اطبع هذه الصفحة


إياك . . والجزار

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا به ، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده نتوكل عليه ونستعين به ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه . . وبعد :
ففي العديد من جلساتي مع كثير من بعض التجار ، ومن له علاقة ببعضهم ، اتضح أن هناك خيانة عظيمة يقوم بها كثير من الجزارين ، وحديثنا عنهم في هذه العجالة ، يقومون بشراء البهائم المريضة والتي تحتضر ، يشترونها بثمن بخس دراهم معدودة ، فإذا كانت تساوي وهي صحيحة بلا علة ألفاً أو أكثر ، فهي على فراش الموت تساوي مائتين أو أقل ، فيشترونها ثم يبيعونها على الزبائن ، الكيلو بثلاثين ريالاً أو أكثر ، وهي مريضة ، بل الأدهى من ذلك والأمر من يأخذ النافقة _ الميتة _ ثم يقوم ببيعها على الناس ، وهذه من أعظم الخيانات للمسلمين ، ولا أُعمم ، لكن هذا هو الواقع في سوق الجزارين اليوم ، فهم يتواصون على الزبائن بالإثم والعدوان ، وكأننا أعداء لهم ، مع أننا أكرمناهم وأدخلناهم إلى بلادنا ليعيشوا حياة كريمة ، أتوا من بلادهم لأكل لقمة حلال ، وتوفير مال لأهليهم وذرياتهم ، ولكن وللأسف فهناك فئة كثيرة من العمالة الوافدة تخون الله ورسوله وتخون الأمة المسلمة ، يغشون ويطففون ويكذبون ، لأجل المال ، ولا يهمهم من أين حصلوا عليه أمن حلال أم من حرام ، فالحلال عندهم ما حل في أيديهم ، والحرام ما لم يقدروا عليه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ " [ رواه البخاري ] ، وهذا المال الحرام لا يُستجاب لصاحبه دعاء ، ويعذب عليه في قبره ويوم محشره ، أيحسبون الله غافلاً عما يعملون ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء 30 ] ، ولقد توعدهم الله بالعذاب إن هم فعلوا ذلك فأكلوا أموال الناس ظلماً وعدواناً ، سحتاً وكذباً ، فقال الله تعالى بعد تلك الآية مباشرة : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء30 ] .
ويقول عز وجل : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة55 ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ ، لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " [ رواه مسلم ] .
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ " [ رواه أحمد وغيره ] .
ونحن نعتب كل العتب على من يبيع لهم هذه المواشي المريضة أو الميتة يخون بها أمته ويتعاون بها على الإثم والعدوان ، ويأكل بها مالاً حراماً ، ألا يتق الله ويخاف سطوته وعقوبته ؟
وكم وددنا من شبابنا أن يقوموا بمثل هذه المهن ، أو على أقل تقدير أن تكون تلك المحلات لهم حقيقة وهم يشرفون عليها مع وجود العمالة ، لكي يتقوا الله في إخوانهم المسلمين من بني جلدتهم من أهل بلدهم ، فهي مهن فيها مال كثير ، وخير وفير ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " [ رواه البخاري ] .
فهيا شبابنا الكرام تاجروا تجارة صادقة بكل أمانة واقتدار وصدق وإخلاص ، أنقذوا شعبكم وأمتكم وبلادكم من غش العمالة وخيانتها ، فلم نعرف الجلطات والسرطان وكثرة الأموات والأمراض المستعصية إلا لما غزت بلادنا العمالة الوافدة التي لا تعرف لله طريقاً ، لا تعرف إلا أكل المال من أي طرق كان ، فها هو القتل والسرقة لأجل المال تعج بها مناطقنا ، فهيا معاشر الشباب اتجروا لتنقذوا بلادكم من الخونة والمرتزقة التي تَبِيِعُ ما لا يُباع ، وتُسَوِّقُ ما لا يُسَوَّق ، لقد ملئت أسواقنا ببضاعة أعدائنا من اليهود والنصارى التي تحتوي على مواد مسرطنة ومحرمة شرعاً وعرفاً ودولياً ، يسوقها أولئك العمال الخونة .
فيا شبابنا . . أما سمعتم مقولة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما قال : " دلوني على السوق " ، بل كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم على قراريط لقريش ، وكان يتاجر لخديجة رضي الله عنها ، حتى سمي الصادق الأمين ، ولم يقل هذا عيب ، وهذا يُضحك الناس مني ، أنت ربما تقول ذلك في بداية الأمر ، لكن تأمل عندما يفتح الله عليك من الخير بصدقك وإخلاصك وحرصك على بلدك وإخوانك ، عندما يفتح الله عليك ويرزقك رزقاً حلالاً داراً ، سوف يرغب فيك كل الناس ، ويحبونك ويجلونك ويقدرونك ، الكل يسعى لتزويجك والقرب منك ، فهيا إلى السوق .
متى نرى أسواقنا يقودها شبابنا ورجالنا الأفذاذ ، الذين يخافون الله في أموالهم واهليهم ، ويغارون على دينهم ووطنهم وأهليهم ، إنها أُمنية يتمناها كل واحد منا ، فنسأل الله أن يحقق لنا ذلك عاجلاً غير آجل .


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية