صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







توجيهات للأمة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، أحمده وأشكره على فضله المبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين ، وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . أما بعد : فاتَّقوا الله وعظموا أمره ، واحذروه واجتنبوا نهيه ، واعلموا أنكم تعيشون لآجال محدودة ، وأنفاس معدودة ، وكأنكم بالأجل وقد انقضى ، والعمر وقد انطوى ، فيا بشرى القائمين بالواجبات ، ويا حسرة المتبعين للأهواء والشهوات ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .
أيها المسلمون : إن شريعتنا الغراء ، في بديع غاياتها ، وعظيم مآلاتها ، تدعوا إلى إصلاح الأمة وائتلافها ، وتقاربها وتوافقها ، وتحذر من تفككها واختلافها ، وتباعدها وتفرقها ، شريعة التكافل والرحمة ، والعطف والأخوة ، كيف لا والله يقول : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ، وجاءت أقوال الحبيب صلى الله عليه وسلم متضافرة في سنته حيث يقول : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، ولاَ يَخُونُهُ ، وَلاَ يَكْذِبُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ " [ رواه البخاري ومسلم وغيرهما ] ، وعند الترمذي وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ : " فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ " ، فيا الله ! أين نحن عن هذه التعاليم الربانية الكريمة ، والتوجيهات النبوية العظيمة ؟ هل من الإسلام أن تُرفع الأسعار ، من قبل بعض التجار ، لا لسبب مقنع ، إلا الجشع والطمع ، إنها خلة ذميمة ، وخصلة وخيمة ، نكراء تقوِّض الأموال والحضارات ، شنعاء تفني المقدرات والأمنيات ، وتهلك الأنفس والمجتمعات ، وصاحبها لا يزال مذموماً ، وبأقبح النعوت موسوماً ، قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الفُجَّارُ " ، قَالَ رَجُلٌ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَمْ يُحِلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ؟ قَالَ : " إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَيَكْذِبُونَ ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ " [ رواه أحمد ] ، إن جريرة الأنانية والطمع ، وجريمة الحرص والترف والجشع ، من أقبح ما يتصف به العبد ، ويالله كم في النفوس عليها وعلى أصحابها من حسرة وكمد والتياع ! فهلا يدرك أولئكم التجار ، فقد روي مرفوعاً : " بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ " [ رواه الترمذي ] .

عباد الله : عليكم بتولي زمام الأسعار ، وإرغام التجار ، وذلكم يا رعاكم الله ، باتباعكم لوصية خليفة الأمة الملهم ، صادق الظن المُفَهَّم ، الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم : " قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ _ صادقوا الظن مُلْهَمُونَ مُفَهَّمُونَ _ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وقاله عنه صلى الله عليه وسلم : " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ " ، نعم يا عباد الله عمر رضي الله عنه الذي نزل القرآن بموافقته في مواضع عديدة ، ومواءمةً له سديدة ، جاء في الأثر أن الناس في زمنه رضي الله عنه جاؤوا إليه وقالوا : نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا ، فقال : أرخصوه أنتم ؟ فقالوا : نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ، ونحن أصحاب الحاجة فتقول : أرخصوه أنتم ؟ وهل نملكه حتى نرخصه ؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا ؟ فقال قولته الرائعة : اتركوه لهم ، نعم أيها المسلمون ، اتركوا سلعهم لهم ، وسوف يرخصونها حينما لا يجدون من يقبل عليها ، بل إن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بين لنا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء ، وهي إرخاص السلع ، بإبدالها بسلع أخرى ؛ فقد غلا الزبيب بمكة ، فكتبوا إليه بالكوفة أن الزبيب غلا علينا ، فكتب أن أرخصوه بالتمر ، أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافراً في الحجاز وأسعاره رخيصة ، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص ، وإن لم يرخص فالتمر خير بديل ، وأنتم معاشر الإخوة بأيديكم إرخاص الأسعار ، بتركها أو استبدالها بغيرها مما هو أرخص منها ، والله معكم وهو نعم المولى ونعم النصير .

أيها التجار ، يا أصحاب العقار : أرخصوا الأسعار ، واطلبوا الرزق المدرار ، من الغني الغفار ، والله الله بإخوانكم ، لينوا لهم ، وأرفقوا بهم ، وارحموا أحوالهم ، فلا يكاد المعاش يواكب احتياجات الأسر اليوم ، نظراً لغلاء المعيشة ، وارتفاع الأسعار ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [ رواه مسلم ] ، فاتقوا الله في إخوانكم ، لاسيما الفقراء والمساكين ، والأيتام والأرامل المعوزين ، فهم أمانة في أعناقكم ، فما أعظم القناعة ، فهي كنز لا يفنى ، وخذوا بوصيكم الحبيب المصطفى ، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ " ، وقد جاءت فتوى كبار العلماء : " أنه ينبغي للتاجر التخلق بالسماحة والقناعة ، وأن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، ففي ذلك خير وبركة ، ولا يتمادى في الطمع والجشع ، فإن ذلك يصدر غالبًا عن قساوة القلوب ، ولؤم الطباع ، وشراسة الأخلاق " ، وتأملوا رحمكم الله قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي ، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ : مَا أَكَلَ فَأَفْنَى ، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى ، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى _ بقي _ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " [ رواه مسلم ] ، قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : بما أيسرت ؟ قال : " ما رددتُ ربحاً قط ، وما كتمتُ عيباً قط " ، فاقبلوا قليل الربح ، ففيه خير كثير ، وأجر كبير ، وأبشر أيها التاجر الصدوق الأمين فقد قال صلى الله عليه وسلم : " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأمِينُ مع النَّبِيِّين والشُّهداءِ والصِّدِيقِين " [ رواه الترمذي بإسناد حسن ] .
أيها المسلمون : ألا وإن ثاني التوجيهات ، انتشار ظاهرة العنوسة والعزوبة في المجتمع ، وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج ، فهي ظاهرة لها مضارها الخطيرة ، وعواقبها المريرة ، على الأمة بأسرها ، فهي تفسد الأخلاق والسلوك ، لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن ، وتوفّرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة ، فعليكم بالزواج الشرعي ، فالقضية قضية فضيلة أو رذيلة ، وحدِّث ولا كرامة عما تبثه القنوات الفضائية ، والشبكات المعلوماتية ، التي تفجِّر براكين الجنس ، وتزلزل ثوابت الغريزة ، وتوَجَّه ضدَّ قيم الأمة وأخلاقها ، ممثلة في أبنائها وبناتها ، فإلى الله المشتكى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عباد الله : إن العزوبة والتبتل منهي عنها شرعاً ، مرفوضة عرفاً ، قال سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه ، رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا " [ رواه الشيخان ] ، والتبتل : هو ترك الزواج والانقطاع للعبادة ، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام ، أعلم أني أموت في آخرها ، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة " ، ويقول الإمام أحمد رحمه الله : " ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء ، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام " .
أيها المسلمون : حصنوا فروج الشباب والشابات ، بتسهيل أمور الزواج ، وتقليل المهور ، فليست البنت سلعة للمساومة ، وتجارة للمزايدة ، ألا وإن من الأولياء من عضل وظلم وخان الأمانة ، فربما كانت ابنته مدرِّسة وموظفة ، فيطمع في مرتبها ، ويمنعها من خاطبها ، ألا يفكرون بالعواقب ؟! أيسرُّهم أن تلطَّخ سمعتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء ؟ فما انتشر الزنا واللواط ، والشذوذ الجنسي بين الجنسين ، وما انفتحت أبواب الفساد ، إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج ، ولم ينتشر الانحلال والدعارة ، والعلاقات المشبوهة ، والسفر إلى بيئات موبوءة ، ومستنقعات محمومة ، إلا بسبب تعقيد أمور الزواج ، فاتقوا الله أيها الأولياء ، اتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، فالمسؤولية على عواتقكم عظيمة ، ونتائجها وخيمة ، فهناك من الأولياء هداهم الله من منعوا بناتهن من الزواج من الأكفاء ديناً وخلقاً وأمانة ، بأعذار واهية ، ينظرون في الزوج إلى أمور شكلية ، وجوانب كمالية ، يسألون عن ماله ووجاهته ، ووظيفته ومكانته ، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته ، قال تعالى : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " [ رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح ] .

أيها المسلمون : إن المهر في الزواج وسيلة لا غاية ، يقول الفاروق رضي الله عنه : " ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى في الآخرة ، لكان النبي أولاكم بها " ، وقد زوج النبي رجلاً بما معه من القرآن ، وقال لرجلٍ التمس ولو خاتمًا من حديد ، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواه من ذهب ، فالله المستعان ، كيف بحال المغالين اليوم ؟! أما علم أولئك أنهم مسؤولون أمام الله عن أماناتهم ورعاياهم ؟! هل نُزعت الرحمة من قلوبهم؟! ولا تنزع الرحمة إلا من شقي ، وأنتم أيها الإخوة والأخوات ، أيها الشباب والشابات يا من ابتليتم بهذه الظاهرة ، صبراً صبراً ، وثباتاً واستعفافاً ، ورضاً بقضاء الله وقدره ، واتباعاً لوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم القائل الناصح لكم : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [ متفق عليه ] فاتقوا الله عباد الله ، وتناصحوا فيما بينكم ، وتعقلوا كل التعقل في حلِّ قضاياكم الاجتماعية ، لاسيما قضايا الزواج ، ولا تتركوا الأمر بأيدي السفهاء ، فتميد بكم سفينة النجاة إلى حيث لا نجاة ، نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب ، وبسنة النبي المصطفى الأواب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم التواب ، لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئة وإثم وعتاب ؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان تواباً رحيماً .

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً حمداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله فرداً صمداً ، واحد لا شريك له في ملكه أبداً ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا ، صلى الله وسلم وبارك عليه أبداً سرمداً ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يلقونه غداً .

أيها المسلمون : وآخر التوجيهات ، ما عجت به أوطان المسلمين ، ومجتمعات المؤمنين ، من ظاهرة تطويل شعر رؤوس الشباب والرجال ، وما يلحقها من تسريحات نسائية ، وتشبهات عدائية ، فيا لها من خيبة وبلية ، وخزي ورزية ، فليست من المروءة اليوم في شيء ، ولا علاقة لها بسنة ولا طريقة ، ولا هدي ولا حقيقة ، إنما هي موروثات وتقليدات غربية ، وتقليعات شرقية ، فإليكم نبأها ، وهذا خبرها ، فإطالة شعر الرجل هو من قبيل العادة ، لا من قبيل السنة ، وطول الشعر ما بين شحمة الأذن إلى العاتق ، هكذا كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان في زمن يعفي فيه الناس شعورهم ، كافرهم ومسلمهم ، فهو على العادة لا على السنة ، ومن زاد فقد تعدى وأساء ، وتشبه بالنساء ، قال البغوي رحمه الله : " أما النساء فإنهن يرسلن شعورهن ، ولا يتخذن جمة " ، فإذا بلغ الشعر المنكبين فهو الجمة ، فإن وصل شحمة الأذن فهو الوفرة ، فإن كان بين ذلك فهو اللمة .

أيها المسلمون : من قصات الشعر المحرمة ، القزع ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْقَزَعِ " ، قال نافع وهو أحد رواة الحديث الْقَزَعُ : أن يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ " [ متفق عليه ] ، قال ابن القيم رحمه الله : وأما حلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب : أشدها : أن يحلق وسطه ، ويترك جوانبه ، كما تفعل شمامسة النصارى ، ويليه : أن يحلق جوانبه ، ويدع وسطه ، كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس ، ويليه : أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره ، ألا وإن من تسريحات الشعر المحرمة ما كان فيه تشبه بالكفار والفساق وسفلة الناس ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ، واستفحل الأمر وتعاظم ، وزاد وتلاطم ، حينما استخدموا البكلات والشباصات لربط شعورهم ، ولا يفعل ذلك إلا النساء والفساق والسفهاء ، فيا شماتة الكفار ، بأهل الإسلام ، ألا وإنه يحرم تطويل الشعر فوق المنكبين لما فيه من تشبه بالنساء ، وقد لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " [ رواه البخاري ] .
عباد الله : عجباً والله عجباً ، لمن يطيل شعر رأسه ويحلق لحيته ، وهي من واجبات الدين ، وإن تعجب فعجب لمن يضيع الصلوات ، ويطيل الشعرات ، ما هذا أيها الشباب ، أين اتباع السنة ؟ وأين هدي نبي الأمة ؟ بل أين أنتم من أوامر كتاب الله ، وأوامر رسول الله ، اربئوا بأنفسكم عن تقليد أعداء الله ، وكونوا أعزاء بإسلامكم ، كراماً بدينكم ، واسمعوا تحذير ربكم لكم : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً } ، ألا وإن من كان مقلداً ، فليقلد محمداً صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } ، قال ابن عبد البر رحمه الله : " إن إطالة الشعر في عصره صارت من علامات السفهاء ، وأعرض عنها أهل العلم والصلاح " ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن اتخاذ الشعر ليس من السنة ، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل ، وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس ، والآن : جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر ؛ ولذلك علماؤنا الكبار لا يتخذون الشعر ؛ لأنهم لا يرون أن هذا سنة ، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة ، فالصواب : أنه تَبَعٌ لعادة الناس ، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا " ، أعاذنا وإياكم من هذا البلى ، هذا وصلوا وسلموا _ رحمكم الله _ على النبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، والحبيب المرتضى ، كما أمركم بذلك المولى الحميد ، في الكتاب المجيد ، فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى نبينا
محمدٍ بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين وصحابته الغر الميامين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك وكرمك ياأكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين ، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك ، اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم هيء له البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم وفق نائبيه وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد ، اللهم ياحي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأصلح لنا شأننا كله ، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم ، واجعلهم عبرة للمعتبرين يارب العالمين ، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من براثن المحتلين المعتدين ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام ، اللهم انصر اخواننا المجاهدين في سبيلك والمضطهدين في دينهم في كل مكان ياقوي ياعزيز ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية