اطبع هذه الصفحة


احمد الله واشكره

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حمد الشاكرين ، والشكر له شكر الحامدين ، وأشهد أن لا إله إلا هو رب العالمين ، وأشهد أن محمد النبي الأمين ، زاده الله صلاة وسلاماً وتشريفاً على الثقلين . . وبعد :
دول القرن الأفريقي تعاني الجوع والجفاف ، في هذا المحور المهم من محاورنا نتناول قضية نسيها كثير من المسلمين ممن أنعم الله عليهم بنعمه الظاهرة والباطنة ، ممن أسبع عليهم لباس الصحة والعافية ، لأمن والغنى ، والشبع والرِّوَى ، حتى يدركوا أنهم في نعم لا تعد ولا تحصى ، لا تحد ولا تستقصى ، لو أفنى العبد حياته لأجل حمدها وشكرها لما استطاع أن يشكر نعمة واحدة منها ، الله عز وجل يغدق على عباده النعم ويجزل لهم الخيرات ، يهب لهم من بركات السماء ، ويخرج لهم من بركات الأرض ، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل53 ] .
ويا حسرة على من استغل نعمة الله في معصيته ، يعطيه المال ، ثم ينفقه في الحرام ، ويستخدمه في الحرام ، ينعم الله عليه باليد ثم يستخدمها في الحرام ، ويمنُّ عليه بالرجل ، ثم يمشي بها إلى الحرام ، وهكذا دواليك ، نعم من الله تترى ، يستغلها كثير من الناس في معصية الله تعالى .
أيها العبد المسكين إذا كنت تتنعم بأصناف الطعام ، وأنواع المشروبات ، فهناك في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال بتاريخ 4/8/1432هـ هناك أكثر من 25ألف إنسان في العالم ماتوا جوعاً هذا اليوم ، أفلا تكون عبداً شكوراً لمن خلقك ورزقك ، وتعرف أن لله حقاً في هذا الطعام الذي بين يديك ، فلا تسرف فيه ، ولا تلق ما تبقى منه في الزبالة ، بل احفظه في ثلاجتك ، أو ارفعه وضعه في مكان نظيف للدواب تأكله ، أو أعطه إنساناً فقيراً جائعاً لا يجد وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة ، الإسراف في الولائم أصبح سمة الناس اليوم والعياذ بالله ، وهذا نذير هلاك ودمار بسبب البطر والأشر والفخر والخيلاء ولتنافس المزعوم بين الناس في الحفلات والأعراس ، فاتقوا الله معاشر المسلمين قبل أن تزول النعم ، يقول ربكم المنعم المتفضل سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم7 ] .
أيها المسلم . . إذا كنت ممن أعطاه الله الماء وكان بصورة متوفرة وهو عصب الحياة ، فاحمد الله تعالى واشكره على ذلك ، فهناك حسب تقرير الأمم المتحدة أكثر من 916 ألف إنسان مات هذا اليوم بسبب أمراض تتعلق بالماء من جفاف وعطش ، وهناك أكثر 862 مليون شخص في العالم لا يستطيعون الحصول على صحي للشرب ، ويوجد منا من يضع في بيته مسابح تنفق فيها آلاف اللترات من الماء وآلاف الريالات من المال ، وربما تبقى هذه المياه بدون استعمال ثم يتم تفريغها لتذهب هباءً منثوراً ، أفلا يخاف أولئك الناس من غضب الجبار سبحانه ، ألا يخافون من عاقبة هذا الإسراف ؟ الناس تموت من العطش ، وهم يسرفون في المياه ، سبحان الله ما أحلمه على عباده .
إذا أنعم الله عليك بالصحة والعافية في بدينك ، فاحمد الله تعالى على ذلك ، وأكثر من شكره ، وابك بين يديه أن وهبك ذلك وأنت غافل لا تستطيع أن تقف لها شاكراً أو حامداً ، واعلم أن هناك أكثر من 6 ملايين شخص هذا العام في العالم يموتون بسبب الأمراض المعدية ، فاستغل صحتك في طاعة ربك عز وجل ، فأيم الله لم يخلقك إلا لذلك ، حيث يقول سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات56 ] ، استغل نعمة الصحة والعافية فيما يقربك إلى تعالى ، ويرفعك عنده درجات ، ويزيدك حسنات ، ويحط عن من السيئات ، استغل عمرك اليوم قبل أن تفاجأ بمرض عضال ، يقهر قوتك ، ويعجزك عن العمل الصالح ، فتندم حين لا ينفع الندم ، إن كنت ممن يتابع الأخبار عبر أي وسيلة إعلامية أو كنت ممن يصلي على الجنائز كل يوم ، فانظر إلى القتلى والأموات كل يوم بل كل ساعة ، واحمد الله أن استبقاك وأخذ غيرك ، وغداً سوف يأخذك ويترك غيرك ، فاستعد للقاء الله بالعمل الصالح ، واعمل بوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " [ رواه البيهقي والحاكم وصححه على شرط الشيخين ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1077 ] ، وفي الصحيح من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ " [ رواه البخاري ] .
يا من أنعم الله عليك بالصحة والعافية ، وعافاك من كثير من بلايا الناس اليوم كالمخدرات والخمور والدخان وما تجره من كبائر وجرام كالزنا واللواط والشذوذ الجنسي عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك ، والتي تؤدي بأصحابها إلى نهاية مؤلمة ، وخاتمة سيئة ، فمنهم من ينتحر ، ومنهم من يموت بالسرطان ، ومنهم من يختل عقله ، ومنهم من يهلك بسبب العلاقات المحرمة كأمراض الإيدز والسيلان وغيرهما ، فإذا عافاك الله من ذلك كله ، فاستعن به سبحانه على حمده وشكره ، ولا يزال لسانك رطباً من ذلك ، واعلم أنه في العالم هذا العام مات أكثر من 800 ألف شخص بسبب مرض الإيدز ، وأكثر من 4 ملايين شخص بسبب السرطان ، وأكثر من نصف مليون بسبب الملاريا ، وأكثر من 2 مليون ونصف شخص بسبب التدخين ، وأكثر من نصف مليون شخص بالانتحار ، ومات حوالي 700 ألف شخص بسبب الحوادث البرية ، بسبب تجاوز أنظمة المرور وبما قدره الله على أصحابها ، فاحرص أيها المسلم ، وأيتها المسلمة أن تكونوا من الناجين من تلك النهايات الخطيرة الحال ، العظيمة المآل ، وكونوا من الشاكرين الحامدين ، فبالشكر تدوم النعم ، وبالجحود تحل النقم ، فلا تكفر نعمة الله عليك ولا تزدريها ، بل كن من الشاكرين الحامدين ، و: { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [ الرحمن60 ] .
وإياك أن تكون من قوم الشيطان وأتباعه ، فهو يدعوهم إلى كفر النعمة وعدم شكرها ، وقد توعدهم بذلك ، فلا تكن من حزبه وأهله ، قال الشيطان لبني آدم كما في قوله تعالى : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف17 ] ، ويقول سبحان للجاحدين والكافرين والناكرين لنعمه : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } [ النحل83 ] .
فإن قال الشيطان ذلك ، فاخذل عدو الله وكن من الشاكرين .
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل ، ودرة التأويل : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل112 ] .
اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابليها ، اللهم منَّ علينا باستعمال نعمك فيما يرضيك عنا ، يارب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية