اطبع هذه الصفحة


المساجد والأطفال

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . أما بعد :
فالأطفال زينة الحياة الدنيا ، وبهجتها ، بهم تحلو الأيام ، وتزدان الليالي ، قال تعالى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف46 ] ، وكم من الناس ممن فقد الأبوة والأمومة ، وتراهم يسعون جاهدين لسماع كلمة أمي ، وأبي ، فتراهم يجوبون البلدان للحصول على الأطفال ، ولكن قد قضى الله أمراً كان مفعولاً ، فالله عز وجل يعطي بحكمة ، ويمنع بحكمة ، وهو الحكيم العليم ، قال سبحانه وتعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى 49-50 ] .
ومع هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على كثير من الناس والتي لا يستطيعون لها شكراً أو حمداً ، قال تعالى : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } [ النحل72 ] .
إلا أنه ليس كل الذرية خير وبركة ونعمة ، بل منهم من هو نقمة وفتنة والعياذ بالله ، وذلك إذا أساء الأب أو الأم تربية الناشئة ، فحينئذ سيكونون وبالاً على والديهم ، قال تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال28 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التغابن14 ] .
ولا أشك أو يخالجني ريب أن كل الآباء والأمهات يتمنون أن يكون أبناؤهم وبناتهم من حفظة كتاب الله تعالى ، وأن يكون الأبناء من الأئمة والعلماء والدعاة والخطباء ، وحُق لهم أن يتمنوا ذلك ، فقد قال الله تعالى في العلم والعلماء : { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ آل عمران18 ] .
وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [ فاطر28 ] .
وقال عز وجل : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } [ الفرقان74 ] .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَن سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " [ رواه أبو داود وغيره ] .
ومن عظيم النتاج الحسن ، والثمر اليانع للتربية الحسنة والسليمة للأطفال ما ورد في الحديث الشريف ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : أَنَّى هَذَا ؟ فَيُقَالُ : بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ " [ رواه ابن ماجة وغيره ] .
ومن هنا يجب أن تكون تربية الأبناء والبنات تربية إسلامية وفق كتاب الله تعالى ، ووفق منهج رسوله صلى الله عليه وسلم ، بهذا نبني جميعاً لبنة صالحة ، ونسقيها بماء الكتاب والسنة حتى تنمو وتكبر وتترعرع ، ونجني ثمارها أبناءً بررة صالحين ، ومن أهم ما يُهتم به في سبيل التربية الصالحة تربية الأطفال منذ نعومة أظفارهم على حب المساجد ، وتعويدهم على الحضور إليها للتعلق قلوبهم بها ، وتشجيعهم على ذلك بكل وسائل التشجيع والتعزيز .
وهناك من الآباء من أدرك أهمية المسجد في حياة الناشئة ، فتراه يغرس في نفوس أبنائه حب بيوت الله تعالى ، ويحثهم على العناية بها ونظافتها واحترمها والهدوء فيها ، ويحذرهم من اللعب والعبث بها أو بمقدراتها وأثاثها ، لأنها بيوت الله ، ونحن ضيوف على ربنا في بيوته ، فإذا كنا نعتني بنظافة بيوتنا ، فبيوت الله أحق أن يُعتنى بها ، ولقد علم أولئك الآباء الأهمية العظمى لبيوت الله ، وأنه لا يجوز اللعب فيها ، ولا يجوز العبث بأثاثها ، ولا يجوز رفع الصوت فيها ، ولا التشويش ، لأن ذلك يُذهب الخشوع والطمأنينة من قلوب المصلين ، فلم تُبن المساجد إلا لإقامة شعائر الله فيها من صلاة وذكر ودعاء وغير ذلك من الشعائر الدينية ، قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [ النور36-37 ] .
وعلى النقيض من أولئك الآباء الفضلاء الأكفاء ، يوجد ثلة قلية من آباءٍ ظلمة قتلة ، لم يعرفوا للمساجد حقوقها ، ولم يهتموا بها الاهتمام الواجب ، فلم يرعوها حق رعايتها ، لم يهتموا بالتربية الصحيحة بالأبناء ، فلا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ، لا يهمهم أصلى أبناؤهم أم لم يصلوا ، أدخلوا المساجد أم لم يدخلوها ، وإذا دخلوا المساجد ألعبوا أم عبثوا بها ، ألزموا الهدوء أم لا ، وهذا مثال سيئ لآباء لم يراعوا الله في أولادهم ، ولم يراعوه في أماناتهم ، بل وقعوا في خيانة الأمانة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال27 ] .
عَنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [ متفق عليه ] .

ولنا مع الأطفال والمساجد وقفات :
الوقفة الأولى :
حكم دخول الأطفال والمجانين المسجد ؟
ج : على ولي أمر المجنون منعه من دخول المسجد؛ دفعاً لأذاه عن المسجد والمصلين، والسعي في علاجه، أما الأطفال فلا يمنعون من دخول المسجد مع أولياء أمورهم أو وحدهم إذا كانوا مميزين وهم أبناء سبع سنين فأكثر؛ ليؤدوا الصلاة مع المسلمين .
ورد حديث بلفظ : " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وهذا الحديث ضعيف أخرجه ابن ماجة والطبراني ، وضعفه ابن الجوزي ، وقال ابن حجر : له طرق وأسانيده كلها واهية ، وقال عبد الحق : لا أصل له وضعفه الشيخ الألباني رحم الله الجميع .

الوقفة الثانية :
حضور الأطفال للمساجد دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم لما يأتي :
عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " [ رواه البخاري ، ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه ] .
ومعنى فأتجوز أي : أخفف ، وهذا الحديث دليل على جواز حضور الصبيان إلى المساجد .
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَهِىَ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ ، فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ : " مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ " ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ فِي النَّاسِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
ومعنى أعتم : أي أخر صلاة العشاء ، وهذا يدل على جواز حضور الصبيان صلاة الجماعة في المسجد .
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ _ يعني والد أمامة _ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا " [ متفق عليه ] .
وهذا الحديث يدل على جواز إدخال الصغار في المسجد .
لكن لنقف وقفة صريحة صادقة مع أنفسنا ، أأطفالنا اليوم هم أطفال الأمس من الصحابة والتابعين ؟
والله شتان بين الفريقين ، إنه فرق واسع ، وبون شاسع بين الجيلين ، إن أجيالنا اليوم أجيال تتلقفهم الخادمات والفضائيات ، يربونهم على غير النهج الصحيح ، أما أطفال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، فهم نشء تربى على الكتاب والسنة ، ونحن اليوم يخالف كثير منا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل وجد من بني جلدتنا من يحارب الكتاب والسنة ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فكيف ستخرج أجيال تعرف للمساجد حرمتها وحقوقها ؟
لكن لا نفقد الأمل ففي الكثير من المسلمين خير وفير .

الوقفة الثالثة :
المؤمن مكلف بهداية أهله وإصلاح بيته كما هو مكلف بهداية نفسه وإصلاح قلبه فأول وجبات الرجل المسلم أن يوجه أهله إلى أداء الفرائض التي تصلهم بالله ، وما أروع الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم6 ] .
في هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يوأدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ليقوا أنفسهم وأهليهم النار .
قال علي رضي الله عنه في معنى هذه الآية : " علموهم وأدبوهم " .
وقال الحسن البصري رحمه الله : " مروهم بطاعة الله ، وعلموهم الخير " .
وقال الشافعي : " على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ، ويعلمونهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا " .

الوقفة الرابعة :
جاءت أدلة كثيرة تدل على أهمة الصلاة وأنه ينبغي على الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة ويحرصوا على ذلك ، منها :
قوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [ طه132 ] .
وقوله تعالى : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء } [ إبراهيم40 ] .
وقوله عز وجل : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ لقمان17 ] .
وقوله عز وجل : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } [ مريم55 ] .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " [ رواه أبو داود ] .
وللحديث فوائد منها :
1- هذا الحديث يدل على أنه يجب على ولي الصغير أن يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، ويضربه على تركها إذا بلغ عشراً .
2- وقوله : " مروا أولادكم " : عام يشمل الذكور والإناث .
3- وقوله : " واضربوهم عليها " : أي على ترك الصلاة ضرباً غير مبرح .

الوقفة الخامسة :
قال بعض أهل العلم : أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال ، ولكن هذا القول فيه نظر ، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم ، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم ، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم ، فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك ، ولأن في تأخيرهم تنفير لهم من الصلاة ، كما أن في تأخيرهم في صف لوحدهم دعوة للعب والعبث والضحك داخل المساجد .
قال الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " إذا جاء الصبي مبكراً وتقدم وصار في الصف الأول فإن القول الراجح أنه لا يقام من مكانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه ، ولأن هذا عدوان .

الوقفة السادسة :
نشاهد في مساجدنا بعض الآباء والأمهات الذين يأتون بأبنائهم الصغار غير المميزين ، والذين لا يدركون أهمية المسجد وحرمته ، فيتركونهم يلعبون ويلهون ، وكأنهم أتوا إلى منتزه وملعب ، فهؤلاء إلى الإثم أقرب منهم إلى الأجر ، لأنهم لم يخشعوا هم في صلاتهم ، ولم يتركوا المسلمين والمسلمات يطمأنون في صلاتهم ، بتركهم أطفالهم يعبثون ويلعبون في بيوت الله عز وجل ، فمن ترك ولده وأهمله ، وعند بدء الصلاة أخذ بالذهاب يمنة ويسرة ، ووقف أمام المصلين وربما عبث بالأجهزة الصوتية في المسجد ، فعلى ولي أمره أن يقطع صلاته خوفاً على ولده من أن يصيبه ضرر أو خطر ، وأحسن من ذلك كله أن يتركه في البيت مع أمه ترعاه وتهتم به .
وكذلك على المرأة أن تحرص دائماً على الصلاة في بيتها ، حتى لا تزعج المصليات بأبنائها .
سئل الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى هذا السؤال :
س : ما رأي فضيلتكم في بعض المصلين الذين يصطحبون معهم أطفالهم إلى بيوت الله مما يترتب عليه إحداث الفوضى ، وإشغال المصلين عن صلاتهم ، وإحداث الخلل بين الصفوف ، وذلك بخروج الأطفال من الصف بعد وقوفهم فيه خاصة في رمضان حيث تأتي المرأة بأطفالها ، فما حكم ذلك ؟
ج : إذا كان الأطفال مميزين، ولا يحدث منهم تشويش على المصلين فإنه لا يجوز إخراجهم من المساجد أو إقامتهم من أماكنهم التي سبقوا إليها، ولكن يفرق بينهم في الصف إذا خيف لعبهم . وإذا كان يحدث من الأطفال صياح وركض في المسجد، وحركات تشوش على المصلين، فإنه لا يحل لأوليائهم إحضارهم في المساجد، فإن أحضروهم في هذه الحال أمروا بالخروج بهم، وتبقى أمهاتهم معهم في البيوت وبيت المرأة خير لها من حضورها إلى المسجد .
فإن لم يُعرف أولياؤهم أُخرجوا من المسجد لكن بالرفق واللين لا بالزجر والمطاردة والملاحقة التي تزعجهم ولا يزيد الأمر بها إلا شدة وفوضى. والله الموفق .

الوقفة السابعة :
هذه نصيحة أنصح فيها إخواني المصلين أن يعاملوا الأطفال برفق ولين ، وإذا رأوا صبياً أخطأ فلا ينكر عليه بشدة ، لأن من الصفات المطلوبة في إنكار المنكر :
1- العلم .
2- الحلم .
والنصيحة مبذولة لإخواني أئمة المساجد ، أن يشجعوا الأطفال على الحضور إلى المساجد ، ولو استخدموا وسائل التشجيع المختلفة والهدايا للأطفال الذين لا يصدر منهم أذىً أو تشويش داخل المسجد .
وأن يشغلوهم بحفظ كتاب الله تعالى ، وتعلم مبادئ الدين من خلال الدروس العلمية . والحذر الحذر من أن يصدوا الأطفال عن المساجد ، فإن الطفل إن أبعد عن المسجد تلقفته وسائل الإعلام بسمومها وهمومها وأشغلته بملهياتها ومغرياتها ، حتى تهوي به في مكان سحيق .
وشتان بين صبي نشأ في المسجد ويفتتح يومه بتلاوة القرآن والصلاة ، وبين صبي ينشأ خارج المسجد يستقبل يومه ويودعه بسماع الموسيقى ومشاهدة الفضائيات .
منظر أعجبني :
بما أن إدخال الأطفال غير المميزين إلى المساجد يسبب إزعاجاً للمصلين والتالين والراكعين الساجدين يُعد خطأً ، فقد وجد من الآباء والأمهات من يُقدر ذلك الأمر ، فإذا جاء إلى الجوامع الكبيرة التي تفتح أبوابها للنساء في مصلاهن الخاص بهن على مدار الساعة ، لتؤدي الصلاة جماعة مع المسلمين والمسلمات ، هناك من يقدر للصلاة قدرها ، ويعرف للمساجد حرمتها ، فقد رأيت أماً وابنها أثناء أداء الناس للصلاة وهما في السيارة ، وبعد الصلاة رأيت الأب مع الطفل ، والأم ذهبت لتؤدي فرضها ، فأكبرت ذلك التصرف الجيد لهما ، فياليت أن الناس تقتدي بمثل تصرفهما الصحيح .
لأن هناك الكثير من الأسر التي تذهب للتسوق أو التنزه أو غير ذلك ثم تمر على بعض الجوامع فينزل جميع أفراد الأسرة من كبيرهم إلى صغيرهم ، ومنهم من لم يبلغ السادسة بعد ، ومع ذلك ودون أدنى مراعاة لحرمة المساجد ينزلون جميعاً فيزعجون الناس في المساجد بأصوات أبنائهم وبناتهم الصغار ، بلا أدب ولا حياء ، فهذا منظر يُؤسف له ، فلابد من تقوى الملك العلام سبحانه وتعالى ، والخشية منه عز وجل ، فقد وجد من الناس من يمتنع من الحضور لبعض المساجد التي فيها مثل هذا الإزعاج ، وقد قال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ البقرة114 ] .
وأكتفي بما ذكرت أعلاه ، والله ولي التوفيق ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية