اطبع هذه الصفحة


ناقصات عقل ودين

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
محور مهم من محاورنا التي نتناولها في هذه الكلمات اليسيرات ، وهو كما عنون له أعلاه .
فهناك بعض الرجال يستهزأ بالمرأة ، ويسخر منها ، ويقلل من شأنها ، وأنها لا تنفع لحوار أو استشارة أو رأي ، لأنها ناقصة عقل ودين .
ونحن بصدد الإجابة عن هذه المقولة الخاطئة ، والفهم المغلوط ، لهذه العبادة ، فقد صح الحديث بناقصات العقل والدين ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَضْحَى أَوِ الْفِطْرِ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا " ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " ، فَقُلْنَ : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ ، أَذْهَبَ لِلُبِّ _ عقل _ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْكُنْ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ " ، فَقُلْنَ لَهُ : وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِنَا وَدِينِنَا ؟ قَالَ : " أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟ " قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ " قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا " [ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم ] .
فتبين لنا أن نقصان العقل : لأن شهادة الرجل الواحد بشهادة امرأتين ، لأن المرأة كثيرة النسيان ، ولأنها تحكمها العاطفة أحياناً كثيرة ، وليس ذلك مثلبة ولا مسبة ولا منقصة للمرأة ، إنما ذلك أمر الله تعالى كما في آية الدين في قوله : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } [ البقرة 282 ] .
وأما نقصان دينها : فلأنها عندما تأتيها الدورة الشهرية ، فإنها تمكث الأيام لا تصلي ، ولا تصوم بل تفطر وتقضي الصوم فقط بعد الطهر ، قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري 2 / 91 : " وقد أجمعت الأمة على أن الحائض لا تصوم في أيام حيضها ، وأن صومها غير صحيح ولا معتد بهِ ، وأن عليها قضاء الصوم إذا طهرت " .
والحائض لا تقضي الصلاة بعد الطهر بل تسقط عنها نهائياً رحمة من الله بها لكثرة الصلوات التي تتركها الحائض أثناء حيضها ، ولا يجوز لزوجها أن يجامعها في مدة الحيض لأن الله حرم ذلك في كتابه فقال سبحانه وتعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة222 ] ، ولأن فاعل ذلك مرتكب كبيرة من الكبائر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى حائضاً في فرجها ، أو امرأة في دُبُرِها ، أو كاهناً ، فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم " [ رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وفي روايتهما : " فصدقه بما يقول فقد كفر " ، وقال الألباني : صحيح ، انظر آداب الزفاف ( 31 ) ، الإرواء ( 2006 ) ، المشكاة ( 551 ) وضعف الحديث جمع من أهل العلم كالبخاري والبزار وغيرهما والعلم عند الله ] .
وقد حمل إسحاق بن راهويه هذا الحديث على المستحل لذلك ، وقال ابن عابس والإمام أحمد أنه كفر لا ينقل عن الملة ، فهو كفر دون كفر .
وقيل المراد بالكفر هنا كفران النعمة ، فالله أنعم عليك بزوجة بالحلال فكيف تستعمل نعمة الله في معصيته ، وعموماً فهذا تشديد ووعيد أكيد من الله وزجر عن هذا المنكر العظيم .
فمن استهزأ بالمرأة واستهان بعقلها ، وسفه كلامها ، وترك رأيها في كثير من الأحيان فقد أخطأ ، لأن الإسلام جاء بنوره العظيم ، وعدله القويم ، فأعطى للمرأة كامل حقوقها بعد أن أتى عليها حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً ، رفع مكانة المرأة ، وأعلى شأنها ، وحفظ كرامتها ، ووهب لها من الميراث ، والمهر ، فهي مربية الأجيال ، ومعدة الأبطال ، هي الأم والبنت والأخت والعمة والخالة والجدة ، فلها المكانة العظيمة في قلوب المسلمين ، منهن الطبيبات والمعلمات والأكادميات والعالمات والمخترعات والذكيات والنابغات وطالبات العلم الشرعي وغيره ، وهناك من النساء من يرجح عقلها على فئام من الرجال ، بل هناك من الأزواج من لا يرتقي إلى عقل وفكر ومهارة امرأته ، وهذا واقع ملموس ، ومشاهد محسوس ، فكيف يأتي من يستهين بالمرأة ولا يقدر لها قدرها ، هذا سخف من القول ، وزور وباطل من الكلام .
ولقد وجد اليوم من لا يعترف بالمرأة وحقوقها من جهلة المسلمين وعامتهم ، وهؤلاء ولله الحمد نزر يسير ، لكن يجب أن يُعرَّفوا بأنهم مخطئون ومجحفون بحق المرأة .
ولقد وجدت حقائق في ظلم المرأة والإجحاف بحقها عند بعض الناس ، فنجد أن المرأة لا تأكل إلا بعد الرجال في المناسبات ، فتأكل الدفعة الأولى من الرجال ثم الثانية وربما الثالثة ، وما تبقى هذا إن تبقى شيء يقدم للنساء ، ألهذا الحد بلغ بنا الإسفاف بالمرأة والاستخفاف ؟ يجب أن تُعَدَّلُ هذه الصور التي ارتسمت في عقول البعض ، فالمرأة كرمها الله عز وجل ، وأنزل سورة باسمها في القرآن الكريم _ سورة النساء _ ذكر فيها حقوقاً عظيمة لهن .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية