اطبع هذه الصفحة


الشعر والشعراء

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
الشعر والشعراء اليوم أصبح لهم رواجاً عند بعض عوام الناس ، بل حتى الطبقة المثقفة منهم ، ظناً منهم أن جميع الشعر مباح ، مع أن الشعر في أصله مباح ، لكن هذا المباح ربما تحول إلى حرام ، بسبب كلماته وألفاظه ومعانيه ومبانيه ومغازيه ، فمرة يمدح كذباً وزوراً بمن ليس لذلك أهل ، ومرة يذم من هو بريء من شعره ، كل ذلك بسبب الحصول على المال ، أو ربما كان عصبية قبلية ، وهذا خطير جداً على دين العبد ، لأن الإسلام هدم التفاخر بالقبيلة ، والاعتزاء بالعصبية ، فإنها منتنة .
والله جل وعلا حذر من شعراء الفتنة وما أكثرهم اليوم ، لا كثرهم الله ، الذين يقعون في الأعراض والغزل والجنس والوصف القذر إلى غير ذلك من الأمور المحرمة ، ولهذا ذكر الله الشعراء بالذم ، وبين أنهم كاذبون ، وأن من يتبعهم إنما هو غاو جاهل ، فقال الله تعالى : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [ الشعراء 224 – 227 ] ، فالله عز وجل يخبرنا أن الشعراء يتبعهم أهل الغي والغفلة والهوى ، لا أهل العلم والعقل والهدى .
وقال الحسن البصري : قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها ، مرة في شتيمة فلان ، ومرة في مديحة فلان .
وقال قتادة : الشاعر يمدح قومًا بباطل ، ويذم قومًا بباطل .
ثم جاء التحذير من شعر وشعراء السوء والفحش والكذب والزور ، جاء التحذير من هذا الشعر الفاسد المنهي عنه في حديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وغيره قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً يَرِيهِ _ يصيبه داء في جوفه _خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً " .
وللأسف فقد أُنشأت قنوات فضائية خاصة بالشعر والشعراء تصد عن سبيل الله ، وتدعوا إلى القبلية والعصبية وإثارة النعرات والحزبيات ، التي أماتها الإسلام ، واستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، فأتت هذه القنوات بشعراء يبنون ما هدمه الإسلام والعياذ بالله ، وكأنهم في حرب مع دين الله ، وهذا أمر لا يجوز شرعاً ولا عرفاً فهو يثير حفيظة المسلمين لاسيما في هذه البلاد المباركة ، بلاد الحرمين والمقدسات الإسلامية ، والتي حاربها العالم بأسره من كل مكان ، ثم نكون معول هدم وحرب على بلادنا بمثل هذا الشعر والشعراء ، لتعود القبلية والقتال والحرب بين أبناء بلاد الحرمين ، يجب أن يعقل الناس هذا المخطط وأنَّ وراءه أعداء لنا ، ينفقون فيه الملايين لتفكيك المسلمين ، والسعي للفرقة بينهم ، وإشاعة روح العداء والكراهية والبغضاء بينهم .
وإمعاناً في الحرب على بلاد الإسلام أُقحمت المرأة في الشعر ، وما شأن المرأة والشعر ، وما للمرأة والاختلاط بالرجال ، أماتت الغيرة يا أولياء المرأة الشاعرة ، أين رجولتكم ، أين شهامتكم ، أين غيرتكم ، أبعتم ذلك بحفنة قذرة من المال ؟ وأصبحت نساؤكم محط أنظار الرجال ؟
الشعر منه الحسن وهو ما يشجع على الطاعة والجهاد في سبيل الله عز وجل وترقيق القلوب ، ومنه ما هو محرم وهو ما نتحدث عنه في هذه العجالة ، ولهذا بين الله عز وجل للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعلم الشعر يوماً ولم يقله ولم يصدر عنه قال الله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس69 ] .
لقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم للشعر الحسن ذو الفائدة والحكمة ، كما كان يسمع لشعر حسان بن ثابت رضي الله عنه ، وقد أخبر بأن من الشعر حكمة كما في صحيح البخاري ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ : " هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْئاً " ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " هِيهِ " _ أسمعني _ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً ، فَقَالَ : " هِيهِ " ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً فَقَالَ : " هِيهِ " ، حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ " [ رواه مسلم ] ، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : " وإنما استكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعر أمية لأنه كان حكيماً " .
وقوله تعالى : { في كل واد يهيمون } أي : يخوضون في الباطل والكذب واللغو ، ولا يتبعون الحق ، لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت ، ولم يكن هائماً يذهب على وجهه لا يبالى ما قال ، قال الله عز وجل : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق18 ] ، وقال سبحانه : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار 10- 12 ] .
ومن هو العاقل الذي يضيع وقته في مشاهدة هؤلاء الشعراء وما يلقونه من كذب ومدح وقدح وذم في الناس والعائلات والقبائل ، لهو وقت ثمين يُسأل عنه المسلم يوم القيامة ، حين لا ينفع الندم .

 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية