اطبع هذه الصفحة


الإجازة والشركات

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
في مثل هذه الأيام من كل عام ، يتهافت بعض الناس على شركات السيارات بيعاً وشراءً ، وعلى المعارض كذلك في صورة مؤسفة من الجهل والضلال .
يقدمون على شراء سيارات لبيعها والتمتع بثمنها في إجازة صيفية أو تأثيث كمالي لمنزل جميل لا يحتاج إلى مثل ذلك ، أو لشراء ملابس وتجهيزات لفرح أو عرس أو سفر ، تحملوا الديون ووقعوا في أمر عصيب لأجل أيام معدودات يقضون فيها على هذه الأموال دونما فائدة تذكر .
من أجل الإجازة يقع العبد فيما نُهي عنه ، من أجل الإجازة والأعراس والحفلات والنزهة يقع أحدهم في المعصية ، بل ربما تورط في عملية ربوية ثم مات بعد إنجازها ولم يتمتع بذلك المال ، والحرام يجر بعضه بعضاً ، حتى يوبق العبد نفسه ، ويحرم نفسه من دخول الجنة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الدَّين خطير جد خطير ، منع المجاهد في سبيل الله من دخول الجنة ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ "[ رواه مسلم ] .
وسوف تسأل عن هذا المال من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فالأمر ليس بالهين ولا بالسهل كما يعتقده كثير من الناس ، لأن الدين هم بالليل ، وذل بالنهار ، والغالب على المعاملات الربا الصريح أو الشبهة ، ومن أراد حفظ دينه فليحذر من الدين .
وربما مات العبد والدين في عنقه والغالب أن الورثة لا يهتمون بدين الميت بل يقتسمون الميراث أو يتركونه ، وينتفعون به ولا يكترثون بالدين ، وصاحب الدين ملهوف في قبره بسبب دينه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ " [ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ] .
وَقَدْ وَرَدَ التَّشْدِيدُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى تَرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى تَحَمَّلَهُ عَنْهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزَالُ الْمَيِّتُ مَشْغُولًا بِدَيْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّخَلُّصِ عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَأَنَّهُ أَهَمُّ الْحُقُوقِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الدَّيْنِ الْمَأْخُوذِ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَكَيْفَ بِمَا أُخِذَ غَصْبًا وَنَهْبًا وَسَلْبًا .
فاحذر أيها المسلم العاقل أن تقع في الدين وأنت في بحبوحة عنه ، لا تقع في الخطأ لأجل مطالبات الزوجة والأولاد ، فلا تعص الله في طاعتهم أما قرأت سورة التغابن حيث يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التغابن14 ] .
الدين أمره عظيم ، وشره كبير ، فاحذروا منه ولا تتلبسوا به ، فتقعوا في الإثم والظلم ، أليس هناك رجل رشيد ، وامرأة عاقلة ذات رأي سديد ؟
إذا عُدمنا ذلك فعلى الأمة السلام .
تريثوا ولا تعبثوا بالأموال فأنتم عنها مسؤولون وبسببها موقوفون .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية