اطبع هذه الصفحة


خطورة التفريط في الأمانة

يحيى بن موسى الزهراني

 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنكم ملاقوه ، ولن تعجزوه ، فمن الأرض خلقكم وفيها يعيدكم ومنها يخرجكم تارة أخرى ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، وقال تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ، " وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " .

معاشر المسلمين : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة . . . قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : وكيف إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " [ رواه البخاري ] . وهذا معنى عظيماً يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل شيء لا بد وأن يوضع في مكانه المناسب ، فلا يسند العمل ولا المنصب إلا لصاحبه الجدير به ، والأحق به من غيره ، دون محاباة لأحد ، وإلا فقد ضاعت الأمانة واقتربت الساعة . وضياع الأمانة دليل على ضياع الإيمان ونقص الدين ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له " [ حديث صحيح ، وإسناده جيد رواه الإمام أحمد والبيهقي ] . فالأمانة من الأخلاق الفاضلة وهي أصل من أصول الديانات ، وعملة نادرة في هذه الأزمنة ، وهي ضرورة للمجتمع الإنساني ، لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم ، وصانع وتاجر ، وعامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، ولا كبير وصغير ، ولا معلم وتلميذ ، فهي شرف للجميع ، ورأس مال الإنسان ، وسر نجاحه ، ومفتاح كل تقدم ، وسبب لكل سعادة ، وليست الأمانة محصورة في مكانها الضيق الذي يعتقده كثير من الناس ، فالأمانة ليست مقصورة على أداء الودائع التي تؤمن عند الناس ، بل هي أشمل من ذلك بكثير ، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من شعائر الدين أمانة ، من فرط في شيء منها أو أخل به فهو مفرط فيما ائتمنه عليه ربه تبارك وتعالى ، وتشمل الأمانة كذلك كل عضو من جسد الإنسان ، فاليد والرجل والفرج والبطن وغير ذلك أمانة عندك ، فلا تأتي الحرام من قبل ذلك ، وإلا أصبحت مفرطاً فيما ائتمنت عليه ، واحذر أن تكون هذه الجوارح شاهدة عليك يوم القيامة إن فرطت فيها ، يقول الحق تبارك وتعالى : " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " ، فمن معاني الأمانة وضع كل شيء في مكانه اللائق به ، قال أبو ذر رضي الله عنه : رسول الله : ألا تستعملني ـ يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو ريئساً لك على إحدى المدن ـ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال : " يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها " [ أخرجه مسلم ] .

أيها المسلمون : أمر الأمانة عظيم ، وخطرها كبير ، فلقد استهان كثير من الناس اليوم بأمر الأمانة حتى أضحوا لا يلقون لها بالاً ، ولا يقيمون لها وزناً ، وذلك ناتج عن سوء فهم لمعنى الأمانة وما يترتب على تضييعها والتفريط فيها من العذاب والعقاب ، ومن أسباب التفريط في الأمانة عدم تذكر ما سيحدث لمن فرط في الأمانة من العذاب والنكال في قبره من سؤال الملائكة له عما فرط فيه من الأمانة ، ألا وإن من أسباب التفريط في الأمانة ضعف الوازع الديني لدي كثير من الناس ، فلو كان هناك وازع من الدين يردع صاحبه ويزجره كلما هم بالتفريط فيما أوكل إليه من أمانة لعاشت الأمة في خير عظيم وأمن وارف ، ومن أسباب التفريط في الأمانة دافع الانتقام سواء من رئيس أو صاحب عمل ، ولا شك أن هذا الأمر لن يضر أولاً وآخراً إلا من فرط في الأمانة لعظم قدرها وكبير خطرها ، فمهما حصل من سوء تفاهم بين الرئيس والمرءوس ، والعامل وصاحب العمل ، والزوجة وزوجها ، فليس معنى ذلك أن يفرط هذا أو ذاك فيما أنيط به من أمانة ومسؤولية ، فليحذر المسلم من عاقبة ذلك فالعاقبة وخيمة والخاتمة سيئة والعياذ بالله .

عباد الله : إن من أعظم الأمانة ، الأمانة التي أنيطت بالرئيس أو صاحب العمل : ويتمثل ذلك في حسن المعاملة مع من هم تحت إمرته وسلطته ، ومن هم تحت ولايته وكفالته ، ومن هم خدم عنده ، أو يعملون لديه ، وليتق الله تعالى في العدل بينهم دون محاباة لأحد دون الآخر ، فالمؤمنون اخوة ، ولا فرق بين أحد منهم إلا بالتقوى والعمل الصالح والإخلاص في عمله ، فيجب على المسؤول أن لا يمنع هذا من ترقية أو مكافئة أو دورة تدريبية ، أو إجازة استحقاقية ، بدافع الإضرار والتفريط في الأمانة ، ويحرم على صاحب العمل أن يؤخر رواتب العمال عن موعد استحقاقها ، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ " [ أخرجه البخاري وأحمد وابن ماجة واللفظ له ] ، وأخرج ابن ماجة بسند حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " ، فيحرم بخس الناس حقوقهم من أجل خلافات يمكن أن تزول وتذهب وتضمحل ، فالإنسان لا ينتقم لنفسه ، بقدر ما ينتقم ويتمعر وجهه إذ انتهكت محارم الله ، أو أخل موظف بعمله ، وقبل أن ينشأ الخلاف يجب أن يوجه المخطئ ، فربما كانت هناك شبهة أو أمراً فُهم خطاً وبالتالي يمكن أن نتجاوز تلك العقبة ، لا سيما بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ، والتوجيه السليم ، وعدم التوبيخ أو السرعة في اتخاذ القرارات مما قد ينتج عنه نتيجة عكسية غير متوقعة ، من ظلم وتعسف وسوء فهم ، ثم يصب كل ذلك في قالب التفريط في الأمانة .

أيها المسلمون : وإن مما يتعلق بأمانة المسؤول ، أمانة تولية المسؤولية لمن هو أهل لها من أهل الخير والصلاح والاستقامة ، ومن الناس المشهود لهم بحسن السيرة والإخلاص في العمل ، حتى تتهيأ فرص الإنتاج المثلى التي يستفيد منها الفرد والمجتمع ، وليحذر المسؤول أن يولي زمام الأمور لمن ليس بأهل لها إما محاباة لأحد ، أو لأجل حصول منفعة دنيوية ما تلبث أن تزول ثم يقاسي أتعابها وآلامها ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " [ أخرجهما مسلم في صحيحه ] ، فتلك الأعمال من خيانة المسلمين ، وهي من صفات اليهود والنصارى الحاقدين ، وليست والله من الإسلام في شيء ، فالإسلام دين النزاهة والأمانة ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " ، فأمانة المسؤول أمانة عظيمة ، لاختيار الأصلح لكل عمل ، دون مراعاة لأحد ، ولا محاباة لفرد من الأفراد ، ودون تقدير لشعور قريب أو صديق ، فلن يجادل عن المفرط أحد يوم القيامة ، بل سيقاسي ألوان العذاب بسبب تفريطه في الأمانة وتضييعه لها ، وسيكون جلساؤه خصماؤه ، وشهداء عليه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا ، يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ " [ أخرجه أحمد بسند حسن ] ، وفي الحديث : " أيما رجل استعمل رجلاً ـ يعني أمره وولاه ـ على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل ، فقد غش الله ورسوله ، وغش جماعة المسلمين " ، والمتأمل في هذا الزمن ، والناظر في واقع المسلمين اليوم ، يجد أن كثيراً من الأعمال يتولاها أناس لا يصلون كفرة فجرة ، لا يخافون الله ولا يهابونه ، فكيف تسير سفينة الحياة مع تلك الفئة من الناس ، روى الحاكم من حديث أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمّر عليهم أحداً محاباة ، فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، حتى يدخله جهنم " فتفكروا رحمكم الله في حال المسلمين اليوم ، والواقع الأليم الذي تعيشه الأمة في هذا الزمن ، من توسيد الأمر لغير أهله من العصاة والفسقة والمجرمين والظالمين ، والمنافقين العلمانيين ، والشيعة الرافضة ، بل وحتى من الكفرة الفجرة ، الذين يستغلون مناصبهم لاستغلال المسلمين ، والذين لا يأبهون بأكل الرشوة بالباطل ، وتأخير معاملات المسلمين ، والذين لا يتورعون عن الظلم والعدوان ، ومع ذلك تجدهم قد تسنموا قمم المراتب ، وأعالي المناصب ، وأهل الخير والصلاح ، أهل القرآن والسنة ، أهل الله وخاصته ، لا يقام لهم وزن ، ولا يُقدر لهم قدر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لقد انقلبت الأمور ، وانتكست المفاهيم ، وتغيرت الأوضاع ، ونكست الطباع ، فأين العزة والفلاح ، وأين الرفعة والصلاح ، التي ينشدها المسلمون في كل مكان مع هذا التفريط في الأمانة .

أيها الأخوة الفضلاء : على الموظف والمرءوس ، وعلى العامل والخادم ، أن يؤدي كل منهم العمل المناط به على أكمل وجه وأحسنه ، فذلك من الأمانة ، ولا بد أن يستنفد جل وقته ، وكل جهده في إكمال عمله وتحسينه ، أما من فرط في أداء عمله المنوط به ، كمن يسرق من مال كفيله ، أو يبيع سلعة رخيصة بثمن باهض ، ويأخذ الباقي دون علم صاحب العمل ، أو من يقوم باستخدام آلات العمل وأجهزته ومعداته من أجل مصالحه الشخصية ، أو من يأخذ شيئاً من عمله لبيته أو لغيره دون إذن مسبق ، أو يسرق آلات الحرب ومعداته من عمله ، أو يؤخر معاملات المسلمين من أجل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا ، فتلك الأعمال وغيرها من السرقة والغلول والعياذ بالله ، قال تعالى : " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ ، فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ وَمَا لَكَ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى " [ أخرجه مسلم ] .

أمة الإسلام : من الغش الواقع اليوم ، وهو أعظم الغش ، وأضره على الإنسان والمجتمعات والبيوتات ، التفريط في أمانة الأسرة ، من زوجة وأولاد ، فهذه هي الخيانة التي حذر منها الشرع ، وهذا هو الغش المحرم الذي أشار إليه الدين الحنيف ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، فكم هم الأولياء الذين خانوا الله ورسوله ، وخانوا أماناتهم وهم يعلمون ، وذلك بإدخال وسائل الفساد إلى بيوتهم ، من أطباق فضائية وإنترنت ، ومجلات خليعة ماجنة فاضحة ، ألا وإن موضوع الفضائيات والإنترنت لهو موضوع جدير بأن يوضع نُصب الأعين ، ويكون أطروحة العلماء ، ومناقشة الدعاة والأولياء ، لما تسببه من تفش للجريمة ، ووقوع في الرذيلة ، والأحداث والوقائع شاهدة على تحريم الفضائيات والإنترنت ، فكم من أسرة مزق عفافها ، وذهب حياؤها ، وكم من بيت تفككت روابط المودة بين أهله ، وكم هم صرعى الإنترنت الذين نشاهدهم اليوم ، وكم هي المآسي والآلام ، والأحزان والأسقام ، التي تحيط بمجتمعات المسلمين من جراء تلك الفضائيات والإنترنت ، فهي وسائل هدامة ، لا خير فيها ، ولا جدوى منها ، لقد خطط الأعداء كثيراً ، ودرسوا ملياً ، من أجل إيقاع المسلمين في قاع الخنا ، وفاحشة الزنا ، وياعجباً لأمر المسلمين اليوم ، عرفوا الباطل فاتبعوه ، وأدركوا الخطر فاقتحموه ، إنهم كالجنادب تتهافت على النار ، فسبحان الله العظيم الحليم ، هل من عودة صادقة للدين ، وهل من تمسك بالكتابين . فالويل للأولياء من رب الأرض والسماء ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به ، فيقال هذه غدرة فلان " [ رواه البخاري ] .

أمة الإسلام : شباب الأرصفة والمخدرات ، أطفال التسكع والسهرات ، البنات الخراجات والولاجات ، النساء اللاتي يسرحن ويمرحن في الشوارع والأسواق ، أليس لأولئك الناس رجالاً وآباءً يقومون على مصالحهم ، ويخطمون زمام أمورهم ، أم أنهم خلقوا بلا راع ولا مسؤول ، فاتقوا الله أيها الآباء في أمانة الأبناء والبنات والزوجات ، فأنتم عنهم مسؤولون ، وبشأنهم يوم القيامة موقوفون ، قال تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " ، فاحذر أيها الأب العاقل أن تتفاجاً يوم القيامة بأن أهلك خصماؤك ، ألم تسمع قول الله تعالى : " يا أيها الذين أمنوا إن من أزواجكم وألادكم عدواً لكم فاحذروهم " ، فسيقفون خصماً ونداً لك يوم القيامة ، إذا وقفت بين يدي الجبار سبحانه ، يقولون : لم يأمرنا ، ولم ينهنا ، ولم يمنعنا ، فماذا عساك تقول في لحن القول ، وبماذا سترد في يوم تنكشف فيه الأستار والسرائر .

أيها المسلمون : وإن من أعظم الأمانة ، الأمانة التي تكون بين الرجل وزوجته ، فلا تفشي له سراً ، ولا يطلع لها مخفياً ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " [ رواه مسلم ] ، فيحرم على الزوج والزوجة أن ينشرا سرهما وما يجري بينهما من علاقات زوجية لغيرهما ، ولو على سبيل المزاح . فقد سد الشارع الكريم هذا الباب ، درءاً لما قد يحصل فيه من شرور وفتن ، وبلاياً ومحن .

معاشر المسلمين : ألا وإن من أعظم الأمانة ، تلك الأمانة التي أنيطت بالقضاة والمعلمين ، من القيام بها أجمل قيام ، ورعايتها أعظم رعاية ، فالخصوم أمانة في أعناق القضاة ، والطلاب أمانة في رقاب المعلمين ، فليرع كل أمانته ، وليحذر من الخيانة ، أو الغدر والنكوص على الأعقاب فالويل ثم الويل لمن فرط في أمانته ، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ " ، فاعدلوا بين الخصوم ، وارعوا حقوق الطلاب ، بكل صدق وأمانة ، فالأمر أخطر مما يتصور ، وأفظع مما يتوقع .

الأمانة من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب يخبرنا الله عز وجل في سورة الشعراء أن كل واحد منهم قد قال لقومه : " إني لكم رسول أمين " ، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أمين الله في الأرض على الرسالة ، فهو الذي يبلغ عن ربه هذا الدين العظيم ، وقد كان مشهوراً بالأمانة في قومه قبل الرسالة ، فقد كانوا يلقبونه ( محمد الأمين ) ، وجبريل عليه السلام أمين وحي السماء ، فقد وصفه الله بذلك في قوله تعالى : " وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " ، فأمر الأمانة عظيم ، وخطر التفريط فيها جسيم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " [ رواه البخاري ومسلم ] ، فأي فوز ، وأي نجاة ، وأي نصر يرجوه المسلم عندما يتعامل مع إخوانه المسلمين ، بالخيانة ، وعدم الأمانة ، بل بالكذب والغش والتدليس والسرقة ، إن التفريط في الأمانة ، وصمة عار في جبين المفرط ، ووسام ذل وخيانة ، يحيط بعنقه ، وأي خسارة أعظم من أن يكون المسلم في عداد المنافقين ، لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن المفرط في الأمانة ، والخائن فيها هو في عداد المنافقين الذين توعدهم الله تعالى بأقسى العقوبة ، وأسفل مكان في النار ، فقال تعالى : " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " فاحذروا عباد الله من سوء العاقبة ، وخطر الخيانة والكذب على المسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " [ أخرجه أبو داود وصححه الأرنؤوط في جامع الأصول ] .

اللهم يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، اللهم قاتل الكفرة الفجرة من اليهود والنصارى والشيوعيين والعلمانيين الذي يحاربون أولياءك ، ويدينون بغير دينك ، اللهم أدر الدائرة عليهم ، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم ، اللهم اجعل كيدهم بينهم ، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين ، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأييدك واجعل عمله في رضاك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، اللهم افضح بطانة السوء الخائنة لديه ، يا رب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أعلنا وما أسررنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت . سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية