اطبع هذه الصفحة


ضربوهم أولادهم

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، صلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار ، وعلى آله الأطهار ، وأصحابه من المهاجرين والأنصار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار . . وبعد :
أب يقول إن أولاده الذين من صلبه يضربونه ويهددونه بالطرد من بيته الذي بناه .
وأم بعد وفاة زوجها يضربها أولادها بالخيزران لأجل الاستيلاء على أموال إخوانهم وأخواتهم القصر ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللهم لا تشقينا في أولادنا ، اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغاراً ، اللهم ارزقنا برهم والإحسان إليهم في حياتهم وبعد موتهم ، وارزقنا بر أولادنا في حياتنا وبعد مماتنا يا رب العالمين .
كم من الآباء والأمهات من يشكو عقوق أبنائهم وبناتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، لقد أضحى العقوق اليوم لوناً من ألوان الحياة الأسرية ، وصبغة منزلية ، يتأوه خلالها آباء وأمهات حرقة العقوق ، والذين لطالما ضحوا وتعبوا وسهروا وجاعوا وعطشوا لأجل أبنائهم وبناتهم ، فكان جزاء الإحسان والعطف والحنان والرحمة ، العنف والغلظة والضرب وسوء الخلق ونكران الجميل ، والله تعالى يقول : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن60 ] ، من الذي تعب وحمل في بطنه ثم قاسى آلام الحمل والوحم والوضع والرضاع والتربية ؟ إنها الأم ، نعم إنها الأم أيها الأبناء والبنات ، هي سبب وجودكم في هذه الحياة الدنيا ، ألا تستحق هذه الأم الحنون المسكينة التي قاست وعانت الكثير من الآلام ، ألا تستحق الرحمة عند كبر سنها ، ووهن عظمها ، وخوار قواها ؟ والله ثم والله إنها لتستحق الكثير والكثير من الرحمة والعطف والعناية والشفقة والإحسان والبر ، ولقد حذر الله تعالى من قول كلمة [ أُف ] لهما فما بالنا بمن عمل أعنف من ذلك وأخطر وأعظم من ضرب وهجر وطرد من البيوت وجرح بالكلام قال الله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [ الإسراء 24 ] .
وقد حرم الله عقوق الأمهات على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ " [ متفق عليه ] .
عقوق الوالدين من أعظم الكبائر ، وأشد الجرائم على الفرد والمجتمع ، عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ : سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ : " الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ . . . " [ متفق عليه ] .
عقوق الوالدين دين في أعناق الأبناء والبنات ولسوف يلقون جزاءهم على أيدي أبنائهم في الدنيا ، وعند الله جزاؤهم أشد وأبقى ، والجزاء من جنس العمل ، هذا ما صح من الحديث ، وهذا هو الواقع بين الناس اليوم ، ولا ينكره إلا فاقد عقل أو واهم أو معتوه ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
الأب هو سبب من أسباب وجود الأبناء والبنات ، وهو من يكد ويتعب ويسهر ليجلب لهم الطعام والشراب واللباس ، ويوفر لهم سبل الحياة الكريمة حسب قدرته واستطاعته ، إنه باب من أبواب الجنة ، فإن عُصي أو ضُرب أو طُرد فقد خسر العاقون باباً من أبواب الجنة ، وفتحوا على أنفسهم باباً من النار ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلاَقِهَا ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ] .
الويل ثم الويل لمن عق والديه أو أحدهما ، ألا فليعلم كل ابن وكل بنت أنهما مهما قدما لوالديهما من خير وبر وإحسان فلن يوفوهما حقهما بل ولو جزء من حقهما في تربيتهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لا يُجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ ، إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيُعْتِقَهُ " [ رواه مسلم ] .
فيا من تريد بر الأبناء ، يا من تريد راحة البال ، وطمأنينة النفس ، وهدوء الحال ، وبركة العمر ، وزيادة المال ، والراحة الأسرية والزوجية ، يا من تريد رحمة الله تعالى ، ارحم والديك ، وتذكر عطفهما عليك ، يا من تريد جنة عرضها السموات والأرض عليك ببر والديك ، والإحسان إليهما ، وإكرامهما ، والعناية بهما ، فكما نظفاك من وسخك وأنت صغير ، وتعبا لأجلك ، فواجب عليك أن ترد الإحسان إليهما ، وسوف تجد أثر ذلك في حياتك كلها ، خيراً وبركة وأعظم أجراً ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " [ رواه البخاري ] .
أيها الأبناء والبنات ، لا تغرنكم الحياة الدنيا وزهرتها وزخرفها وأموالها ، وتهجروا آباءكم وأُمهاتكم ، ولا تطيعوا أوامر نسائكم فتظلموا آباءكم وأُمهاتكم ، فتكون العاقبة وخيمة ، والخاتمة سيئة وعظيمة ، بروا والديكم والزموا أرجلهما وقبلوا أيديهما فهناك الجنة ، واسألوا الله تعالى أن يمتعكم بحياتهما وبرهما والعطف عليهما والإحسان إليهما ، فهما سبب لدخول الجنة أو النار ، وهما سبب لنعيم القبر أو عذابه .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية