اطبع هذه الصفحة


الجنة والسنتمترات

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
لما خلق الله الخلق لم يتركهم هملاً ، بل أرسل إليهم الرسل ، وأنزل لهم الكتب ، وبين لهم طريقي الخير والشر ، طريقي الجنة والنار ، قال تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان 2-3 ] .
وقال تعالى : { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [ البلد 7-10 ] .
والنجدان : هما الطريقان ، أي طريق الخير والشر ، فالله عز وجل وهب الإنسان العقل ، وميزه عن البهائم به ، فإن استعمله فيما يرضي ربه كان من أهل الخير ، وكان في منزلة الملائكة ، لأن العقل يحجز صاحبه عن المعاصي ، وإن ترك عقله ولم يستخدمه في الطاعة وصل إلى منزلة البهائم ، بل أسفل من ذلك ، قال تعالى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان44 ] .
ويا لها من خسارة فادحة أن يبقى الإنسان مدى عمره عاصياً لربه عز وجل ، مع أن بيده أن يطيع ربه عز وجل ، لكنه الهوى والشيطان ، الذي توعد ابن آدم بالغواية ، ومع أننا نقرأ كتاب ربنا تبارك وتعالى ، ونسمع آياته تتلى علينا ، ونسمع الآيات التي يتوعد فيها الشيطان بغواية ابن آدم ، قال الله تعالى : { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر39 ] .
وقال سبحانه : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص82 ] .
وقال عز من قائل سبحانه : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً * لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } [ النساء 117- 119 ] .
إلا أننا نجد أن الكثرة الكاثرة من الناس يسعون إلى الغواية ، ويتبعون خطوات الشيطان ، والله حذرهم من ذلك فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ النور21 ] ، وياليتنا نتأمل مثل هذه الآيات العظيمة ، لندرك خطورة اتباع خطوات الشيطان ، فالشيطان يزين للعبد المعصية الصغيرة ، حتى يستمرءها ، ومن ثم تهون في قلبه المعصية الكبرى ، فيُطبع على قلبه والعياذ بالله ، وأمثلة ذلك كثيرة ، فكل معصية يقترفها العبد فهي منه ومن الشيطان ، والله بريء منها ، لأنه بين له في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، طريق الهدى والرشاد ، قال تعالى : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف28 ] .
ولندخل في صلب موضوعنا وهو الجنة والسنتمترات .
لما منَّ الله على عباده باللباس جعله الله ستراً لهم ولعوراتهم ، قال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ الأعراف26 ] .
فاللباس نعمة من نعم الله على عباده ، يستر عوراتهم ، ويجمل هيئاتهم ، ولا تصح صلاتهم إلا باللباس ، ومن صلى عرياناً بغير عذر فصلاته غير صحيحة ، ولكن وللأسف الشديد أن كثيراً من الناس استغلوا نعمة الله في معصيته ، وتعالوا بنا نبين ذلك الأمر ، ونعرف أن الجنة ربما حُرِمُوها من أجل سنتمترات ارتكبوها .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ " [ رواه البخاري ] .
وعَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَلاَ حَرَجَ أَوْ لاَ جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، فَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ ، مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ " [ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني ] .
ولو قست المسافة بين الكعب إلى الأرض لوجدتها خمسة سنتمترات تقريباً ، وهذه الخمسة سبب لدخول النار ، أفلا يعقل الرجال ذلك ؟
لو رفعت ثوبك خمسة سنتمترات أو أقل ، لنجوت من النار بإذن الله تعالى ، أتبيع جنة عرضها السموات والأرض بشهوة تطويل ثوبك سنتمترات ؟
يا لها من خسارة فادحة ، وفي الدين قادحة أن تفعل ذلك ، يا أخي لو قيل لك : إن تبرعت بأرضك أو بيتك أو قصرك الذي كلفك الملايين ، أو مئات الآلاف مقابل أن تدخل الجنة ، وتنجو من النار ، لسارعت إلى ذلك ، ولو اضطررت إلى السلف والاستدانة ، فكيف لا تشتري الجنة بسنتمترات ، ترفع بها ثوبك عن الأرض والقاذورات ، أما علمت أن رفعك لثوبك أتقى لربك ، وأنقى لثوبك .
عَنِ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [ رواه البخاري ] .
فكل إنسان حجيج نفسه يوم القيامة ، فما أنت قائل لله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية ؟ ما أنت مجيب على هذا السؤال الذي يقول الله فيه : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص65 ] .
فما أنت مجيب على هذا السؤال يوم القيامة ؟
ألم يأمرك النبي صلى الله عليه وسلم بتقصير ثوبك ليكون فوق كعبك ، لتنجو من النار ؟ لماذا لم تأتمر بأمره وهو الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ؟
أتقول لله عز وجل : نعم سمعت ولكني عصيت ، أم تقول : لم يبلغنا رسولك شيئاً ؟
وتدبر هذه الآية التي يقول الله فيها : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ المائدة19 ] .
واسمع لجواب الصحابة رضوان الله عليهم لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، واسمحوا لي أن أذكر الحديث بطوله لما فيه من الفوائد ، والشاهد ما تحته خط :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى بَكْرٍ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ قَالَ : " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي " ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ " ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْهُ ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ _ رضي الله عنه _ لَسْنَا نَنْوِى إِلاَّ الْحَجَّ ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثاً ، وَمَشَى أَرْبَعاً ، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلاَمُ _ فَقَرَأَ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ : وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، { وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا ، فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ ، وَقَالَ : " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ " ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى ، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ : " لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً " ، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى وَقَالَ : " دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ _ مَرَّتَيْنِ _ لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ " ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ _ رضي الله عنها _ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغاً وَاكْتَحَلَتْ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا ، قَالَ : فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشاً عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ ، مُسْتَفْتِياً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ : " صَدَقَتْ ، صَدَقَتْ ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ " ، قَالَ قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ ، قَالَ : " فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلاَ تَحِلُّ " ، قَالَ : فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً _ قَالَ _ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا ، إِلاَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ : " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي بَنِي سَعْدٍ ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ " ، قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ : " اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ " ثُمَّ أَذَّنَ ، ثُمَّ أَقَامَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً ، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى : " أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ ، السَّكِينَةَ " ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً ، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَصَلَّى الْفَجْرَ _ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ _ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ ، وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيماً ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ ، فَحَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى ، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثاً وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ ، فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ : " انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ " ، فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ " [ رواه مسلم ] .
وهاأنذا أعيده ليتدبره المخالف لأمر ربه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، حينما يُسأل يوم القيامة : " وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ " ، قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ : " اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ " .
فأولئك الصحابة الكرام لما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من شعائر دينهم ، وأشهدهم على ذلك قالوا بلسان واحد : " نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ونصحت " ، ثم امتثلوا أمره ، وعملوا بهديه وسنته ، ولم يخالفوه رضي الله عنهم أجمعين .
فما أنت قائل يا بائع الجنة بسنتمترات ؟
ألا لا يقول رجل مسلم ليس في كتاب الله أن ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ، ألا فليعلم كل مسلم أن ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي مثل القرآن ، غير أنا لا نقرؤه في الصلاة ، وإليك الأدلة :
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ _ يعني سنته _ أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ . . . " [ رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2643 ] .
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِهِ ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ : لاَ نَدْرِي ، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ " [ رواه أبو داود وأحمد وغيرهما بسند صحيح ، وصححه الألباني 4/200 ] .
أنظر إلى التحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يحتج أحد بكتاب الله تعالى ، ويهمل سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يجب اتباع ما في الكتاب وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلاهما وحي من الله تعالى ، لأنه تبليغ شرع ، ولا يكون التبليغ بالأمر والنهي إلا من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث :
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " [ رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وغيرهم بسند صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2657 ] .
فالله الله باتباع شرع الله ، ولا يكون ذلك الأمر والاتباع والاقتداء ، إلا إذا أذعن المسلم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين الله على وحيه ورسالته ، وقد أمر الله رسوله أن يبلغ الناس بشرع الله فقال له : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [ المائدة67 ] .
ونحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فجزاه الله خير ما جزا نبياً عن أمته ، ونسأل الله له الوسيلة والفضيلة ، ورضينا به نبياً ورسولاً .
ونعلم أن مما حذرنا منه أن تطويل الثوب أسفل من الكعبين فصاحبه معاقب بالنار يوم القيامة ما لم يتب ويرجع إلى الله تعالى ، ويقصر ثوبه ، ويجعله فوق كعبه أو على كعبه ، والجنة والنار بين سنتمترات .
قال الألباني رحمه الله : " إن الشريعة الإسلامية ليست قرآناً فقط ، وإنما قرآن وسنة ، فمن تمسك بأحدهما دون الآخر ، لم يتمسك بأحدهما ، لأن كل واحد منهما يأمر بالتمسك بالآخر ، كما قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء 80 ] وقال : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً } [ النساء 65 ] وقال : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } [ الأحزاب 36 ] وقال : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [ الحشر 7 ] .
وبمناسبة هذه الآية يعجبني ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو أن امرأة جاءت إليه فقالت له : أنت الذي تقول : لعن الله النامصات والمتنمصات والواشمات . . الحديث ؟ قال : نعم ، قالت : فإني قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره فلم أجد فيه ما تقول فقال لها : إن كنت قرأتيه ، لقد وجدتيه ، أما قرأت : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } قالت : بلى قال : فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لعن الله النامصات . . الحديث " [ متفق عليه ] " [ منزلة السنة في الإسلام ] .
وقد وجدنا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " [ رواه البخاري ] .
والإثم حاصل لا محالة لمن أطال ثوبه أو سراويله أو بشته ، أو إزاره ، سواءً كان خيلاء أو غير خيلاء ، والخيلاء أشد إثماً ، وأنكى عقوبة ، ولا نجاة إلا باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
وانظر إلى هذه العقوبات المغلظة لمن جر ثوبه سواءً للخيلاء أو لغيرها ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ، قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مِرَارٍاً ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " [ رواه مسلم ] .
وفي رواية يتبين فيها من هو المسبل ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :" ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَنَّانُ الَّذِي لاَ يُعْطِى شَيْئاً إِلاَّ مَنَّهُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ " [ رواه مسلم ] .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ " .
فيا أخي إذا لم ينظر الله إليك يوم القيامة ، في وقت أنت أحوج ما تكون فيه إلى رحمة الله ، فإذا لم ينظر الله إليك في ذلك الموقف الرهيب العصيب ، فمن ذا الذي ينظر إليك ، فاحذر الشيطان وخطواته ، وعليك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وعظاته .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ " [ رواه البخاري ] .
هل حدد النبي صلى الله عليه وسلم المتكبر من غير المتكبر ؟ بل ترك الأمر مطلقاً ، وإنما شدد الأمر على من فعل ذلك تكبراً وغطرسة ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ ، خُسِفَ بِهِ ، فَهْوَ يَتَجَلَّلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [ رواه البخاري ] .
من جر ثوبه تكبراً في الدنيا ، فإذا مات عُذب في القبر ، بأن يغوص بين شقوق الأرض الضيقة تخدشه وتعذبه إلى يوم القيامة ، أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين من مضلات الفتن ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية