اطبع هذه الصفحة


رحمة الحيوان عند الذبح

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


نقف في هذه الخاطرة مع قضية مهمة أشار إليها الشرع المطهر ، يجب أن يتبنه لها الناس ، ألا وهي الرحمة بالحيوان عند إرادة ذبحه .
الإسلام دين رحمة شاملة ، فالله جل وعلا رحيم بعباده من أنفسهم ، ومن أمهاتهم بهم ، فهو رحيم بخلقه ، من إنسان وحيوان وكل ذي روح .
وهذه بعض الأدلة التي تدل على حث الإسلام على الإحسان بالحيوان ، وقتله بالطرق الشرعية ، بل وحتى السرعة في إزهاق روحه ، حتى لا يتألم ولا يتعذب ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بخلقه ، فهو الرحيم المحسن المتفضل على خلقه بشتى النعم .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " [ أخرجه مسلم ، وأخرجه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وأخرجه النسائي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأحمد ] .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَجُرُّ شَاةً بِأُذُنِهَا ، فَقَالَ : " دَعْ أُذُنَهَا وَخُذْ بِسَالِفَتِهَا " [ أخرجه ابن ماجة ] .
في هذين الحديثين تتجلى رحمة الإسلام بالحيوان ، وكيف راعى حقوقه قبل ذبحه ، وأثناء الذبح ، بل حث على الإحسان إلى الذبيحة حال ذبحها ، وذلك بأن لا يذبح بآلة كالة أو غير حادة ، فيعذب الحيوان ، وإنما يجب أن تكون الآلة حادة سريعة الذبح وإزهاق الروح ، لأن في ذلك راحة للذبيحة ، وسرعة لقتلها دون عناء ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشِّفَارِ ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ ، وإِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ " [ أخرجه ابن ماجة ، وأحمد ] .
ومن الإحسان الذي دعا إليه الشرع المطهر في حق البهيمة ، أن لا يذبح حيوان أو طير وأليفه يراه ، فإنها تشعر بذلك فترتاع نفسه ، فيحصل لها عذاب نفسي ، وألم قلبي .
قال النووي رحمه الله : " يستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة ، وأن لا يذبح واحدة بحضور الأخرى " .
ومن الإحسان إلى الحيوان بعد ذبحه ، أن لا يكسر عنقه ، أو يسلخه ، أو يقطع منه عضواً ، أو ينتف منه ريشاً ، حتى تزهق روح الحيوان أو الطير ، وتخرج الروح من جميع أجزائه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تُزهق " [ أخرجه الدارقطني ] .

تنبيه :
إذا عرفنا وجوب الإحسان إلى الحيوان حال ذبحه ، بل وحتى بعد ذبحه ، وحرمة تعذيب الحيوان نفسياً وبدنياً ، علمنا خطأ ما يفعله كثير من الجزارين في المسالخ ، وذلك فيما يفعلونه من ذبح البهيمة والأخرى تراها وتنظر إليها ، وكذلك السرعة الفائقة في كسر عنقها قبل أن تخرج الروح كلياً من جسدها ، وسلخ جلدها قبل أن تزهق روحها ، وربما قام الجزار بتقطيعها قبل خروج روحها تماماً ، فهذه أخطاء فادحة يقع فيها الجزارون في المسالخ ، والتي يجب أن ينبهوا عليها ، وكثرة الزحام لا تبيح لهم فعل المحظور والممنوع شرعاً أبداً .
وأيضاً من مخالفة الشريعة في الذبح ، ما يفعله بعض الناس من جزارين وغيرهم عند إرادة الذبح من رفع البهيمة إلى أعلى ورميها على الأرض حتى تدوخ ويسهل ذبحها بعد ذلك ، وربما استخدم بعض الناس القسوة مع البهيمة عند الذبح ، فهي تتألم كما يتألمون ، وتشعر كما يشعرون .
فيجب أن يُعلم أن ذلك مخالف لسماحة الإسلام ورحمته التي أمر بها ، وحث عليها ، بل ذلك من فعل الكفرة كما سبق وبيناه ، وكما سيأتي بيانه بإذن الله .
فعلى الجميع تقع مسؤولية تعليم الجاهل من الناس بصفة الذبح الشرعية ، ورحمة الحيوان حال ذبحه .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية