اطبع هذه الصفحة


الزوج الحكيم

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الغفور الودود ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الحبل الممدود ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود . . وبعد :
نتحدث في هذه الخاطرة عن زوج حكيم ، أو نسميه حَلاَّلُ المشاكل ، لا يسمح بمفاقمة المشاكل الزوجية ، أو حتى تواجدها في بيته وعرينه ، بل يئدها في مهدها ، ويطفئ شرارتها قبل أن تنتشر وتزداد وتتعاظم ، إنه الزوج الحكيم .
بيد أن هناك من الأزواج للأسف أنهم كثر اليوم ، تراه عصاً لا تخالف رأي أمه وأبيه ، وسلاحاً مطواعاً في يد زملائه وأصدقائه وشلته ، لينٌ بيد أيديهم ، شديد على زوجته ، نعامة لأصدقائه ، أسد على شريكة حياته ، ضحوك إذا خرج من البيت ، عبوس إذا دخله ، لا يعرف تفاهماً ولا حكمة ولا رأياً سديداً ، هذا داب كثير من الأزواج اليوم لاسيما من ابتلي بأهل أو أصدقاء فيهم فظاظة وغلظة ، ولا يقدرون لمشاعر الآخرين قدرها ، يفسدون ولا يصلحون ، يفرقون ولا يجمعون ، من كانت هذه سجاياه وطباعه وشراسته وحمقه وغفلته ، فهو جدير بأنه إذا خطب لا يوافق عليه ، وإذا نكح لا يزوج ، بل لا يُقترب منه لأنه مغفل سفيه يضر نفسه ومن حوله ، لأن الجاهل عدو نفسه ، ومن باب أولى أن يكون عدواً للآخرين شعر بذلك أم لم يشعر .
وأُريد أن أتحدث عن الزوج الحكيم ، لا الزوج البهيم ، الذي يقاد ولا يقود .
كم هي المشاكل الزوجية التي تحدث بين الزوجة وأم الزوج أو أخته ، أو قريباته ، وهنا يأتي الدور الفاعل والحكيم للزوج الوعي الفهيم ، الذي لا يترك لمشكلة أن تطرق باب بيته ، من الأمهات أو الأخوات من تتضجر إذا خروج ولدها أو أخواها في نزهة أو سفر مع زوجته ، وهذه الغيرة لا أساس لها ، لأن الأم لما تزوجت الأب كان يخرج بها ، ويبعدها عن أهلها ، وهكذا هي الحياة ، فلماذا هذه الشدة والعنف ضد زوجة الابن ، لماذا لا نرى الحياة بلونها المشرق البهي ، ونعيشها كما هي ، حتى نستمتع بها ، فالحياة لا تسير بكثرة المشاكل الزوجية والأسرية ، بل يتعكر صفوها ، ويتلوث جوها ، وتصبح حياة بؤس ونكد ، يكيد كل لصاحبه ، ينظر الجميع لبعضهم البعض وكأنهم أعداء ، كل يفرح بمصيبة الآخرين ، بهذه النظرة السوداوية للحياة ، يفسد الود ، ويزيد العداء ، وتنتشر البغضاء ، ولن يصبح للحياة طم ولا لذة .
أيها الزوج الحكيم . . حل مشاكل أُسرتك بعقل وفهم وحكمة ، لا تظلم طرفاً على حساب آخر ، لا تسمع في زوجتك أي قول ما لم تتحقق من ذلك ، فالله عز وجل حذرك من ذلك فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات6 ] .
فكم من مشتك يزعم ظُلماً وهو ظالم ، ولا كل عين بكت صادقة ، بل ربما بكت حرقة لما تراه من سعادة بين الزوجين فتبكي كمداً وحسرة ، عالج الأمور بحنكة ، ولا تغلب جانباً على آخر ، فكل من الأم والزوجة لها حقها عليك ، إذا خرجت مع زوجتك وحبيبتك وشريكة حياتك وأُم عيالك في نزهة برية أو بحرية أو إلى عمرة أو حج ، فلا تنسى أن تعطي أُمك مثلما أعطيت زوجتك ، اعدل بين الطرفين إذا كانت أُمك ممن تغار وتغتاظ من ذلك ، فبعد عودتك قم بإخراج والدتك إلى نزهة أو عمرة أو حج ، أغدق عليها المحبة ، وأفض عليها مما أفاء الله عليك ، دائماً حسن صورة كل من الوالدة والزوجة إلى الأخرى ، لا تمدح كل منهما عند الأخرى فربما تشعل ولا تطفئ ، وفق بين وجهات النظر ، دافع عم كل منهما أمام الأخرى ، وبين لهام أن كل واحدة منها تحب الأخرى ، فمن الغيرة ما قتل ، داري الأمور مداراة ، ولا تقف بجانب إحداهما على الأخرى ، بل حببهما إلى بعضهما ، وإذا رأيت أن القرب يزيد المشاكل فانقل إلى بيت آخر تعيش فيه مرتاح البال قرير العين ، والوصية العظمى بأمك فالجنة تحت قدميها ، والزوجة لها حق عظيم عليك ، بادلها كلمات الحب والغزل ، وأشعرها كل يوم أنكما عريسان ، تكسب ودها ومحبتها وحنانها وعطفها وتقديرها ، وإياك وأوساخ الناس أعني المال ، فإن كانت موظفة فلا تمدن عينيك إلى راتبها فتسقط من عينيها ، كن عزيز النفس كريم السجية ، فمالها حق لها ولا يجوز لك أن تجبرها على دفع هللة واحدة في نفقات البيت ، بل أنت المخول بهذا والخاطب به أمام الله ثم أمام الناس ، كما ثبت في صحيح مسلم، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته، في حجة الوداع: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف" . وفي حديث بهز بن حكيم، عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا ؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت" . وقال وَكِيع عن بشير بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقوله: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي: في الفضيلة في الخُلُق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء:34] .
فكن حكيماً أيها الزوج لتحظى بحياة كريمة هنيئة سعيدة .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية