اطبع هذه الصفحة


الإجازة والعبادة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
الإجازة فرصة للأسر المسلمة لتربية أبنائها على طاعة الله عز وجل ، لاسيما والوضع قد يتغير كثيراً عن أيام العمل والدراسة ، فغالب الأسر في الإجازة تنقلب موازينهم ، وتتغير عاداتهم ، فيصبح الليل نهاراً ، والنهار ليلاً ، ولا شك أن ذلك تغيير لما خلق الله عليه جسد ابن آدم ، فالليل نوم ولباس ، والنهار كد ومعاش ، لكن في الإجازة يتغير الوضع تماماً ، سهر إلى الفجر بل ربما إلى بعد طلوع الشمس بساعات ، ثم جثث هامدة إلى العشاء أو قريب منه ، ولا ريب أن ذلك خطر على دين المسلم ، إذ سوف تضيع معه صلوات كثيرة ، وتُصلى في غير وقتها ، والله جل وعلا لا يقبل صلاة الليل بالنهار ، ولا صلاة النهار بالليل ، فليحذر المسلم على دينه فالقلوب بين يدي الله يقلبها كيف يشاء ، والموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ، فكم من الأموات نشيعهم في الإجازات في غير ديارهم .
والعاقل من قدم لحياته ، ما ينفعه عند ربه .
الإجازة فرصة للعبادة وتعليم الأبناء الأخلاق الحميدة ، زيارة للأماكن المقدسة ، حضور المحاضرات بين المغرب والعشاء في مكل مدينة أو محافظة يزورونها ، لأن هذه الوقت غالباً ما يكون الناس فيه في غير شغل ، الإكثار من الصيام ، وهي فرصة سانحة وأيم الله للصيام ، فلا أفضل منه ، وقد أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ " [ رواه النسائي ] ، الصوم حجاب من النار ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً " [ رواه البخاري ] .
الإجازة فرصة لصلة الأرحام وتعليم الأبناء أهمية صلة الرحم واحترام كبار السن وكيفية احترامهم وخدمتهم ، وتعليمهم آداب الطريق من عدم رمي القاذورات والمخلفات في الشوارع حتى لو لم يرنا أحد من الناس ، فنحن نراقب الله تعالى قبل الناس ، واحترام المارة من الناس ، وتقديم المساعدة لمن تاه عن طريقه ، وتقبل إساءة الآخرين ، وردها بالحسنة والمعاملة الطيبة ، لأنك في سفرك أيها الأب سوف تقابل الكثير من الناس على اختلاف نفسياتهم وتعاملهم ، فكن خير قدوة لأبنائك والآخرين .
أكثروا من قيام الليل ، فبعد عناء اللعب والنزهة والفسحة اجعل جزءاً من وقتك لله الذي خلقك ،ففي صحيح البخاري قول سلمان رضي الله عنه لأبي الدرداء رضي الله عنه ، والذي وافقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ " .
في الإجازة يتنقل المسافر بين المدن والمنازل والشقق ، فيجب عليك احترام جيرانك ، فقد أوصاك بذلك الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، لا تؤذ جارك بكلمة أو رفع صوت التلفاز أو النظر إلى محارمه أو إزعاجه بطرق الباب عليه من قبل أبنائك ، علم أبناءك احترام الجار في كل مكان ، فالوصية به رسالة سماوية ، ويحرم التعرض له بأي سوء .
قال الله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [ النساء36 ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " [ متفق عليه ] .
قدم المساعدة للآخرين تجد ذلك عند الله تعالى ذخراً لك ، وعود أبناءك على ذلك ، وليكن تعليمك لهم تعليماً تطبيقياً ، ولا يكفي التعليم النظري ، بل لابد من تطبيقه على الواقع .
ألحق أبناءك بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، والدروس العلمية ، كن حاضراً لها وقت فراغك ، فهي مهمة غاية في الأهمية ، فطلب العلم الشرعي طريق إلى الجنة .
المهم أن الإجازة فرصة عظيمة للفائدة والفسحة ، وتقوى الله تعالى والعبادة الصحيحة .

 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية