اطبع هذه الصفحة


أفشوا السلام بينكم

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله القدوس السلام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام . . أما بعد :
فيا أيها الإخوة في الله . . معاشر المسلمين . . ما أكثر الطرق الموصلة إلى الجنة ، لكننا وللأسف نغفل عنها ، أو يُلهينا الشيطان عنها .
هناك طريق موصل إلى الجنة وهو سهل يسير على من وفقه الله إليه ، وتأملوا معي هذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " .
إذن الجنة موجبها الإيمان ، والإيمان من ضوابطه التحاب في الله ، والمحبة في الله لا تكون إلا بإفشاء السلام ، وهذا أمر معلوم لا ينكره أحد ، فترى المحب يسلم على من يُحبه ، ولكنه لا يسلم على من يبغضه ، وهذا لا ينكره أحد .
فموضوع السلام اليوم أصبح عملة زهد فيها كثير من المسلمين ، فما أكثر الناس الذين تمر بجانبهم لا يسلمون عليك ، وإذا سلمت عليهم لا يردون عليك السلام ، وهذه هي النكسة والنكبة .
فمتى يدرك المسلمون أهمية إفشاء السلام في حياتهم ، فهو طريق موصل إلى الجنة .
والبدء بالسلام سنة ، يؤجر عليها المسلم ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " عَشْرٌ " ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " عِشْرُونَ " ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثُونَ " [ رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
وكلما بدأَتَ الناس بالسلام أمنوا جانبك وأحبوك ، لأن السلام أمان ومحبة ، ولكن أنظر إلى شخص لا يسلم أو لا يرد السلام تشعر بوحشة منه .
أيها الإخوة . . البدء بالسلام سنة ، ولك أجرها ، ورد السلام واجب وعليك وزره إذا لم ترد السلام .
وللأسف الشديد أننا نرى اليوم عجباً ، فهناك بعض الناس لاسيما أصحاب المناصب والكراسي ، وبعض المنتسبين للمؤسسات الدينية كالقضاة وغيرهم ، لا تكاد ترى شفته تتحرك بالرد ، وبعضهم لا يرد السلام أبداً ، وهم آثمون بذلك ، لأن رد السلام واجب ، والواجب ما يثاب فاعله ، ويعاقب تاركه ، والله تعالى هو الذي أنزل هذا الحكم في كتابه ، في سورة النساء حيث قال تبارك وتعالى : { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } [ النساء86 ] .
فيحرم على الإنسان أن يترك الرد ، أو يرد بأقل مما سُلم عليه للآية السابقة ، وقد جاءت فتاوى العلماء متضافرة متوافرة بهذا الحكم .
فمن الناس من تسلم عليه ، ويرد بقوله : هلا هلا ، أو مرحباً ، أو حياك الله ونحو ذلك من الردود ، ولا شك أن ذلك خطأ وصاحبه آثم ، فرد السلام يكون بأفضل منه أو بمثله على أقل تقدير ، كما ورد في الآية السابقة .
وبعض الناس يهز لك رأسه وكأنه سلم عليك ، وليس هذا بسلام أبداً ، وبعضهم يرفع يده لك ويتوهم أنه سلام ، وليس بسلام ، وبعضهم ربما كان في سيارته ويضرب لك بالبوري ويرفع يده بدون تحريك شفته بالسلام ، فليس ذاك بسلام ، بل لابد أن يتحرك اللسان بالسلام حتى تؤجر عليه ، ولو كنت بعيداً لا يسمعك من سلمت عليه فالله معك يسمع ويرى ويسجل لك سلامك في ميزان حسناتك فتنبه يا رعاك الله ، ولا تتشبه باليهود والنصارى ، فأنت مسلم عزيز بدينك ، كريم بإيمانك .
في السلسلة الصحيحة 5 / 227 قال صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف " [ قال عنه الألباني : صحيح بشواهده ] .
وفي السلسلة الصحيحة 4 / 388 قال صلى الله عليه وسلم : " تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود " [ صحيح ] ، وورد بلفظ آخر : " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليمهم بالأكف والرؤس والإشارة " .
وربما منع أولئك البشر من رد السلام أو بدء الناس بالسلام الكبر والتعالي ، ولو أمعن النظر في حقيقة خلقه ، لرأى أنه خلق من نطفة مذرة ، ويحمل في بطنه العذرة ، وآخره جيفة قذرة ، فعلام الكبر والغطرسة ؟
السلام ليس مقتصراً على أشخاص دون آخرين ، بل لجميع المسلمين ، من تعرف ومن لا تعرف ، فمن حق أخيك المسلم عليك أن تسلم عليه إذا لقيته ، وأن ترد عليه السلام إذا بدأك بالسلام ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " حقُّ المسلمِ على المسلم خمس : ردُّ السلام ، وعِيادةُ المريض ، واتِّباعُ الجنازة ، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ ، وتشميتُ العاطس " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ولمسلم : " حقُّ المسلم على المسلم سِتّ ، قيل : ما هنَّ يا رسولَ الله ؟ قال : إِذا لقيتَه فسلِّمْ عليه ، وإِذا دَعَاكَ فأَجِبْهُ ، وإِذَا استنصحَكَ فانْصَحْ له ، وإِذا عَطَسَ فَحمِدَ الله فشَمِّتْه ، وإِذا مرضَ فعُدْه ، وإِذَا ماتَ فاتْبَعْهُ " .
أيها الإخوة الأفاضل . . أصبح السلام اليوم يكال بالمكيال ، ويوزن بالوزن ، فالسلام عليك ورده بحسب طبيعة عملك ، وقدر مالك ، وثقلك في المجتمع ، وقدر الحاجة إليك ، ومدى المعرفة ، مع أنه جاء في الحديث غير ذلك تماماً ، فتأمل هذا الحديث ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيُّ الإسلامِ خيرٌ ؟ قال : " تُطعِمُ الطعامَ ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وقد علمنا فضل السلام فيما سبق ، ولهذا حسدتنا اليهود عليه كما جاء عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَمِ وَالتَّأْمِينِ " [ رواه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني ] .
فكيدوا أعداءكم من اليهود والشياطين ، وأفشوا السلام بينكم ، حتى تسري المحبة بينكم ، ويظهر الإيمان جلياً فيكم ، فتدخلوا الجنة بسلام .
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة ، اللهم إنا نعوذ بك من الكبر والبطر ، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، والحمد لله رب العالمين .
 


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية