اطبع هذه الصفحة


خاتمة سيئة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
أحد الأخوة ممن يغسلون الموتى كان بالمسجد الحرام ، وأثناء تواجده قيل أن هناك رجل ميت ، تأملوا ميت في المسجد الحرام في مكة المكرمة ، يالها من خاتمة طيبة كل الناس يتمناها ، أن تموت وأنت في ضيافة الرحمن تبارك وتعالى ، تقرأ كلامه أو تسجد بين يديه ، أو تركع له ، أو وأنت تكثر من ذكره ومناجاته عز وجل ، أو في بيته الحرام ، تموت على خاتمة حسنة .
جاء صاحبنا إلى الميت والناس ينظرون ، وربما هللوا وكبروا فرحاً بهذه الميتة الحسنة ، بدأ المغسل يبحث في جيوب لباس الميت لعله يعثر على رقم يتصل بأهله ، فلم يجد شيئاً ، لكنه وجد أمراً عظيماً وكبيراً وخطيراً ، حول الميتة من حسنة إلى سيئة والعياذ بالله ، عندما فتح أزرار قميصه لينظر هل هناك شيء يمكن أن يدل على شخصية الميت كانت مفاجأة غريبة لم يتوقعها الناس في بيت الله الحرام ، لقد وجد صدره محشواً بمحافظ المصلين والمعتمرين ، لقد كان نشالاً لصاً سارقاً ، وأين ؟ في البيت العتيق الذي قال الله فيه : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [ آل عمران 96 - 97 ] ، الرجل أفسد في بيت الله الحرام ، ولم يستجب لأمر الله بالأمن في البيت المحرم ، لم يأمن المسلمون من يده ونشله ومكره وغدره ، بل عاث فيه فساداً فكانت العقوبة تلكم الخاتمة التي رآها كثير من المسلمين هناك ، وبما أنه أفسد في أطهر بقعة كانت الخاتمة جزاءً وفاقاً ، وأمره إلى الله عز وجل ، قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج 25 ] .
بيوت الله عز وجل هي المكان المطمئن ، والملاذ الآمن لكل خائف ، والمثوى لكل نادم وتائب ، هي ضيافة الرحمن لعباده ، ولا يجوز إخافة روادها وأهلها ، ولا يجوز التعرض لهم ولها بسوء ، ولا هدمها ولا الاعتداء عليها بأي أمر من الأمور ، لأن ذلك إلحاد فيها ، وظلم لأهلها ، وإرهاب وإرعاب لهم ، مما قد يكون سبباً لهجرها ، وقد قال الله تعالى في هذا الشأن : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ البقرة 114 ] .
فكل أمر يدعو الناس إلى هجر بيوت الله فهو ظلم وصاحبه مستحق للعقوبة ، ومن ذلك أن بعض الشباب هداهم الله يأتون إلى المساجد أثناء الصلاة ويعتدون على النساء ويأخذون حقائبهن ويسرقون ما معهن من أموال وجوالات وغير ذلك ، ولا شك أن ذلك كبيرة من الكبائر ، وجريمة عظيمة في بيوت الله الآمنة المطمئنة ، وأعظم من ذلك من يقتل الناس داخل بيوت الله عز وجل كما تفعل الأنظمة المجرمة اليوم في بعض البلدان العربية كالشيعة في العراق وإيران ، والعلويون في سوريا ، والملحدون في ليبيا والكفار الصهاينة والنصارى في فلسطين وأفغانستان ، والملاحدة في روسيا والصين وغيرها من البلدان ، فأولئك بإذن الله لهم عذاب أليم كما قدره ربنا تبارك وتعالى .
لقد اتخذت بعض العصابات والشلل الفاسدة بيت الله الحرام مصدراً للرزق الحرام ، ينشلون ويسرقون ويتسولون ويشحذون وينهبون ، أتوا من بلادهم لهذا الغرض الدنيء ، لقد حق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " [ متفق عليه ] ، من كان يريد الدنيا ومالها وحرامها ، فلن يجد إلا النكد والتعب ، وسعيه خساراً ، إنها نيات سيئة ، وأعمال قبيحة ، يلقون ربهم بها ، ويحاسبون عنها ، ولو كانوا يحذرون البعث والجزاء والحساب لما فعلوا ما فعلوا ، فهل يعي أولئك الناس أنهم قادمون إلى أطهر البقاع على وجه الأرض ، أفيعقل أن يأتوا للفساد ، وسرقة العباد ، ونشل الناس في البلاد الآمنة المطمئنة ، ليثيروا الرعب والذعر بين الناس ، بل العجب كيف تجرؤا على جرائمهم في الحرمين الشريفين ، بمجاورة الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة ، وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، جرم وجرأة يندى لها الجبين ، ولم يسبق لها مثيل ، ولا تليق بمسلمين ولا مؤمنين ، فلابد من إقامة حدود الله فيهم ، ليكونوا عبرة للمعتبرين .
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية