اطبع هذه الصفحة


تذكير اللاهي بتحريم الغناء والملاهي

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، اللهم صلِّ وسلّم وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه إلى يوم يبعثون ، أما بعد .. فاتقوا الله بالتقرب إليه بفعل الخيرات ،

وهجر المنكرات ؛ فإن الحياة الدنيا سريعة الزوال ، متقلبة الأحوال ، ولم يخلق الله الخلق فيها ليكونوا مخلدين ، ولا ليكونوا فيها مهملين ، لا يؤمرون بطاعة ، ولا ينهون عن معصية ، بل خلقهم عبيداً مكلفين ، سعادتهم في طاعة أرحم الراحمين ، وشقاوتهم في معصية رب العالمين ، قال تعالى : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً } ، وقال الله تعالى :{ .. وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } .
عباد الله : وبعد أن كتب الله النصر المبين ، والظفر والتمكين ، واجتُثَّت من المتسللين أصولهم ، وفُلَّت نسورهم ، وارتدُّوا إلى جحورهم ، والهزيمة تستعر في نحورهم ، وانقلبوا بخناجرهم في حناجرهم ، نلهج بالشكر والثناء ، للباري جل وعلا ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ، كما نرفع تحيةً شذيّة ، معطرة زكية ، عالية مكبَّرة

، شامخة مكرَّرةً ، تحية إجلالٍ واعتزاز ، وثناءٍ وفخر بامتياز ، إلى جنودنا الأشاوس ، أطايب المغارس ، فلكم السلام مطيباً ، واهلاً بكم ومرحباً ، طبتم وطاب ممشاكم ، وطاب جهادكم ودفاعكم ، وأُجرتم على خطاكم ، وهنيئاً لكم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَاتلَ في سبِيلِ اللهِ فُواقَ ناقة وجبتْ لهُ الجنَّة " [ أخرجه أبو داود والترمذي ] .
وجزى الله خيراً رجال أمننا ، وحراس حدودنا ، كتائبَ البطولة ، وأهلَ الرجولة ، بوركتم ووفقتم وأُجِرتم ، إذ سهرتم فنمنا ، وذدتم فأمنّا ، في استبسال لا ينكر منّا ، فطوبى لكم قولَ الحبيب المصطفى ، سلم الله عليه وصلى : " عيْنانِ لا تمسُّهُمَا النَّار : عينٌ بكَتْ مِنْ خشيةِ الله ، وعينٌ باتَتْ تحْرُسُ في سبيلِ الله " [ أخرجه الترمذي وصححه ] .
تِلكَ الجزِيرةُ أرضُها وسمَاؤها حرَمٌ على مَنْ رَامَ أنْ يَتصَيَّدَا
في القَاذِفَاتِ النَّافِثَاتِ بَوَاشِقٌ فَوقَ الحُدُودِ لمَنْ تسلَّلَ أوْ عدَا

أيها المسلمون : أولئكم حماة الدين والوطن ، سالت دماؤهم لأجل دينهم وإسلامهم ، وتقطعت أشلاؤهم لحماية وطنهم وإخوانهم ، بيد أن هناك فئة أخرى لا كثرهم الله ، حملوا على الأمة خناجر التعالم ، والفجور والتخاصم ، فأصابوا جدار العقيدة ، وجرحوا حمى الدين ، اتبعوا الأهواء والشهوات ، وألقوا اللبس والشبهات ، فأحيوا المنكرات ، وروجوا الجهالات ، دخلاء على العلم ، أفتوا بلا علم ، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ، حطاب ليل لو علموا ، وخطاب هوى لو عرفوا ، أحلوا ما حرم الله ، خطؤهم شائع ، وضلالهم ذائع ، فاحذروا عباد الله ، من قل علمه ، وغلبه هواه ، فقد قال الله جل في علاه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :

" وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً " [ رواه مسلم ] .
أيها المسلمون : إن الإفتاء في الدين ، والتوقيع عن رب العالمين ، دون حسيبٍ أو رادع ، وبلا رقيبٍ أو صادع ؛ أودى بمقام الإفتاء العظيم ، ليكون أمراً مباحاً ، وحِمًى مُستباحًا ، فكثرت الفتاوى التي تقصم الظهور ، من أشباه المُفتين ، وأنصاف المُتعلِّمين ، الذين تجاسروا وتجرءوا على مقام التحليل والتحريم ، أجملوا الفُتيا دون تفصيل ، وأرسلوا القول بلا دليل ولا تعليل ، يتطفَّلون على أمر الفتوى ، وهم ليسوا منها في عيرٍ ولا نفير ، ويفتئتون على مقامات العلماء والمجتهدين ، وهم ليسوا منهم في قبيلٍ ولا دبير ، سِيَّان عندهم الراجح من المرجوح ، والمُفتَى به من المطروح ، لا يعترفون بشذوذ الأقوال ، ومتردوا الأحوال ، غرَّتهم فتنةُ الإعلام ، فتوهَّموا أنهم من الأعلام ؛ لم يشموا رائحة العلم لا من قريب ولا بعيد ، وما أحسنَ ما قاله الإمام مالك رحمه الله

: " من سُئِل عن مسألةٍ ، فينبغي له قبل أن يُجيب فيها أن يعرِض نفسَه على الجنة والنار ، وكيف يكون خلاصُه منها "! هذا قول إمام دار الهجرة ، أحد الأئمة الأربعة ، الذي سُئِل عن أربعين مسألةٍ، فقال في ستٍّ وثلاثين منها : لا أدري ! فهل نسمع في عصر المتعالمين اليوم من يقول " لا أدري " ، ذلك ما نرجوه من الله الباري .

أيها المسلمون : ألا وإن من جرائم الفتاوى ، وعظائم الدعاوى ، من قال بتحليل الأغاني والموسيقى ، إذا كيف تجرأ على الله وعلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم ، وتهجم على إجماع الأمة المحمدية ، التي لا تجتمع على ضلالة ، وتهكم بكلام العلماء ، وسخر من المحدثين والفقهاء ، وسفه أقوالهم ، ونبذ فتاواهم ، فأين هو من أولئكم الرجال ، وكيف يصمد أمام الجبال ، علماء أفاضل ، علمهم شريف ، ومكانهم منيف ، يشهد لهم القاصي والداني ، ليس في علمهم وتقواهم مماراة ، وليس في فضلهم وشرفهم جدال ، نحسبهم كذلك والله حسيبهم

، اجتمعوا على تحريم الأغاني والموسيقى ، وآلات العزف والطرب ، ولقد تضافرت أدلة التحريم ، في الكتاب العظيم ، وسنة النبي الكريم ، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، واللبيب بالإشارة يفهم ، قال الله وهو أصدق القائلين : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، فسرها ترجمان القرآن وحبر الأمة عبد الله ابن عباس بأن لهو الحديث : هو الغناء ، وقال عبد الله بن مسعود : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، وقال الحسن البصري : نزلت في الغناء والمزامير ، وقال السعدي في تفسيره : دخل في هذا الغناء ومزامير الشيطان ، وعلى هذا إجماع علماء الأمة ، سلفاً وخلفاً ، أن لهو الحديث : هو الغناء والمزامير .

أيها المسلمون : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام ، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً ، وقال الطبري :
كان أبو حنيفة يكره الغناء ، ويجعل سماعه من الذنوب ، وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وقال الشافعي رحمه الله : " تركت بالعراق شيئاً أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به عن القرآن " ، وقال الإمام أحمد : " الغناء ينبت النفاق بالقلب ، ومنعه وقال : لا يعجبني " ، وقال الألباني رحمه الله : اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها ، ألا وإنه قد تجرأ البعض بنسبة سماع الغناء إلى بعض الصحابة والتابعين ، وأنهم لم يروا به بأساً ، فقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : نحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم ، وقال بعضهم أن جميع الأحاديث التي تحرم الغناء مثخنة بالجراح ، قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح ، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، ومنها الحسن ومنها الضعيف ، وهي

على كثرتها وتعدد مخارجها حجةٌ ظاهرة ، وبرهانٌ قاطع على تحريم الغناء والملاهي ، ومن زعم أن الله أباح الأغاني وآلات الملاهي فقد كذب وأتى منكراً عظيماً .

عباد الله : استبرءوا لدينكم وعرضكم ، ولا تأخذوا العلم إلا من أهله المعتبرين ، ورجاله الراسخين ، ألا وإن هناك من يرى أن الموسيقى والمعازف ترقق القلوب والشعور ، وتنمي العاطفة ، وكيف يكون ذلك ، والله عز وجل يقول : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ، قال يزيد بن الوليد : " يا بني أمية ! إياكم والغناء ، فإنه يزيد الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السُّكْر " ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه : . . وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة السوء " [ أخرجه النسائي وأبو نعيم بسند صحيح ] ، قال ابن القيم رحمه الله : " إنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال ، فإنه رقية الزنا ، وشَرَكِ الشيطان ، وخمرة العقول ، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل ، لشدة ميل النفوس إليه ، ورغبتها فيه " ، وقال بن كثير رحمه الله : " استعمال آلات الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية " ، وقال ابن الجوزي : " وإنما رخص في الغناء من قل علمه ، وغلبه هواه " ، وقال سفيان بن عيينه في مثل أولئك العلماء الضُلاَّل : " احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون " ، وقيل في الأمثال : " إذا زل العالِم زل بزلته عالَم " ، فهل يَسْقُطُ البناء ، ويَحْرُمُ الغناء ، أم يقولون : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } .

أخوة الإيمان : قال صلى الله عليه وسلم : " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ _ الزنا _ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ " [ رواه البخاري معلقاً مجزوماً به ، وقد أقر بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم ] ، فذم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من يستمعون الغناء وآلات اللهو ، وقرن ذلك بالزنا والخمر ولبس الرجال للحرير ، مما يدل على شدة تحريم الغناء وآلات اللهو ، وقال صلى الله عليه وسلم : " فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ " ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : " إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ _ المغنيات _ وَالْمَعَازِفُ ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ " [ رواه الترمذي وهو حديث صحيح لغيره ] ، ولقد نقل الإجماع على حرمة الغناء والاستماع إلى الموسيقى والمعازف جمع من العلماء كالقرطبي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي ، قال الطبري رحمه الله : " أجمع علماء الأمصار على تحريم الغناء والمنع منه " ، وقال القرطبي : " الغناء ممنوع بالكتاب والسنة ، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك عباد الله . . هناك نصوص كثيرة صحيحة ، واضحة صريحة ، في تحريم الأغاني والموسيقى ، وفيما ذكرنا كفاية ، لمن رام الهداية ، فهذه آيات ربنا ، وأقوال نبينا ، وفتاوى علمائنا ، فليأتنا من أباحوا الغناء بمثلهم ، فلا يستطيعون حيلة ولا دليلاً ، ولا يهتدون طريقاً ولا سبيلاً ، أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطأ وعصيان ، فاستغفروا ربكم المنان ، إنه هو الغفور الرحيم الرحمن .

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى . . وبعد :
عباد الله : قد اتفق الأئمة على صحة أحاديث تحريم الغناء والمعازف إلا الغزالي وابن حزم ، أما الغزالي فما عرف علم الحديث ، وابن حزم بين الألباني رحمه الله خطأه أوضح بيان ، ألا وإن مما يجب أن يُنبه الناس إليه ، أن ما أباحه ابن حزم رحمه الله من الغناء ، ليس هو غناء اليوم ، الموجود في القنوات والإذاعات ، وعلى المسارح والفنادق ، فهذا من الخطأ الكبير،  والضلال البعيد ، فمثل هذا الغناء لا يقول به مسلم ، فضلاً عن عالم ؛ فالعلماء متفقون على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ، وحاشا ابن حزم أن يقول بمثل هذا ، رحمه الله تعالى ، إن الغناء اليوم يشتمل على كل معصية ، ويحدث فيه من المحرمات القطعية ، كالتبرج والاختلاط الماجن ، والدعوة السافرة إلى الزنى والفجور ، وشرب الخمور ، يتمايل الجميع رجالاً ونساء ، ويطربون في معصية الله وسخطه ، فنزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامير الشيطان ، وأحلوها رياض الجنان ، حلق القرآن ، ومدارسة سنة سيد الأنام ، عليه الصلاة والسلام ، ثم احذروا تلبس الشياطين والجن ، فأكثر تسلطهم على أهل الغناء والفن ، ولا تستخدموا نعم الله في معصيته ، فلا تُدخلوا الأغاني والموسيقى جوالاتكم وسياراتكم ، وبيوتكم وأفراحكم ، واعلموا أنه جاء في صحيح مسلم ، قوله صلى الله عليه وسلم : " الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ " ، فاحذروا ما هو أشد حرمة من الجرس كالموسيقى والأغاني ، تنالوا خيراً وفيراً ، وأجراً كبيراً ، وكونوا ممن قال الله فيهم : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } .

عباد الله : إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ، فمن وسائل المال الحرام ، من يؤجر محلاً تباع فيه أشرطة الغناء ، ورؤية الراقصين والراقصات ، ومن يبيع آلات الغناء ، ومن يؤجر مسرحاً أو قاعة لغرض الغناء أو الرقص ، ومن يعمل في محل غنائي ، فكل أولئك أموالهم سحت حرام ، ومن فعل شيئاً من ذلك ، فهو معين على الشر والفساد ، وداع إلى الإثم والعدوان ، وآمر بالمنكر وناهٍ عن المعروف ، ومن استأجر المطربين والمطربات أو أهل الموسيقى ، فعمله هذا محرم ، وفعله مجرم ، قال ابن عبد البر رحمه الله : " من المكاسب المجمع على تحريمها أخذ الأجرة على النياحة والغناء " ، وقال ابن المنذر رحمه : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية ، ولا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح " ، وقال الشافعي رحمه الله : " إن الرجل إذا جمع الناس لسماع غناء الجارية فهو سفيه مردود الشهادة " ، وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله : تشغيل الأغاني عبر المسجل ورقص النساء عليه أمر محرم لا يجوز ، لأنه غالباً يكون مصحوباً بالموسيقى وآلات اللهو ، وعلى هذا فلا يجوز أن يعرضن أنفسهن للفتنة , فيغنين حيث يكون حولهن رجال يطربون بذلك , ويتلذذون بأصواتهن ، فإن هذا من الفتنة العظيمة التي يجب أن يتوقاها المسلم , فلا تدخلوا أهل الغناء واللهو أعراسكم ، وليالي أفراحكم ، فهم القوم يشقى به جليسهم ، نعوذ بالله من عذابه وعقابه .
أيها المسلمون والمسلمات : احذروا عذاب الله ومقته ، وسخطه ونقمته ، فقال سبحانه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } وختم الله هذه الآية بقوله : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، وعيد وتشديد ، وتخويف وتهديد لأهل الغناء والتباهي ، وآلات الموسيقى والملاهي ، بالعذاب المهين ، فعودا إلى ربكم ومولاكم ، وطهروا ظاهركم وباطنكم ، وأبدلوه بقرآن ربكم ، فبه تسعدون ، ولذة الإيمان تجدون ، واعلموا أن من ترك لله شيئاً عوّضه الله خيراً منه ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال قولًا كريما : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة وعن جميع الآل والأصحاب الكرام ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق أمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، وأصلح بطانته يارب العالمين ، اللهم وفق ولي عهده ونائبه الثاني لما فيه عز الإسلام والمسلمين ، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين ، اللهم كن لإخواننا في فلسطين ناصرًا ومعيناً ومؤيدًا وظهيرا ، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود ، اللهم ارحم موتانا ، واشف مرضانا ، وعافِ مبتلانا ، وفك أسرانا ، وانصرنا على من عادانا ، اللهم حصِّن شبابنا وفتياتنا بالهدى والتقوى ، وعافهم من كل شرٍّ وفتنةٍ وبلوى ، اللهم اكفهم شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، عباد الله { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون.


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية