اطبع هذه الصفحة


خطبة النجاة النجاة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عز فارتفع ، وذل كل شيء لعظمته وخضع ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق الخلائق فأتقن ما صنع ، وشرع الشرائع فأحكم ما شرع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ، أقام صرح الفضيلة ورفع ، ودفع أسباب الرذيلة ووضع ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والحياء والزهد والورع ، ومن سار على نهجهم واتبع ، وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، فخير الوصايا ، وأفضل الهدايا ، تقوى رب البرايا ، فتقواه توصد أبواب البلايا ، وتغلق منافذ الدنايا ، وتحسن ختام المنايا ، قال باسط اليدين بالعطايا : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
أيها المسلمون : لقد كانت الأمة الإسلامية ، أمة مرضية ، شامخة أبية ، متمسكة بكتاب ربها ، عاملة بسنة نبيها ، صحيحة في عقائدها ، صالحة في أعمالها ، حسنة في معاملاتها ، كريمة في أخلاقها ، عزيزة بدينها ، قوية الشوكة ، جليلة مهيبة ، واليوم ، اليوم يا عباد الله ، تغير أمرها ، وتبدل حالها ، واختلت عقائدها ، وفسد كثير من أعمالها ، وتدهورت أخلاقها ، وجهلت أمر دينها ، مغلوبة على أمرها ، بسبب ابتعادها عن دينها ، اهتمت بدنياها ، ونسيت أُخراها ، فتأخرت وتدهورت ، وغُلبت وانهزمت ، تتخبط في ظلمات الجهل ، تنقاد للخرافات والأوهام ، وأضغاث الأحلام ، فانساقت وراء ترهات العقول ، وكاذب النقول ، وزخرف القول ،لقد عوقبت الأمة بشر أعمالها ، فذاقت وبال أمرها ، كل ذلك يا عباد الله ، نتيجة حتمية ، وحقيقة واقعية ، لعدم استقامتنا على ديننا ، وانحرافنا عن صراط ربنا ، فتعالت الصيحات ، وارتفعت الصرخات ، لكثير من الأمراض والأسقام ، والتعديات على الأحكام ، تجرعنا غصص الإعراض ، أموراً مهلكة ، وآثاراً مدمرة ، فرحماك ربنا رحماك ، قال ربنا جل في علاه : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } .
عباد الله : ما من ذنب يقع إلا بمعصية ، ولا يرتفع إلا بتوبة ، فالمعاصي معاول هدم ، وأدوات دفن ، تهدم العقيدة ، وتدفن التوحيد ، والتوبة تجدد الإيمان ، وتزيد الإحسان ، وتبعث في النفس سراج النور ، ومشعل الحق والسرور ، لأجل المعاصي والآثام ، والجرائم العظام ، يعاني العالم بأكمله تحديات متنوعة ، ومصائب متكاثرة ، وآفات مختلفة ، فها هو العالم ينادي ، مستغيثًا من ارتفاع معدلات الجريمة ، وكثرة أنواع الجناية ، تدهور في الاقتصاد ، واحتباس للحرارة في شتى البلاد ، كل ذلك بما كسبت أيدي العباد ، فقر يراد ، وغلاء يزداد ، تضخم مخيف ، وتمرد سخيف ، ديون
تتراكم ، وويلات تتعاظم ، ألا فلنأخذ من ذلكم العبر والعظات ، والدروس المهمات ، ألا فلنعلم أن الربا سبب للحرمان من الخيرات ، ومنع الزكاة حبس عن الأعطيات ، ألا وإن انتشار الفواحش والموبقات ، يؤدي إلى منع الأمطار ، والخير المدرار ، وموت الدواب والأشجار ، وافتقار الفيافي والقفار ، ألا وإن أعظم أسباب فقدان الأمن ، وحلول المخاوف والمصائب ، البعد عن المنهج الإلهي ، والمخالفة للنهج النبوي ، فتسود المعاصي والشنائع ، وتتفشى الذنوب والفظائع ، يقول ربنا جل وعلا : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } ، ويقول ربنا جل وعلا في كلامه العظيم ، مصورًا لنا واقعا يعانيه مجتمع اليوم : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } ، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، اللهم ارحمنا بترك المعاصي أبداً ، فضلاً منك ومنَّاً .
عباد الله : ما أحلم الله على عباده ، ما أعظم صبر الله ، ما أطول إمهال الله ، الله يمهل ولا يهمل ، ولو أنه أخذ الناس بأول الجرم ، وابتداء الإثم ، ما ترك على الأرض من أحدٍ أبداً ، عدلاً منه وقسطاً ، ولكنه غفور رحيم ، رؤوف كريم ، قال العزيز العليم : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } ، ألا وإن المتأمل في واقع كثير من الناس اليوم ، ليجد عجباً ، ويهلك كمداً ، ابتعاد عن دين الله القويم ، وانحراف عن صراطه المستقيم ، وقوع في فخاخ قنوات مميتة ، وبرامج مقيتة ، قنوات تدعوا إلى الرذيلة ، وتقتل الفضيلة ، اختلاط بين الفتيان والفتيات ، في مشاهد مؤلمة ، يُخدش فيها الحياء ،
وتغضب رب الأرض والسماء ، حتى قلد الأبناء والبنات ما شاهدوا ، وتقمصوا ما رأوا وأبصروا ، فحصلت الخلوات المحرمة ، والعلاقات المجرمة ، في غفلة من الآباء والأمهات ، فحصلت فتن ومواجع ، تقض المضاجع ، عصيان وزلل ، فساد وخلل ، لا ينجو منها إلا من أرد النجاة ، وزهد في هذه الحياة ، واستعد للقاء الله ، ألا فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، وقوموا بما أوجب الله عليكم من أداء الأمانات ، والاضطلاع بالمسؤوليات ، فارعوا أبناءكم وبناتكم ، وأدوا أماناتكم ، فقد أمركم بذلك مولاكم ، فقال ربكم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .
عباد الله : إن من أعظم المعاصي ضراوة وحدوثاً ، وألماً وإحداثاً ، ضياع شعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في كثير من مجتمعات الإسلام ، الشعيرة التي أمر بها الملك العلام ، وأمر بها رسول الأنام ، عليه الصلاة والسلام ، وحاربها كثير من الكُتَّاب ووسائل الإعلام ، دونما حسيب أو رقيب ، وما كتبوه عن الله لن يغيب ، في صور من الاستهزاء والهذيان ، والسخرية والاستهجان ، وقد قال الواحد الديان : { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } ، لقد خرج من كُتَّاب المسلمين من يستهزئ بهذه الشعيرة وبرجالها ؟ بل طالب بإزالتها وإلغائها ، فويل لمن كتبوا ، وبئس ما كسبوا ، ولعلها لم تطرق أسماعهم آيات مسطرة سائدة ، في سورة المائدة ، فقد قال الله تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، ألا وإن من الكتاب من يطالب بوقف حلقات تحفيظ كتاب الله واعجباً لهم ، ألا يخافون الله من فوقهم ، ألا يخشون أن يخسف بهم ، فلابد من الأخذ على أيدي السفهاء ، وإلا وقع في الأرض فساد كبير ، وشر مستطير ، تدق معه نواقيس الخطر ، مؤذنة بمساوئ وضرر ، تأخذ الصالح والطالح ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ، هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ ، لاَ يُغَيِّرُونَ ، إِلاَّ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ " [ رواه ابن ماجة بسند صحيح ] ، وروى أهل السنن بسند صحيح ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ " ، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ، واجعل لنا ظلاً ظليلاً ، يا ذا الجلال والإكرام .
أيها الإخوة في الله : نسمع بين حين وآخر عن أمراض تنتشر ، وأوبئة تظهر ، وآخرها هذا الوباء الخطر ، إنفلونزا الخنازير المنتشر ، وقد حذرنا هذا الأمر ، سيد البشر ، وبين أن سببه في انتشار الفواحش ، وفشو القبائح ، في حديث عظيم رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما حيث قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ _ ما لم يطلبوا الخير والسعادة مما أنزل الله _ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ] ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، يا أرحم الراحمين ، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروا ربكم إنه غفور رحيم .
الحمد لله الكبير المتعال ، أحمده على كل حال ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الفضل والنوال ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله عظيم الخلال والخصال ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله خير صحب وآل ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
معاشر المسلمين : تجتاح الأرض اليوم أحوال جوية غريبة ، وأجواء طبيعية عجيبة ، زلازل تكثر ، وأعاصير تنتشر ، وبراكين تدمر ، وذلك دليل وجود فواحش عظيمة ، ومعاص جسيمة ، ذنوب عظام ، وجرائم وآثام ، مسلسلات هابطة ، وبرامج ساقطة ، تعليم للموسيقى والأغاني ، وقع في القاصي والداني ، منظر سخيف ، يختلط فيه الشباب بالشابات ، في موقع واحد ، يشاهدهم الملايين ، مشاهد يغتال فيها الدين ! ولقد تجرأ بعض المسلمين على شرب الخمور بأنواعها ، والمخدرات بأشكالها ، والتشبه بالكفار ، وبزي الفجار ، ألا يخافون من الله الجبار القهار ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ، فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمر ، وضربوا بالمآذن ، غار الله جل وعلا في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا هدمها عليهم " ، ألا فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا غيرة الله ، وإياكم وغضب الله ، فإن ما طالعتنا به وسائل الإعلام ، من قرب وقوع زلازل وبراكين ، لهو أمر يندى له الجبين ، آيات يخوف الله بها عباده ، يا عباد فاتقون ، قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } وقال تعالى : { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } . عباد الله : تالله وبالله لسنا بأكرم عند الله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد تزلزلت بهم الأرض في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، فلا غروا أن تأتي التحذيرات بوقوع الزلازل والبراكين ، إذا عُصي رب العالمين ، فالمعاصي يا عباد الله تقلب الموازين ، وتغير الأوضاع ، وتبدل الطباع ، الناس اليوم ينتظرون المطر والماء ، والقطر من السماء ، وإذا به هجير وغبار ، ومناخ سيء وعثار ، رياح عاتية ، وأتربة آتية ، فلماذا هذا يا عباد الله ؟ إنه كما قال الله جل شأنه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، وقال عز اسمه : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } ، فلولا لطف الله ورحمته ، وعفوه ومغفرته ، لحصل بالناس شديد البلاء ، وعظيم الداء ، فإن سألتم عن سبب هذه الكوارث ، وتلك المصائب ، فالجواب من الله لكم : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } .
أيها المسلمون : هذه البلايا ، وتلك الرزايا ، التي حلت مواجعها بالعالم كله ، ووضعت فواجعها على الملأ بأسره ، من فتن ومحن ، وشرور وإحن ، ما هي إلا نتيجةً حتمية ، وثمرةً حقيقية ، لما تعانيه البشرية ، من بعد عن منهج رب البرية ، في صورة مخيفة ، من التحدي الإلهي ، والانفلات الديني ، فالله الله بالعودة الحميدة لدين الله ، فالله يفرح بتوبتكم ، ويسعد بأوبتكم ، فالتوبة تقيل العثرات ، وتمحو الزلات ، وتزيل الهفوات ، فتوبوا إلى الله رب البريات ، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، محمد بن عبد الله ، حيث أمركم بذلك ربكم جل في علاه ، فقال عز من قائل عليماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وارض اللهم عن صحابته أجمعين ، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك ودمر المشركين ، وانصر عبادك المجاهدين ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم قوي عزائمهم ، وثبت أقدامهم ، اللهم عليك بالكفار يا قوي يا جبار ، اللهم اجعل كيدهم في تباب ، وسعيهم إلى خراب ، اللهم اشدد عليهم وطأتك ، وارفع عنهم يدك وعافيتك ، اللهم تابع عليهم النكبات ، واجعل أعمالهم عليهم حسرات ، اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح ولاة أمورنا ، اللهم وفقهم للحكم بكتابك ، واتباع سنة نبيك ، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين ، اللهم عليك بمن يحارب دينك ، ويصد عن سبيلك ، ويريد نشر الفاحشة في الذين آمنوا من المنافقين والمنافقات ، اللهم عليك بهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، ولا تحقق لهم غاية ، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية