اطبع هذه الصفحة


خطبة غرور الدنيا

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله غير مقنوط من رحمته ، ولا ميئوس من مغفرته ، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعد من عصاه بعقوبته ، ووعد من اتقاه بجنته ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله كامل في خلقته ، صادق في نبوته ، عظيم في بشريته ، صفي ربه من بريته ، ومصطفاه من خيرته ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه المنقادون إلى طاعته ، المتمسكون بدينه وفطرته ، والتابعين ومن سار على نهجه واستمسك بسنته ، وحافظ على هديه وشرعته . . أما بعد :
فيا أيها المسلمون : في نظرات واقعية ، ومشاهد حقيقية ، يندى لها الجبين ، وتثير استغراب المستغربين ، تدمع لها المقل ، وتؤذن بمصاب وزلل ، وخطب جلل ، ذلكم يا رعاكم الله ، هو هذا الذهول ، وتوهان العقول ، في سراب بقيعة ، وتأملات وضيعة ، يرسم من خلالها كثير من المسلمين ، خططاً وأملاً ، لمستقبل ليس بأيديهم ملكه ، وليس لهم تركه ، انسياق وراء أحلام ، ولهث خلف أوهام ، سبب للأمة هزائم ، وحطم العزائم ، وجلب الجرائم ، وأتى بالعظائم ، إنه السباق المحموم ، والجري المذموم ، وراء الدنيا ومغرياتها ، والاقتتال لأجل مخرجاتها ، واستخراج مدخراتها ، ولقد حذر المولى الكريم ، من حب الدنيا ، فقال سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
عباد الله : في ظل الاهتمامات الواسعة ، والأبعاد الشاسعة ، لرغبات الأفراد والجماعات ، من المسلمين والمسلمات ، بما يحقق لهم عيشاً حميداً ، ورزقاً رغيداً ، على أُسس غير سليمة ، وتحقيق نتائج سقيمة ، كان لابد من التذكير بأمر مهم ، نسيه جمهور جم ، ألا وهو تلكم النهاية التي لابد لكل حي منها ، إنها الموت ، نعم الموت يا عباد الله ، ذلكم الزائر ، الذي لا يفوته مطلوب ، ولا يهرب منه مرغوب ، مفرق الجماعات ، وهادم اللذات ، وكاسر الشهوات ، وهالك الرغبات ، { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
عباد الله : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ ، لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أنتم عليه من المعاصي والموبقات ، والإغراق في الملذات ، فتذكروا الْمَوْتِ وشدته ، والقبر وظلمته ، والصراط وحدته ، واعلم أيها اللاهي والساهي ، يا من تنعمت بنعم الله وما شكرته ، بل غفلت عنه وعصيته ، اعلم أن الْقَبْرِ بَيْتُ الْغُرْبَةِ ، َبَيْتُ الْوَحْدَةِ ، َبَيْتُ التُّرَابِ ، وَبَيْتُ الدُّودِ ، فالْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنان ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النّيرَان ، فالتوبة التوبة ، والرجعة والأوبة ، فعما قليل مرتحلون ، وعن الدنيا منتقلون ، وإلى ربكم راجعون ، { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .
معاشر المسلمين : من كانت الدنيا همه ، وأموالها شغله ، فليتذكر الحبيب المصطفى ، والنبي المجتبى ، محمد خير الورى ، خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز شعير ، كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، وتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ ، وقد آتاه الله ملك الدنيا ، فمال عن دار الفرار ، إلى دار القرار ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ " [ رواه ابن ماجة ] ، ألا فاذكروا هول المطلعَ ، وشدة المفظع ، وبؤس المضجع ، كفى بالموت للقلوب مقطعاً ، وللعيون مبكياً ، وللذات هادماً ، وللجماعات مفرقاً ، وللأماني قاطعاً ، قال الله جل وعلا : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، واجعل القبور بعد الموت خير منازلنا ، وافسح فيها ضيق ملاحدنا ، يا إلهنا وخالقنا .
أيها المؤمنون : بعد أن أكمل الله الدين ، وأتمَّ على البشرية النعمة ، وبلَّغ المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمانة ، وأدَّى الرسالة ، وهدى البشرية من الضلالة ، وعلَّمها من الجهالة ، وبلغ بها إلى قِمم المجد والعز والجلالة ، أنزل الله عليه سورة النصر ناعيًا إياه ، في أول مقدمات الوفاة ، فكل أمر اكتمل واستتم ، فالتسبيحُ والاستغفار بعده
خيرُ مُختَتم ، ولما حضرَت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الوفاة ، أخذه ألمٌ في رأسه ، ثم ثقُل عليه الوجع ، فكانت حُمًّى شديدة تنتاب جسده الشريف ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فصَعَدَ الْمِنْبَرِ وَقَالَ : " إِنَّ عَبْداً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَاخْتَارَ الآخِرَةَ " فَلَمْ يَفْطُنْ لَهَا أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، بَلْ نَفْدِيكَ بِأَمْوَالِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَوْلاَدِنَا " [ رواه أحمد وغيره ] ، فلم يفهم المراد غيرُ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ، وأعلم الأمة بمقاصد رسول الله ، وفي تلك الأيام الحزينة ، والليالي الأليمة ، التي آذنَت بانقطاع الوحي من السماء ، وغروب شمس النبوة ، وعن آخر النظرات لسيد البريات التي تُجهِشُ باللوعات والزفرات ، يصِفُ لنا أنسُ بن مالك رضي الله عنه مشهدًا مهيبًا ، ومُطَّلعًا للحبيب رغيبًا ، يقول رضي الله عنه : حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ _ الصحابة _ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ _ أي في الحسن والوضاءة _ ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكاً ، قَالَ : فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجٌ لِلصَّلاَةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْخَى السِّتْرَ ، قَالَ : فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، فيا الله ؛ ما أعظمها من بليَّة وفاجعة ، وما أشدها من نازلة وواقعة ، { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون } ، فماذا أعددنا للموت ، وماذا قدمنا لأنفسنا بعد الموت ؟ اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان ، يا رحيم يا منان .
أيها الأخوة الفضلاء : حصل القضاء ، ووقع في الأرض ما قُدِّر في السماء ، فاشتدَّت بنبينا حُمَّاه ، واستباح الموت حِماه ، قالت عائشة رضي الله عنها واصفة منظره ، وكانت بين يديه صلى الله عليه وسلم رَكوَة ، فجعل يُدخِلُ يدَه في الماء ، فيمسح بها وجهه ، ويقول : " لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات " ، ثم نصب يدَه فجعل يقول : " اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى " ، يُردِّدها حتى قُبِض ومالت يدُه الشريفة [ في الصحيحين ] ، وسرى خبر الفاجعة بين الجموع ، وانحدرت العبرات والدموع ، وحُقَّ لهم ذلك ؛ أليست هي وفاة أعظم نبيٍّ ، وأكرم رسول ؟ فقال أبو بكرٍ قولته الشهيرة : " من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت " وتلا قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } ، فكأن الناس لم يعلموا هذه الآية حتى تُلِيَت عليهم ، وتُوفِّي سيد الأنام ، عليه الصلاة والسلام ، عن ثلاثة وستين عامًا قضاها في الدعوة والبلاغ ، والهداية والإصلاح ، فأين شباب الأمة وشيبها اليوم،عن كتاب الله، وسنة رسول الله، والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، إنك لا تكاد ترى إلا الوهن والتعب ، والشدة والنصب ، ركض وراء الأسهم والسندات ، وتتبع للشركات ، ووقوف أمام الصرافات ، والمساجد تصدح بالقراءات في الصلوات ، فيا من هذا حاله ، انتبه وخذ أهبة الاستعداد،فالموت لك بالمرصاد،فخير الناس من طال عمره وحسن عمله،وشر الناس من طال عمره وساء عمله .
عباد الله : بعد موت أفضل البشرية ، أظلمت المدينة النبوية ، وكيف لا تظلم ، وقد مات من أنار الله به العقول والدروب ، وأضاء به الأفئدة والقلوب ، فعليه أزكى الصلوات ، وأعطر التسليمات من الحي القيوم ، ما أقلت الغيوم ، وتلألأت النجوم ، فاتقوا الموت وهجمته ، والقبر وضجعته ، واحذروا غرور الدنيا ومكائدها ، وفتنها ومصائدها ، ملتزمين سنة خير البرية ، غير مُغيِّرين ولا مُبدِّلين ، فالدنيا ليست لحي سكناً ، ولا لمؤمن وطناً ، { إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " [ رواه مسلم ] ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ، ولكافة المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إن ربي لغفور رحيم .
الحمد لله إله الأولين والآخرين ، الرزاق ذو القوة المتين ، أحمده سبحانه حمد الشاكرين ، وأشكره على نعمه شكر الحامدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أصدق القائلين ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد خير الأوابين ، وأفضل المصلين والصائمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . أما بعد :
فيا عباد الله : ليلتانِ اثنتان يجعلهما كلُ مسلمٍ في مخيلته ، ليلةٌ وهو في بيته مع أطفاله وأهله ، منعماً سعيداً ، في عيشٍ رغيد ، وخير مديد ، في صحة وعافية ، يضاحكُ أطفاله ويضاحكونه ، نسي الموت وسكرته ، والقبر وضمته ، ثم الليلةُ التي تليها مباشرةً ، ليلةٌ أتاه الموت ، فوضع في القبر لأول مرة ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } ، أولُ ليلةٍ في القبر ، بكى منها العلماء ، وشكا منها الحكماء ، ورثا إليها الشعراء ، { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } كلا‍ ، الآن تراجع حسابك ‍‍‍‍‍‍‍‍، الآن تتوب ، الآن تنتهي عن المعاصي ، يا مدبراً عن المساجد ما عرف الصلاة ، يا معرضاً عن القرآن ما تلاه ، يا منتهكاً لحدود الله ما أغراه ، يا ناشئاً في معاصي الله ما ألهاه ، يا مقتحماً لأسوار الحرام ما أقساه ، أتتوب حينما غرغرت الروح وحشرجت ، وبلغت الحلقوم وخرجت ، أين أنت قبل ذلك ؟ إنها أو ليلة في القبر :
أتيتُ القبورَ فناديتُها أين المعظمُ والمحتقر ؟
تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتُوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا أما لك في ما مضى معتبر
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى فتمحو محاسنَ تلك الصور
وأعظم من ذلك وأحسن ، قول صاحب العطاء والمنن : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } .
عباد الله : كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته عدة دنانير ، فنظر إليها ثم قَالَ : " مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ لَوْ مَاتَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ " فتصدق بها كلها ، ألا وإن من عجب العجاب ، ومن الاستغراب ، صنيع من رضوا بالدنيا واطمأنوا بها ، وجمعوا أموالها ، ليقاسوا في القبر أتعابها ، فاستغلوا كل لحظة في جمع حطامها الزائل ، وحالها المائل ، فعددوا الأراضي والعقارات ، وأجحفوا في كثرة الإجارات ، وأكثروا من ظلم العمال والأجراء ، وأهملوا حق الله عز وجل ، فويل لمن هذا حاله ، وذاك مناله ، واحذروا الموت قبل { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } ، فا أيها المغرور بالدنيا ، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : " أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " [ رواه الترمذي وغيره ] ، وأيم الله لن تعيشوا عمر نوح ، فاحذروا غرغرة الروح ، واتقوا الله رحمكم الله ، واجتنبوا السيئات ، وتسابقوا إلى فعل الخيرات ، وصلوا وسلموا على خير البريات ، فإن الله أمركم بذلك في محكم الآيات ، فقال عالم الخفيات : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله ، اللهم اجعلنا ممن اهتدى بسنته ، وسعِد بمحبَّته ، وائتمَّ بشِرعته ، اللهم أكرِمنا بشفاعته ، وأورِدنا حوضَه ، واسقِنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأُ بعدها أبدًا ، اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء ، الأئمة الحنفاء ، ذوي القدر العليّ ، والشرف الجليّ : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّ، ومن سار على نهجهم واقتفى ، يا خير من تجاوز وعفا ، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم وفِّق إمامنا خادم الحرمين الشريفين ، اللهم أعِزَّه بطاعتك ، وارزقه البِطانة الصالحة يا رب العالمين ، اللهم وفِّقه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاح المسلمين ، اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها ، وقيادتها، وإيمانها، وأمنها، واستقرارها يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم احفظنا من عدوان المُعتدين ، ومن كيد الكائدين ، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين ، واقض الدَّين عن المدينين ، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية