|  | 
   
	بسم الله الرحمن الرحيم
		الحمد لله باسط اليدين 
		بالعطايا ، كثير البركات والهدايا ، ينزل على عباده الغيث ، برحمته ومنته ، 
		ويمسك ذلك عنهم بسبب معاصيهم وذنوبهم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا 
		شريك له ، رحيم غفور ، حليم شكور ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من 
		خلقه ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومم تبعهم بإحسان 
		إلى يوم الدين . . أما بعد :
		فإن الناظر في واقع الأمة اليوم تأخذه الشفقة والرأفة بكثير من المسلمين ، 
		فلم تعد الأمة هي تلكم الأمة التي كانت تفتح الأمصار ، وتنشر الإسلام عبر 
		الطرق البرية والبحرية ، بوجود أبطال فاتحين ، ومجاهدين منافحين ، رجال 
		باعوا الدنيا بالآخرة ، دفعوا جماجمهم ودماءهم مهوراً لجنة عرضها السموات 
		والأرض ، علموا حقارة الدنيا وفناءها فنأوا عنها ، وأدركوا عظيم حياة 
		الآخرة وبقاءها فرغبوا فيها ، فأصبحت سماؤهم خيرات ، وأرضهم بركات ، قال 
		الله فيهم : { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ 
		اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً 
		تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [ النور 37 ] ، وقال تعالى 
		في شأنهم : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ 
		عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا 
		بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } [ الأحزاب 23 ] . 
		اليوم لا تجد إلا أشباه الرجال ، إلا من رحم الله وعصم ، فكثير من الناس 
		قست قلوبهم ، وابتعدوا عن منهجهم ، وتقاذفتهم أمواج الحياة الدنيا يمنة 
		ويسرة ، فناج مخدوش ، ومكردس فيها ، حتى أصبحت الدنيا هي همهم الأهم ، 
		وشغلهم الشاغل ، فنضبت المياه ، وغارت الآبار ، وأجدبت الأرض ، ولم يستطع 
		الناس أن يستخرجوا الماء بمجاديع الدعاء ، لأن كثيراً منهم ابتعدوا عن طريق 
		الهداية والصواب .
		
		ولنا مع المطر والماء وحبسه وإرساله وقفات :
		الوقفة الأولى :
		اليوم وحتى هذا التأريخ نسمع ونرى أسعاراً خيالية لقيمة الماء ، حتى وصل 
		سعر الوايت الواحد إلى قرابة 1000 ريال أو أكثر ، وأصبح هناك شح في الماء ، 
		كل ذلك بما كسبت أيدي الناس من المعاصي والآثام ، فهل سيدرك الناس خطورة 
		هذا الأمر ، أم سيستمرون على ما هم عليه من الذنوب والعصيان ؟
		
		الوقفة الثانية :
		الماء أصل الحياة وأساسها ، قال الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ 
		الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ 
		سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء 
		فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى 
		لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف57 ] .
		الله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيره 
		بإذن الله , فيستبشر الخلق برحمة الله , حتى إذا حملت الريح السحاب المحمل 
		بالمطر ساقه الله بها لإحياء بلد , قد أجدبت أرضه , ويَبِست أشجاره وزرعه , 
		فأنزل الله به المطر , فأخرج به الكلأ والأشجار والزروع , فعادت أشجاره 
		محملة بأنواع الثمرات ، كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من 
		قبورهم أحياءً بعد فنائهم ; لتتعظوا , فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على 
		البعث . 
		وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ 
		وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء 
		كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء30 ] .
		أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل 
		بينهما , فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض , ففصلناهما بقدرتنا , 
		وأنزلنا المطر من السماء , وأخرجنا النبات من الأرض , وجعلنا من الماء كل 
		شيء حي , أفلا يؤمن هؤلاء الجاحدون فيصدقوا بما يشاهدونه , ويخصُّوا الله 
		بالعبادة ؟
		
		الوقفة الثالثة :
		إذا نزل الماء من السماء استطاع الناس أن يسقوا أراضيهم فتنموا الأشجار 
		وتخرج الثمار ، ويستطيع الناس أن يسقوا البهائم ، فتتكاثر وتتناسل ، وللماء 
		فوائد كثيرة جداً فلولا الماء لما بقيت الحياة ، وتأمل معي قول الحق تبارك 
		وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ 
		رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ 
		بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ 
		كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى 
		أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً } [ الفرقان 48-50 ] .
		وتدبر قول الله عز وجل : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } 
		[ الذاريات22 ] .
		قيل في تفسير هذه الآية : رزقكم أي : المطر ، وما توعدون أي : الجنة .
		
		الوقفة الرابعة :
		الماء من ضروريات الحياة ، فإذا امتنع الماء تضرر الناس والبهائم ، حتى ورد 
		في تفسير قوله تعالى : { أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ 
		اللَّاعِنُونَ } [ البقرة159 ] .
		قول بعض المفسرين : إذا أجدبت الأرض قالت البهائم : " هذا من أجل عُصاة بني 
		آدم ، لعن الله عصاة بني آدم " [ تفسير ابن كثير1/472 ] . 
		وكم هي المناطق التي تأثرت بشح الماء وقلته أو انقطاعه في هذه الدولة 
		المباركة ، حتى وصل سعر الوايت الواحد في بعض المناطق أكثر من ألف ريال ، 
		وهو مبلغ كبير جداً على فئة من الناس ، ولا شك أن ذلك عقوبة من الله تعالى 
		لعباده ، كما أن الله عز وجل يرسل الآيات يخوف بها عباده لعلهم يرجعون إلى 
		دينهم ، ويتركون ما هم عليه من المعاصي والذنوب وتعدي حدود الله تعالى ، 
		قال تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن 
		كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً 
		فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ 
		الإسراء59 ] .
		فكم رأينا من خسوف وكسوف وزلازل وغلاء في المعيشة بل غلاء في جميع السلع 
		والمنتجات ، كل ذلك بما كسبت أيدي الناس لعلهم يتوبون وإلى ربهم يرجعون ، 
		ولكن لم يزد الكثير منهم إلا عتواً ونفوراً ، فنسأل الله لنا ولهم الهداية 
		والصلاح والتوفيق إلى سبيل الرشاد .
		ولو أردت أن تعدد المنكرات التي تعج بها أوساط المسلمين لاحتجت إلى وقت 
		طويل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
		ولنتأمل هذا الحديث العظيم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رضي الله 
		عنهما _ قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 
		فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ 
		بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ 
		الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا 
		فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي 
		أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ 
		وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، 
		وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ 
		أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ 
		الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ 
		رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ 
		فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ 
		أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ 
		إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ أخرجه ابن ماجة ، وقال 
		الألباني : صحيح ، انظر حديث رقم: 7978 في صحيح الجامع ] .
		ونحن نرى مصداق هذا الحديث اليوم ظاهراً بيناً ، فقَلَّ من يأمر بالمعروف 
		وينهى عما ورد في هذا الحديث من المنكر ، فإذا فعل الناس ذلك وتغالوا 
		وتعاموا ، فإنه لا يُستجاب دعاؤهم ، وهانحن نصلي صلاة الاستسقاء مرات عديدة 
		ولم نرى مطراً ، بل نرى تقشعاً ووجهاً للأرض مكفهراً ، فإلى الله المشتكى ، 
		وإليه المهرب والملتجأ .
		فإذا ما رُمنا مطراً وماءً منهمراً ، فلابد من عودة إلى الله صادقة ، 
		ورجوعاً إليه حميداً ، يجب أن نترك المعاصي ، ونأخذ على أيدي العصاة 
		والمجرمين ، لابد من إقامة حدود الله عز وجل على الجميع ، ولا نفرق بين غني 
		ولا فقير ، ولا وضيع ولا عزيز ، فإذا ما فعلت الأمة ذلك فلسوف يمطرون بإذن 
		الله حتى يقولوا : " اللهم حوالينا ولا علينا " .
		
		الوقفة الخامسة :
		لا يمكن أن تقوم الحياة إلا بالماء ، لأنه أصلها ومنشؤها ، فكم لهذه النعمة 
		العظيمة من فوائد جمة ، فلا يمكن أن تُسقى الزروع والأشجار إلا بالماء ، 
		فإذا فقد الماء هلكت ، وكذلك في الرعي ، فلا ينبت العشب إلا بالماء ، فإذا 
		عُدم ماتت الماشية ، وكذلك في الاستعمالات اليومية ، فالإنسان يحتاج الماء 
		في الاستحمام والاغتسال والطبخ والشراب ، فإذا عُدم الماء ، انتشرت الأوبئة 
		والأمراض المهلكة ومات بني الإنسان ، فلله الحمد من قبل ومن بعد على هذه 
		النعمة العظيمة ، وغيرها من النعم التي لا يمكن حصرها أو عدها ، ونسأله 
		سبحانه أن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته ، فهل أدرك الناس عظيم هذه 
		النعمة وفضلها ؟
		قال تعالى : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ 
		نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ 
		إبراهيم 34 ] .
		وقال سبحانه وتعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا 
		إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل18 ] .
		ومع ظلم الإنسان العظيم ، وتعديه لحدود ربه الكريم ، إلا أن رحمة الله أوسع 
		لعباده ، فهو يرحم بعضهم ببعض ، وهو يرحمهم جميعاً لعلهم يتوبون ويرجعون .
		
		الوقفة السادسة :
		المطر بيد الله وهو الذي ينزله ، قال سبحانه : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ 
		الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ 
		الْحَمِيدُ } [ الشورى28 ] .
		فإذا كان المطر بيد الله وهو الذي ينزله ، وهو الذي يحبسه ، فإنه لابد من 
		اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بخشوع وتضرع ، وما نشاهده اليوم من قلة رواد 
		صلاة الاستسقاء ما هو إلا دليل ضعف الإيمان ، وعدم معرفة حقيقية لقيمة 
		الماء لو أمسكه الله عز وجل ومنع منه الناس والدواب ، فلذلك نشاهد العزوف 
		عن صلاة الاستسقاء ، لأن أكثر الناس قد امتلأت بيوتهم بالماء من جراكن 
		وخزانات وثلاجات ، مما سهل عليهم الحصول على الماء وبسعر زهيد ، لكن تأمل 
		أهل البادية ، وتأمل تلك الحيوانات ، وتلك النباتات ، التي ليس لها مصدر 
		للماء إلا ما يرحم الله به عباده منهم بنزول الغيث ، وانهمار المطر ، فإذا 
		توقف هطول المطر عنهم ، وامتنع نزول الماء من السماء ، فلا تسأل عن حالهم ، 
		وكيفية معيشتهم وحالتهم ، فهرب في كرب وضيق وشدة لا يعلمها إلا الله وحده .
		فتراهم يلجئون إلى الله بصدق وإخلاص وبكاء ، وتضرع وخشوع ودعاء ، يخرجون 
		إلى المصلى يستسقون عن بكرة أبيهم رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، يبكون 
		بكاءً مريراً ، بسبب توقف مصدر الحياة عن النزول ، أولئك قوم عرفوا قدر 
		رحمة الله تعالى عليهم .
		إلا أننا نجد أن أكثر الناس لا يقدرون هذا الوضع ، فتراهم لا يسارعون إلى 
		المساجد في صلاة الاستسقاء ، مع أن إخوانهم من أهل البوادي بحاجة ماسة 
		لنزول المطر ، فهم لا يشاركونهم مصابهم ، بل لا يبالون بهم ، وهذا من 
		الغفلة وعدم اجتماع كلمة الأمة ، ودليل على تفرقها وعدم التئام شتاتها ، 
		فهي ليست كما أراد منها ربها وخالقها ، وليست كما أراد منها نبيها صلى الله 
		عليه وسلم القائل : " مثل المؤمنين "
		فلوا حصل جفاف في الأرض لا سمح الله لرأيت أمراً مهولاً من إقبال الناس على 
		صلاة الاستسقاء ، حتى أن جميع المساجد لا تسعهم ، ولكنهم في غفلة معرضون ، 
		فمتى يفيقون ؟
		اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً .
		
		الوقفة السابعة :
		الغفلة عن أهمية المطر والماء ، ولنا وقفة مهمة هنا ، فأكثر الناس اليوم لا 
		يصلون صلاة الاستسقاء ظناً منهم أن النعم تدوم ولا تنعدم ، وكأنهم لم 
		يقرءوا كتاب ربهم تبارك وتعالى ، وكيف أن الأمم السابقة التي عتت عن أمر 
		ربها ورسله ، حاسبها ربها حساباً شديداً ، وعذبها عذاباً نكراً ، فذاقت 
		وبال أمرها ، وكان عاقبة أمرها خسراً .
		ومن تلكم الآيات الدالة على النعم لا تدوم ، بل ربما تزول ، قوله تعالى : { 
		وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً 
		يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ 
		اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ 
		يَصْنَعُونَ } [ النحل112 ] ، وقال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي 
		مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ 
		رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ15 
		] .
		فانظر كيف كانت عاقبة الظلم وأهله ، والفساد ودعاته ، والكبر وبغاته ، تبدل 
		النعم إلى نقم ، والخيرات إلى أرض قفر ، والعزة إلى ذلة ، والكرامة إلى 
		إهانة ، هكذا هو حال كل من يخرج عن أمر ربه ، ويترك أوامره ، ويرتكب نواهيه 
		، نهاية سيئة ، وخاتمة وخيمة ، وخسارة جسيمة .
		إن العالم اليوم تفوح منه روائح العناد والكبر على الواحد القهار ، يحاربون 
		الله بالربا ليل نهار ، يأكلون الرشوة ، ويأكلون أموال الناس بالباطل ظلماً 
		وعدواناً .
		لقد تعددت ألوان الدعوة إلى الربا صريحة عبر وسائل الإعلام بمختلف صورها 
		وأشكالها ، محاربة لمالك الأرض والسماء ، فكيف يفلح أناس أعلنوها حرباً 
		شعواء على خالقهم ومالكهم ورازقهم ؟
		إنه حرب غير متكافئة ، ولو أراد الله ذي الجبروت والقوة والملكوت أن يهلكهم 
		في لحظة واحدة لأهلكهم ، قال تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو 
		الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ 
		بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } [ الكهف58 ] ، 
		وقال من حكم وقهر : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا 
		تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ 
		مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ 
		يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل61 ] .
		وقال سبحانه وتعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا 
		مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى 
		أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ 
		بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [ فاطر45 ] .
		اليوم وبسبب جرائم المال الحرام ولاسيما جريمة الربا ، توقفت السماء عن 
		قطرها ، وأمسكت الأرض نباتها ، لقد انهار الاقتصاد العالمي المالي برمته 
		بسبب الربا والمعاملات المحرمة ، حتى اعترف الكفار أنفسهم أنه لابد من 
		التعامل بنظام الاقتصاد الإسلامي الخالي من كل غش أو ظلم أو تدليس ، حتى 
		تعود المصارف إلى عافيتها وصحتها وتتكدس أموالها .
		فهل يعقل المسلمون ذلك ؟ ويتركوا التعامل مع البنوك الربوية ، وجميع بنوكنا 
		اليوم ربوية ، وجل معاملاتنا ربوية ، فإذا أردنا رحمة الله ومغفرته فعلينا 
		بالتوبة إلى الله من جميع التعاملات الربوية المحرمة ، والحذر كل الحذر من 
		الأسهم المحرمة والمشتبهة ، فإن ذلك فساد في الأنظمة ، ودمار للأمة ، اللهم 
		رحماك رحماك ، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء مِنَّا ، اللهم أرسل على 
		الغيث تفضلاً منك ومَنَّا .
		
		الوقفة الثامنة :
		المطر فرحة ، قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ 
		سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً 
		فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن 
		يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الروم48 ] .
		الناس اليوم إذا هطل المطر ، ونشر الله رحمته على عباده ، تراهم يخرجون إلى 
		البراري وإلى أماكن تواجد المطر ، منهم من يخيم حولها ، ومنهم من يتأمل 
		رحمة الله ، ومنهم من يستبشر بالمطر ، وهكذا الناس في فرحة مستمرة ما دام 
		هطول المطر ، أفلا يكون ذلك داعياً لهم لحمد الله وشكره ، ومن ثم التوبة من 
		جميع الخطايا ، والبعد عن الرزايا ؟
		هذا هو المتأمل من الخلق جميعاً .
		
		الوقفة التاسعة:
		المطر رحمة ، المطر دليل على رحمة الله تعالى بعباده ، لكن ليس الأمر على 
		ظاهره ، فهناك من المطر ما هو عذاب وعقاب ، يعذب الله به عباده إذا طغوا 
		وبغوا وكفروا وعاندوا ، قال تعالى : { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ 
		قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ 
		وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ 
		عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا 
		عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * 
		قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ 
		بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ 
		عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا 
		بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * 
		تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا 
		مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } [ الأحقاف 
		21-25 ] .
		وقال تعالى عن قوم نوح لما كذبوا رسولهم أنه سبحانه عاقبهم بالماء المنهمر 
		من المساء ، والماء المتفجر من الأرض ، فأغرقهم جميعاً ، فكان هطول المطر 
		عذاباً لا رحمة ، قال سبحانه وتعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ 
		فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ 
		أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء 
		مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى 
		أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [ القمر 9-12 ] .
		وأعود فأقول : أن الأصل من هطول المطر هو رحمة الله تعالى بخلقه ، فهل 
		سيقدر الناس رحمة الله بهم ، ويقلعوا عن المعاصي والذنوب والآثام ؟
		
		الوقفة العاشرة :
		ليس الجدب أن تمنع السماء قطرها ، وإن كان جدباً ، إلا أن الجدب الحقيقي أن 
		تُمطر السماء ، ولا تنبت الأرض شيئاً معنى الجدب الحقيقي ، عَنْ أَبِى 
		هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ 
		: " لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لاَ تُمْطَرُوا ، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ 
		تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا ، وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئاً " [ رواه مسلم 
		] . 
		
		وقفة مهمة :
		وفي نهاية المطاف ، وختماً للقطاف ، فهذه دعوة للاستغفار ، نكثر من 
		الاستغفار لعلَّ الله أن يمنَّ علينا بخيره المدرار ، والمياه الغزار .
		ما أعظم شأن الاستغفار ، وما أجل ثمراته والآثار ، ولهذا أُذكِّركم بعظيم 
		لحظات الاستغفار علها تكون ذكرى للذاكرين ، والذكرى تنفع المؤمنين ، يقول 
		الله عز وجل عن نوح عليه السلام : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ 
		إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * 
		وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ 
		وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } [ نوح 10- 12 ] ، ويقول عز اسمه عن هود 
		عليه السلام : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ 
		إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً 
		إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } [ هود 52 ] ، وقال 
		تعالى : { وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ 
		يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي 
		فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ 
		يَوْمٍ كَبِيرٍ } [ هود 3 ] ، ولقد ندبكم ربكم تبارك وتعالى إلى لزوم 
		الاستغفار واللهج به جاء ذلك في كوكبة من آيات الذكر الحكيم حيث يقول الله 
		عز وجل : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } ، ويقول سبحانه :{ وَاسْتَغْفِرِ 
		اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء 106 ] ، ويقول 
		تبارك وتعالى : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ 
		كَانَ تَوَّاباً } [ النصر 3 ] ، ويقول عز من قائل سبحانه : { 
		فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } [ ] ، ومن أسمائه الحسنى 
		وصفاته العلى الغفور والغفار وغافر الذنب وأهل المغفرة .
		وأثنى جل وعلا على عباده المستغفرين وجعلهم أهل ولايته ، ومحل رعايته ، قال 
		تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } [ آل عمران 17 ] ، وقال 
		تعالى : { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات 18 ] ، وقال 
		تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ 
		أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن 
		يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ 
		وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران 135 ] . 
		فأكثروا عباد الله من الاستغفار ، فما استجلبت الأمطار بأعظم من الاستغفار 
		.
		اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ، اللهم 
		أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً عاماً واسعاً 
		مجللاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا 
		بلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك ، واحيي بلدك 
		الميت ، اللهم أغثنا غيثاً مباركاً تحيي به البلاد ، وتسقي به العباد ، 
		وتجعله بلاغاً للحاضر والباد ، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد ، 
		اللهم أنزل علينا غيثاً صيباً ومطراً طيباً ، واجعل ما أنزلته قوة لنا على 
		طاعتك وبلاغاً إلى حين ، اللهم أنبت لنا به الزرع ، وأدرَّ لنا به الضرع ، 
		وأنزل علينا من بركات السماء ، وأخرج لنا من بركات الأرض يا واسع العطاء ، 
		يا كريم يا سامع الدعاء ، اللهم ارفع القحط والجفاف والجهد عنا وعن بلاد 
		المسلمين يارب العالمين ، اللهم إنا بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك 
		والشدة مالا نشكوه إلا إليك ، اللهم ارحم الشيوخ الركع ، والبهائم الرتع ، 
		والأطفال الرضع ، يا مولى المستضعفين ، ويا غياث المستغيثين ، ربنا ظلمنا 
		أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، على الله توكلنا ، 
		ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك 
		المصير ، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت 
		السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا وارحمنا إنك أنت 
		الغفور الرحيم ، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان 
		، ولا حول ولا قوة إلا بك يا رجاء السائلين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، 
		اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله 
		رب العالمين .
 
		كتبه
		يحيى بن موسى الزهراني
		إمام جامع البازعي بتبوك