اطبع هذه الصفحة


آداب العطاس والتحميد

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله باق ما له من زوال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الكبير المتعال ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . . وبعد :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ " [ رواه البخاري ] .
في هذا الأدب الإسلامي الرفيع عدة تساؤلات ، نجيب عليها ليستفيد منها الجميع :

1- ما حكم تشميت العاطس ؟

قيل : أن تشميت العاطس فرض على الكفاية ، فإذا فعله بعض الحاضرين ، سقط عن الباقين ، للحديث المتقدم ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ " .

2- متى يكون تشميت العاطس ؟

يكون عند سماع حمد العاطس ، وذلك لما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا ، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي ، قَالَ : " إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ " [ رواه البخاري ] .

3- هل يجب تذكير العاطس إذا لم يحمد الله ؟

اختلف العلماء في ذلك ، فمنهم من قال : يُذكر حتى يحمد الله ، ثم يشمته ، فيفوز بالدعوة ، لاسيما وأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف ، والنصيحة ، وهذا قول النووي والنخعي .
وقيل : لا يشمته ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُذكر ذلك الرجل بالحمد ، تعزيراً له ، وحرمان لبركة الدعاء ، لأنه حرم نفسه بركة الحمد ، فنسي الله ، فصرف الله قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته ، والدعاء له ، ولو كان تذكيره سنة ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمها والإعانة عليها ، وهذا قول ابن العربي وابن القيم رحمة الله على الجميع .

4- ما الحكمة من الحمد بعد العطاس ؟

أولاً ، اعلم أن العطاس نعمة من نعم الله ، فلا بد للعاطس إذا عطس أن يحمد الله تعالى قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد : " العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه ، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة ، شرع له حمد الله على هذه النعمة ، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها على هذه الزلزلة ، التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها " انتهى .

5- خفض الصوت بالعطاس ، ووضع شيء على فمه وأنفه لئلا يخرج منهما أذىً ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ إِذَا عَطَسَ ، غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود ، وقَالَ الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وكذلك قال الألباني رحمه الله ] .

6- بعد كم مرة تشمت العاطس ؟

قيل تشمته إذا عطس اثنتين ، وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع ، ومعنى ذلك أن العاطس إذا عطس مرتين تشمته مرتين ، وفي الثالثة تقول له : إنك مزكوم ، وتدعو له بالعافية ، وقيل : بعد ثلاث ، وقيل : بعد أربع ، والصحيح : أنه بعد ثلاث عطسات يعطسها العاطس ، وفي الرابعة تقول : إنه مزكوم ، وبذلك تعتذر عن تشميته ، وتبين له أن به مرض ، وعليه أن يتعالج منه ، وتدعو له العافية .

7- هل يجوز تشميت الكافر :

إذا عطس بجانبك كافر فحمد الله ، فقل له : يهديكم الله ويصلح بالكم ، ولا تقل له : يرحمك الله ، ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ تَعَاطَسُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهَا : يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ ، فَكَانَ يَقُولُ : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ رواه أبو داود وصحح الألباني رحمه الله ] .
وعلى هذا فلا يجوز الدعاء لأهل الذمة بالرحمة والمغفرة لأنهم ليسوا لها بأهل ، بل يدعى لهم بالصلاح والهداية والتوفيق للإيمان .

8- كيف يكظم التثاؤب :

التثاؤب من الشيطان ، لأن سبب التثاؤب غالباً ثقل في البدن ، بسبب امتلائه واسترخائه ، وميله إلى الكسل ، وإضافته إلى الشيطان ، لأنه هو الذي يدعو إلى الشهوات ، والمراد التحذير من التوسع في المآكل والمشارب والإكثار منها .
وكظم التثاؤب مستحب ، وقد ورد فيه أحاديث كثيرة منها :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا . ضَحِكَ الشَّيْطَانُ " [ رواه البخاري ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " [ رواه مسلم ] .
عَنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " [ رواه أحمد ] .

9-كظم التثاؤب يكون بأمور :

= = التحكم بالفم ومنعه من انفتاحه .
== ضغط الأسنان على الشفة .
== وضع اليد أو الثوب أو الشماغ على الفم ونحو ذلك .

10- التعوذ بالله من الشيطان حال التثاؤب :

هذا الفعل خطأ من وجهين :
الوجه الأول : أن هذا المتعوذ ابتدع من عند نفسه ذكراً لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثاني : أنه ترك سنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعلها عند التثاؤب ، وهي أن يكظم التثاؤب ما استطاع إما بثوبه أو بوضع يده أو بأي طريقة أخرى ، فعلى المسلم أن يتنبه لذلك .

11- ورد تحميد العاطس ورده على من شمته بألفاظ مختلفة .

روى البخاري ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ قال الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (ص 249) : "هذا الحديث أثبت ما يُروى في هذا الباب ] .
وروى أبو داود ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَيَقُولُ هُوَ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ صححه الألباني في صحيح أبي داود ] .
وروى أبو داود والترمذي ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ " [ ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، وصححه في "صحيح الأدب المفرد " (715) موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] .
وعن أبي جمرة قال : سمعت ابن عباس يقول إذا شُمِّت : عافانا الله وإياكم من النار ، يرحمكم الله . صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد.
وروى مالك في الموطأ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، قَالَ : يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ .
قال النووي في "شرح مسلم : قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة الْحَمْد وَالرَّدّ , وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الآثَار , فَقِيلَ : يَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ . وَقِيلَ : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . وَقِيلَ : الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال . وَقَالَ اِبْن جَرِير : هُوَ مُخَيَّر بَيْن هَذَا كُلّه , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُور بِالْحَمْدِ لِلَّهِ .
قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي رَدّ الْعَاطِس عَلَى الْمُشَمِّت , فَقِيلَ : يَقُول : يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ , وَقِيلَ : يَقُول : يَغْفِر اللَّه لَنَا وَلَكُمْ , وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : يُخَيَّر بَيْن هَذَيْنِ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب , وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيث بِهِمَا " انتهى باختصار .
والحاصل : أن ألفاظ الحمد وردت على أوجه متنوعة :
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ .
2- الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
3- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وألفاظ التشميت وردت –أيضاً- على أوجه متنوعة :
1- يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ .
2- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ .
3- عافانا الله وإياكم من النار ، يرحمكم الله .
4- يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ .
وكل هذا صحيح ثابت يختار المسلم منه ما يشاء .
ومن هنا نسمع بعض الألفاظ الخاصة بالتحميد والتشميت ، لم تأت بها سنة ، فالأفضل الاقتصار على ما ورد في السنة ، أو عن طريق الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ومما نسمعه من ألفاظ قولهم :
يرحمنا ويرحمكم الله ، أو : هدانا وهداكم الله .

أمر مهم :

في السلام إذا سلم رجل على مجموعة ، فإنه يكفي أن يرد عليه أحدهم ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً قَالَ : " يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ " [ أخرجه أبو داود ] .
أما في العطاس ، إذا عطس الرجل وحمد الله تعالى ، وجب على كل من سمعه أن يشمته ، أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ، ضحك منه الشيطان " [ أخرجه البخاري ] .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية