اطبع هذه الصفحة


قنوات MBC وأخواتها

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله قاهر الجبابرة ، قاصم القياصرة ، مذل الظلمة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين ، وأشهد أنه محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه في العالمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :

حرب على الدين :
فإن من يشاهد قنوات الـ MBC يدرك أن هناك حرباً ضروساً ضد الإسلام ، لاسيما قناة العربية _ العبرية _ والتي تهتم بإسرائيل وأمريكا وتزين صورتهما أمام العالم ، وتكن الضغينة بل وتظهرها للإسلام وأهله ، ولا أدل على ذلك من التغطية لأحداث غزة الماضية ، فقد كانت تفرح بقتل المجاهدين المناضلين الفلسطينيين وتصفهم بالقتلى ، بينما هم غير ذلك ، فنحسبهم شهداء والله حسيبهم ، لأنهم قتلوا في سبيل الله ، أما اليهود فإلى جهنم وبئس المصير ، وغير ذلك كثير مما يدل على طغيان هذه القنوات .
مشاهد مخلة بالأدب ، قاتلة للحياء ، مغتالة للغيرة ، داعية للفجور ، دافعة للفاحشة ، معلمة للجريمة ، تشيع الفساد ، تذيع الرذيلة ، هدامة للأخلاق .
مجموعة قنوات الـ MBC تحتوي على عدة قنوات منها :
MBC1 – MBC2 – MBC3 – MBC4 – MBC MAX – MBC أكشن - قناة العربية ، وهناك قنوات أُخرى تصب جام غضب الله على أهلها وأُمتها ، وللأسف الشديد أن مُلاَّكها مسلمون كما يزعمون ، وهي منتشرة في أرجاء وطننا العربي والإسلامي ولا حول ولا قوة إلا بالله ، تصب على المسلمين سيل من المخالفات الشرعية والمنكرات والمحرمات ، تدعو إلى الرذيلة ، وتقتل الفضيلة ، وتهدم الشرف ، وتهتك العرض ، وتشوه صورة الإسلام ، وتسود الوجه ، وتسيء الأخلاق ، لما تعرضه من أفلام ومسلسلات تخدش الحياء ، وتغتال الغيرة ، في لهف مسموم ، وسباق محموم من قبل جماهير غفيرة من المشاهدين السذج ، والناظرين الجهلة ، الذين لا يعون ما يحاك ضدهم من تغريب للدين ، وتغريب للعقيدة والمفاهيم واللغة والأخلاق .
كل ذلك تعرضه قنوات يملكها مسلمون ، وليسوا كفاراً وهذا هو الأسى الشديد ، والحسف الأكيد ، فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يردهم إلى دينه رداً جميلاً .

الفاحشة :
قنوات تدعو للخلاعة والميعة والمجون بدءاً بالمسلسلات التركية التي تدعو صراحة للزنا والفاحشة ، وويل للقائمين على تلك القنوات من الله الذي خلقهم والقادر على تعذيبهم ، قنوات فيها مسلسلات وأفلام تحتوي على الكثير من مشاهد العهر والخنا والخلاعة و الميوعة والفاحشة ، والقبلات الحارة ، والمشاهد المثيرة للشهوة والجنس ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [ النور19 ] .
وإنني أُحذر كل مسلم غيور أبي يخاف الله وعقابه ، أن يحذر من إدخال هذه القنوات وغيرها إلى بيته ، وأن يتق الله في أبنائه وبناته وزوجاته ، وألا يدخل عليهم من يفسد دينهم وأخلاقهم ، فهو مسؤول عنهم أمام الله تعالى ، وكل إنسان يتمنى أن يكون أولاده من حفظة لكتاب الله ولسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ومن الدعاة إلى الله حتى ينفعونه بعد موته ، ولا يمكن أن يكون الأبناء كذلك وهم يتربون على القنوات الفضائية الفاجرة الماجنة الداعرة ، ألا فليتأمل كل أب وأم هذا الحديث ويكونون منه على بصيرة وفهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ؛ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ] .
فكيف يدعو لك ولدك ولم تربه وتعوده على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لقد وجد من الأبناء والبنات من يقلد ما يراه عبر القنوات الفاسدة ، وحصلت حالات طلاق بسبب مشاهدة المسلسلات التركية المحرمة ، فاتقوا الله أيها المسلمون واعملوا ليوم توضعون في قبوركم لا أنيس ولا جليس إلا أعمالكم ، فإن كانت صالحة فهنيئاً لكم ، وإن كانت غير ذلك فويل لكم من وحشة القبور وعذابها ، ويوم القيامة أعظم وأنكى ، والعذاب أشد وأبقى .

العلاقات المحرمة :
قنوات تدعو إلى توطيد العلاقات المحرمة بين الجنسين _ الرجال والنساء _ واتخاذ الصديق والصديقة ، والله عز وجل حرم ذلك في كتابه ، فلا يجوز للرجل أن يتخذ صديقة ، ولا المرأة أن تتخذ صديقاً ، بل لا يجوز للرجل أن يتحدث مع امرأة لا تحل حله ، يشكو إليها بثه وحزنه وتشكو إليه أيضاً ، فذلك يؤدي إلى الفتنة ، وقد جاء الكتاب العزيز من الله الكريم بتحريم ذلك ، فقال سبحانه : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ الأحزاب32 ] ، وهناك نصوص أخرى تمنع ذلك .
وقال الله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النساء25 ] .
والأخدان : الأخلاء والأصدقاء .
وقال عز وجل : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ المائدة5 ] .
ومن تمام نعمة الله عليكم اليوم -أيها المؤمنون- أن أَحَلَّ لكم الحلال الطيب, وذبائحُ اليهود والنصارى -إن ذكَّوها حَسَبَ شرعهم- حلال لكم وذبائحكم حلال لهم. وأَحَلَّ لكم -أيها المؤمنون- نكاح المحصنات, وهُنَّ الحرائر من النساء المؤمنات, العفيفات عن الزنى, وكذلك نكاحَ الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهُنَّ مهورهن, وكنتم أعِفَّاء غير مرتكبين للزنى, ولا متخذي عشيقات, وأمِنتم من التأثر بدينهن. ومن يجحد شرائع الإيمان فقد بطل عمله, وهو يوم القيامة من الخاسرين .

العنف والجريمة :
قنوات تدعو إلى احتراف الجريمة والعنف والقتل والسرقة وأذية الناس والتفنن في ذلك من خلال ما تعرضه على شاشاتها من أفلام الجريمة والمصارعة وغيرها ، وللأسف الشديد ، والأسى المزيد أن القائمين عليها مسلمون ، فهل يليق بالمسلم أن يضل إخوانه ، أم يهديهم إلى صراط الله المستقيم ؟ ألا وإن من الواجب عليه أن ستخدم هذه القنوات في طاعة الله والدعوة إليه ، فقد قال الله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ فصلت33 ] .
لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحًا وقال : إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه .
وفي الآية حث على الدعوة إلى الله سبحانه, وبيان فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة, وَفْق ما جاء عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
ناهيكم عما تعرضه تلك القنوات من برامج المصارعة والتي يتعرى فيها الرجال وتبدو عوراتهم ، ويقومون بحركات منها ما هو حقيقي ومنها ما هو تمثيل يمثلون به على الناس لجني أموالهم ، ثم يأتي تقليد شبابنا وشاباتنا أيضاً بتطبيق تلك الحركات على بعضهم البعض ، حتى وصل الأمر إلى الموت والإصابات الخطيرة ، ثم أدخلوا على المصارعة ، المصارعة النسائية والتي لا يخفى على عاقل مؤمن يخاف ربه أنها حرام ، وأنه لا يجوز مشاهدتها لا من قبل الرجال ولا من النساء ، لانكشاف عوراتهن _ نسأل الله تعالى أن يسترنا في الدنيا والآخرة _ ولكن أولئك كفار ، وليس بعد الكفر ذنب ، لكن يقع الذنب العظيم على من عرضها للناس لمشاهدتها ، فهذا معاقب ما لم يتب إلى الله عز وجل قبل موته ، وتكون توبة نصوحاً ، يضع مكان هذه التوافه والسواقط من الأفلام والبرامج ، برامج أُخرى هادفة تنفع الناس في دينهم ودنياهم .

الذنب المضاعف :
يغفل الكثير من الناس أن من دعا إلى معصية أو منكر أن العذاب والشؤم يقع عليه بعدد من أطاعه في معصية الله تعالى ، ويضاعف له العذاب بقدر من أضلهم وأفسدهم والعياذ بالله ، ويشدد عليه العذاب في قبره وفي الآخرة ، ووردت النصوص الشرعية الدالة على ذلك ، قال الله تعالى : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } [ النحل25 ] .
وقال عز وجل : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [ العنكبوت 12-13 ] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَيُعْمَلُ بِهَا بَعْدَهُ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلا يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلا يُنْقَصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " [ رواه مسلم ] .
فاحذر يا صاحب الفضائيات فأنت لا تقدر على حمل وزرك وذنبك ، فكيف بحمل أوزار ملايين المشاهدين لقناتك أو قنواتك ، فاتق النار والعذاب والخسار .
ونختم بهذه الآية حيث يقول الحق تبارك وتعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [ يس12 ] .
إنا نحن نحيي الأموات جميعًا ببعثهم يوم القيامة, ونكتب ما عملوا من الخير والشر, وآثارهم التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير, كالولد الصالح, والعلم النافع, والصدقة الجارية, ومن شر, كالشرك والعصيان, وكلَّ شيء أحصيناه في كتاب واضح هو أمُّ الكتب, وإليه مرجعها, وهو اللوح المحفوظ. فعلى العاقل محاسبة نفسه; ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته .
قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة ] .
ألا تذكر يا صاحب الفضائيات أنك محاسب على أعمالك وأموالك وأقوالك وما تعمله للناس من خير أو شر ، كل ذلك محصىً عليك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ، وتأمل هذه السورة العظيمة _ سورة الزلزلة _ فكل شيء تعمله ولو كان مثقال ذرة سيحاسبك الله عليه ، فاستعد للقاء الله ، واستعد للسؤال يوم القيامة ، استعد بالعمل الصالح ، فباب التوبة مفتوح إلى أن تغرغر الروح ، وإني والله لك من الناصحين ، قبل أن تزل القدم ، ولا ينفع الندم .
وقال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [ التكاثر ] .
ألا وتأمل هذه السورة العظيمة _ سورة التكاثر _ والتي يبين الله عز وجل فيها حال الإنسان العاصي المائل عن طاعة الله إلى طاعة الهوى والشيطان ، وكيف أغراه التكاثر في الأموال والأولاد والتجارة عن طاعة الله ، وبينما أنت كذلك تحب المال حباً جماً ، وتتنعم بالزوجات والجمال وكثرة الأموال ، إذ جاءك الموت ، الموت وما أدراك ما الموت ، أشد من نشر بالمناشير ، وضرب بالسيوف ، وأنت في لهوك وقنواتك تعرض للمسلمين ما يفسد عليهم دينهم ، تدعو إلى المعصية والكفر والفجور والسفور ، تعرض العاريات والفاسقات والمتبرجات ، قنواتك تدعو إلى الفاحشة ، وبرامجك تصرف الناس عن عبادة ربهم ، بينما هي كذلك إذ جاءك الموت ، وتفاجأ بملك الموت وأعوانه ينتزعون روحك انتزاعاً ويحصل لك من الألم وشدته وقوته وعذابه ما تتمنى أن تعود إلى الدنيا لتحول قنواتك الفاسدة إلى قنوات دينية إسلامية ، خالية من الموسيقى والنساء وكل ما يغضب الله ، ولكن هيهات هيهات ، ثم تذكرنا السورة الكريمة بالسؤال العظيم عن النعيم ، نعيم المال والأولاد والزوجات والشهوات والملذات والسفريات ، كل ذلك سوف تسأل عنه يوم القيامة ، ولا تغرنك الحياة الدنيا ، ولا يغرنك الشيطان الغرور ، لا تركن إلى الدنيا فإنها غدارة ماكرة ، قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام 44 ] ، ألا لو تعلم أن مالك لن ينفعك عند الله تعالى ، بل كل ذلك النعيم ستنساه إذا صبغت صبغة في نار جهنم ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ " [ رواه مسلم ] .
فاعمل لنفسك عملاً صالحاً وتخلص من فضائياتك المحرمة المجرمة التي تنفث سمومها ، وتبث سوءها بين المسلمين ، تخلص من ذلك كله ، واعلم أن الدنيا سنوات ثم عودة إلى الله رب البريات ، شديد العقوبات .
والله العظيم سوف تسأل عما أنعم الله به عليك فيما أنفقته ومن أين اكتسبته ، فالأمر عظيم وخطير ، ما الذي دعاك لتفتح فضائية تعرض فيها الحرام ، هل أجبرك أحد ، هل هددك أحد ؟ أبداً أنت بنفسك الأمارة بالسوء أوبقتها وعذبتها في نار جهنم ، وإياك أن تسمع لمن حولك ما يوقعك في سخط الله ومقته ، فلن ينفعوك بل يضرونك ، فقد قال الله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الأنعام116 ] .
ويقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التغابن14 ] .
الله جل وعلا يحذرك من أن تركن إلى نزوات وشهوات وملذات الزوجات والأولاد ، ويقول لك : إنَّ مِن أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يصدونكم عن سبيل الله , ويثبطونكم عن طاعته , فكونوا منهم على حذر , ولا تطيعوهم فكثير منهم يدعونك للمعصية واللعب بالأموال فاحذروهم تغنموا .
واحذر الملذات والافتتان بالبنات فهي الخسارة الحقيقية ، فاتباع الشهوات ميل عن صراط الله المستقيم ، وبعد عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو عمل مشين تُعرف به يوم القيامة بين الخلائق ، قال الله تعالى : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } [ النساء27 ] .
وتأمل قول الله تعالى : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام32 ] .
والمال الذي يأتي بسبب هذه الفضائيات المحرمة ، مال حرام ، لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ، وقد أجمع العلماء اليوم على تحريم قنوات الـ MBC وغيرها من القنوات الأخرى كالـ LBC ، روتانا ، ART وغيرها من القنوات الخليعة الفاسدة والتي تدعو إلى معصية الله تعالى ليلاً ونهاراً ، بلا حياء ولا خوف من الله العزيز الجبار .
ومما يدخل على القلب الفرح والسرور أن الخير في قلب المسلم موجود ، وبالبحث عنه يكون غير مفقود ، فالخير كالسكر لا تشعر بحلاوته إلا بتحريكه ، وهانحن نحرك في نفوس المسلمين الخير ، فيا أخي صاحب الفضائية ، عليك بتقوى الله تعالى ، والخوف منه عز وجل ، والتوبة إليه ، فهو سبحانه يقبل توبة التائبين ، ويقيل عثرة المذنبين ، والخطأ لا ينفك عنه ابن آدم بحال ، وخير الخطائين التوابون ، فالإنسان يحذر من مضلات الفتن ، ويحذر من الدنيا والنساء فهي فتنة بني إسرائيل ، والعاقل من يعتبر بغيره ، ولا يكون عبرة لغيره ، وهذه القنوات التي تتضمن المعاصي والذنوب والآثام تصب في ميزان سيئات العبد في حياته وبعد موته والعياذ بالله ، فحقيق بكل عاقل أن يحذرها ويجتنبها ، فيا صاحب الفضائيات احذر فأنت على خطر عظيم ، والتوبة مشروعة اليوم ، قبل أن تغادر خاسراً بائساً ، فالطريق إلى تصيح الخطأ واضح بين ، فمن كانت معصيته في الفضائيات وما تعرضه من حرام ، فعليه أن يغيرها اتجاه سيرها من الحرام إلى الحلال ، ومن الخبيث إلى الطيب ، ومن الشر إلى الخير ، هذا هو الطريق المثل ، مع التوبة والإكثار من عمل الصالحات ، والتبرئ من هذا العمل المشين ، لعل الله تعالى أن يتقبل من التائبين توباتهم ، ويمحو ذنوبهم ، ويتجاوز عن خطاياهم ، فهو سبحانه غفور رحيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية