اطبع هذه الصفحة


ملح الحياة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله أمر بالرحمة ، وحذر من القسوة ، وأشهد أنه ربي عليه توكلت وإليه أنبت ، لا رب سواه ، ولا إله غيره ، وأشهد ان عبده ورسوله محمد ابن عبد الله خير الناس لأهله ، وأحبهم لزوجه ، وأكرمهم لهم ، وأعطفهم عليهم ، دعا للمودة والرأفة ، وحذر من الجفوة والغلظة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم القيامة وسلم تسليماً كثيراً . . أما بعد :
في هذه الخاطرة نطرق موضوعاً مهماً ، افتقده كثير من الأزواج وهو ملح الحياة الزوجية والأسرية ، ألا وهي المشاكل ، أيها الزوج المبارك وفقك الله وهداك ، وسدد على الخير خطاك ، انتبه فأنت تسير في مسير لا يقدر بالكيلومترات بل يقدر بالسنين القمرية ، فهو يحتاج منك إلى رأي وفهم وبصيرة بما تجري عليه الأمور عامة ، والزوجية والأسرية خاصة ، ألا فليعلم الجميع أن المشاكل وهي ما نسميه ملح الحياة لم يخلو منها بيت بل بيت النبوة بيت النبي صلى الله عليه وسلم كانت فيه المشاكل وكان يحلها بحكمته عليه الصلاة والسلام ، ألم تروا أنه اتهم في عرضه ومع ذلك لم يتسرع ولم يغضب ولم يضرب ولم يكسر ولم يطلق بل صبر وتقصى الحقائق حتى أظهر الله براءة عرضه عليه الصلاة والسلام في صبر وتؤده وتمهل وبحث عن الحقيقة ، لا كما يفعله كثير من الأزواج اليوم من تسرع وغضب وتسليم نفس للشيطان يتحكم به كيفما يشاء ، لا ثم لا ، بل تريث أيها الزوج العاقل وحل مشاكلك الزوجية بروية ، فوالله ما ضرب النساء إلا لئيم حقير ضعيف ، نعم قد تنشأ المشاكل ، ويظهر طعم الملح في بعض الأحيان ، وكما قلنا لا يخلو منها بيت ، فإذا ظهر طعم الملح زد ماءً لا ناراً فإن الماء يُذهب أثر الملح ، أما النار فغنها تزيده ملوحة ، احتوي المشاكل فأنت العاقل الفاهم ، أنت من سوف يشار إليك بالعقل أو الجهل ، فإذا ما حللت مشاكلك بهدوء وتنازل وتغافل عن بعض الزلات والهفوات فانت الرجل فعلاً الذي يتولى زمام الأمور والقادر على سياستها سياسة حكيمة ، فمعظم المشاكل تبدأ صغيرة فلا تجعلها تكبر حتى تخرج عن السيطرة بل لابد من حلها والقضاء عليها ، لكن بيسر وسهولة وليونة مع مداعبة لأهلك ومزح ومرح ، حتى تغمر البيت السعادة ، واعلم أن الشيطان عدو لك ولزوجك ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ _ جنوده _ فَأَدْنَاهُمْ _ أقربهم _ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ " [ رواه مسلم ] .
فلا تطع الشيطان في أهل بيتك ، واعلم أن شياطين الإنس أشد خطراً من شياطين الجن ، ولا تغفل أيها الزوج العاقل أن الزوجة لديها كثير من الأعمال تفوق ما تقوم به أنت ، ولو كنت مكانها في عملها لمللت وشاط رأسك ، وشاب شعرك ، ولبدأت تزبد وترعد وتولول ، من كثرة الأعمال المنزلية ومشقتها ، بل تأمل حالها لو كانت موظفة ، فهي تعمل نصف النهار في عملها ، ثم تأتي للبيت وتطبخ وتنفخ ، وتغسل وتكنس ، وتعتني بالأولاد ، وربما تدرسهم وتحل معهم الواجبات إلى غير ذلك من أعمالها ، فسبحان من أعطاها ذلك التحمل والقوة على حمل العبء والاستماتة من أجله ، ألا تستحق هذه المرأة هذه الزوجة التقدير والاحترام والحب والوفاء ؟ بلى تستحق ذلك وأكثر ، فلا تبخل عليها بهدية كل شهر تفرح بها قلبها ، وتزيد معها الأواصر قوة وصلابة ، الْهَدِيَّةَ تُضَاعِفُ الْحُبَّ ، وَتَذْهَبُ بِغَوَائِلِ الصَّدْرِ ، وتزيل البغضاء والكراهية ، وتشرح النفس ، وتزيد الألفة ، وكما في الحديث : " تَهَادُوا تَحَابُّوا " [ حسنه الألباني في الدب المفرد للبخاري ] .
ملح الحياة لابد منه ، ولكن للرجال معه أحوال ، فمنهم الذكي ، حسن التصرف ، حسن الخلق ، يضع الأمور في نصابها ، يزنها بميزانها ، فيستخدم الملح لتطيب به الحياة ، لأن طعاماً لا ملح فيه لا يُذاق ولا يُطعم ، ومن الرجال ضيق الأفق ضحل التفكير ، يصب فوق الملح ملحاً حتى لا يُستساغ الطعام ، وتفشل معه الحياة وتصبح سوداء قاتمة ، فكن أيها الزوج خير الرجلين ، حافظ على بيتك وأُسرتك وزوجتك ، فهي شريكة حياتك ، وهي مفضى سرك ، ومبث همومك ، ومحط شكواك بعد الله تعالى ، فالزوجة أمانة بين يديك ، أخذتها بكلمة الله ، فصنها وحافظ عليها ، فإن ساءت العشرة بينكما ولم يعد هناك مجال للبقاء والاجتماع ، فما هي إلا كلمة أباحها لك الشرع في مثل هذه المواقف ألا وهي الطلاق ، حتى يكتب الله أمراً كان مفعولاً ، طلقة واحدة فقط ، ثم الانتظار حتى قب انقضاء العدة بأيام فغما أن ترجع العلاقة وحسن العشرة والإمساك بالمعروف ، وإما فراق وتسريح بإحسان ، أما الضرب والعنف وسيء الكلام والسب والشتم ، فليس ذلك من الإحسان ، ولا يفعله كرائم الرجال ، فاربأ بنفسك عن هذه المواطن والمواضع التي تُذم فيها وتقبح ، وتسفه ولا تمدح ، وعليكم بتقوى الله فهي المخرج من كل مأزق ، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه أسلم كان خير الناس لأهله ، وامر بالوصية بالنساء ، وحذر من العنف والضرب ، فخذه أيها الزوج لك قدوة وأُسوة ، والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية