاً ولا قوة ، فإذا ما خرجت من عرينها ومنزلها ، تلقفها جرذان الجنس والشهوات ، وفئران النزوة والشبهات ، فهلا تدرك المرأة مدى خطورة ما ترمي إليه تلكم القنوات الفاسدة المفسدة ، والتي وللأسف الشديد أنها جندت جندها من أبناء جلدتنا حتى يزينوا للماس الباطل ، ويلبسوا عليهم الحق .
اليوم لا ننكر أن المنكر شاع وعم ، وانتشر وطم ، يعج المجتمع بالمفسدين والفاسدات ، فاحت روائح الزنا واللواط ، والمعاكسات والمغازلات ، كثير من الآباء أهملوا تربية الأبناء والبنات ، فكثر الحمل السفاح ، وازداد أولاد الزنا ، وكثر اللوطيون ، فيا للهول يا لها من مخاطر عظيمة ، نسأل الله أن يخرجنا منها سالمين ، وأن يهدي جميع المسلمين والمسلمات ، وأن يصلح شأنهم ، ويجعل الذل والصغار على أعدائهم ، وأني أوجه نصيحة مشفق لأمته ، أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم ، وأهليهم وذرياتهم ، وأن يعملوا ليوم تشخص فيه الأبصار ، وأن يحذروا الغزو الفكري والعقدي ، الذي تقوده دول وهيئات عالمية ، للإطاحة بالإسلام وأهله من خلال بث برامج هدامة ، ومسلسلات هابطة تدعوا إلى الرذيلة ، وتهدم الفضيلة ، أدعو كل مسلمة ومسلمة أن يتبصر بواقع الحال ، وما آل إليه من مآل ، مآس وجرائم تئن منها البيوت ، وتتكتم على أسرارها ، وتعتم على فضائحها ، وترى أنه لم يواقعها أحد ، وإذا بالأسرار ظاهرة ، وبالأستار بارزة .
نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية