الاحتفال بالمولد النبوي

   

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فلقد كان العالم يغط في ظلام عميق ، وجهل سحيق ، فكان القتل ، والظلم ، وكثير من الكبائر والعظائم التي لا تجد من ينكرها ، أو يبطلها ، لقد أنت الشعوب قبل الإسلام أنيناً شديداً ، وجار العدوان والطغيان ، وأقيمت الحدود على الفقراء والضعفاء ، ونجا منها الأغنياء والأقوياء ، وبقي الناس على ذلك المر والعلقم حتى رحم الله البشرية ، بإرسال أفضل الرسل وخاتمهم وأرحمهم بأمته ، وهو نبينا وحبيبنا محمد صلى اله عليه وسلم ، وبعد مولده وشبابه ، ونضوجه ونبوته عادت البسمة للناس من جديد ، فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وحطم أسس الشرك ، وقضى على معالم الوثنية ، واستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، حتى أقيمت الحدود على الطغاة والبغاة ، واخذ الحق من الظالم ، وأعيد للمظلوم ، وهكذا عاشت الأمة في خير وهناء .
فقبل الشروع في المولد النبوي ، وقبل تفنيد ما فيه من الباطل ، يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض الأمور التي قد يغفل عنها كثير من المسلمين ، وهي مما يتعلق به عليه الصلاة والسلام ، والتي ينبغي على المكلف معرفتها والاهتمام بها حتى يعرف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه الأمور :

أولا ً : النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ، قال تعالى : [ لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة 128 ) ، وقال تعالى : [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] ( الأنبياء 107)
وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم بالمؤمنين قال صلى الله عليه وسلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ، وقال تعالى : [ فأما اليتيم فلا تقهر ] ( الضحى 9 ) .
وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم العناية بالأرملة والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة t قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله )) [ البخاري ومالك ] ، وعن أبي هريرة t أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال : (( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالفقراء قال فيهم : (( بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إلا من رحمته وشفقته على أمته .
فعن أنس رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ] وجاريتين أي بنتين ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أحرَّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي أنه يُلحق الإثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسلا وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي 2/669 برقم ( 2978) ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من لا يَرحم لا يُرحم )) [ متفق عليه].
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] .
وصور رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم كثيرة جداً ، فعليه الصلاة والسلام.

ثانياً : مولده صلى الله عليه وسلم :
ولد عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل ، قال أبو قتادة الأنصاري : سأل رجل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : [ ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) .
وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ، قال : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلام النبلاء 1/33 .

ثالثاً : بشريته صلى الله عليه وسلم :
فهو صلى الله عليه وسلم بشر مثل بقية البشر قال تعالى : [ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً ] ( الإسراء 93) ، وقال تعالى : [ محمد رسول الله .....] ( الفتح29 ) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ، وهي دلالة على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والإنس ـ وقال الله جل وعلا: [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى …..] ( الشورى13 ) والمذكورون في هذه الآية هم أولو العزم من الرسل فهم بشر ولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعاً ، وقال الله جل وعلا : [ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ….] ( آل عمران59 ) ، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة لاشك فيها أن الأنبياء بشر والله هو خالقهم ، ولكنه اصطفاهم برسالاته عن بقية البشر، فلا يُعبدون من دون الله ويحرم الغلو فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ، لأن ذلك من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد والمخرج من ملة الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم من أولئك الأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين قال تعالى: [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ] ( آل عمران144 ) ، فلا يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو طلب العون أو المدد منه ، فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة )) [ البخاري ومسلم ] .
فمن ذلك عُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ولد وعاش ومات ، قال تعالى : [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ] ( آل عمران144 ) ، وقال تعالى : [ إنك ميت وإنهم ميتون ] ( الزمر30 ) ، والخطاب للنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة جميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، لأن ذلك ركن من أركان الإيمان ، الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله .

رابعاً : فضله على جميع الخلائق :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع )) [ مسلم ] .
وقيل أن السيد : هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل : هو الذي يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم .
وهو صلى الله عليه وسلم أفضل البشر على الإطلاق ، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم ، قال صلى الله عليه وسلم: (( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين )) [ مسلم ] ، فهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند له ، بخلاف الدنيا فقد نازعه في سيادته ملوك الكفار وزعماء المشركين ، وقوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم لم يقله فخراً ، بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلاة والسلام : (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) [ الترمذي ]
وقوله أنا سيد ولد آدم ، كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال ذلك لسببين:
الأول : امتثالاً لأمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز سبحانه : [ وأما بنعمة ربك فحدث ] ( الضحى11 ) .
الثاني : أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لأمته ليعرفوه ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك الاعتقاد ويوقروه بما تقتضيه مرتبته .
فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ، فلهذا فهو أفضل الخلائق على الإطلاق ، صلوات ربي وسلامه عليه .

خامساً : معنى شهادة أن محمداً رسول الله :
معناها: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب مانهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاّ بما شرع.
فطاعته صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل ، قال تعالى : [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] ( آل عمران 331 ) .
وقال تعالى : [ قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران 32 ) ، وقال تعالى : [ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء 80 ) ، وتصديقه صلى الله عليه وسلم في الأخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور الغيب التي أطلعه الله عليها ، وتصديقه في ذلك من أوجب الواجبات .
ومن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله اجتناب مانهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقاً لقوله تعالى : [ وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ] ( الحشر 7 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] .

سادساً : عبوديته صلى الله عليه وسلم :
فالنبي صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله تعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى : [ أليس الله بكافٍ عبده ] ( الزمر 26 ) ، فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة فهو صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال تعالى : [ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان1 ) ، فهو عبد لله تعالى ، أما الربوبية والإلهية فهما حق لله تعالى وحده لا يشركه في شي منهما أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فالنبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه (( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] .
فلا يُرفع فوق منزلته عليه الصلاة والسلام ولا يكون له خصيصة من خصائص الألوهية فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه من الأمور الغيبية قال تعالى : [ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ( النمل65 ) ، وقال تعالى : [ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ] ( الجن 26 ، 27 ) ، فقد أطلع الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على بعض الأمور الغيبية ، لذلك فهو لا يعلم الغيب من تلقاء نفسه ، ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلام عن الساعة قال : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد علم صلى الله عليه وسلم مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه السلام قال تعالى : [ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ] ( هود49 ) ، وقال تعالى : [ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر وهم يمكرون ] ( يوسف 102 ) .
وكذلك فهو صلى الله عليه وسلم لا ينفع ولا يضر بنفسه ، ولا يُعتقد فيه أي أمر من أمور الألوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى بعبده ] ( الإسراء 1 ) .
فهو صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله فلا يعطى ولا يرفع فوق منزلته هذه ، عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [مسلم].
فهو عبد الله ورسوله ، وصلوات ربي وسلامه عليه .

سابعاً : حاجة الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لما عاش الناس قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وظلمة دهماء خصوصاً بعدما حرفوا وبدلوا في الكتب المنزلة على أنبيائهم ، لذلك كله أحوج الله الخلائق كلهم إلى من يزيل عنهم تلك الغمة ، ويعيدهم إلى عبادة الله الخالق الواحد القهار ، فأرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم سبحانه وتعالى .
فأما حاجتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا فهي أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس ، لأنه مبشرهم بالجنان ومنذرهم من النيران ، وأما حاجتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله ليفصل بين الخلائق ، فكلهم يتأخر عن الشفاعة ، فيشفع لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي يستفتح لهم باب الجنة .
فلهذا كانت حاجة الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاجة ماسة وأكيدة في الدنيا والآخرة .

ثالثاً : الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم :
قبل الحديث عن المولد النبوي الكريم ، نتحدث عن فرقة من فرق الضلالة والتي بسببها وجدت مثل هذه البدع المنكرة والمكفرة ، فمن هذه الفرق :
الصوفية :
وأحسن ما قيل فيها أنها فرقة منسوبة إلى الصوف ، وأول ما ظهرت هذه الفرقة في البصرة ، وكانوا يبالغون في الزهد والعبادة والخوف ، ولبسوا الصوف تشبهاً بالمسيح بن مريم ، فلذلك أطلق عليهم الصوفية . وليس طريقهم مقيداً بلبس الصوف ، ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر حالهم . ولكنهم بعد ذلك تشعبوا وتنوعوا ، وقيل أن التصوف تسرب إلى بلاد المسلمين ، من الديانات الأخرى كالديانة الهندية ، والرهبانية النصرانية .
يقول الشيخ / عبدالرحمن الوكيل :
إن التصوف أدنأ وألأم كيداً ، ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسله . [ مصرع التصوف ] .
ويقول الشيخ / صالح الفوزان :
الصوفية دخيلة على الإسلام ، ويظهر ذلك في ممارسات المنتسبين إليها ، من ممارسات غريبة على الإسلام وبعيدة عن هديه ، وخصوصاً المتأخرين منهم ، الذين كثرت شطحاتهم ، وعظمت غلطاتهم ، وأما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من الاعتدال ، كالفضيل بن عياض ، والجنيد ، وإبراهيم بن أدهم وغيرهم .

موقف الصوفية من العبادة والدين :
لقد تفاقم الوضع في هذه الأزمنة في عبادة الصوفية ، حتى أصبحت المنكرات ظاهرة للعيان ، كوضوح الشمس في رابعة النهار ، وكل ذلك من باب الزهد كما يدعونه ، وحبهم المفرط في النبي صلى اله عليه وسلم إلى غير ذلك من توافه الأمور ، ولقد اتخذ أهل التصوف وخصوصاً المتأخرين منهم صنوفاً من أصناف العبادة المبتدعة ، وتتلخص بدعهم فيما يلي :

1- قصرهم العبادة على المحبة :
يبنون عبادتهم لله على جانب المحبة ، ويهملون الجوانب الأخرى ، وهي جوانب عظيمة يعتمد عليها الدين اعتماداً كبيراً ، كجانب الخوف والرجاء ، وقد قال بعضهم : أنا لا أعبد الله طمعاً في جنته ، ولا خوفاً من ناره ، ولا شك أن هذا من الضلال ، فمن هو الذي لا يطمع في الجنة ، ومن هو الذي لا يخاف من النار ، وقد جاءت الآيات والأحاديث المشتهرة بذلك ، والذي لا يطمع في الجنة ، فبماذا يطمع إذن ، قال تعالى : " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " ، وقال تعالى : " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " ، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من أربع ، من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة الدجال ، ومن فتنة المحيا والممات . [ رواه مسلم ] ، فكيف يقول قائل بعد ذلك ، أنه لا يطمع في الجنة ولا يخاف من النار ، بل نقول نحن : اللهم إنا نسألك الجنة ، ونعوذ بك من النار .
فالعبادة ليست مقصورة على جانب واحد فقط ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
ولهذا يقول بعض السلف :
من عبد الله بالحب وحده : فهو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده : فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحده : فهو حروري ، ومن عبده بالحب والرجاء والخوف : فهو مؤمن موحد . ولهذا قال تعالى : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون "
وقال تعالى : " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً " ، في هذه الآية أعظم دليل على كذب الصوفية وأهلها ، لأن كل إنسان يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه .

2- عدم الرجوع للكتاب والسنة :
في غالب أمر الصوفية انهم لا يرجعون إلى الكتاب والسنة في دينهم وعبادتهم ، وغنما يرجعون على أذواقهم وما يرسمه لهم شيوخهم من الطرق المبتدعة ، والأذكار والأوراد الخاطئة الكاذبة ، وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتشبثون بها ، ومن المعلوم أن العبادة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت مبنية على ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة المحتج بها .
قال شيخ الإسلام : صراط الله واحد ، لا انقسام فيه ولا اختلاف عليه ، وما عداه فهو سبل متفرقة تتفرق بمن سلكها ، وتبعده عن صراط الله المستقيم ، وهذا ينطبق على كل فرق الصوفية ، فإن كل فرقة لها طريقة خاصة تختلف عن طريقة الفرقة الأخرى ، ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة ، يرسم لها منهاجاً يختلف عن منهاج الفرق الأخرى ، ويبتعد بهم عن الصراط المستقيم ، ويزعم هذا الشيخ انه يتلقى الأوامر من الله مباشرة ، ولا يخفى على كل ذي لب وعقل من الناس أن الرسالة قد انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو آخر الأنبياء والرسل ، وانقطع الوحي كذلك بموته عليه الصلاة والسلام ، ولهذا قال تعالى : " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " ، قال القرطبي رحمه الله : ومعناه : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي أو يرسل . 16/48 ،
يقول الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى : هناك قاعدة مهمة يجب على كل طالب علم معرفتها ، وأقول : لأنها تضع النقاط على الحروف ، وتزيل كثير من الران الذي غطى قلوب كثير من المبتدعة ، وتجعل طالب العلم قادراً بإذن الله تعالى على مجابهة مثل أولئك المبتدعة وأهل الضلالة .

والقاعدة تقول :
كل شيء كان سببه موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، ففعله بعده بدعة .

وقاعدة أخرى :
الأصل في العبادات الحظر ، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله ، والأصل في العادات الإباحة ، فلا يمنع منها إلا ما حرمه الله ورسوله .

مما سبق يتبين لنا أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان سببه موجوداً في عهد العهد النبوي ، ولكن لم يحتفل بمولده أحد من البشر في قرنه وفي القرون المفضلة من بعده ، وهي ثلاثة قرون ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة ، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك " .
مما سرى في المسلمين في هذا العصر وما سبقه من الأعصار من التشبه بالكفار ، التشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بالمولد النبوي ، يحتفل جهلة المسلمين أو العلماء المضلين في ربيع الأول من كل سنة بمناسبة مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد ومنهم من يقيمه في البيوت أو الأمكنة المعدة لذلك ويحضره جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم ، يعملون ذلك تشبهاً بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام . ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وهى العلم النافع والعمل الصالح ، ولم يقبضه إليه حتى أكمل له ولأمته الدين وأتم عليهم النعمة كما قال سبحانه وتعالى : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ] "المائدة3 " فبين الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة أن الدين قد كمل والنعمة قد أتمت ، فمن زعم أن يُحدث حدثاً يزعم أنه مشروع وأنه ينبغي للناس أن يهتموا به ويعملوا به فلازم قوله أن الدين ليس بكامل بل هو محتاج إلى مزيد وتكميل ، ولا شك أن ذلك باطل ، بل من أعظم الفرية على الله سبحانه والمصادمة لهذه الآية الكريمة ، ولو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته لأنه أنصح الناس لهم ، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه ، لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم ، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم .
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق ؟ لا والله ، ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان .
وإذا عُلم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجوداً في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول ، ولا كان معروفاً عندهم . عُلم أن ذلك بدعه محدثة في دين الله لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها ، بل يجب إنكارها والتحذير منها عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : { خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ، وقوله صلى الله عليه وسلم :{ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } ، فكل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو رد ومردود على صاحبه وعليه النكال وله الويل من الخالق سبحانه ، فمن كان عمله خارجاً عن الشرع المطهر وليس متقيداً به فهو مردود ولا يزيد صاحبه إلا بُعداً عن الله تعالى ، ولا يزيده إلا مقتاً وخساراً ، ويذهب ذلك العمل هباءً منثوراً لمخالفته الواضحة لدين الله تعالى ، والله جل وعلا قد تكفل بدينه وحفظه : [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] " الحجر9 " .
فمن شرع لأولئك الفئام من الناس هذا الدين الذي ابتدعوه ؟ أهو الهوى ؟ أم الشيطان ؟ أم لهم شركاء وآلهة أخرى غير الله تُشرع لهم ديناً غير دين الله تعالى فتُحلل وتُحرم لهم ؟
قال تعالى : [ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ] "الشورى 21 " ، وقد ختم الله جل وعلا هذه الآية بقوله : [ وإن الظالمين لهم عذاب أليم ] ، فهؤلاء ظلمة ، ظلمة لأنفسهم ، ظلمة لدينهم ، ظلمة لا خوانهم المسلمين الذين يأتون من بعدهم ، ويجدون تلك البدع والخرافات ، والأهواء والمنكرات ؟ فإن الله جلت قدرته قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً .
فمن أشد الظلم وأقبحه وأشنعه أن يتعدى الإنسان على ربه ، بأن يُشرّع للناس عبادة لم يأذن بها الله عز وجل ، ليحذر أولئك من شديد عقابه ، وأليم عذابه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك هذه الأمة على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وقد أوضح صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة قبل موته عليه الصلاة والسلام أنه ترك فيها ما إن تمسكت به فلن تَضل أبداً ، كتاب الله عز وجل وسنته صلى الله عليه وسلم ، فمن أراد أن يزيد في الدين ما ليس منه ، فالدين بريء منه وزيادته مردودة عليه ، وهو مأزور غير مأجور آثم ببدعته تلك .
قال صلى الله عليه وسلم : { تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك } ( الترمذي وأبوداود والحاكم ) .
وقال أبو ذر رضي الله عنه : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علماً .
وقال العباس رضي الله عنه : والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً وأحل الحلال وحرم الحرام ، ونكح وطلق وحارب وسالم . ولو تصفحنا كتاب الله عز وجل صفحة صفحة وسطراً سطراً ، لمَا وجدنا آية فيه تدل على أنه يُحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك في السنة لا يوجد حديث ولا أثر صحيح يُعتمد عليه يدل على ذلك .
فمن أين جاء أولئك الناس بهذا الاحتفال المبتدع في دين الله .
فكثرة وقوع الحوادث التي لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة ، إنما هو من ترك الاشتغال بأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك ترك اجتناب النواهي ، فلو أن من أراد أن يعمل عملاً في الدين سأل العلماء الربانيين ، علماء أهل السنة والجماعة ، عما شرعه الله في ذلك فامتثله وأطاعه ورضي به وانتهى عما فيه نهي ، لوقعت كل الأعمال مقيدة بالكتاب والسنة .
ولكن المصيبة والطامة الكبرى أن العامل يعمل بمقتضى رأيه وهواه ، فتقع الحوادث مخالفة لما شرع الله .
فمن امتثل أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم واشتغل بذلك عما سواه حصلت له النجاة في الدنيا والآخرة ، ومن خالف ذلك واشتغل بخواطره وهواه وانقاد وراء المخططات الصهيونية والنصرانية وغيرها من مخططات أعداء الدين وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم ، وابتداعهم في دينهم ، فكانوا فريسة وصيداً سهلاً في أيدي المسلمين آنذاك .
فهل نحذوا حذوهم ، ونقتفي أثرهم ، وهم على الباطل والضلال ، والزيغ والانحلال ؟ لا والله ؟ لا ينبغي هذا . بل الواجب التمسك بالدين الإسلامي الحنيف ، الذي لا نُصرة للمسلمين إلا بتمسكهم به ، ولا رِفعة لهم إلا بتقيدهم به ، وأن نترك الابتداع في دين الله عز وجل .
فأمور الأعياد المخالفة للشرع والاحتفالات المصادمة للدين ليست من شعار المسلمين بل أن : { من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } ( الترمذي وهو حسن ) ، ويبتعد عن الشبهات ، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .
فأمر ليس في كتاب الله وليس في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يعنينا الاهتمام به ، ولا حتى النظر إليه ، ولا التفكير فيه ، فمن أراد عمله عليه قبل ذلك أن يسأل أهل العلم عن ذلك ، حتى يكون على بصيرة من دينه ، قال تعالى : [ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ]" النحل 43" .

والسؤال هنا :
ماذا يحدث في هذا المولد ؟
إن غالب هذه الاحتفالات مع كونها بدعة مخالفة للدين فهي لا تخلوا من اشتمالها على منكرات أخرى مثل :
اختلاط الرجال بالنساء ، مما قد يُفضي إلى أمور محرمة بين الجنسين ، بل إن ذلك يحصل غالباً في هذه الأعياد المبتدعة المنكرة وكيف يدعي أولئك حُب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون أمره ، فيحصل الاختلاط بين الرجال والنساء ، وقد حذر عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء غير المحارم حتى أنه قال في الحمو : الحمو الموت .
فكيف يدّعون حبهم واحتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وهم يُقدّمون في هذا الاحتفال كل ما فيه معصية له صلى الله عليه وسلم . فليتب أولئك من هذه الخرافات والخزعبلات قبل أن يحل بهم هادم اللذات ، وهم غرقى في الذنوب والشهوات ، ثم بعد ذلك لا تنفع الآهات والويلات .
ذبح ذبائح في مثل هذه الموالد والأعياد المزيفة ولا شك ولا ريب أن الذبح لغير الله شرك قال صلى الله عليه وسلم : { لعن الله من ذبح لغير الله } (مسلم ) ، واللعن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل ، وإن الله عز وجل قد أمر بأن يكون الذبح له سبحانه ، في قوله تعالى : [ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ] " الأنعام 162، 163 " وقال تعالى : [ فصل لربك وانحر ] " الكوثر 2 "
فالذبح لغير الله في الأضرحة والقبور وغيرها شرك أكبر ومن فعل ذلك فهو ملعون لما جاء في الحديث السابق ، وحكم هذه الذبائح حكم الميتة ولو ذكر اسم الله عليها ، لأنها لم تكن لله عز وجل .
ضرب الدفوف والطبول واستعمال الأغاني والمعازف والله جل وعلا قد حرم المعازف والغناء المصحوب معها سواءً كان ما جناً أم غير ماجن ، قال تعالى : [ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ] " لقمان 6 " وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي المعروف عن المقصود بلهو الحديث ، فقال : { والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء } . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم : { ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعزف } ( البخاري ) ، إنه والله لأمر تأسف له النفوس ، وتضيق له القلوب ممن لا ينطبق عملهم على قولهم ، بل عملهم يكذب قولهم ولا يصدقه يقولون نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحتفل بمولده ، ثم في ذات الوقت يعصونه ولا يطيعونه يرتكبون ما نهى عنه ، ويجتنبون ما أمر به فأي حب هذا ؟ وأي اتباع له صلى الله عليه وسلم الذي يدعيه أولئك المبتدعة ؟
شرب الخمور والمسكرات والدخان وأكل القات ، وغير ذلك من المشروبات المحرمات .
والله تعالى حذرهم ونهاهم عنها ، فقال جل وعلا : [ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ] ، ثم ختم الله عز وجل هذه الآيات بالآية الدالة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن في طاعتهما الفلاح والنجاح ، وفي معصيتهما الخسران والحرمان ، فقال تعالى : [ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ] " المائدة 90،91 ،92" .
يعتقد من يحتفل بالمولد النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعهم ، بل هو مقيم في قبره ولا يخرج إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال تعالى :[ ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ] " المؤمنون 15 ،16 " وقال عليه الصلاة والسلام : { أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع وأول مشفع } ( مسلم ) .
فهذا قول الله تعالى يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم : [ إنك ميت وإنهم ميتون ] " الزمر " فلا إله إلا الله ـ أين عقول أولئك الناس عن قول الله عز وجل ، وقول نبيه صلى الله عليه وسلم . ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا أجدبوا واحتبس عنهم المطر ، فإنهم يطلبون من نبيهم أن يدعو الله لهم ، فكان يفعل ، ولكن بعد موته عليه الصلاة والسلام ، لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يدعو النبي في قبره ويستغيث به ، بل كما جاء عن عمر بن الخطاب أنه دعا العباس عم رسول الله ، فقال : الهم إنا كنا نستشفع بنبينا فتسقينا ، فها نحن نستشفع بعم نبينا فأسقنا ، فقال : قم يا عباس فادع الله لنا ، ولم يستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، لأنه عرف أنه لم يعد يملك لهم شيئاً بعد موته .
ما يحدث في هذه الموالد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو الغلو فيه والتوسل به أو الغلو في الأولياء ، وهذا هو الشرك الأكبر المحبط للأعمال والمدخل للنيران ـ أعاذنا الله من ذلك ـ فيحصل فيها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستعانة والاستغاثة به ، أو طلب المدد منه عليه الصلاة والسلام ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يفعلها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن يسمونهم بالأولياء .
وإن الله تعالى قد حرم الدعاء لغيره سبحانه ، فالدعاء حق من حقوقه تعالى فلا يُصرف إلا لله ، قال تعالى : [ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ] " الجن 18 " وقال تعالى : [ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ] " الأعراف 194" ، وإلى أصحاب العقول والأفهام هذه الآية التي تبطل كل المزاعم من أن الأموات يسمعون دعاء الغير ، هذه الآية قاطعة وجازمة بأن الميت لا يسمع ولا ينفع ولا يضر ، قال تعالى : [ والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ] " فاطر 13 ـ 14 " ، فمن دعا غير الله عز وجل بجلب نفع أو دفع ضر أو غير ذلك فقد أشرك بالله شركاً أكبر مخرجاً من الملة ، فلا يُدعى إلا الله عز وجل لأنه سبحانه بيده دفع الضر وكشفه وإسباغ النعمة وإفاضة الخير على عباده وغير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله .
وقال جل وعلا : [ ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ] " الأحقاف 5-6 " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما : { إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله } ( الترمذي ) .
فلا يسأل الإنسان إلا ربه ، ولا يستعين إلا به ، فهو سبحانه الذي يستطيع النفع والضر وبيده خزائن كل شيء ، لذلك قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ] " غافر 60" ، وقال تعالى : [ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ] " الإسراء 56" .
ولو كان أولئك الأموات يملكون نفعاً أو ضراً لنفعوا أنفسهم ولما ما توا ، ولدفعوا عن أنفسهم الموت وما يحصل بهم من ضر ، فكيف ينفعون غيرهم أو يضرونهم ـ فعجباً !! لأولئك الناس الذين تركوا عقولهم سلعة رخيصة يلعب بها شياطين الإنس والجن ، حتى ضلوا عن جادة الصواب ، فعبدوا العباد ، بدلاً من أن يعبدوا رب العباد ، واتجهوا إلى عبادة القبور والأضرحة التي لا تنفع ولا تضر فما هي إلا كومة من تراب ولو قدر الله عز وجل وبعث أحد أولئك الأموات ، ووجد الناس رجالاً ونساءً جماعات وفرادى يطوفون حول قبره ويتبركون به ويطلبون المدد منه ويذبحون تقرباً إليه ، والله لما وسعه إلا أن يدعوهم إلى عبادة الله ولبين لهم أنه إنسان مثلهم لا ينفع ولا يضر وإلا لنفع نفسه قبل ذلك ، ولو وجدهم على حالهم هذه لسخر منهم واستهزأ بهم ولتبرأ إلى الله مما يفعلون ، فالله عز وجل أنعم عليهم بنعم شتى ، فوهبهم العقل والسمع والبصر ، ومع ذلك فنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، يعرفون الباطل فلا يجتنبونه ، ويعرفون الحق فلا يتبعونه وقد قال لهم ربهم : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] " الذاريات 56 " .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار } ( أحمد والبخاري ) ، وفي رواية مسلم : { من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار } .
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تعظيمه فقال : { لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا } ( مسلم وأبو داود وابن ماجة ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : { لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } ( في الصحيحين ) ، قالت عائشة رضي الله عنها : {يحذر ما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجداً } . وقال عليه الصلاة والسلام : { ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنها كم عن ذلك } ( مسلم ) ، وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم : { لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . وروى أهل السنن عن بن عباس رضي الله عنهما قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج } ، وذكرت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال : { أولئك إذا مات فيهم الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله } ( البخاري ومسلم ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : { ولا تجعلوا قبري عيداً } ( أبو داود ) وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } وقال صلى الله عليه وسلم : { لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله } ( البخاري ) .
فيحرم الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم أو التوسل به أو دعاؤه أو طلب المدد منه صلى الله عليه وسلم فهو ميت وقد قال تعالى : [ إنك ميت وإنهم ميتون } " الزمر30 " وقال تعالى : [ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأين مت فهم الخالدون ] " الأنبياء34 " ، فإذا كان هذا يحرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى ، لأنهم لا ينفعون ولا يضرون فيحرم الطواف حول قبور أولئك الأموات ويحرم الذبح عندها أو التقريب لها ، أو طلب المدد منها أو التبرك بها والتمسح بها أو غير ذلك من الأمور المحرمة ، فكل من فعل ذلك فهو داخل في قوله تعالى : [ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ] " النساء 116 " وقوله تعالى : [ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ] " الفرقان 23" ، وقوله تعالى : [ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ] " الكهف 104" ، لأنهم خالفوا ما خلقوا من أجله وهو عبادة الله وحده لا شريك له .
فاجتماع الناس لإحياء ليلة المولد وقراءة قصته صلى الله عليه وسلم بدعة محدثة منكرة في دين الله عز وجل ، ومن أباطيلهم وكذبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر هذه المجالس ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد توفي وغسل وكفن وصلي عليه صلاة الجنازة ودفن كغيره ، وهو أول من يبعث يوم القيامة من قبره .
ومن البدع المنكرة التي يجب إنكارها ، الاحتفال بالنصف من شعبان ، وعيد الميلاد ، وبلوغ الشخص 21سنة وعيد الأم وغير ذلك من البدع التي أحدثها أعداء الله ليشوشوا على المسلمين عقيدتهم ويبعدوهم عن دينهم فيقعوا فريسة لأهواء الأعداء ، فأين أفئدتهم وأبصارهم .
فقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم ، عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شئ تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شئ من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير فلو كان الاحتفال بمولده مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح الناس ، وقد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ، ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } ( مسلم ) وقال تعالى : [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ] " الأحزاب 21" وقال تعالى : [ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ] " التوبة 100 " .
وقال صلى الله عليه وسلم : { إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين } . فلو كان تعظيم هذا المولد والاحتفال به من دين الله ، لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه ، فلما لم يقع شئ من ذلك ، عُلم أن الاحتفال بهذا المولد وتعظيمه ليس من الإسلام في شئ فهو بدعة منكرة في دين الله عز وجل ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم يأذن بها الله تعالى ، فقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على عباده : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ] " المائدة 3 " ، وقال تعالى : [ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم } " الشورى 21 ".
وقال صلى الله عليه وسلم : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } ( مسلم ) وفي صحيح مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : { أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } وزاد النسائي بسند جيد : { وكل ضلالة في النار } . وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع ، فأوصنا : { أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة } ( أحمد وغيره ) .
فلقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والسلف الصالح التحذير من البدع ، والترهيب منها ، وذلك لأنها زيادة في دين الله عز وجل ، وفي البدع تشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم وابتداعهم في دينهم زيادة لم يأذن بها الله ، ففي ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع ما لا يعلم إلا به الله .
وفي تلك البدع والاحتفالات مصادمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالعلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يجنبنا البدع الظاهرة والباطنة ، وأن يتم علينا نعمة الدين المستقيم ، دين الإسلام الحنيف ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، نبينا محمد الأمين .