اطبع هذه الصفحة


خطبة الاهتمام بالصلاة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ اله وحده لا شريك له ، شهادة حق ورضى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، نبي العدل والهدى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً .. " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " … أماّ بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، وراقبوا ربكم في السر والعلن ، فهو معكم بعلمه ، مطلع على أعمالكم وأقوالكم ، فأنتم محاسبون عليها ومؤاخذون بها .
أمة الإسلام : إن الذنوب لهي أكبر معول لهدم الدين في النفوس ، وأعظم معين للأعداء ، ألا وإن من أعظم الذنوب والمعاصي التي عُصي الله بها في الأرض ما جاء على لسان ذلك اليهودي الذي قال : " إذا أراد المسلمون أن ينتصروا علينا فلا بد أن يكون حضورهم في صلاة الفجر مثل حضورهم في صلاة الجمعة " ، نعم يا عباد الله ، إذا أردنا النصر والفوز على الأعداء من شياطين الإنس والجن ، فيجب أن يكون حضورنا في جميع الفروض الخمسة كحضورنا في صلاة الجمعة ، هذا ما شهدت به الأعداء ، والحق ما شهدوا به ، فلماذا يفكر الكثير من المسلمين في الصلاة في بيوتهم دون الحضور إلى مقر الصلاة وهي المساجد ، واعلم يا من تصلي في بيتك وتهجر بيوت الله إنك مهما عشت في هذه الدنيا فلا بد أن تدخل المسجد إما حياً أو ميتاً ، فاحرص على دخوله حياً متذللاً لله خاشعاً لله ، طائعاً لله ولرسوله ، قبل أن تدخله محمولاً على أعناق الرجال ميتاً ليصلى عليك ، فحينئذ لا ينفعك عملك ولا تجارتك ولا منصبك ولا مكسبك ولا أولادك من الله شيئاً ، وإليكم هذه القصة ، هذا رجل آتاه الله قوة في جسمه وفتوة في عضلاته ، فنسي أن الله هو القوي المتين ، كان يسمع داعي الله فلا يجيبه ، أما إذا سمع داعي الهوى والشهوات أسرع في إجابته ، وكل همه جمع المال من أي طريق كان ، كان يعمل حمالاً يحمل البضائع في الأسواق ، وذات يوم دخل متجراً وهو يحمل بضاعة ، فسقط عليه جدار فوقع على ظهره ، فأصيب بشلل كلي أفقده القدرة على المشي والحركة فصار حياً ميتاً ، قد حكم عليه بعدم الحركة طوال الحياة ، حتى الخارج من السبيلين لا يملك إخراجهما بنفسه ، فيحتاج إلى ثلاث ساعات على الأقل لإخراجهما بعد ألم عسير لا يعلمه إلا الله ، وهكذا هي حياته نكد وألم وتعب ، لم يعرف المسجد يوماً ، فعاقبه الله عقاباً أليماً ، وسأله أحد الزائرين عن أمنيته الآن ، فقال : أتمنى أن أحضر صلاة الجماعة . آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .
يا تاركاً للصلاة ويا هاجراً لبيوت الله ويا مستهيناً بأوامر الله : هل تذكرت هادم اللذات ومفرق الجماعات ، هل تذكرت مفارقة المال والأهل والأولاد ، هل تذكرت يوماً تكون فيه من أهل القبور ، هل تذكرت ضيقها وظلمتها ، ووحشتها وكربتها ، هل تذكرت عذاب القبر وحياته وعقاربه ، هل تذكرت عندما يضرب الفاجر بمرزبة من حديد ويصيح صيحة يسمعه كل الخلائق إلا الإنس والجن ، هل تذكرت عندما تسأل في قبرك أتوفق للجواب أم تحيد عن الصواب ، فيا ويلك كيف نسيت الموت وهو لا ينساك ، ويلك كيف غفلت ولم يغفل عنك ، وويل لك كيف تؤثر دنياك ولا تدري غداً ما يفعل بك ، فأعد للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً ، وإياك والتفريط في جنب الله فالله معك يسمعك ويراك ، إياك والتسويف ، ولا تقل ما زلت في مقتبل العمر ولسوف أتوب ، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، ولا شاباً ولا شيخاً ، ولا غنياً ولا فقيراً ، ولا وزيراً ولا أميراً ، ولا رجالاً ولا نساءً ، " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد "
أمـا والله لـو عـلـم الأنام لمـا خـلـقوا لما غفلوا وناموا
لـقـد خـلـقوا لما لو أبصرته عـيـون قـلوبهم تاهوا وهاموا
مـمـات ثم قـبـر ثم حـشر وتـوبـيـخ وأهـوال عـظام
فيا أيها العبد الضعيف ، يا أيها العبد الفقير إلى رحمة ربه ، كم تماديت ، وكم تعاليت على ربك ، وهو القوي شديد العقاب ، الذي له ملك السموات والأرض ، الغني عن طاعتك ، من الذي سيجادل عنك في قبرك ويوم أن تحشر وحدك ، أتركت الصلاة يائساً من رحمة الله ، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، أم تركت الصلاة آمناً من مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون . أم هل ضمنت الجنة وأمنت من النار ، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول : " والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله " .
أيها المسلمون : ألا فاعلموا أن مقام الصلاة عظيم ، وقدرها عند الله كبير ، ولهذا فرضها وشرعها من فوق سبع سماوات ، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام ، وعموده الذي لا يقوم إلاّ به ، وهي الفارقة بين الإسلام والكفر ، والفاصلة بين الإيمان والشرك ، قال صلى الله عليه وسلم " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " وقال صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً ، فقال : " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف " ، وإنما خصّ هؤلاء الأربعة لأنهم رؤوس الكفر ، فتارك الصلاة إماّ أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته ، فمن شغله عنها جمع المال وكسبه بأي طريق ومن أي مكان وتهاون في أمر الصلاة فهو مع قارون ، ومن شغله عنها ملكه وإدارته فهو مع فرعون ، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان ، ومن شغله عنها تجارته ومحلاته وعمله من أجل كسب المال وتهاون في أمر الصلاة فالنوم والعمل أفضل من الصلاة عنده فهو مع أُبي بن خلف وكل أولئك أئمة الكفر والطغيان . قال صلى الله عليه وسلم : " ولا تتركوا الصلاة عمداً فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة " .
إخوة الإيمان : إن الشيطان عدو البشرية جمعاء ، حريص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة ، لأن من انصرف عن صلاته فحتماً سينصرف عن بقية أحكام الشريعة ، وإنه والله لا دين لمن لا صلاة له ، ولا حظ له في الإسلام . ولا قدر له عند الله الملك العلام ، إن للشيطان حيلاً ماكرة يمكر بها على المسلم ، حتى يضيع عليه دينه فيقذفه في نار جهنم والعياذ بالله ، وله طرقاً عديدةً يحتال بها على ضِعاف الدين ، فإن استطاع أن يمنع المسلم من الصلاة بالكلية فإنه يبذل لذلك كل ممكن وكل مستحيل ، وإن لم يتمكن من منعه منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة ، فإن لم يستطع إلى ذلك سبيلاً أغراه بالتكاسل حتى يؤخرها عن وقتها ، فيُحرَمَ المسلم أجر الصلاة وتبقى عليه عقوبة تأخيرها وعمد ذلك فيها . إن الواقع المر ، والحاضر التعيس الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم شاهد على استحواذ الشيطان عليهم إلاّ من رحم الله منهم وعصم ، وإلاّ فالغالبية العظمى ، والكثرة الكاثرة من المسلمين تهاونوا في أمر الصلاة ، وتقاصروا عن أدائها في أوقاتها ، فما أصبرهم على النار ، إن حال المسلمين اليوم مع الصلاة حال محزنة وحال مخزية ، فقد خف ميزان الصلاة عندهم وتساهلوا في شأنها ، وصار التخلف عنها أمراً هيناً ، بل لا يلقى له بال ، : " رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل " .
عباد الله : إن البيوت والمحلات التجارية تلتصق بالمساجد وتجاورها من كل جهة وناحية ، ومع هذه النعمة العظيمة فلا يخرج منها إلى بيوت الله عز وجل إلاّ قلة قليلة ، وبعضها لا يحضر منها أحد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . والعجيب أن من يحضرون إلى الصلاة لا ينكرون على المتخلفين عنها ، فكم نرى من كثرة الناس في الأسواق والحدائق والمطاعم والملاهي وأمام الشاشات وعلى الأرصفة وفي الشوارع ، ولا نراهم في أشرف البقاع وأجلها ، لا نراهم في بيوت الله عز وجل ، فسبحان الله العظيم .. كيف تساهل أولئك الناس في أمور دينهم ، وغفلوا عن تحكيم شريعتهم ، وتركوا صلاتهم ، وشمروا إلى النار سواعدهم ، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، اتصفوا بصفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم بتكاسلهم عن صلاة الجماعة ، قال تعالى : " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً " ، واستمع يا من تركت الصلاة ، استمع يا من قطعت الصلة بالله ، يقول أحد المغسلين للموتى : جاءتنا جنازتين إحداهما لشاب يبلغ الرابعة عشرة من عمره والآخر يبلغ الستين ، يقول : واتجه جميع المغسلين إلى ذلك الشاب لتغسيله ، فغسلناه وكفنّاه ووجدنا راحةً وطمأنينةً في ذلك ، فسألنا والده عنه ، فقال : كان من المحافظين على الصلوات وخاصةً صلاة الفجر ، ولم يترك صلاة الفجر إلاّ مرةً واحدة ، عندما حضرته الوفاة قبل الصلاة ، واستطرد المغسل قائلاً : أماّ ذلك الطاعن في السن فقد رفض تغسيله كل المغسلين وإذا برائحة كريهة تنبعث منه ، فخرج كل من في المغسلة من نتن تلك الرائحة ، ولم يبق إلاّ أنا ، فاستعنت بالله لتغسيله وعندما سألنا أهله عن حاله قالوا : كان لا يعرف جمعة ولا جماعة . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
أيها الناس : صلاة الجماعة فرض عين ، تجب في حال الصحة والمرض ، تجب في حال الإقامة والسفر ، تجب في حال الأمن والخوف ، وفي ساحات الوغى والقتال ، فلقد أمر الله نبيه بالصلاة في حال الحرب ولم يعذره بتركها ، فكيف بمن يعيش في بيته وبين أهله آمناً من الخوف ، سالماً من العاهات ، صلاة الجماعة لا تسقط عن المسلم بحال ما دام عقله ثابتاً . ولو عذر في تركها أحد لكان العذر لمن يقاتلون الأعداء في ساحات القتال ، قال الله تعالى : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " ولو كان هناك عذر للتخلف عن صلاة الجماعة لأعذر الأعمى في تركها ، فقد روى مسلم في صحيحه أن رجلاً أعمى قال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له ، فلماّ ولىّ دعاه فقال : " هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب " وفي رواية قال : " لا أجد لك رخصة " . الله أكبر يا عباد الله لم يُرخص لذلك الضرير الأعمى ، بعيد الدار ، ولا قائد له ، والطريق إلى المسجد وعرة وكثيرة الهوام ، فما بالنا بمن أنعم الله عليه بشتى النعم ، نعمة البصر ، وإضاءة الطرق والأمن من الخوف ، والمركب الموصل إلى المسجد ، فما عذرك يا من تركت صلاة الجماعة ؟ وما حجتك أمام الله ؟ إن نعم الله عليك لا تعدّ ولا تُحصى ومن أجلها وأعظمها نعمة البصر التي بها ترى الطريق إلى بيوت الله عز وجل ، فماذا لو وضعت أعمالك في كفة ونعمة البصر في الأُخرى ، ثم رجحت نعمة البصر ، فيالها من خسارة عظيمة ونهاية مؤلمة .
أمة التوحيد : لما لم يعذر أحد بترك صلاة الجماعة علم بالضرورة وجوبها على الأعيان ، قال صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرق بيوتهم بالنار" ] متفق عليه [ ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من سمع النداء بالصلاة فلم يأت فلا صلاة له إلاّ من عذر " وسُئل ابن عباس رضي الله عنهما ما العذر ؟ قال : مرض أو خوف . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " [ رواه أبو داود بإسناد حسن ] . فأين أنتم يا من تصلون في بيوتكم ، وتزعمون أنكم جماعة ، من أين حصلتم على هذه الفتوى ، وأنى لكم هذا العلم ، آلله أمركم بهذا أم على الله تفترون ، ما فائدة المساجد إذن ، أتظنون أن الله لا يعلم كثيراً مما تضمرون في نفوسكم ، ألم تسمعوا قول الله تعالى : " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال " ، ألم تسمعوا قول الله تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " ، وأين يركع الراكعون ، إنهم يركعون في بيوت الله ، طمعاً في رحمة الله ، وخوفاً من عقاب الله ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ، لتركتم سنة نبيكم ، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق " .
معاشر المسلمين : هذا موظف يحضر إلى عمله كل يوم مبكراً ، ولكنه يغيب عن آخر يوم من أيام العمل ، فالتمس له رئيسه العذر ، وتكرر هذا الغياب ، حتى أصبح سمة يعرف بها ذاك الموظف ، فضاق به رئيسه ذرعاً ، فاستدعاه وحذره من الغياب ، وأمهله وأمد له في المهلة ، ولكن الموظف تمادى في غيابه عن آخر يوم من أيام عمله ، فقرر الرئيس فصله من عمله ، واستدعاء الهيئة الاستشارية في العمل ، وعقد اجتماعا مغلقا ، وتمخض عن ذلك الاجتماع ، الإجماع على فصل الموظف ، لأن حضوره مبكراً كل يوم لم يشفع له بالغياب عن آخر يوم بلا عذر ، فتم فصله من عمله . ولله المثل الأعلى ، فذاك الموظف مثل عبد من عباد الله ، خلقه الله لطاعته ، ثم يتأخر أو يترك صلاة الفجر بلا عذر ، فما عذرك يا من تركت صلاة الفجر ، ونمت عنها ، وضبطت المنبه على وقت العمل ، أللعمل خلقك الله ؟ أم خلقك لعبادته ، ألا تستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله ، فذاك الموظف الذي يغيب عن عمله بلا عذر ، لأنت أشد منه إثماً ، وأعظم منه جرماً .
أمة الإسلام : صلاة الفجر تلك الصلاة العظيمة المشهودة التي تشهدها ملائكة الليل والنهار ، تلك الصلاة التي فرط فيها كثير من المسلمين اليوم ، تلك الصلاة التي تئن المساجد من فقد المسلمين فيها ، إنها الاختبار الحقيقي لقوة الإيمان ، إنها المحك الرئيسي لحب الرحمن ، فأين أهل الفرش والأسرة عنها ، إنهم يغطون في نوم عميق والمنادي ينادي " الصلاة خير من النوم " ولسان حالهم يقول النوم خير من الصلاة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " [ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني ] لقد آثروا النوم على الصلاة ، الله أمرهم بها فلم يذعنوا للأمر ولم يستيقنوا للخبر ، عصوا ربهم وتمردوا عن طاعته وعبادته ، واسمع يا من أحببت النوم على الصلاة ، اسمع يا من آثرت الفراش الوثير على بيوت الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم على رأسه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ـ أي يفلق رأسه ـ فيتدهده الحجر ـ أي يتدحرج ـ فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى " قال : قلت لهما : إني رأيت الليلة عجباً ، فما هذا الذي رأيت ، قالا لي : أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل ينام عن الصلاة المكتوبة " [ رواه البخاري ] ، فأين رجال التعليم ، وأين الآباء ، وأين الشباب ، وأين الآمهات ، وأين البنين والبنات ، عن هذا الحديث العظيم ، فهل يستوي من يمشي في الظلم إلى المساجد ومن هو نائم وراقد ، والله لا يستويان أبداً : " فريق في الجنة وفريق في السعير " قال صلى الله عليه وسلم : " ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما ـ من الأجر ـ لأتوهما ولو حبواً " [ متفق عليه ] ،يقول أحد المغسلين للموتى : وقد جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه ودخلنا لتغسيله فبدأنا بتجريده من ملابسه ، فإذا هو جثة نقلبها بأيدينا ، ولقد أعطاه الله بياضاً ناصعاً في بشرته ، وبينما نحن نقلب الجثة ، وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة سوداء ، فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفاً وفزعاً ، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف مذعور ، فسألت أبوه : ما شأن هذا الشاب ، فقال : إنه كان لا يصلي ، يقول المغسل : فقلت له خذوا ميتكم فغسلوه ، فرفض المغسل أن يغسله ، ورفض الإمام أن يصلي عليه ، إنا لله وإنا إليه راجعون . لا إله إلاّ الله ! لا يُغسل ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، فماذا يُفعل به ؟ يُذهب به إلى الصحراء ويحفر له حفرة ويقذف فيها ويُهال عليه التراب حتى لا يؤذي المسلمين برائحته . فأيّ نهاية سيئة لهذا العبد ، قال الله تعالى : " ولا تصل على أحد مات منهم أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " ، " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون " .
الله الله بالصلاة أيها الشباب والرجال ، الله الله بالصلاة يا إماء الله يا نساء الأمة ، أوصيكم ونفسي بالمحافظة عليها ، فلقد فرطتم كثيراً ، وتماديتم ملياً ، وعصيتم كثيراً ، ونمتم طويلاً ، وقد حان أوان العودة إلى الله تعالى ، فالأحداث اليوم لا تنبئ بخير ، والواقع اليوم خطير ، فإذا لم تعودوا إلى الله اليوم فمتى ستعودون ، فاحرصوا على الصلاة فهي مفتاح كل خير ، وهي السبيل الموصل لرضوان الله تعالى ، ومن تركها فقد قطع صلته بالله ، فاتقوا الله أيها المسلمون وأدوا هذه الفريضة العظيمة وفق شرع الله تعالى ، وفي بيوت الله عز وجل ، " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياّكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وجعلني وإياكم من المتبعين لسنة سيد المرسلين . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .


الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والأنبياء إخوانه … أماّ بعد :
فيا أيها المسلمون : كم هم الذين يتهاونون بصلاة الجمعة فلا يصلونها ظناً منهم بعدم وجوبها وتكاسلاً عن إتيانها بسبب السهر والنوم الطويل ، والله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " ] رواه مسلم [ . وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك ثلاث جُمع تهاوناً طبع الله على قلبه " ] رواه أحمد وأهل السنن [ . وقال صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم " [ رواه مسلم ] ، فالله الله أيها المسلمون بالمحافظة على الصلاة والاهتمام بها فهي الفارقة بين الإسلام والكفر والشرك ، قال ابن حزم ، جاء عن عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم " أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد " . نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ . أي من النقصان بعد الزيادة .
أيها المسلمون : أختم هذه الخطبة برسالة أبعثها لكل من يتصدق في سبيل الله ، ولكل من يصوم النهار ، ولكل بار بوالديه ، ولكل رحيم بالمساكين ، ولكل من يحسن إلى الجار ، ولكل من يفعل الخير ، ويعين المسلمين على نوائب الدهر وهو تارك للصلاة ، أبعث له هذه الرسالة مقدماً له أحر التعازي في ضياع تلك الأعمال هباءً منثوراً ، وذهابها سراباً بقيعة ، فلا تنفعه أعمال الخير كلها ما كان مضيعاً للصلاة مفرطاً فيها ، فإن سألت عن مصيرها في الدنيا فيقول الله تعالى : " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا " [ أخرجه مسلم وأحمد ] ، فيا تارك الصلاة هذا هو مصير أعمالك في الدنيا ، وأما في الآخرة فيجيبك ربك سبحانه وتعالى بقوله : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " ، فيا تاركاً للصلاة أين أنت عن جموع المصلين من المسلمين ، وأين جبهتك من جباه الراكعين الساجدين ، وأين قلبك من قلوب الخائفين من ربهم والوجلين ، أما تستحي أن يطيع الله حيوان وجماد لا عقل له ، وتعصيه أنت بما كرمك الله من العقل ، أتسجد الحجارة والشجر والدواب لله تعالى ، وترفض ذلك أنت ، ألم تسمع قول الله تعالى : " ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب" ، فاحذر أن تكون ممن حق عليهم العذاب ، فتخسر الدنيا والآخرة ، وذلك والله هو الخسران المبين ، ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من الحق ، أما آن لنفسك أن تتذكر نعم الله عليها ، أما علمت أن الله خلقك وأوجدك لتعبده ، لا لتعصيه وتخالف أمره ، " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً وله عذاب مهين " ، فهل بعد هذا البيان من عذر للفتيات والفتيان ، والشباب والشيبان ، وهل بعد هذا الحديث من عذر للذكور والإناث . فما حجتك يا تارك الصلاة أمام الله ؟ ما جوابك إذا سئلت عن سبب تركك للجمع والجماعات ؟ ! فالويل لك إن لم توفق للجواب الصواب ، هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير والسراج المنير نبينا محمد بن عبد الله ، فقد أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال جل شأنه " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين . اللهم انصر الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم انصر اخواننا المسلمين المظلومين المستضعفين في كل مكان الذين يجاهدون أعداءك ويحبون أولياءك ، اللهم انصرهم على من ظلمهم ، اللهم انصرهم على من بغى عليهم ، اللهم قوّ شوكتهم ، اللهم كن لهم عوناً ومعيناً ، وناصراً وظهيرًا ، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم واحم حوزتهم ، اللهم كثر عددهم وعدتهم ، اللهم زلزل الأرض تحت أقدام أعدائهم ، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين ، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر ، اللهم خذهم أخذاً وبيلا ، اللهم من عاونهم وساندهم فأدر الدائرة عليه واجعله غنيمة للمسلمين يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اهد شباب المسلمين ، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً ، اللهم جنبهم رفقاء السوء والفساد يا رب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحانك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة .. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية