اطبع هذه الصفحة


الزوجة ........ ( الثانية أو الطلاق )

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ... وبعد :
الزواج راحة وسكن وإحصان وإلف ومودة واطمئنان واستقرار ، به تبث الأسرار وتوضع الهموم وتحل العقبات وتزال الكربان بعد أمر الله تعالى .
ولا يمكن أن يكون كذلك حتى يعيش الزوجان حياة مشتركة متبادلة من كلا الطرفين إذ لابد أن يفهم كل منهما حاجيات الآخر فيقوم بها ويؤديها كما ينبغي حتى تسير سفينة السعادة الزوجية كما ينبغي لها .
وليس كل الأزواج يهتم أو يكترث بالحياة الزوجية أو يعرف لها قدرها فهناك من الأزواج من يعيش ويموت ولم يقدم شيئاً يذكر للآخر فهي حياة خالية مما ذكرت سابقاً لا يجد أحدهما سعادة في وجود الآخر ، بل كل منهما يعيش حياته الحقيقية خارج سياج الأسرة والحياة الزوجية ، بل ربما بعضهم لا يعرف الآخر إلا عند النوم فقط ، وهذا من الخطأ الكبير ، إذ بذلك تنشأ حياة ميتة من المشاعر الجياشة والأحاسيس الدافئة خالية من الود والتفاهم تعصف بها رياح المشاكل من لاشيء ثم يصعب حلها لأن صلة التفاهم مفقودة وليس ذلك فحسب بل حتى لغة الحوار الجميلة ليس لها مكان فتصبح الحياة إما جحيماً لا يطاق وإما فاقدة للطعم الجميل والأسلوب الأمثل لكيفية الحياة الزوجية السعيدة .

ولكل نعيش حياة زوجية ملؤها الحنان والمودة والسعادة ولا يكدر صفوها شيء يعكرها فلابد من أمور :


أولاً : التفاهم :

فهو لغة عظيمة بحيث يفهم كل واحد من الزوجين حاجات الأخر ماذا يريد ؟ ماذا يحب ؟ ماذا يكره ؟ وهكذا فيقوم بحاجات الأخر ولو كان هو لا يريد ذلك لكن مع مرور الأيام والليالي يصبح الأمر سهلاً ميسراً بإذن الله تعالى .

ثانياً :التضحيات :

إذ لا يمكن أن يضحي أحدهما دون الأخر ، يضحي بوقته وجهده وماله وغير ذلك والآخر ضيف شرف يأخذ ولا يعطي فربما تسير الحياة مدة من الزمن ثم تتلاشى ويفترق الزوجان فتطلق الزوجة ويتزوج الرجل بالثانية ليشبع رغباته ويجد من تضحي معه .

ثالثاً : المبادرة :

فليس من المعقول أن يبادر طرف دون الآخر هذا يبادر دائماً بكلمات الحب والعشق والرغبة والآخر في واد آخر لا يشعر بأحاسيس صاحبه وربما شعر بذلك ويقول هو من يبادر دائماً فلا ضير إن طنشته ولم أهتم به ولم أكترث لمشاعره فهو يحبني مهما حصل مني ، أقول : هذا من الخطأ الفادح ، والرأي القادح ، فيمكن أن تستمر الحياة على هذا المنوال سنوات طويلة ثم يقع ما لم يكن في الحسبان من طلاق أو زواج بأخرى ليجد الزوج من تلبي رغباته وتفي باحتياجاته لاسيما واليوم قد انفتح على الناس مالم يكن موجوداً من ذي قبل فيستطيع كل طرف أن يقرأ أو يسأل أهل الخبرة في هذا الشأن ليجد العديد من الحلول لكن مرجع ذلك هو معرفة حاجات الطرف الآخر وتلبيتها دون خجل أو عدم مبالاة أو بداعي العادة فربما كان الأمر بعد ذلك عكسياً .

رابعاً : الثقة :

إذا كان كل من الزوجين كتاب مفتوح للآخر وهذا الذي ينبغي فسوف تزول كثير من العقبات ، إلا ما ندر من بعضهما حيث يستولي عليه الشك والريب في الآخر وهذا من عمل الشيطان مما قد تصبح معه الحياة ناراً حاميةً لا تطاق فيتسبب ذلك في جلب المتاعب التي لا أصل لها بل هي من وحي عدو الإنسان الذي هو الشيطان ، فالثقة المتبادلة تهيئ أسباب السعادة بين الزوجين الحميمين الحبيبين مالم يكن هناك ثمة أشياء تدعو للشك فهذا أمر آخر وعلى الجميع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والهدوء والتؤدة والتحقق من الأمر والتثبت منه حتى يكون على بينة من أمره فلا يظلِم ولا يُظلم .

خامساً : السؤال عن الحال :

مما ينبغي للزوجين أن يسأل أحدهما عن حال صاحبه ويخبره الآخر بما حصل معه في عمله وفي زيارته وفي خروجه من البيت إلى أي مكان مالم يكن في ذلك حرج ، فإن كان فيه حرج أو ضرر فلا حاجة في عدم الإخبار بذلك ، وعلى الآخر أن يفهم وجهات النظر ويقرب ولا يتباعد ويسدد ولا يفرق ، والبعض يسأل والآخر يجيب على قدر السؤال أو يتبرم ويضيق ذراعاً من السؤال ولا يتكلم إلى نزراً يسيراً وكلاماً قليلاً وكأنه في حالة استجواب أمنية ، بل من الأزواج من يعيشان في غرفة واحدة يأكلان ويشربان ولا يتحدثان أبداً ثم لما يحدث فراق أو زواج بأخرى يقول أو تقول : يا ليتني كنت حياً متحدثاً متكلماً سائلاً ومجيباً ولكن هيهات أن تنفع الصيحات وقد حدث ما حدث بطلاق أو زوجة ثانية .

سادساً : النقاش :

لابد أن يكون بي الحبيبين نقاش ونقاش هادف جميل يتميز بالكلمات العذبة ولا يخلو من السخونة أحياناً فالعلاقة الزوجية علاقة حميمية سكنية تلبي جميع الاحتياجات الجنسية وغيرها ، لكلمات الغزل من الطرفين لها وقعها لاسيما في غرفة النوم ، لغرفة النوم ليست كباقي البيت بل لها خصوصيتها يبعد فيها غالباً النقاش في الأمور التي تثير الأعصاب وتؤجج المشاكل ، بل هي غرفة الراحة والاستقرار .
ما أعظم أن يقترب كل منهما من صاحبه أثناء جلوسهما ويتحسسه بجسده ويضع يده عليه ويُسمعه أعذب الكلمات وألهب المشاعر يدلله وكأنه طفل صغير وأعظم من ذلك عندما تبار المرأة والزوجة الوفية بذلك كم يكون لها من الإيجابيات والجوانب الدافئة التي تقرب كل منهما للآخر ، أقول : فلتبادر الزوجة بذلك حفاظاً على ترينها وعشها آلا تخربه رياح الجفاء وتعصف به ريح الخمول .
كم من الزوجين من إذا جلسا في غرفة واحدة ولا يفصل بينهما إلا سنتمترات ثم يأتي أحدهما ويضع حاجزاً من مخدات أو متكأً يزيد البعد بعداً . ومع ذلك لا تراه متحدثاً لبقاً في حديثه ذكياً في نظراته لمن هو بجانبه بل يهذي بالكلام هذياً ولا يحسب لكلماته حساباً فربا أذى وجرح وهولا يشعر وذلك لغبائه وسوء معشره .
فيقول البعض : أين أجد من أبي لها وتبث إلي وأتحبب لها وتتحبب إلي وأتقرب منها وتتقرب مني وأُلامس شغاف قلبها وهي كذلك و....... لأسعد في حياتي وتلبى احتياجاتي فلا أنظر لغيرها ولا أَنس بغيرها .

سابعاً : الاحترام :

هو أساس السعادة فلا يمكن أن تدوم حياة كلها إهانة وتفريغ شحنات وانتقام من الآخرين في جسد القريب الحبيب فما أعظم الاحترام وما أجله .
بعض الزوجات تعتقد خطأً أن مبادرتها بالكلمات والمشاعر والأحاسيس الجميلة والمزاح مع الزوت وإيراد النكت وجلب الضحك أنه نقص في قدرها وإهانة لها أو أنها لم تعتد على ذلك فالعادة تتغير أيتها الزوجة الحكيمة ، مع أن الصحيح أن ذلك كمال في أنوثتها وجمال في روحها ودوام لسعادتها مع أنه لا يخلو بيت من ملح يعكر طبخه أحياناً وهكذا كان بيت النبوة المحمدية عليه الصلاة والسلام ، فأي بيت يخلو من المشاكل والمتاعب ؟ لا يوجد ، لكن الذكي والعاقل من يمتص ملوحة الغضب ويحوله إلى رحيق حلو يجد حلاوته كل من في البيت .

ثامناً : التجمل :

لا تكن أنانياً محباً لنفسك أيها الزوج والزوجة فالزوج كما يحب أن يرى من زوجته لباساً جميلاً ويشم منها ريحاً طيبة فهي كذلك تحب من زوجها تجملاً باللباس وفي الجسد وتحب أن تجد منه الريح الطيبة من عطر وطيب ودهن .
أما الروائح الخبيثة وغير الطيبة فهي لا تعين على المحبة بل تدعو إلى الكراهة والبعد بين الزوجين كرائحة الدخان والبصل والثوم والعرق ووساخة الملابس والجسد فهذه الأمور ينبغي أن تُزال وتُستبدل بغيرها ولو أنفق في ذلك ثلث ماله .
ومما ينبغي للمرأة بالأخص فعله أن تذهب للمحلات الخاصة بالبشرة وتشتري لها ولزوجها الرائحة التي تحببها في زوجها وتجعلها مبادرة لكلمات الحب والغزل حتى تسعد في حياتها لأن هناك من الأزواج من يطلب ذلك وإن لم يجده في زوجته فربما طلق أو تزوج أخرى وهذا النوع من الأزواج موجود اليوم وبكثرة خصوصاً مع وجود الفضائيات فلابد أن تكون الزوجة ذكية لماحة منتبه فطنة وهذا الأمر يسير على النساء اليوم .

تاسعاً : الغيرة المعتدلة :

مما يشعر معه الطرف الآخر بمزيد الحب والغيرة عليه في فعل بصاحبه كذلك مما يديم المحبة والمودة والسعادة لكن كما قلت : غيرة معتدلة وليست غيرة تشعل النار وتملأ البيت حمماً وحجارة محمية وقنابل متفجرة تسوء بسببها العشرة الزوجية فيحص الطلاق والزواج بالثانية أو الأخرى ليجد عندها الدلال والجمال الروحي والوفاء الزوجي والعواطف الجميلة .

عاشراً : الحب :

هذا هو صلب الموضوع وأساسه فلا يمكن لحياة أن تستمر بدون حب كما أنها لا تدوم بحب من طرف واحد إذ أن الأمر سيؤول إلى بغض ويتكسب الحب على صخور الجفاء ، فالحب المتبادل من قبل الزوجين هو عنوان استمرار السعادة الزوجية ، إذ ربما تفاجأ الزوجة بزوجة أخرى لتملأ الفراغ الروحي والحبي للزوج ، وكذلك ربما يفاجأ الزوج بطلب الطلاق لعدم وجوده في حياة الزوجين لتُطلق المرأة ومن ثم تجرب حياة أخرى تعوضها عن الفراغ القلبي الذي عاشته مع زوجها الأول فتبادل الحب كلمات وتطبيقاً له أثره الإيجابي في رفرفة السعادة على البيت الصغير .

وفي نهاية المطاف إذا لم يجد الزوج أسباب السعادة والهناء والراحة والحب فسوف يصل إلى حائط مسدود لا يستطيع اختراقه ولا يتجاوزه فيرى أنه كان يعيش حياة السراب فينتقل ربما إلى قرار لم يخطر له على بال وهو الزواج بالأخرى لإشباع رغباته وتلبية احتياجاته فالرجل طفل مدلل متى ما عرفت الزوجة كيف تعامله وتجاريه فازت بالحياة السعيدة واستولت على قلبه وحبه فأصبح يلبي طلباتها ولا يستطيع العيش بدونها وهذا حاصل وواقع فكم من الأزواج من امتنع عن الزواج بعد موت زوجته الأولى وعلى النقيض من ذلك فكم من زوج تزوج فور وفاة زوجته ليسعد بقية حياته لأنه لم يجد ذلك مع الأولى .
فعلى العاقلة أن تنتبه لذلك قبل أن يفوت القطار وإذا بالزوج قد تزوج أخرى ثم تفيق ولكن بعد ماذا ؟
لقد فات القطار ولا يمكن أن يعود ، عندئذ تندم ولا ينفع ساعة مندم .
هذه بعض الأسباب التي يحافظ بها الزوجان على سعادتهما وحبهما ووئامهما ، وأسأل الله تعالى أن يسعد الأزواج والزوجات ويؤلف بين قلوبهم ويجمعهم على المحبة والوفاء .


يحيى الزهراني
إمام جامع البازعي

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية