اطبع هذه الصفحة


الكسوف وطغيان الإنسان

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العليم القدير ؛ السميع البصير ، خلق الخلق بقدرته ، وقضى فيهم بعلمه وحكمته ؛ فهداهم لما ينفعهم ، وحذرهم مما يضرهم ، نحمده على السراء ، ونلوذ به في الضراء ، فهو رافع الوباء ، وكاشف البلاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ يرسل الرياح مبشرات ، ويخوف عباده بالآيات ؛ ليدفعهم إلى الخيرات ، ويحجزهم عن الموبقات والمنكرات ، وأشهد أن محمداً رسول رب البريات ، يهرع إلى ربه عند ظهور الآيات ، ويصلي عند رؤية العلامات ، جاء بالنذر والبينات ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما دامت الأرض والسموات . . . أما بعد : فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله تعالى ؛ فإنها نعم العدة لوقت الشدة ، وخير الزاد ليوم المعاد { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ }
أمة الإسلام : إذا فسد الناس وبغوا ، وتعدوا حدود الله وطغوا ، جاءهم العذاب من حيث لم يحتسبوا ، ويجسد لنا كتاب ربنا تلكم الكارثة العظيمة التي حلت بالأمم المكذبة ، والشعوب المذنبة ، يقول جل وعلا : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، فلو عذبنا الله لكان عدلاً منه وحقاً ، وقسطاً وصدقاً ، ولكنه رءوف رحيم ، غفور حليم ، وعذابه أليم ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " ثُمَّ قَرَأَ : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " [ متفق عليه ] ، ألا وإن الأمة اليوم تساق إلى ظلمات من الفساد ، ويعمها شيء من العقوبات في البلاد ، بما كسب أيدي العباد ، من ظلم وعدوان ، ونبذ لشريعة الرحمن ، والاستهزاء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحاربة لحملة لواء الإسلام وحماته ، وقياداته ورجالاته ، من العلماء والدعاة ، ورجال الحسبة ، لا أقول ذلك في بلاد الغرب ، بل في بلاد الإسلام ، لذا فقد انعقدت أسباب العذاب ، ولا مخرج منها إلا بالتوبة والعودة إلى الله العزيز الغفار ، وكثرة الاستغفار والانكسار ، لله الواحد القهار ، القوي الجبار ، { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } ، ألا لا يسألن عبد لماذا هذه الفتن والمحن ، والابتلاءات والإحن ، ولم هذه الحروب ، وتلك الخطوب ، فالجواب لكم من علام الغيوب : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، ألا فاعلموا عباد الله أنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ، ولا رُفع إلا بتوبة ، والله يدعوكم إلى العودة والأوبة { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى } ، فاتبعوا كتاب الله وكلماته ، واحذروا نذره وآياته ، ولا تكونوا كالذين كذبوا و { َقالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } .
أيها الأخوة في الله : إن كسوف الشمس وخسوف القمر في جمعتين متتاليتين ، لهو دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على أن هناك انحراف وابتعاد عن دين الله القويم ، وصراطه المستقيم ، فكانت هاتان الآيتان من الآيات الكونية العظيمة التي يخوف الله تعالى بها عباده ، ولكن هناك من الناس من لا يبالي فيعرض عنها ، ويدعو الناس للإعراض عنها ، ويحسبون أنها واقعة لا خطر منها ولا ضرر ، { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ } ، وما ردَّهم عن فهم آيات الله تعالى الكونية والشرعية ، مع ادعاءاتهم الثقافية والمعرفية ، إلا كبرٌ ما هم ببالغيه ، حتى عميت أبصارهم وأسماعهم ، وخُتم على قلوبهم ، فكانوا كمن قال الله تعالى فيهم : { سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } ، لقد صُرفت قلوب الكثيرين عن فهم آيات الله الكونية والشرعية ، فتاهوا في غياهب الغي والضلال ، وركبوا عباب الجهل والانحلال ، وحادوا عن سبيل الرشاد ، فكانوا أهل غفلة ، ولو زعموا أنهم أهل ثقافة { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } .
عباد الله : لما كسفت الشمس فزع النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً شديداً يخشى أن تكون القيامة قد قامت ، قال أبو مُوسَى رضي الله عنه : " خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النبي صلى الله عليه وسلم فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وقال : " هذه الْآيَاتُ التي يُرْسِلُ الله لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ الله بِهِا عِبَادَهُ ، فإذا رَأَيْتُمْ شيئاً من ذلك فَافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ " [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ " ، ففزع صلى الله عليه وسلم وأمر الناس أن يفزعوا إلى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار ، وبلغ من فزعه صلى الله عليه وسلم أنه أخطأ فلبس رداء بعض نسائه حتى لحقوه وأدركوه بردائه ، قالت أسماء رضي الله عنها : " فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حتى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذلك " [ رواه مسلم ] ، ويدل على فزعه صلى الله عليه وسلم إطالته للصلاة طولاً لم يعهدوه وهو الذي يأمر بالتخفيف ، قال جابر رضي الله عنه : " فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى جَعَلُوا يَخِرُّونَ " [ رواه مسلم ] ، وقالت أَسْمَاءَ رضي الله عنها : فَأَطَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الْقِيَامَ جِدًّا حتى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ ، فَأَخَذْتُ قِرْبَةً من مَاءٍ إلى جَنْبِي فَجَعَلْتُ أَصُبُّ على رَأْسِي أو على وَجْهِي من الْمَاءِ " [ متفق عليه ] ، وبعد الصلاة خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة ، فأثنى على الله بما هو أهل له سبحانه وتعالى : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة ، فافزعوا إلى المساجد ، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره_ وفي رواية _ فادعوا وتصدقوا وصلوا ، ثم قال : يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، وقال : ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه ، وأوُحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريباً أو مثل فتنة الدجال ، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر ، وقال : لقد جيء بالنار يحطم بعضها بعضاً ، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ، حتى رأيت فيها عمرو بن لحي يجر أقصابه أي أمعاءه في النار ، ورأيت صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً ، قال : ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ، ولقد مددت يدي فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل " ، إنها آية مخيفة ، يخوف الله بها عباده ، يا عباد فاتقون ، نعوذ بالله تعالى من الغفلة ، ونسأله الهداية لنا وللمسلمين أجمعين ، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين ، من كل الذنوب والخطيئات ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .


الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حتى يرضى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى . . . أما بعد : فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واحذروا نقمته وأخذته ، فإن أخذه أليم شديد ، وعذابه أكيد ، إذا وقع فما له من دافع ، ولا يقع عذابه سبحانه إلا بعد تتابع الآيات والنذر { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } .
أيها الأخوة في الله : لقد كان الناس من قبل يراجعون أنفسهم في الملمات، ويلجئون إلى الله تعالى في المصائب والمدلهمات ، ولكن في هذه السنوات ، بلغت قسوة القلوب مداها ، والغفلة آخرها ، وأجلب شياطين الإعلام على الناس بخيلهم ورجلهم ، وشاركوهم في تربية أهليهم وأولادهم ، فأفسدوا أخلاقهم ، وأبعدوهم عن دينهم ، في حلقات من الغدر والمكيدة ، والخيانة الأكيدة ، حتى مردوا على الفساد ، وتمردوا على شريعة رب العباد ؛ طعناً فيها ، واستهانة بها ، ومحاربة لحملتها ودعاتها ، حتى قست القلوب عن المواعظ ، وتمردت على الشرائع ، وتتابعت الآيات والنذر على العباد ولا تحرك فيهم ساكناً ، أوبئة وأمراض بيئية ، وهزات أرضية ، وأزمات اقتصادية ، تنذر بفتن وفجائع ، وحروب ومواجع ، جوع مفزع ، وفقر مدقع ، وتسلط لأعداء الداخل والخارج ، والناس في غفلة عما يحيط بهم ، فمتى يدركون أنهم في خطر ؟ ومتى يوقنون أنه لا خلاص لهم إلا بالتعلق بربهم ، والتمسك بدينهم ، والتوبة من ذنوبهم ؟ وإلا حق عليهم العذاب ، ونزل بهم العقاب ، إذا لم يتعظوا بالنذر والآيات والعتاب ، وقد قال الله تعالى في قومٍ { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ،

جاء عن التابعي الجليل طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى : أنه نظر إلى الشمس وقد كسفت ، فبكى حتى كاد أن يموت وقال : هي أخوف لله منا ، فأين خوفنا عباد الله من الله ، ومنا من لا يصلي ولا يزكي ، ولا يصوم ولا يحج ، بل منا من يعبد الأولياء ، ويطوف بالقبور ، ويدعو أهلها من دون الله ، والله جل وعلا يقول : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، لقد توالت الآيات والنذر ، تخويفاً للعباد ، ولكنهم في طغيانهم يعمهون ، وعن الصراط لناكبون ، فالربا فشا ، وانتشر الرشا ، وتكاثر الزنا ، وطغت المخدرات ، وشرب الدخان والمسكرات ، حتى أضحى الدين غريباً ، كما بدأ غريباً ، حتى وكأن القابض على دينه اليوم كالقابض على الجمر ، فتمسكوا بدينكم تهتدوا وتفلحوا ، وتشبثوا بإسلامكم تنجوا وتنجحوا ، { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ } .
عباد الله : وإن كان من توجيه وتنبيه أخير، فالإخبار بزمن الكسوف قبل حدوثه ، ليس من علم الغيب ، بل هو من العلوم التي قد يتعلمها البشر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الإستسرار ، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار ، ووقت إبداره هي الليالي البيض ، التي يستحب صيام أيامها ، ليلة الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي ، والهلال يستسر آخر الشهر ، ليلة تسعة وعشرين ، وليلة ثلاثين ، والشمس لا تكسف إلا وقت إستسرار الهلال ، وللشمس والقمر ليالي معتادة ، من عرفها عرف الكسوف والخسوف ،

وقال رحمه الله : أما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف ، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريان الشمس والقمر ، وليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب ، بل هو مثل العلم بأوقات الفصول ، وقال رحمه الله : ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك يعني على الإخبار بزمن الكسوف فلا يكادون يخطئون ، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي ، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك ، وقال : إذا استعد الإنسان ذلك الوقت _ يعني الذي أخبر به أهل الحساب _ لرؤية ذلك كان ذلك من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته " ، ولا صلاة إلا بعد رؤية الكسوف والخسوف ، فاتقوا الله عباد الله واحرصوا كل الحرص على بلوغ رضاه ، والتعلق به دون سواه ؛ فإنه سبحانه المعطي المانع ، الضار النافع ، لا رب غيره ، ولا إله إلا هو ، واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسل الله فقال سبحانه في كتابه : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واحمِ حوزة الدين ، ودمِّر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين ، وألف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم ، وأصلح قادتهم ، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ، وهيء له البطانة الصالحة ، ووفقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء ، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين ، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد ، يا من إليه المرجع يوم التناد ، اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً كل خير ، سالمةً من كل شر وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ، وأن تغفر لنا وترحمنا ، وإذا أردت بقوم فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر ، اللهم بلغ فيما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات آجالنا ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية