اطبع هذه الصفحة


وقفات مع آية

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يقول الله عز وجل في سورة البقرة : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ البقرة 102 ] .

ولنا مع هذه الآية وقفات :
الوقفة الأولى :
أن اليهود أخذوا السحر عن الشياطين؛ لقوله تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين }؛ ويدل على هذا أن أحدهم . وهو لبيد بن الأعصم . سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثانية :
أن السحر من أعمال الشياطين؛ لقوله تعالى: { ما تتلو الشياطين ]..
الوقفة الثالثة :
أن الشياطين كانوا يأتون السحر على عهد سليمان مع قوة سلطانه عليهم؛ لقوله تعالى: { ما تتلو الشياطين على ملك سليمان }.
الوقفة الرابعة :
أن سليمان لا يقر ذلك؛ لقوله تعالى: { وما كفر سليمان }؛ إذ لو أقرهم على ذلك . وحاشاه . لكان مُقراً لهم على كفرهم..
الوقفة الخامسة :
أن تعلم السحر، وتعليمه كفر؛ وظاهر الآية أنه كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر }، وقوله تعالى: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر }؛ وهذا فيما إذا كان السحر عن طريق الشياطين؛ أما إذا كان عن طريق الأدوية، والأعشاب، ونحوها ففيه خلاف بين العلماء..
واختلف العلماء . رحمهم الله . هل تقبل توبته، أو لا؟ والراجح أنها تقبل فيما بينه وبين الله عز وجل؛ أما قتله فيرجع فيه إلى القواعد الشرعية، وما يقتضيه اجتهاد الحاكم..
الوقفة السادسة :
أن الله تعالى قد ييسر أسباب المعصية فتنةً للناس . أي ابتلاءً .، وامتحاناً؛ لقوله تعالى: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة }؛ فإياك إياك إذا تيسرت لك أسباب المعصية أن تفعلها؛ واذكر قصة بني إسرائيل حين حُرِّم عليهم صيد البحر يوم السبت ؛ فلم يصبروا حتى تحيلوا على صيدها يوم السبت؛ فقال لهم الله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] ؛ واذكر قصة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين ابتلاهم الله عز وجل وهم محرِمون بالصيد تناله أيديهم، ورماحهم؛ فلم يُقدم أحد منهم عليه حتى يتبين لك حكمة الله تبارك وتعالى في تيسير أسباب المعصية ؛ ليبلوَ الصابر من غيره..
الوقفة السابعة :
أنه يجب على الإنسان أن ينصح للناس . وإن أوجب ذلك إعراضهم عنه .؛ لقوله تعالى: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما فتنة فلا تكفر }؛ فإذا كانت عندك سلعة رديئة، وأراد أحد شراءها يجب عليك أن تُحذِّره.
الوقفة الثامنة :
أنّ من عِظم السحر أن يكون أثره التفريق بين المرء، وزوجه؛ لقوله تعالى: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }؛ لأنه من أعظم الأمور المحبوبة إلى الشياطين، كما ثبت في الحديث الصحيح أن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: "نِعْم أنت" ؛ وفيه سحر مقابل لهذا: وهو الربط بين المرء، وزوجه؛ حتى إنه . والعياذ بالله . يُبتلى بالهيام؛ فلا يستطيع أن يعيش . ولا لحظة . إلا وزوجته أمامه؛ وبعضهم يقضي عليه هذا الأمر . نسأل الله العافية ...
الوقفة التاسعة :
أن الأسباب . وإن عظمت . لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ( وما هم بضارِّين به من أحد إلا بإذن الله )
فعليك بالأوراد ، وعليك بكثرة السجود والدعاء إلى الله ، واللجوء له سبحانه ، فهو الكافي والشافي والمعافي .
الوقفة العاشرة :
أن قدرة الله عز وجل فوق الأسباب؛ وأنه مهما وجدت الأسباب . والله لم يأذن . فإن ذلك لا يؤثر؛ وهذا لا يوجب لنا أن لا نفعل الأسباب؛ لأن الأصل أن الأسباب مؤثرة بإذن الله..
الوقفة الحادية عشرة :
الإشارة إلى أنه ينبغي اللجوء إلى الله دائماً؛ لقوله تعالى: { إلا بإذن الله }؛ فإذا علمت أن كل شيء بإذن الله فإذاً تلجأ إليه سبحانه وتعالى في جلب المنافع، ودفع المضار..
الوقفة الثانية عشرة :
أنّ تعلم السحر ضرر محض، ولا خير فيه؛ لقوله تعالى: { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }؛ فأثبت ضرره، ونفى نفعه..
الوقفة الثالثة عشرة :
أن كفر الساحر كفر مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق } يعني: من نصيب؛ وليس هناك أحد ليس له نصيب في الآخرة إلا الكفار؛ فالمؤمن مهما عذب فإن له نصيباً من الآخرة..
الوقفة الرابعة عشرة :
أن هؤلاء اليهود تعلموا السحر عن علم؛ لقوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق }.
الوقفة الخامسة عشرة :
إثبات الجزاء، وأنه من جنس العمل؛ فإن الكافر لما لم يجعل لله نصيباً في دنياه لم يجعل الله له نصيباً من الآخرة..
الوقفة السادسة عشرة :
ذم هؤلاء اليهود بما اختاروه لأنفسهم؛ لقوله تعالى: ( ولبئس ما شروا به أنفسهم )
الوقفة السابعة عشرة :
أن صاحب العلم الذي يَنتفِع بعلمه هو الذي يحذر مثل هذه الأمور؛ لقوله تعالى: { لو كانوا يعلمون } يعني: لو كانوا ذوي علم نافع ما اشتروا هذا العلم الذي يضرهم، ولا ينفعهم؛ والذي علموا: أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.
الوقفة الثامنة عشرة :
أن تعلم السحر وتعليمه كفر ، وكذلك فك السحر بالسحر حرام ، بل ومنه كفر ، لأنه لا يمكم فك السحر إلا عن طريق ساحر ، ما لم يتيسر ذلك بالرقية الشرعية ، ومن لم ينفك سحره عليه الصبر والمصابرة والمواظبة على الدعاء وقيام الليل ، واستمرار الرقية ، كما في قصة المرأة السوداء التي أصيبت بالمس فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " اصبري ولك الجنة " .
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنِّى أُصْرَعُ ، وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِى ، قَالَ : " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ " ، فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " [ رواه البخاري ومسلم ] .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية