اطبع هذه الصفحة


الطلاق محاور للنقاش

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
الطلاق هاجس البيوت ، ومشرد الأطفال ، ومفكك الأسر ، وقاطع الأواصر ، هادم البيوت .
كم من أطفال تشردوا بسبب الطلاق ؟
كم من أرحام قطعت بسبب الطلاق ؟
كم من جرائم ارتكبت بسبب الطلاق ؟
كم من كراهية وبغضاء وقعت بسبب الطلاق ؟
كم . . . وكم . . . وكم . . . . . كل ذلك بسبب الطلاق ؟
ولعلنا في هذه العجالة نتطرق إلى محاور نتحدث فيها عن أخطاء بين الزوجين حلها في متناول اليد واللسان ، لكن لما كان الشيطان حريصاً على غواية ابن آدم ، كان شديد الحرص على التفريق بين المرء وزوجه ، وللأسف أن هناك فئة من الناس رجالاً ونساءً قد أمكن منهم الشيطان الرجيم فجرى منهم جريه اللئيم فاتبعوه ، فهدموا بيوتهم وخربوها بأيديهم وأيدي الشيطان .
ولنتأمل جميعاً هذه المحاور لعلنا نخرج منها بفائدة :

المحور الأول / الضغط بكلمة الطلاق :

كلمة الطلاق استهان بها كثير من الأزواج لاسيما صغار السن ، وأصحاب المخدرات ، والسفهاء ، حتى غصت المحاكم بقضايا الطلاق ، كل ذلك بسبب اتباع خطوات الشيطان اللعين ، الذي لا يقر ولا يهدأ حتى يفرق بين الزوج وزوجته ، ويدمر البيوت ، ويشتت الأسر ، فهلا يعقل الناس ذلك ؟
بعض الأزواج يهدد الزوجة في كل لحظة وأخرى بالطلاق ، إذا فعلت كذا فأنت طالق ، وإذا لم تفعلي كذا فأنت طالق ، وهلم جرا . . . وهذا لاشك أنه خطأ ، وقلة في الفهم ، وعدم شعور بعواقب الأمور .

المحور الثاني / الحلف بالطلاق :

بعض الأزواج يستعمل كلمة الطلاق في حلفه وأيمانه ، ولا يجوز للمسلم أن يحلف إلا بالله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " [ متفق عليه ] .
نعم هناك من الأزواج إذا حلف ، حلف بالطلاق فقال : علي الطلاق لأفعلن كذا ، أو لا أفعل كذا . . وهكذا ، وهذا أمر لا يجوز ، بل فيه خطر على كيان الأسرة ، فيمكن أن يقع منه الطلاق وهو يعلم أو لا يعلم ، ثم بعد ذلك يذهب للعلماء يبحث عن مخرج لهذا العمل الخطير ، وكان ينبغي له أن يحفظ لسانه عن مساوئ الكلمات ، لاسيما الطلاق ، فبه تهلك الأطفال ، وكثير من أطفال وشباب دور الملاحظة من ذكور وإناث كان انحرافهم بسبب التشتت الأسري ، والتفكك بين الزوجين ، فلما حصل الفراق ضاع الأطفال وتلقفتهم أيدي العابثين بالأعراض ، فوقعوا فريسة لهم وألعوبة بأيديهم ، والسبب هو الطلاق المدمر .
فنصيحتي لكل أب وأم أن يتقوا الله تعالى في أولادهم ، واهمس في أُذن كل زوج ألا يجعل كلمة الطلاق كشرب الماء البارد بعجلة ، ثم ما يلبث أن يشرق به ، فيدمر أسرته وأولاده ، بل أحفظوا ألسنتكم وارعوا أسركم ، فليتقوا الله وليكونوا مؤمنين ، يحسبوا لكل كلمة حسابها ، ولا يجعلوا كلمة علي الحرام أو علي الطلاق هي ديدنهم في وأيمانهم التي يحلفون بها ، بل أنسوا هذه الكلمة كيلا تتعود على ألسنتكم وتلوكونها كل صباح ومساء ، فيقع ما لا تحمد عقباه .

المحور الثالث / سؤال المرأة الطلاق :

هناك من النساء من تطلب الطلاق في كل صغيرة وكبيرة ، فما تغضب من زوجها أو ترى منه خلقاً سيئاً ، إلا وتبادر بطلب الطلاق ، طلقني . . طلقني . . وللأسف أن هناك بعض الأزواج تأخذه العزة بالإثم ، فيغضب ويرعد ويزبد ، ويطيع الشيطان فيبادر بالطلاق ، فيطلق وبعد أن يتخلى عنه الشيطان وعن تلبسه ، ويتضح له الأمر وتتجلى له حقيقة الأمر يندم ولكن لا ينفع الندم ، وتندم المرأة كذلك ولكن هيهات أن ينفع الندم ، فربكا كانت هذه طلقة ثالثة بائنة ، فيفترق الاثنان .
وإني من خلال هذه الكلمة أُنبه أخواتي النساء بألا يطلبن الطلاق مهما حصل من الأمور التي يمكن أن تحل بطريقة أو بأخرى ، فالطلاق ليس حلاً نهائياً لكل المشاكل ، بل الحل في مثل هذه الحالات ، أن يخرج الرجل من بيته ، ولا يعود حتى تهدأ الأمور وتعود إلى نصابها ، ويذهب الشيطان وينكسر أمره ، ويذهب حره وشره وكيده .
وقد حذر الشرع المطهر من طلب المرأة للطلاق إذا لم يكن هناك داع أو حاجة ماسة ، أو ضرورة ملحة ، قال صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " [ رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني ، انظر حديث رقم 2706 في صحيح الجامع ] .‌

المحور الرابع / أين تعتد المطلقة ( المعتدة ) :

إذا حصل الطلاق ، وكان الطلاق طلاقاً رجعياً أي طلقة أولى أو ثانية ، فإنه لا يجب ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها ولا أن يخرجها زوجها من بيتها ، بل الواجب والشرع يحتم على المطلقة البقاء في بيتها لحين انقضاء عدتها ، وهذه حكمة عظيمة من الله تعالى لربما تعود الأمور إلى نصابها ، وتعود المودة والمحبة والألفة بين الزوجين المفترقين ودليل ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [ الطلاق1 ] .
يا أيها النبي إذا أردتم- أنت والمؤمنون- أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن -أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر- واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن, وخافوا الله ربكم, لا تخرجوا المطلقات من البيوت التي يسكنَّ فيها إلى أن تنقضي عدتهن, وهي ثلاث حيضات لغير الصغيرة والآيسة والحامل, ولا يجوز لهن الخروج منها بأنفسهن، إلا إذا فعلن فعلة منكرة ظاهرة كالزنى, وتلك أحكام الله التي شرعها لعباده, ومن يتجاوز أحكام الله فقد ظلم نفسه, وأوردها مورد الهلاك. لا تدري _ أيها المطلِّق _: لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه فتراجعها .

المحور الخامس / الطلاق الناجح :

وهذه النقطة من أهم النقاط ، وهو الطلاق الناجح والذي يفتقر إليه كثير من الأزواج ، وذلك إذا انعدمت الحياة الزوجية بين الزوجين ، ولم يعد مجالاً للتآلف والمودة ، فهناك الطلاق الناجح أو الإيجابي ، ولم يكن هناك حل أو مجالاً للإصلاح ، ولم يبق حل إلا الطلاق ، فإن الزوج يطلق زوجته طلقة واحدة رجعية ، وتبقى في بيت زوجها إلى أن تنهي عدتها ، وبعد انقضاء العدة ، تذهب إلى بيت أهلها ، وأثناء فترة الطلاق ، يتم الاتفاق على تربية الأبناء بحيث يكون للأم وقت وللأب وقت لرؤية الأبناء ، بحيث لا يشعر الأبناء بفقد الأبوين أو أحدهما ، فيمكن أن يبقى الأولاد يوماً عند أبيهم ويوماً عند أمهم ، أو أسبوعاً هنا وأسبوعاً هناك ، المهم ألا يشعر الأبناء بفقد حنان الأمومة ، وعطف الأبوة ، بل يشعرون بدفء التربية الصحيحة السليمة ، ولا يكون تقاطع وتدابر وتهاجر بين أهل الزوجين بسبب هذا الطلاق ، بل على العكس فالمودة وصلة الرحم لا تزال قائمة ، فهذا قدر الله تعالى ، والقبول به أمر لابد منه ، فربما كان الطلاق خيراً ومصلحة لكلا الزوجين ، المهم ألا يعود هذا الطلاق بالشر والضرر ، بل يعود بالخير والمحبة بين أهل الزوجين ، ويشعر الأبناء كذلك بجو مفعم بالمحبة والألفة ، ولا يشعرون بفراق الزوجين عن بعضهما ، هذا هو الطلاق الناجح والإيجابي .

المحور السادس / توجيه للزوج :

يا أيها الزوج العاقل أنت من بيده القوامة ، كما قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } [ النساء34 ] .
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل, وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن, مطيعات لله تعالى ولأزواجهن, حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه, واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم, فانصحوهن بالكلمة الطيبة, فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة, فاهجروهن في الفراش, ولا تقربوهن, فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن, فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه, فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن, فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن, وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن .
فيا أيها الزوج الرحيم . . أيها الزوج العاقل . . أيها الزوج الفاهم . . تذكر أن الطلاق بيدك ، جعله الله بيدك ، فإذا ما حل شجار أو خلاف بينك وبين زوجتك ، وحضر الشيطان ، فاخرج من بيتك لئلا يتفاقم الوضع ويتعاظم ، وبعد ساعة أو أكثر اتصل بزوجتك لترى هل ذهب الشيطان بوسوسته وكيده ؟ فإذا بدى لك ذلك فخذ هدية وأت بها إلى زوجتك وقدمها لها ، وتلطف معها ، وتحبب لها وتودد ، فهي أم أولادك ، وطباخة طعامك ، وغسالة ملابسك ، وهي محط شكواك وهمك بعد الله ، وهي محل قضاء وطرك ، فالله الله بالحب والحنان وأشعرها أنها كل شيء في حياتك ، وأنك لا تحب غيرها ولا ترى سواها ، هكذا تكون الحياة السعيدة مرفرفة على بيتك وأسرتك .

المحور السابع / وصية للزوجة :

وهذه وصيتي أيضاً لكل زوجة صادقة مخلصة لله تعالى ، ألا تكدر صفو زوجها ، ولا تثقل كاهلة بالطلبات الغير ضرورية ، بل تكون مبتسمة دائماً بشوشة في وجه زوجها ، ما أتى منه قبلته ، ومالا فلا تتبع نفسه إياه ، استقبليه عند عودته من عمله ، جهزي ما يحب من الطعام ، وأعدي له فراشه للراحة بعد العمل والطعام ، أيقضيه للصلاة في وقتها ، قدمي له النصائح ، أسأليه عن عمله إذا كان مستعداً للحديث عن ذلك ، وإلا فاتركيه حتى يهدأ ، بهذه وغيره تسعد الأسرة ، وتخيم عليها المحبة والمودة .
وفي الختام أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يسعد كل الأزواج ، وأن يرزقهم ذرية صالحة طيبة ، وان يديم عليهم الصحة والعافية ، والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية