اطبع هذه الصفحة


فاحشة الزنا

   

يحيى بن موسى الزهراني

 
المقدمة

الحمد لله فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، القوي الجبار ، شديد العقاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب الأرباب ، ومسبب الأسباب ، وقاهر الصلاب ، وخالق خلقه من تراب ، قاصم الجبابرة ، وقاهر الفراعنة ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد ، ليبين لهم الحلال والحرام ، وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه . . . أما بعد :
قلا شك أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته سبحانه ، ولا يمكن ذلك إلا باتباع أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، واجتناب النواهي ، والبعد عن المحرمات ، والحذر من الكبائر ، فكل ذلك من السبل الموصلة إلى رضوان الله عز وجل ومن ثم يقر العبد بمغفرة ربه له ورحمته إياه ، ثم ينال بعد ذلك ما كان يصبو إليه العبد من دخول الجنة والنجاة من النار ، فمن أراد الجنة والفوز بها فطريقها واضح معلوم ، وكذلك النار والنجاة منها أيضاً واصح معلوم ، لا يغفل عنهما إلا حيوان لا عقل له أو من تشبه به من بني البشر ، فالله تعالى بحكمته البالغة ، وعلمه الذي وسع كل شيء بين للناس طريقي الخير والشر ، فقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } ( الإنسان 3 ) ، وقال عز وجل : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ( البلد ) ، فيجب على العبد وجوباً أن يحكم عقله ويعمل رأيه في ذلك لاختيار الطريق الذي يوصله إلى مرضاة ربه وبالتالي إلى جنة عرضها السموات والأرض . ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بكلام واضح لا يحتاج معه المرء إلى تفسير أو توضيح وذلك في بيان طريقي الخير والشر وأن الجنة والنار قد حفت كل منهما بما يناسبها وبما يدعو العبد للعمل به ليدخل الجنة وبما يحذر منه فيجتنب النار فقال عليه الصلاة والسلام : [ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ] ( انظر صحيح الجامع 3147 ) ، فمن هذا المنطلق وجب على العبد أن يسعى في هذه الدنيا جاهداً كادحاً لإرضاء ربه ونبذ ما سواه من الشهوات والكبائر ، فاتباع الهوى سبب لوقوع العبد في المعصية وقد يزين له الشيطان هذه المعصية فيألفها العبد فيتخبط في المعاصي ويرتكب الكبائر غير مراع لما قد يحصل له من سوء الخاتمة عند إصراره على المعصية ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) . قال ابن حجر الهيتمي : [ اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة ، وقالوا بل سائر المعاصي كبائر . . . وإنما يقال لبعضها : صغيرة وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، وقال جمهور العلماء : أ، المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى ، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية وكرهوا تسمية معصية الله صغيرة ] انتهى .
وقال الذهبي : الكبيرة : ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن اله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } ( النساء31 ) ، وقال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } ( النجم32 ) ] انتهى .
فالذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع الهام والخطير جداً ما يراه كل منصف ، وطالب للحق ، من اقتراف كثير من المسلمين لكبيرتين هما من أكبر الكبائر والعياذ بالله ، وذلك جهلاً منهم ، بل عناداً منهم ، وعدم تقبل لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاندفع أولئك الناس كالذئاب البرية المتوحشة ، يفتك بعضهم ببعض من أجل إشباع غريزة ما تلبث أن تُنسى لذتها وتَبقى تبعتها ، ويُقاسى عذابها عاجلاً أو آجلاً ، فلقد تهافت بعض ضعاف العقول والنفوس ، وقليلي الدين ، وقاصري التفكير على هاتين الفاحشتين العظيمتين : فاحشة الزنا وفاحشة اللواط ، أعاذ الله المسلمين من شرهما وعاقبتهما .
وخوفاً على مرتكبيها وشفقة بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم فيصبحوا على ما فعلوا بأنفسهم نادمين ، وأيضاً من واجب النصح والتناصح بين المسلمين ، وحق الأخوة بين المؤمنين ، بسبب ذلك أردت أن أذكر وأنصح إخواني المسلمين ممن استزلهم الشيطان وأوقعهم في حبائله ، وأوردهم شباكه ، أن أنصحهم وأعظهم محذراً من شرور تلك الفاحشتين وأليم عقابهما ، وآمراً لهم بالمعروف ، وناهياً لهم عن المنكر ، ومتعاوناً وإياهم على البر والتقوى ، ومبتعداً وإياهم عن الإثم والعدوان .
فأسأل الله جلت قدرته أن يكتب لي التوفيق والسداد والعون والإعانة ، وأن يجعل التوفيق حليفي ، وأن ييسر لي أمري ويحلل عقدة من لساني ويسدد قلمي ورأي وخواطري نحو هذا الموضوع ، كما أسأله سبحانه أن يهيئ له قلوباً صاغية وعقولاً واعية ونفوساً مطمئنة إنه نعم المولى ونعم النصير ، وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل ، وحان أوان الشروع في المقصود .
فأقول وبالله التوفيق :

فاحشة الزنا

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأوجدهم لغاية سامية ، واستخلفهم في الأرض لأمر عظيم ألا وهو عبادته وحده سبحانه دون سواه ، وأن يُطاع أبداً ، ولا يُعصى أبداً ، ولهذا قال تعالى : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] ( الذاريات 56 ) ، ولقد فرط كثير من المسلمين بأوامر الله عزوجل ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل وارتكبوا مانهوا عنه فاستحلوا ما حرم الله عليهم من المعاصي والفواحش بلا خوف ولا حياء حتى غطى الران قلوبهم واستحقوا غضب الله ومقته .
ولقد قرن الله سبحانه وتعالى الشرك والزنا واللواط بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب ، وإن كانت جميع الذنوب تشتمل على ذلك ، لكن الله عزوجل خص هذه الذنوب الثلاثة لغلظها وقباحة فاعلها ومرتكبها عند الله تعالى وشناعة وبشاعة فعلها ، واستقذار ممارسيها عند الله تعالى ، وعند عباده ، لما فيها من تعد لحدود الله ، وعدم مبالاة بأوامره سبحانه وأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام ، فقال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ( التوبة 28 ) ، وقال في حق اللواط : { ولوطاً أتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } ( الأنبياء 74 ) ، وأما الزناة فجاء وصفهم صريحاً فقال تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } ( النور26 ) .
قال بن القيم رحمه الله تعالى : [ والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً ، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر ، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً كان منها أبعد ، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ] .
وقال بن حجر رحمه الله : [ لقد عد العلماء الزنا من الكبائر ، وبعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار ، أو بذات الرحم ، أو بأجنبية في شهر رمضان ، أو البلد الحرام ، فاحشة مشينة ] .
ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا ، وجميع الدوافع الدافعة إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ] ( النسائي وغيره ) ، وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الاختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة ، فقال : [ إياكم والدخول على النساء ] ، فذكر له رجل ، فقال : أرأيت الحمو يارسول الله ، فقال : [ الحمو الموت ] ، أو كما جاء في الحديث ، فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : { وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب } ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ( الأحزاب 53 ) ، وحرم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للإنجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات ، فقال تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو أباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نساءهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورا النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( النور31 ) ، ثم أمر المولى جلت قدرته عباده الذين لا ستطيعون النكاح ولا يجدون له طريقاً ومسلكاً ، أمرهم بالعفة إلى أن يكتب الله لهم ذلك ، فقال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } ( النور 33 ) .
وحذر الله تعالى عباده من كل ما من شأنه أن يكون ذريعة إلى فعل فاحشة الزنا ، من الستر وعدم الاختلاط بين الرجال والنساء ، وعدم التكسر في كلام النساء مع الرجال ، وعدم خروج المرأة من بيتها بغير محرم لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ، فيه فساد هذه الأمة ، وجاء الخطاب صريحاً لأمهات المؤمنين ، وقصد به نساء الأمة أجمعين ، فقال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } ( الأحزاب 32/33 ) .
ومع ذلك كله فقد استهان كثير من الناس اليوم بكثير من المحرمات حتى أصبحت لديهم كأنها من المأمورات ، فاختلط الحلال بالحرام عند تلك الفئة من الناس ، فأضحوا لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، ومن هذه الفواحش التي لعب الشيطان بعقول مرتكبيها فاحشة ( الزنا ) ، وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع الهام والفاحشة العظيمة التي حرمها الإسلام ، ويمقتها أصحاب العقول والإلمام ، ويأباها صاحب الدين والخلق ، بل ترفضها البهائم العجماوات ، ولا تقبلها على ما فيها من فقد للعقول والأفهام ، قال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق . . . } ( الأعراف 33 ) ، وقال تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن } ( الأنعام 151 ) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ، من أجل ذلك مدح نفسه ، وليس أحد أغير من الله عز وجل ، من أجل ذلك حرم الفواحش ، وليس أحد أحب إليه العذر من الله عز وجل ، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ] ( مسلم ) .
ومن هذه الفواحش الزنا ، والزنا من أبشع الفواحش التي حرمها الله جل وعلا وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمعت الأمة قاطبة على تحريمه ، وهو من أقبح المعاصي والذنوب على الإطلاق ، ومن أعظم الجرائم ومن كبائر الذنوب والمعاصي ، لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتآلف والتعاون على الحق وفيه هلاك الحرث والنسل ، لأنه اشتمل على هذه الآثار القبيحة ، والنتائج السيئة ، ورتب الله عليه حداً صارماً وقاسياً ، وهو رجم الزاني بالحجارة حتى الموت إن كان متزوجاً ، والجلد والتغريب إن لم يكن متزوجاً ، ليحصل بذلك الارتداع والابتعاد عن هذه الفاحشة القبيحة ، والزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، قال صلى الله عليه وسلم : [ اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ] ( أحمد في صحيح الجامع برقم 146 ) .
وهو محرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة الذي نقله كثير من أهل العلم ، قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء 32 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ] ( قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ) .
فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية ، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة ، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية ، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم ، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات ، وتفكك الأسر ، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا ، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية ، ولذاته الجنسية ، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط ، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم . فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان ، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح ، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض ، كيف سيكون المصير ؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب ، فالله يمهل للظالم ولا يهمله ، وإذا أخذه لم يُفلته ، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود102 ) ، فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب ، ومن ينفع إذا جاء الموت ، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم ، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ ويرد عليهم الشيطان في قول الله تعالى : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب } ( الأنفال 48 ) ، ويقول جل وعلا : { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } ( إبراهيم 22 ) ، ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة والزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ، يقول تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ( الأنعام 61/62 ) ، وقال تقدس في علاه : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون 106/107 ) . إن هناك من العذاب مالا تطيقة الجبال الراسيات ، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً ، أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله ، ويصبروا عن معاص الله ، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه وأوجد لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام طريقاً ومسلكاً يتبعه من لايستطيع الباءة والقدرة على الزواج من البنين والبنات ، فبين نبي الرحمة والهدى معالم الدين الحنيف لكافة الأمة ، كيف لا ؟ وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ( التوبة 128 ) ، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين الطريق الأمثل لمن لم يستطع الزواج والقدرة عليه بقوله عليه الصلاة والسلام : [ يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ] ( البخاري ) ، ثم ماذا بعد الموت ؟ أين مصير الزناة والزواني ؟ يقول تعالى :{ ومن وراءهم برزخُ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، البرزخ كما قلنا هو حياة القبر ، فماذا سيكون مصيرهم هناك ، إنه تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق يوضع فيه الزناة والزواني ويأتيهم العذاب والنار من تحتهم وهم يصرخون ويصيحون ، فمن ينصرهم في ذلك الموقف العسير ؟ فلا إله إلا الله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله . اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ثم كيف بالزناة والزواني يخشون الناس ولايخشون الله ، ويستحيون من الناس ولايستحيون من الله ، ويستخفون من الناس ولايستخفون من الله . فتراهم يهربون إلى أماكن بعيدة حتى لا يراهم أحد من الناس ، ونسوا بل تناسوا أن الله يراهم وينظر إليهم في تلك اللحظات المشينة ، قال تعالى : { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً } ( النساء 108 ) ، وقال تعالى : { أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ( التوبة 13 ) .
ولكنه اتباع الهوى والشهوات ، والبعد عن خالق الأرض والسموات ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) ، وغي هذا هو واد في جهنم بعيد قعره ، فيه من ألوان العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نسي أولئك أنهم سيعودون إلى الله سبحانه وتعالى فيجازيهم بأعمالهم ، قال المولى جل وعلا : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون 115 ) ، وأنه سيذكرهم ويقررهم بما عملوا ، فإن نسوا هم فإن الله لاينسى ، قال تعالى :{ في كتاب لايضل ربي ولا ينسى } ( طه52 ) ، نسوا أن الله سيسجل عليهم ذلك ويجدونه في صحائف أعمالهم ، وقال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً } ( الكهف49 ) ، وقال تعالى :{ يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد } ( المجادلة6 ) .
والآيات الدالة على البعث والحساب كثيرة وأن هؤلاء العصاة والبغاة سيعودون إلى الله ويحاسبون على أعمالهم الشنيعة التي أغضبت المولى جل وعلا ، وسيحاسبون على أفعالهم القبيحة التي لا يرضى عنها حتى من لا يؤمن بالله ، فالطباع السليمة لا ترضى مثل هذه الفاحشة التي توجب غضب الله وعقابه وسخطه ومقته ، وعندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يشركن بالله شيئاً ولايسرقن ولا يزنين ، قالت هند بنت عتبة : أوَ تزني الحُرة ؟ ما كان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يصدقن أن الحرة تزني ، ما كن يعرفن الزنا ، لأنه لم يكن موجوداً عند أهل الإيمان والتقوى ، فصاحب الزنا يشعر بأنه من أفسق الناس ومن أفجرهم ومن أجرم الناس على الإطلاق ، فهو أيضاً يُحس بوحشة وضيق في صدره من شناعة الجُرم والفاحشة التي قام بها فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه من قُبح ما فعل ، فإذا فعل فعلته التي فعل ، وانتهى من جرمه الذي عمل ، ضاق صدره وتألم قلبه لسوء فعلته ، وخساسة عمله فيُحس بقذارة ما فعل من فاحشة ( الزنا ) ويتمنى لو أنه لم يفعلها فيريد التوبة والعودة والإنابة إلى الله سبحانه ، والإقلاع عن تلك المعصية ، ولكن يأتيه الشيطان فيهون عليه تلك المعاصي والآثام ، ويُطمئِنُ قلبه بفعل تلك الذنوب العظام ، والكبائر الجسام ، والموبقات المهلكات ، فيهلكه بفعلها ويغرقه في لجج المعاصي والآثام فيقع فريسة سهلة للشيطان ، فتضيق عليه معيشته ويصبح كثير الشكوك وافر الظنون ، لأنه يخاف أن يفعل الناس بأهله الفاحشة كما يفعلها هو بمحارم الناس ( فكما تدين تدان ) ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من وقاه الله شر ما بين لحييه ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة ] ( السلسلة الصحيحة برقم 509 ) فصاحب الزنا يعيش بصير العين أعمى القلب ، ومن عمي قلبه فحياته فيها من التعاسة الشيء الكثير ، فهو خائف وقلق وفزع من هول تلك المعصية فيخاف من العقوبة في الدنيا ، أما الآخرة فقد نسيها ونسي الخالق سبحانه فالله سوف ينساه لأنه ماعرف لله حقاً ، وما ترك لله حداً ، فالجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : { نسوا الله فنسيهم } ( التوبة 67 ) ، وقال تعالى : { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } ( المجادلة 19 ) .

أدلة تحريم الزنا :

أولاً : من الكتاب :
قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء32 ) ، وقال تعالى :{ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً } ( الفرقان68/69 ) ، وقال تعالى :{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذ كم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( النور2 ) ، ومما أنزله الله تعالى ثم نُسخ لفظاَ وبقي حُكماَ قوله تعالى :{ والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم } ورد ذلك في الحديث المتفق عليه ، ومعنى الشيخ والشيخة أي (الثيب والثيبة) ، وقال تعالى :{ الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحُرم ذلك على المؤمنين } ( النور3 ) ، وقال الإمام الفخر الرازي من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لايرغب في الزواج منه النساء الصوالح ، ولا يرغب هو في ذلك ، وإنما يرغب في نكاح فاسقة مثله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة لايرغب في نكاحها الرجال الصلحاء وينفرون منها ، ويتنحون عنها ، ولا يرغب فيها إلا من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، ومن أدلة تحريم الزنا قوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ( الأنعام151 ) ، وقال تعالى : { الخبيثت للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور26 ) ، فصاحب الزنا خبيث وصاحبة الزنا خبيثة والخبيث للخبيثة ، أما الطاهرون من هذه الفاحشة الشنيعة فهم الطيبون والطيبات فهؤلاء لبعضهم البعض ، هؤلاء من التزموا أوامر اله تعالى ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم فهم الفائزون المفلحون بإذن ربهم ، لتمسكهم بتعاليم دينهم وعدم العدول عنه قيد أنملة ، فهنيئاً لهم . وتعساً لمن رضي الزنا والهوى ديناً ومسلكاً وطريقاً .

ثانياً : من السنة :
في الزنا إماتة في قلب الزاني والزانية لروح الإيمان والتقوى والخوف من الجبار سبحانه ، ولا يقبل فاحشة الزنا ذو عقل أو همة أو من في قلبه غيرة .
قال صلى الله عليه وسلم : [ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم واحمد وغيرهما ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] ( متفق عليه ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ثلاثة لايكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابُ أليم : شيخٌ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ] (مسلم وأحمد والنسائي) ، وقال صلى الله عليه وسلم :[ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] (متفق عليه) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب ذكر منها : [ أن تزاني بحليلة جارك ] ( متفق عليه ) ، وحليلة جارك يعني زوجة جارك .
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إياكم والزنا ، فإن في الزنا ست خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة . فأما اللواتي في الدنيا : فذهاب نور الوجه ، وانقطاع الرزق ، وسرعة الفناء . وأما اللواتي في الآخرة : فغضب الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ، إلا أن يشاء الله ] ( رواته ثقات وفيه انقطاع) .

ثالثاً : الإجماع :
أجمعت الأمة الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أجمعت الأمة على تحريم الزنا وأن الزاني يُرجم إن كان محصناً ، ويجلد ويُغرب إن كان غير محصن ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ورجم الغامد ية ورجم التي زنا بها العسيف ( الأجير ) ورجم اليهوديين ، ثم بعد موته عليه الصلاة والسلام ، رجم الصحابة من زنا في عهدهم رضي الله عنهم أجمعين ، وتلقى الناس هذا الحكم وعملوا به إلى يومنا هذا في كل بلد تطبق أحكام الإسلام . (مجلة البحوث الإسلاميةج8 ) .
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه ، فلم يحل في ملة قط . ولو أحل في ملة ما لكان ذلك مشاهداً عياناً بياناً ، ولعلم ذلك لارتكاب مستحليه علانية وجهراً لا خفية وسراً ، ولكن لما لم يحدث ذلك ولم ينقل عن أهل ملة من تلك الملل عُلم بذلك تحريمه في جميع الملل . ولذا كان حده أشد الحدود ، لأنه جناية على الأعراض والأنساب . وهو من جملة الكليات الخمس ، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال التي حرم الإسلام التعرض لها ، وجاء التحريم أيضاً في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع عندما حرم الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين ، وأوضح عليه الصلاة والسلام أنها حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في عامكم هذا .

عقوبة الزنا :

أولاً : في الدنيا :
عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره ، وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها ( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح إسناده ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن ماجة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم وغيره ) .

كيفية الجلد :
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه .
ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .

كيفية الرجم :
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) .
فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) . أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .

ثانياً : في القبر :
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : [ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ] وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ .
فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟

ثالثاً : في الآخرة :
قال صلى الله عليه وسلم :[ ثلاثة لايكلمهم الله ولاينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : وذكر منهم : شيخ زان ] ( مسلم وأحمد والنسائي ) .
فمن لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ، فمن ينظر في حاجته يوم القيامة ، فياله من موقف عصيب وشديد ، موقف وضع الزناة والزواني أنفسهم فيه بمحض إرادتهم ، فمن لم ينظر الله إليه فعاقبته وخيمة ، وخاتمته سيئة ، ومن لم ينظر الله إليه فأين مصيره وأين قراره ؟ هل هو في أعلى عليين ؟ أم في أسفل سافلين ؟ وهل يستوي هؤلاء العصاة مع من امتثل أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { أفمن يُلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } ( فصلت 40 ) . وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( يونس 26/27 ) .
فالعاصي هو الأعمى يوم القيامة ، وأما المبصر السامع فهو الطائع المتقي ، الخائف الوجل ، فهذا يمشي بنور الله عزوجل في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة له الأمن من ربه سبحانه ، قال تعالى : { أوَمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ( الأنعام 122 ) .
وقال تعالى : [ الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ( الأنعام 82 ) .
وقال تعالى في شأن العُصاة العُمي يوم القيامة : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى } ( طه124/125/126 ) ، فهؤلاء نسوا الله ، نسوا أوامر الله عز وجل عصوا الله في الخلوة ما تذكروا الله في الرخاء ، فنسيهم وهم في أشد الحاجة إليه سبحانه تخلى الله عنهم لأنهم ما عرفوا لله طريقاً ، ما قدروا لله حقاً ، فالله سوف ينساهم في ذلك اليوم ، الذي يشيب فيه المولود ، ذلك اليوم الذي يفر فيه المرء من أمه وأبيه وأخيه وصاحبته وبنيه ، ولا يتذكر إلا نفسه ، يحتاج إلى حسنة فلا يجدها ، فأولئك العصاة من الزواني والزناة ، لم يتذكروا أن ورائهم موت وسكرة ، وقبر ووحشة ، ومنزل ووحدة ، ونار تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى ، فيالها من خسارة فادحة ، وندامة وأي ندامة .
أما من أطاعوا الله جل وعلا ، الذين اتقوا ربهم في السر والعلانية ، فلهم الجنات بإذن الله رب الأرض والسموات .
ولذلك ترتب على فعل فاحشة ( الزنا ) تلك العقوبة الصارمة في الحياة الدنيا ، والقبر ، والآخرة .

أسباب الزنا :

1- الاختلاط : ويحدث هذا كثيراً في المستشفيات والأسواق والملاهي والحدائق العامة وغيرها.
وما دعوة أعداء الملة والدين للتبرج والاختلاط إلا لحقدهم الدفين على المسلمين لتمسكهم بدينهم القويم ، الذي هداهم إلى الصراط المستقيم ، ولهذا قال الله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير } ( البقرة 120 ) .
ولقد جاءت فتاوى العلماء المصلحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر جاءت موافقة لما جاء به كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من تحريم الاختلاط والتبرج والسفور ، فما انتشرت تلك الفواحش في كثير من المجتمعات إلى لبعدها عن منهج الله القويم ، ولتحليلها ما حرم الله ، ولاتباعهم دعاة الفساد ، ومن هم من المسلمين وعالة على العباد ، فضلوا وأضلوا كثيراً .
قال صلى الله عليه وسلم : [ لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجاً أو ذا محرم ] ( مسلم )
وفتنة النظر إلى النساء الأجنبيات فتنة عظيمة لما تسببه من تعلق الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، فليحذر المسلمون من الوقوع في الزنا أو دواعيه لأن الأسباب مفضية إلى عواقب وخيمة وأخطار جسيمة .
وليحذر المسلمون من التمادي في الغي والباطل في السلام على النساء القريبات اللاتي لا يحللن لهم أو مصافحتهم ، فهذه هي الفتنة والمصيبة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إني لا أصافح النساء ] ، وقالت عائشة رضي الله عنها : [ والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايع النساء إلا بالكلام ] ، هكذا كان التوجيه النبوي الشريف لعامة الأمة دون تخصيص ، فمن أين أتى العلماء الذين يفتون في وسائل الإعلام الهابطة بجواز النظر والتبرج والاختلاط ؟ من أين استقوا تلك العلوم ؟ ومن أين جاءوا بتلك المعارف ؟ والدين كامل ولله الحمد والمنة : { فليحذر الذين يخافون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ( النور 63 ) ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحجز صفوف الرجال عن النساء في الصلاة وهي عبادة بل أهم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه ، فقال عليه الصلاة والسلام : [ خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ] وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف ، فعجباً لمن يريدون ويؤيدون الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات ، ويا أسفاه على من يرضى بأن يجلس أجنبي بجانب قريبته ، أين الغيرة ؟ أين الخوف من الله ؟ والله لا يرضى بذلك إلا الديوث ، وهو الذي يقر فعل الفاحشة في محارمه ، عياذاً بالله من ذلك .
فالحذر الحذر من دعاة المدنية والتقدم الحضاري الزائف ، الذي يقوده من لادين لهم ولا خلق ، الذين لا همّ لهم إلا إخراج المرأة المسلمة من حياءها وحشمتها ، وخلع حجابها وعفتها ، وإبعادها عن دينها وعقيدتها حتى تكون فريسة لأهوائهم وشهواتهم ونزواتهم .
وفيما سبق ذكره من الأدلة خير دليل وأفضل شاهد على منع كل ما يفضي إلى ( الزنا ) فلتراجع للفائدة .

2- غلاء المهور : فبعض الأولياء جعلوا بناتهم سلعاً تُباع وتُشترى ، فمن يُعطي فيها أكثر هو الفائز بها ، والحائز لها . أما صاحبة الشأن التي ستمضي بقية عمرها مع زوجها فلا رأي لها عند جهلة الناس وظلمتهم ، لا لشيء ؟ ولكن لحب المال والجاه . وما يدريك أيها الأب الكريم يارعاك الله أن ذلك الخاطب الذي لا يملك العقارات والسيارت والفلل والعمارات أنه عند الله خير من ذلك الغني المستكفي ، وما يدريك أن سعادة ابنتك مع من لا يملك الكثير خير من حياتها مع من يملك الكثير ، واسمع قول الله عز وجل إذ يقول : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } ( النور 32 ) ، ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أخذ إذن البنت في الزوج وعدم جبرها وقهرها على من لا ترغبه ولا تريده ، فقال عليه الصلاة والسلام : [ لا تنكح البكر حتى تستأذن ] ( البخاري ومسلم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ البكر يستأذنها أبوها ] ( مسلم ) ، وعلى هذا لا يجوز للأب إكراه ابنته على الزواج بمن لا تريده ولو كان كفأ ، وقد جاءت فتاوى العلماء موافقة لذلك ، فقال الشيخ محمد بن عثيمين في فتاواه ما نصه : [ وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته للزواج برجل لا تريد الزواج منه يكون محرماً ، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه النهي ، وما نهى الشارع عنه ، فإنه يريد من الأمة ألا تتلبس به أو تفعله ، وعلى هذا فالقول الراجح يكون هذا الزواج فاسداً والعقد فاسد يجب النظر في ذلك من قبل المحكمة ] انتهى . ومن المعلوم أن رضى الزوجين شرط لصحة النكاح ، فمن زوج وليته بغير إذنها فالزواج باطل غير صحيح .
فكم هم الذين ندموا حين أجبروا بناتهم بالزواج ممن لا يرضونهن ولكن لا ينفع الندم بعدما حصل ما حصل ، فتصبح المسكينة رهينة غرفتها بعد طلاقها وقد لا يلتفت إليها أحد ، فتقع في مصيبة كان أهلها في معزل عنها .

3- حُجة إكمال الدراسة أو التدريس : فمن الفتيات من يتحججن بحجة إكمال الدراسة ، بل إن بعضهن يبقى قابعة في فصل واحد عدة سنوات حتى يفوتها قطار الزواج ، فتجد نفسها وقد بلغت من الكبر عتياً فلم يعد يلتفت إليها أحد لكبر سنها ، فتقع فيما لا تُحمد عُقباه . وكذلك لا يمتنع الفتاة بسبب انشغالها بالتدريس أو لجمع بعض المال من وظيفتها حتى يفوتها سن الزواج الذي يرغب فيه الشباب ثم تطلب الزواج فلا يقبل إليها إلا من يريد نقودها وما جمعته خلال تلك السنين العجاف ، فتعيش زوجاً أو عازباً حياة نكدة مليئة بالمنغصات ، فلا تعرف للحياة طعماً ولا للراحة سبيلا ولا للسعادة وجوداً . أختي الكريمة !! إذا أتاك خاطباً كفأ فاقبلي به لعل أن يديم السعادة بينكما ، ويرزقكما ذرية صالحة .

4- أصدقاء السوء : اختر أيها الأب لأبنائك من الأصدقاء من يكون عوناً لهم على طاعة الله ورسوله ، وحذرهم من أصدقاء الشر والسوء ، وإذا أردت أن تعرف أخلاق ابنك فسأل عن قرينه وصاحبه فالجواب هناك .

5- الوسائل المعينة على الزنا : وهذه النقطة هي محور هام ينبغي لجميع أولياء الأمور التنبه لها ، فها هي البيوت قد اكتست حُلة من السواد والظلمة فوق أسطحها بما يسمى ( بالدش ) ، فهو الآن أساس كل بلاء وشر ونقمة ، وفساد وفتنة ، فهو والله يدعوا إلى الرذيلة والعهر والجريمة ، والفسوق والأعمال المشينة ، وقد يعرض في بعض برامجه ما يدعوا إلى الكفر والإشراك بالله تعالى ـ فلاحول ولاقوة إلابالله ـ فسبحان الله العظيم ، كيف يعرف أولئك المسلمون أن هذا شر وبلاء وفتنة ومع ذلك يدخلونه إلى بيوتهم أما علموا أنهم سيُسألون عن هذه الأمانة التي بين أيديهم من الأولاد والنساء ، قال صلى الله عليه وسلم : [ ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأب راع ومسؤول عن رعيته ] ( متفق عليه ) ، ومن الوسائل المعينة على فعل فاحشة الزنا ، جهاز ( الفيديو ) ، ( والتليفون ) ، إذا أساء الناس استخدامها فستكون من الوسائل الهدامة بلا شك ، ومن الأسباب أيضاً ( المجلات الخليعة ) ، ثم عمت البلوى وانتشرت اللأوى ، وصاحت البيوت بالآهات ، ودعت بالويلات بسبب ما يسمى ( بالإنترنت ) فاحذروا أيها الشباب واحذرن أيتها الشابات من الوقوع فريسة لمخططات أعداء الإسلام فلا تكونوا معاول عدم لأمتكم ، بل كونوا أداة بناء فعالة ترجوا الخير لأمتها .

6
- الغناء : فقد قيل أن الغناء بريد الزنا ، وهو من الأسباب الرئيسة لوقوع صاحبه في الفاحشة ، وهو محرم بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة .

وإليك أيها القارئ الكريم أدلة تحريم الغناء :
قال تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث لضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ( لقمان 6 ) ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً ، وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه .
وقال تعالى : { وأنتم سامدون } ( النجم 61 ) ، ومعناه الغناء ، واسمدي لنا : أي غني لنا .
وقال تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ( الإسراء 64 ) ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث لضل عن سبيل الله } إلى آخر الآية . ( الصحيحة رقم 2922 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : [ صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ، ورنة عند مصيبة لطم حدود وشق جيوب ] ( القرطبي وصححه محققه وقال أخرجه الترمذي والبزار والمنذري في الترغيب والترهيب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) ] ( البخاري ) .
وأقوال العلماء في ذلك معلومة مستفيضة .

7- وهناك وسائل أخرى كثيرة تدعوا إلى الشر والفاحشة . فانتبهوا أيها المسلون من عقوبة جبار السموات والأرض ، واحذروا من عذاب شديد العقاب ، واحذروا أن تهلككم الفواحش ثم بعد ذلك لاينفع الندم ، فالحذر الحذر من هذه الأجهزة الهدامة والمدمرة ، التي في ظاهرها النفع والفائدة ، وفي باطنها الضر والسم الزعاف .

8- التبرج والسفور : إذ كيف برجل يرى امرأة كاشفة الوجه واليدين والرجلين وحاسرة الرأس كاسية عارية تجوب الشوارع والأسواق بلا محرم ، ألا يطمع فيها من كان في قلبه مرض ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ صنفان من أهل النار لم أرهما : نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ] ، قال سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في شرح الحديث السابق : ( وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور ، ولبس الرقيق والقصير من الثياب ، والميل عن الحق والعفة ، وإمالة الناس إلى الفاحشة والباطل ) انتهى كلامه يرحمه الله .

9- الخضوع والتكسر في الكلام : فيوجد بعض النساء من تتكسر وتتميع في الكلام مع الرجال ولاسيما أصحاب المحلات التجارية ، ومنهن من تكثر من الضحك سواءً في التليفون أو مع بعض المحارم أو غيرهم مما قد يوقع الشيطان في قلب بعض أولئك شراً وهي لاتدري نتيجة هذا الضحك ، فانتبهي لذلك أيتها المسلمة .

10- التصوير بشتى أنواعه ووسائله : فعلى الرغم من التحريم والوعيد الشديد للمصورين ، فهو أداة يستخدمها مرضى العقول والقلوب ، عبيد الشهوة واللذة ، يستخدمونها لإرغام الضحية والتي قبلت بالتصوير لتهديدها وعمل الفاحشة بها ، ثم يتركونها ملطخة بثوب العار والفضيحة ، عندها لا ينفع الندم . والعتاب موجه للأولياء إذ كيف تسمح لمن هي تحت ولايتك أن تذهب إلى أي اجتماع تعرف أن فيه منكراً ومحرماً خصوصاً أنواع التصوير أو الاختلاط ، فإن رضيت بذلك ولا أظنك ترضى فأنت رضيت بفعل الفاحشة في أهلك ، فأنت ديوث ، والجنة حرام على الديوث ، وسيبقى عار ذلك الفعل في وجهك وأهل بيتك أينما ذهبت وأينما غدوت ، فقد تهدد زوجتك أو ابنتك أو أختك أو قريبتك ، وخوفاً منها ألا تنتشر صورها ترضى بما لم يقبله إنسان ، وإذا افتضح أمرها بحثت عن ستر تسترها به ، وعن سبب ذلك . فاقبل النصيحة واحفظ أهلك وعارك وشرفك ، وعش في بيتك قرير العين مستقر القلب ، وإياك ثم إياك من مجتمعات يسودها التصوير والضحك بين النساء والرجال .

11- كتابة الرسائل الغرامية : فهي من وسائل الضغط والتهديد ، التي يستخدمها ضعاف النفوس ، وعباد الشهوات للوصول إلى بغيتهم ومطلبهم المحرم ، ولو أن الفتاة حينما أخطأت تابت إلى الله عز وجل وعادت وأنابت إلى غافر الذنب ، لجعل الله لها من كل ضيقاً مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ولجعل لها من أمرها يسراً .
أقول : لو حصل منها ما حصل من غواية شيطانية ، وأعطت الرسائل الغرامية فليس معنى هذا أنها تقع ضحية تلك الرسائل ، بل مع توبتها الصادقة تخبر أقرب من يكون إلى فهمها من محارمها حتى تصل إلى حل لتلك المشكلة التي وقعت فيها ، لحصل بإذن الله تعالى العلاج والحل لتلك المشكلة ، أو تستعين بمن يساعدها في ذلك الأمر ، ولكن لا ترضخ للتهديدات والتخويفات من لدن أولئك العصاة المجرمون ، لو احتاج الأمر لأن تخبر والديها بذلك حتى تنقذ نفسها من براثن السفلة الفسقة عشاق الهوى واللذة ، ولا تكون صيداً سهلاً ، فبدل أن تنقذ نفسها من مشكلة قد تبدوا بسيطة ولكنها مصيبة كبيرة ، تقع فيما هو أصعب وأقبح .
فاحذري أيتها الفتاة تلك الرسائل الغرامية القاتلة للعفة والشرف .

12- امتناع بعض الزوجات من فرش أزواجهن : مما قد يقع معه ضعاف الدين في فخاخ الفاحشة والرذيلة ، فأقول للمرأة : اتقي الله في زوجك ولا تكوني داعية له إلا فعل الزنا ، وكوني عوناً له على إحصان فرجه ، وإليك قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشها فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ] ( متفق عليه ) ، وفي رواية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ] .

13- إهمال الرجال لحقوق النساء : إن من أهم حقوق للمرأة على الرجل إعطاؤها حقها في المبيت ، فبعض الرجال يهمل هذا الحق المهم بالنسبة للمرأة فتقع فريسة للأهواء والشهوات ، وتصبح صيداً سهلاً في أيدي اللاعبين بالأعراض ، فتورد نفسها وشرفها المهالك .

14- عدم القسم بين الزوجات : وهذه النقطة تخص التعدد ، فالبعض ممن لديه أكثر من امرأة تراه عابثاً لا عباً غير آبهٍ بما أمره الله به في قوله سبحانه : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ( النساء 3 ) ، فالبعض من الناس أصحاب التعدد لا يعدل بين زوجاته بل يميز بين هذه وتلك ولا شك أن ذلك حرام ، ولا بد من العدل بين الزوجات في المبيت الذي هو آكد حقوق الزوجة على الزوج .

15- امتناع الأولياء عن تزويج بناتهم : ويحصل ذلك غالباً عند من ركنوا إلى الدنيا واطمأنوا بها ورضوها واتخذوها وطناً وسكناً ، فمنعوا بناتهم من الزواج من أجل أكل رواتبهن إن كن عاملات ، وهذا حرام ، فلا يجوز عضل البنات ومنعهن من الزواج ، ومن فعل ذلك فعليه من الله ما يستحق من العذاب والعقوبة ، وعلى الفتاة رفع أمرها بعد الله تعالى إلى من بيده الحل والربط ، فترفع أمرها إلى المحكمة لتنظر في أمرها وتتخذ ما تراه مناسباً لها .
أختي بارك الله فيك : لا تستحيي من الحق بل اعرضي أمرك على ولاة الأمر خير لك من أن تقعي في أيدي المفسدين في الأرض فيضيع عرضك وشرفك ، ثم لا ينفع الندم .
وأنت أيها الأب الحنون : اتق الله في هذه الأمانة التي بين يديك ، فوالله إنك مرتحل من هذه الدنيا إلى حياة لا ونيس فيها ولا جليس إلا عملك ، فإن كان خيراً فاحمد الله ليل نهار ، وإن كان غير ذلك فالويل والثبور ، اتق الله في بناتك وارعهن حق الرعاية ، واحرص على تعليمهن ما ينفعهن من أمور الدين ، حتى يكن حجاباً لك من النار بإذن الله الواحد القهار ، واحذر من مغبة ظلمهن وعضلهن فيكن سبباً في دخولك النار ، فإذا بلغن سن الزواج فاحرص كل الحرص أن تنتقي لهن الأزواج الأخيار حتى تجني برهن وبر أبناءهن ، والله يرعاك ، ويسدد على الخير خطاك.

16- عدم تزويج الخاطب الكفء : فبذلك تقع مفاسد كثيرة ووخيمة بسبب عدم تزويج البنات للخاطب الكفء الذي تقوم حياته على أساس المخافة من الله تعالى ، ويعدل عن ذلك إلى الخاطب الذي يدفع في البنت المهر الكثير والمال الوفير ، أما سعادة البنت فلا قيمة لها عند بعض الأولياء ، وهذا من قلة الدين وضعف اليقين عند أولئك الأولياء ، الذين لا يريدون إلا الملايين ، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على تزويج الخاطب الكفء صاحب الخلق والأمانة والدين وقال : إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، فبتزويج البنت إلى الخاطب غير الكفء تحصل المفاسد ، وتقع البنت ضحية لتلك الزيجة الظالمة المجحفة ، التي لا أساس لها إلا حب الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، فتنتهي أغلبها إن لم يكن كلها بالطلاق ، بسبب التعدي وعدم الاحترام ، وحب الظلم والانتقام ، من ذلك الزوج الصاخب اللوام . فإلى الله المشتكى من قسوة قلوب الأولياء .

17- إثقال كاهل الشباب بالطلبات : فما إن يأتي الشاب للخطبة إلا وكأنه كنز وقع في أيدي أهل المخطوبة ، فيطمع فيه الطامعون ، ويتلقفه اللاعبون واللاهون ، مع أن المهر ملك للفتاة ولا يحل لأحد كائناً من كان أن يأخذ منه شيئاً ولو كان يسيراً إلا برضاها من غير قهر ولا إكراه ، فتأتي الطلبات من سيارات وأراض وعقارات ، وذهب ومجوهرات ، حتى ينقل الخاطب إلى المصحات من هول تلك الطلبات ، فالأب يطلب ، والأم تريد ، والاخوة ينتظرون ، والأقارب يتطلعون .
وقد ذكر لي أحد الأخوة أن أحدهم تقدم لخطبة إحدى الفتيات فكان أن قدم له ورقة طويلة عريضة أثقل من الأثقال ، وتعجز عن حملها الأفيال ، كثيرة الطلبات والتعقيدات . وشاب آخر فرض عليه الذهب فقط حوالي اثنين وتسعين ألفاً من غير بقية الشروط المطلوبة ، أهكذا حث الدين الحنيف في أمور الزواج ؟ أهكذا يكون تزويج البنات ؟
إنه والله التعقيد بذاته ، والطمع بعينه ، فالشاب ما إن يتخرج ويعمل لمدة سنة أو سنتين كي يجمع من المال ما يعف به فرجه عن الحرام ، إلا ويقابل بكثرة الطلبات وزيادة المهور ، فينحرف بسبب الطمع والجشع ، فاتقوا الله يا من بليتم أنفسكم بحب الدنيا ومتاعها الزائل ، واعلموا أنكم ستقدمون على ربكم فيسألكم عن تلك الأمانة الملقاة على عواتقكم والتي عجزت عنها الجبال الراسيات ، والأرض والسموات ، فأبين أن يحملنها خوفاً من عدم تحملها أو أداءها حق الأداء ، ثم تحملتها أنت أيها المسكين ، فاحرص أن تؤديها على أكمل وجه ، وتقوم بها خير قيام ، وإلا فالنار النار .

18- عدم نظر الخاطب إلى المخطوبة : وهذا حق من حقوق الخاطب أن يرى مخطوبته ، كيلا يقع ما لا تحمد عقباه ، فبعض الأولياء يعاند ويكابر عند هذه النقطة وكأن الشرع لم يأمر بذلك ، بل لقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن ينظر الخاطب إلى مخطوبته لأن ذلك أدعى لأن تدوم المودة والمحبة وحسن العشرة بين الزوجين ، قال صلى الله عليه وسلم : [ أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ] ( صحيح الترمذي ) .
فالنظر سبب بإذن الله تعالى لمواصلة المودة والعشرة الحسنة بين الزوجين ، أما من يمنع ذلك فقد يوقع ابنته في حرج شديد ، فقد لا تروق للزوج بعد الزواج لقلة جمالها أو لعاهة فيها أو غير ذلك من الأسباب فمن ثم يقع الطلاق ، وتحصل الفرقة بين الزوجين وتصبح هذه الفتاة حبيسة الجدران لا يرغب في نكاحها الشيب والشبان ، ثم قد يقع ما لم يكن في الحسبان ، فيكون الولي هو المتسبب في ذلك . فما أحرانا بالتمسك بالكتاب والسنة ، وما أحوجنا إليهما فمن تمسك بهما لن يضل أبداً .

19 - التساهل بلباس الصغيرات : فالتساهل بلباس الفتيات الصغيرات يُطمع من في قلبه مرض فتقع الصغيرات ضحية الموضات ، وإهمال الآباء والأمهات .

20- التشبه بنساء الكفار : ولا شك أن ذلك من الحرام مصداقاً لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : [ من تشبه بقوم فهو منهم ] ، فالعتب كل العتب يقع على أولياء أمور النساء من أزواج وآباء واخوة ومحارم .
فعندما وقر الإيمان في قلوب بعض أولئك الكفار وعكفوا على دراسة الدين الإسلامي الحنيف وتبين لهم الحق من الباطل ، بدأ نساء من آمن منهم بلباس الحجاب الكامل ، مصدقين بذلك قول الله وقول رسوله عليه الصلاة والسلام ، غير آبهين بما يدور حولهم من تشكيك في الحجاب .
وللأسف الشديد حال كثير من نساء المسلمين يبدلن شكر النعمة كفراً ، ويستبدلن الخير بالشر ، والحجاب والحياء بالسفور والبغاء ، ففسدت كثير من مجتمعات المسلمين اليوم بسبب اتباعهم للحضارة الزائفة التي لا يأخذون منها إلا مايضرهم ويتركون ما ينفعهم ، فهم كالأنعام بل هم والله أضل ، فالأم مدرسة يدرس على يديها الأبناء والبنات ، وهي راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها التي استرعاها إياها ربها سبحانه ، ثم زوجها الذي أعطها كل ثقته لتربي أولاده وبناته وفق شرع الله عز وجل من غير تقليد لأهل الكفر والشرك والإلحاد ومن اقتفى أثرهم من ضعاف النفوس من أهل هذا الدين الذين لا هم لهم إلا إخراج المرأة من دينها وحياءها ، وحجابها وحشمتها لتكون فريسة تشبع نزواتهم الغريزية ، ونزغاتهم الشيطانية .
فاحذري أيتها الأخت المباركة ، احذري بارك الله فيك ومتعك بالعقل والفهم أن تنجرفي وراء تيرات الحياة الفانية ، أو تنخدعي بمغريات الدنيا وبهرجتها ، واطلبي الحياة الباقية ، واخشي عذاب الله وعقابه ، وسخطه ومقته ، فوالله لن ينفعك من الله أحد من العالمين ، ولن ينقذك من عذاب الله إذا حل بك الإنس والشياطين .
وكوني أداة فعالة في مجتمعك ووطنك بتربيتك السليمة لأبنائك وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكوني أداة بناء واحذري أن تكوني معول هدم تهدمين دينك وشرفك ومجتمعك ، وطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، وكوني مفتاح خير لأمتك ، وانتبهي أن تكوني مفاتحاً للشر ، سدد الله على الخير خطاك ، وحفظك الله ورعاك . ووفقك للخير أينما كنت .

21- الخلوة : وقد ذكرنا أدلة ذلك مستفيضة في نقطة سابقة فلتراجع .

22- الجهل : وهذا من أعظم الأسباب على الإطلاق ، فالجهل يوقع المسلم في شراك أهل الكفر والشرك ، وأصحاب الزيغ والإلحاد ، فيقع فيما لاتحمد عقباه ، فيصبح الحق عنده باطلاً والباطل حقاً ، بل يستوي لديه المعروف والمنكر ، فلا يعرف ولا ينكر ، فيورد نفسه المهالك .

23- التساهل في الدين : وهذا أيضاً من أعظم الأسباب على فعل فاحشة الزنا ، فتجد أن بعض الآباء وأولياء الأمور يتساهل بدخول الغريب غير المحرم على نساءه تساهلاً منه وثقة بغيره فتقع الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ، فيقول : ياليتني ما سمحت لفلان بالدخول على البنات والنساء ، فلا ينفع الندم ؟
فلا يجوز التحابي والتساهل في دين الله عز وجل فيما لم يأذن به الله .

24- الفراغ : ذلك الجندي المجهول الذي يعمل في الشباب والشابات ليل نهار ، فالفراغ قاتل إذا لم يحسن المرء استغلاله فيما يعود عليه بالنفع عند الله عزوجل . وداع إلى فعل الفاحشة والمعصية ، فمعاشر الشباب والشابات حصنوا فروجكم بالصوم والعمل الذي يرضي ربكم سبحانه ، التحقوا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، والمراكز الصيفية الهادفة التي يعني بها الشباب الأخيار ، وإياكم والخضوع للقنوات الفضائية ومقاهي الإنترنت ، أو كثرة الجلوس على الأرصفة والطرقات ، أو مصاحبة الأشرار والفساق . أصلح الله نياتكم وسدد أقوالكم وأفعالكم فيما يرضي ربكم .

25- الطلاق : وقد يسأل سائل فيقول : كيف يكون الطلاق سبباً من الأسباب المؤدية إلى الزنا ؟ وأقول : نعم ، قد يكون الطلاق سبباً من الأسباب المباشرة لوقوع فاحشة الزنا والعياذ بالله ، فعندما تحدث الفرقة بين الزوجين يكون ضحية ذلك الأبناء ، فيتشرد الأبناء غالباً ، ويقعون في حيرة عند من يذهبون ؟ إلى الأم ؟ أم إلى الأب ؟ وناهيك عما يحصل لهم من حزن وقلق بسبب ذلك الفراق والطلاق ، فلا اهتمام ولا رعاية فكل مشغول بكيفية الانتقام من صاحبه .
ولو حصل زواج لأحدهما ـ أي الأبوان ـ أو كليهما لكانت الكارثة الكبرى ، فحتماً سيصبح الأبناء ضحية حقيقية لذلك الطلاق ، فتعبث بهم الأهواء ، ويكونون صيداً في أيدي العابثين ، ويصبحون عوناً لأهل الجريمة ، فلا مأوى ولا ملبس ولا مأكل ولا مشرب . فما عساها تكون النتيجة ؟

26- الخدم : وهذه من المصائب التي ابتلينا بها ، فقد يكون الخدم سبباً من أسباب الزنا ، إذا لم يحسن الأبوان العناية بهم ، وتعليمهم تعاليم الإسلام الحنيف التي تدعوا إلى عبادة الله وحده دون سواه ، وتدعوا إلى إحصان الفروج ، وتنهى وتحذر من ارتكاب الفواحش .
أما إذا أطلق لهم العنان وترك لهم الحبل على الغارب فستقع مفاسد كثيرة ومآسٍ عديدة ، للإباحية التي يعيشونها في بلادهم ، فقد يمارس الخدم الفاحشة مع أصحاب المنزل أو مع غيرهم من الجيران أو العمالة الأخرى فاحذر أخي رب الأسرة من شر تلك البلوى التي منينا بها في بلادنا .
فنسأل العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .

27- السياحة الخارجية : وهي محور مهم ينبغي الوقوف عنده ، والحديث عنه ، فماذا يتعلم أولئك الذين يسيحون خارج البلاد المقدسة ؟ أيتعلمون القرآن ؟ أم السنة والأدب والأخلاق ؟ لا والله ، لا هذا ولا ذاك ؟ وإنما هي نزوات شيطانية يستقون فيها حضارة الغرب الزائفة ، التي لو فادت أهلها لما وصلوا إلينا جاهدين من أجل الإسلام وأهله ، ثم يرتضع أولئك السائحون من تقاليد الغرب الفاشلة الساقطة التي يقوم عليها إخوان القردة والخنازير . فهناك الإباحية والدعارة والفاحشة على مصراعيها لا زاجر ولا ناهي ، بل الكل ينادي ويدعوا إلى الرذيلة والفاحشة والبعد عن الخالق الواحد الماجد سبحانه .
هناك حرب للإسلام وأهله ، وتشويه للدين وناصره ، بل دعوة إلى النصرانية واليهودية الزائفة الكاذبة ، دعوة إلى الكفر والإلحاد .
ولقد حرم الله سبحانه السياحة إلى بلد الكفر من أجل النزهة والفرجة واللعب والعبث ، وإنما تكون السياحية الحقيقة من أجل طلب العلم أو الدعوة إلى الله سبحانه ، واعلم رب الأسرة أنك مسؤول أمام الله تعالى عن تلك الأمانة التي في عنقك وأولها نفسك التي بين جنبيك ثم أولادك وأزواجك ، فما عساك تقول لربك عند سؤالك . فأعد للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً . وحذار من أن تكون سبباً لانتكاسة أبناءك وبناتك ، أو تكون داعياً ومسهلا لهم لارتكاب الفواحش الظاهرة والباطنة ، فتبوء بالإثم والتبعة ، ويتعلقون برقبتك يوم القيامة طالبين من ربهم سبحانه أن يقتص لهم منك يا مسكين .

28- شرب الخمور والمسكرات : إذا غاب العقل استحكم الشيطان على بن آدم وحوله من إنسان خائف وجل من ربه إلى حيوان عدواني شهواني يطيع شهواته ويحقق رغباته ، فهو كالحيوان بل أضل سبيلاً ، نتيجة لفقد عقله وانطماس بصيرته .
وفيما ذكرنا من الأسباب كفاية بإذن الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وإلا فالقصص والوقائع كثيرة وهي شاهدة على ذلك . فاعتبروا بغيركم ، ولا تكوني عبرة لغيركم . فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ به غيره .

أضرار الزنا :

للزنا أضرار عديدة وكثيرة جداً ولكن سنقتصر هنا على بعض منها :
1- الزنا يجلب الفقر : وذلك لما يقوم به الزاني من صرف أمواله فيما يُغضب الله ، وواقع كثير من الشباب هذا اليوم أن أحدهم إذا أخذ راتبه الشهري انطلق به إلى تلك البلاد ليفعل تلك الفاحشة الدنيئة ، والمعصية الشنيعة ، ونسي أولاده وأهله ، ونسي والداه اللذان سهرا وتعبا ليالٍ طويلة من أجله وأجل راحته ، وهما بحاجته بعد أن كبرا ، وحاجة أن يعطيهما بعضاً من ماله فكم كانا ينتظران هذا اليوم الذي يأتي ذلك الولد ليعطيهما جزئاً من الدين الذي عليه لوالديه ، ولكنه آثر وفضّل العاهرات والزانيات عليهما ، نسي ذلك المسكين أنه سيُحاسب على هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ فماذا سيكون الجواب في ذلك اليوم الرهيب ؟
2- ظُلمة في وجه الزاني : هذه الظلمة والسواد في وجه الزاني سببها الرئيسي بعده عن الله ووجوده دائماً في الظلام متخفياً عن الناس فهو في ظلام دائم ، حتى اكتسى وجهه ظلمة وسواداً ، وهذا واقع ملموس قد لا يخفى على الكثير من الناس .
3- الزنا يوقع فيما هو أكبر منه : فقد يوقع صاحبه في كبائر الذنوب الأخرى ، فقد يقع صاحب الزنا في شرب الخمور ، فيؤدي به ذلك إلى ارتكاب جرائم أخرى كالقتل ، فيقتل من فعل بها الفاحشة ، فيورد نفسه المهالك ويقع في حد آخر من حدود الله ، كما قد يوقع صاحبه في السرقة من أجل الحصول على المال الذي سيساعده على ارتكاب المحرم .
4- نزع الإيمان من قلب الزناة : قال صلى اله عليه وسلم : [ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] ( الحاكم والذهبي والمنذري ) ، فما فائدة الحياة بلا إيمان ، إن الحياة البهيمية أفضل من حياة لا إيمان فيها ، لأن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان أغفلها أهل البغي والشر ، قال تعالى : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } ( الفرقان 44 ) .
5- ضعف الوازع الديني لدى الزناة : وهذا واضح معلوم فلو كان هناك إيمان وخوف من الخالق سبحانه وتعالى لما حصل ما حصل من الوقوع في هذه الفاحشة المشينة فبما أن دين الزناة في الحضيض الأسفل فقد يرضى بأن تُفعل الفاحشة بأهله وهو لايبالي بذلك وهذا من ضعف الإيمان والدين ، فهو بذلك ديوث لرضاه بفعل الفاحشة بأهله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : [ لا يدخل الجنة ديوث ] .
6- غضب الرب سبحانه وتعالى : فالله جل وعلا يغضب إذا انتهكت محارمه ، فالله عزوجل يغار وغيرته أن تنتهك محارمه ، فمن انتهك محارم الله فقد باء بغضب من الله ، ومن مات وهذه حاله ، وربه ساخط وغضبان عليه من جراء صنيعه القبيح ، وفعله المشين فيالحرمانه ، ويالخسارته التي لا تقدر بثمن من سوء ما قدم ، ويالها من كارثة وأي كارثة .
7- ذهاب حرمة فاعل الزنا وسقوطه من عين ربه ، ثم من أعين الناس ، فإذا عرف من يمارس الزنا لم يعد هناك من يحترمه بل يحتقره الجميع ، ولايقام له وزن عند الناس ، بل يُشار إليه بالسوء والقبح ، ويحذره الناس على محارمهم فلايُؤمن ، بل قال بعضهم أن من يُمارس الزنا لايمكن أن يُؤتمن على أولاده وبناته ـ نعوذ بالله من ذلك الشر ـ فيوصف صاحب الزنا بأسماء قبيحة مثل : الزاني والفاجر والفاسق والخائن وغيرها من الأسماء التي لا تليق بالمسلم .
8- ضيق القلب ووحشته : تجده ضيق الصدر لبعده عن الله وعن أوامر الله عزوجل ، ويحس بوحشة الذنب والمعصية كلما خلا بنفسه ، لأن نفسه تُحاسبه فيخاف العقوبة في الدنيا والآخرة .
9- فقد الحسنات يوم القيامة : ففعل الفواحش والمعاصي يذهب الحسنات .
10- انتشار الأمراض الفتاكة : وهذا ما يلاحظ على أهل الزنا ، فهم في هذا الزمان السبب الرئيسي لنقل جميع الأمراض الفتاكة والخطيرة والمهلكة ، فالزنا سبب لأمراض كثيرة منها : السيلان والزهري وهما مرضان خطيران يفتكان بصاحبهما ، وهاهو مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض العصر ، وسببه المباشر والرئيسي هو العلاقات الجنسية المحرمة ، وهذا المرض لم يجد له الأطباء علاجاً حتى الآن ، فليحذر أولئك العصاة المارقون أن يختم الله عليهم بمثل هذا المرض فتكون النهاية وخيمة والخاتمة سيئة والعاقبة أليمة .
11- تفكك المجتمعات : فكم نسمع من الويلات والنكبات التي تحصل لكثير من الدول التي استباحت هذه الفاحشة العظيمة لما في ذلك من مخالفة لأوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأنت تلك المجتمعات وعلت فيها الصيحات مما حل بها من عذاب الله تعالى ، فتفككت تلك المجتمعات ، وخاف بعضها بعضاً ، وانعدم الحياء ، وقتلت العفة هناك ، فأصبحوا كالبهائم بل هم أضل سبيلا ، ومع فقد البهائم للعقل والتفكير فهي والله لا ترضى بما رضي به أولئك المجرمون المنحلون من فعل الفواحش والرذائل .
12- الوحدة الفردية : فيعيش أهل الزنا بمعزل عن الناس ، لمقت الناس لهم واحتقارهم إياهم ، والخوف من أن لصق عار هذه الفضية بمن يخالطهم ويجالسهم ، فلا يرغب في نكاحهم أحد ، ولا يريد صداقتهم أحد ، فهم في عزلة عن الناس كالمرض المعدي ، يرغب الجميع بترهم عن المجتمع لإفسادهم له .
وأضرار الزنا كثيرة جداً ولكن فيما ذكرنا كفاية لمن أراد العبرة والعظة ، وهذا قليل من كثير ، فليرتدع أولئك عن فعل هذه الفاحشة المشينة وليعودوا إلى الله قابل التائبين وليعرفوا السبب الحقيقي لوجودهم على هذه الأرض ، وليعلموا أن الله لم يخلقهم عبثاً ولم يتركهم هملاً ، بل لا بد من الرجوع إلى الحي القيوم للجزاء والحساب ، من أجل فعل مثل هذه الفواحش .

طرق الوقاية من الزنا :

1- منع التبرج والاختلاط لأي سبب كان : فهاهم دعاة السوء وأصحاب الحضارة الزائفة هاهم يئنون ويصرخون من جراء خطر التبرج والسفور ودارت عليهم الدوائر ، فباءوا بتبعات ذلك كله .
2- تسهيل المهور : فإذا أتى الإنسان من يرضى دينه وأمانته وخلقه فعليه أن يزوجه ، وإذا لم يفعل الناس ذلك فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لنا فيهم أسوة حسنة في تسهيل المهور ، وينبغي نصح أولئك الأولياء الذين لاهمّ لهم إلا جمع الأموال من وراء تزويج بناتهم ، ومن لم يرتدع منهم فلابد من رفع أمره إلى ولاة الأمر .
3- ردع السفهاء عن التعدي على النساء في الأماكن التي يرتادها النساء .
4- عدم خروج المرأة من بيتها إلا لحاجة ماسة جداً وشديدة ، ويكون الخروج مع محرمها .
5- عدم خروج المرأة مع السائق بأي حال من الأحوال .
6- منع الخلوة بين الرجال والخادمات في المنازل .
7- الحذر من الوسائل المعينة على الزنا ، وهي ما ذكرناها في أسباب الزنا .
8- التحذير من عواقب الزنا الوخيمة .
9- اجتناب النظر إلى النساء سواءً في الأجهزة المرئية أو المقروءة أو غيرها .
10- نشر مبادئ الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الناس .
11- عدم خلوة المرأة بأي رجل أجنبي إلا ومعها محرمها .
12- طاعة الله ورسوله ، وذلك باتباع أوامرهما واجتناب نواهيهما ، قال تعالى : { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين } ( النساء13/14 ) .
13- اختيار الجليس الصالح : فاحذر أصدقاء السوء وعليك بالنصح لهم وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب ، وعليك بمجالسة أهل الخير والصلاح فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
14- المداومة على قراءة القرآن : فالقرآن فيه تخويف ووعد ووعيد وتهديد لمن يفعل الفواحش مما قد يردع الإنسان عن فعلها .
15- أداء الصلوات جماعة في المساجد : فالصلاة ناهية عن فعل الفواحش بإذن الله تعالى :{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت45 ) .
16- تذكر عذاب الله عزوجل وعقابه لمن يفعل هذه الفاحشة وغيرها من المعاصي .
17- الغيرة على المحارم . فالله جل وعلا يغار وغيرته سبحانه أن تنتهك محارمه ، فكيف لا تغار أنت أيها الإنسان على عرضك وشرفك . فبالغيرة يصعب وقوع الزنا بإذن الله تعالى .
18- كثرة الصيام .
19- الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة .
20- قراءة الكتب النافعة والمواضيع المفيدة التي تخص الزنا والتحذير منه .
21- التفريق بين الأبناء في المضاجع : وهذا أمْرٌ أمَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم ، محذراً من عواقب الخلطة بين الذكور والإناث في مكان واحد أثناء المبيت ولذلك جاء التحذير من الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة في التفريق بين الأبناء في المضاجع ، فقال صلوات ربي وسلامه عليه : [ مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليه لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] ، وفي مستدرك الحاكم قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم ، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة ] ( قال صحيح على شرط مسلم ) .

قصص وعبر :

***** قيل أن راهباً يُسمى برصيصاً كان يعبد الله ستين سنة ، وأن الشيطان أراد أن يغويه فما استطاع ، فعمد الشيطان إلى امرأة فأجنها وكان لها أخوة فقال الشيطان : لإخوتها عليكم بهذا القُس ، فيداويها ، فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها فطلبوها ، فقال الشيطان للراهب أنا من عمل بك هذا لأنك أتعبتني ، فأطعني أنقذك منهم ، فاسجد لي سجدة ، فلما سجد له ، قال : إني برئ منك ، إني أخاف الله . ( رواها بن جرير في تفسيره ) .

***** وفي واقعنا وفي زماننا هذا كثيرٌ من مآسي الزناة والزواني ، يحكى أن شاباً سافر إلى بلاد الكفر والفجور والفسق والسفور ، من أجل الزنا وشرب الخمور ، سافر هذا الشاب إلى تلك البلاد ، وفي يوم من الأيام وبينما هو في غرفته ينتظر تلك العاهرة أن تأتيه ، إذا بها قد تأخرت عن موعدها ، وعندما أتت ودخلت عليه غرفته ، شهق شهقة عالية وسجد لها ، فكانت هذه السجدة هي السجدة الأولى والأخيرة في حياته ، لكن لمن كانت هذه السجدة ؟ وما سببها ؟ وما نتائجها ؟
أخي الحبيب : إنه سوء الخاتمة ، أعاذنا الله من ذلك .

***** وقيل أن عابداً من بني إسرائيل عبد الله في صومعته ستين عاماً ، فأمطرت الأرض فاخضرت ، فنظر من صومعته ومعه رغيفان من الخبز فقال : لو نزلت فأذكر الله فأزداد من الخير ، فلما نزل لقيته امرأة فأخذ يكلمها وتكلمه حتى وقع ( زنا ) بها ، فأغمي عليه من شدة ما فعل ، فنزل الغدير ليستحم ووضع الرغيفان ، فمر سائل فأعطاه الرغيفان ، ثم مات ذلك العابد ، فعندما وزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية ، رجحت
الزنية بحسناته فخسر خُسراناً مبيناً ، إلا أن الله تغمده برحمته فوضع الرغيفان ، في ميزانه فرجحت حسناته .
أخي المسلم وأختي المسلمة : إن باب التوبة مفتوح فمن تاب تاب الله عليه وقد يُختم له بخاتمة حسنة ، ونتابع معاً بقية القصص ، قصص التائبين والعائد ين إلى الله .

***** وفي قصة الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار ، قال أحدهم : إنه كانت لي بنت عم فدعاها إلى الزنا فأبت وفي يوم من الأيام حصلت لها حاجة ماسة إلى المال فأتته تستقرضه فأبى إلا أن تُخلي بينه وبينها ، فرضيت نظراً لحاجتها الشديدة للمال ، فعندما جلس منها كما يجلس الرجل من أهله قالت له : لايحل لك أن تَفَضَ الخاتم إلا بحقه ، فتذكر قدرة الله عليه وأن الله سبحانه يراه ، قام عنها وأعطاها المال لوجه الله ، فقال : اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا ما نحن به ، فانفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً .

***** وفي زماننا هذا ذهب شاب إلى إحدى الدول المجاورة للنزهة والتمتع ولم يخطر بباله الزنا نهائياً ، وفي يوم من الأيام إذا به يقع فيما لم يكن في الحسبان فوقع في الزنا ، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يقع فيها في الزنا ، فندم ندماً شديداً ، وحزن حزناً كبيراً ، وعاهد الله على التوبة ، وعاد إلى بلده والحزن يملأ قلبه ، والندم يملأ جوارحه وعاد إلى الله وبدأ الصلاة ، واخذ يُكثر من النوافل لعلّ الله أن يغفر له ، وفي يوم من الأيام وهو ساجد لله عزوجل أتاه الزائر الذي لاتقف له الأبواب والأقفال ، أتاه هادم اللذات ومفرق الجماعات ، أتاه ملك الموت ، وهو على أحسن حال وهو ساجد لله تعالى ، فانظر كيف ختم الله له بهذه الخاتمة الحسنة .

***** وذكر أن قصاباً ولع بجارية لبعض جيرانه ، فأرسلها أهلها في حاجة لهم إلى قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها ، فقالت : لا تفعل ، لأنا أشد حباً منك لي ، ولكني أخاف الله . قال : فأنت تخافين الله وأنا لا أخافه ؟ فرجع تائباً .
إن الله جل وعلا يقبل توبة المذنب مالم تغرغر الروح ، أو تطلع الشمس من مغربها . فبادروا بالتوبة النصوح لعل الله أن يتوب عليكم .

***** وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله ، وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم : [ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها ، فقال : إني أخاف الله تعالى ] ( البخاري ) .

***** وقال بن الجوزي في كتابه ذم الهوى قال : [ كانت امرأة جميلة بمكة ، وكان لها زوج ، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة ، فقالت لزوجها : أترى أحداً يرى هذا الوجه لا يفتن به ؟ قال : نعم . قالت : من ؟ قال : عبيد بن عمير . قالت : فائذن لي فيه فلأفتننه . قال : قد أذنت لك . قال : فأتته كالمستفتية ، فخلا معها ( ابتعد بها قليلاً ) في ناحية المسجد الحرام ( أي حتى لا يسمع من حوله سؤالها ) ، قال : فأسفرت عن مثل فلقة القمر ، فقال لها : يا أمة الله ! قالت : إني قد فتنت بك فانظر في أمري ، قال : إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك ، قالت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك . قال : أخبريني لو أن ملك الموت أتاك لقبض روحك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت .
قال : فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمساءلة ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة . قالت : اللهم لا . قال : صدقت .
قال : فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت
قال : فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : اتقي الله يا أمة الله ، فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك .
قال : فرجعت إلى زوجها فقال : ما صنعت ؟ قالت : أنت بطال ونحن بطالون ! فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة ، قال : فكان زوجها يقول : ما لي ولعبيد بي عمير ، أفسد علي امرأتي ، كانت كل ليلة عروساً فصيرها راهبة .
هنيئاً لها تلك التوبة النصوح ، قبل مداهمة ملك الموت لقبض الروح ، وهنيئاً لها تلك التوبة التي تجب ما قبلها وتمحو ما سلف من الذنوب والمعاصي . وأصلح الله من كان على شاكلة زوجها من الضياع ، وألهمه رشده وصوابه قبل أن يُقتلع من فوق الأرض اقتلاع .

***** وقال بن الجوزي أيضاً : [ أن رجلاً أحب امرأة فأحبته ، فاجتمعا ، فراودته المرأة عن نفسه ، فقال : إن أجلي ليس بيدي ، وإن أجلك ليس بيدك ، فربما كان الأجل قد دنا ، فنلقى الله عاصيين ؟ فقالت : صدقت . فتابا وحسنت حالتهما .

***** حدث أبو محمد الشيباني ، قال : كان رجل بالبصرة له أكّار ( أي رجل يحرث له الأرض ) وكانت للأكار امرأة جميلة حسناء كثيرة اللحم ، فوقعت في نفس الرجل الغني ( أي أحبها ) ، ، فركب قاربه إلى قصره ، وقال للأكار : القط لنا من الرطب وصيره في الدواخل . ثم قال له : إيت به فلاناً وفلاناً ، فذهب به ، فلما مضى ، قال لامرأة الأكار : أغلقي باب القصر ، فأغلقته . ثم قال لها : أغلقي كل باب ، ففعلت ، فقال لها : هل بقي باب لم تغلقينه ؟ قالت : نعم باب واحد لم أغلقه . قال : وأي باب هو ؟ قالت : الباب الذي بيننا وبين الله عزوجل . فبكى ثم قام عرقاً وانصرف ولم يواقع الخطيئة .
فأين أولئك الذين لا يهناؤون ، ولا يهدأ لهم بال ، ولا يقر لهم حال إذا لم يرتكبوا الفاحشة ، أين أولئك الذين يمسون ويصبحون على الفواحش ليلاً ونهاراً ، أين أولئك من أولئك الرجال الذين ملأ الإيمان بالله والخوف منه سبحانه ملأ قلوبهم وجوارحهم ، وأين أولئك النساء عن تلكم اللاتي منعهن تقوى الله والحياء منه ، وخوفهن من عذاب القبر وشدة الحساب وعظمة الوقوف بين يديه الله سبحانه ، كل ذلك منعهن من فعل الفاحشة أو حتى التعرض لها .
ثم أين أولئك عن نبي الله يوسف عليه السلام ، عندما دعته امرأة العزيز إلى نفسها ، وهيأت له جميع الوسائل المعينة على هذا الفعل ، وكانت على قدر من المال والجمال ، ولكن عندما وقر الخوف من الله سكنات القلب والجوارح فسيكون الجواب : ( معاذ الله ) ، كان هذا هو جواب يوسف عليه السلام ، جاء كالصاعقة ، لتلك المرأة ، لم تتوقع أن يكون الرفض هو الجواب ، لكنه الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن الإنسان لابد وأن يعود إلى خالقه ليجازيه على ما قدم في دنياه ، والخوف من عذاب الله ، ومن النار وعذابها وحميمها وزقومها .
فأين الخائفون من عذاب الله وسخطه ومقته وعقابه ، إذ كيف يُنعم الله على هؤلاء بشتى النعم ، من مأكل ومشرب وملبس ، وغير ذلك من النعم التي لا تُعد ولا تُحصى ، ثم يستغلون هذه النعم في معصية الخالق المنعم تعالى وتقدس ، فبدل أن يقابلوا هذه النعم وهذا الإحسان بالشكر والعرفان لله جل وعلا ، قابلوا ذلك كله بالكفر والعصيان وارتكاب المعاصي والآثام ، بدلوا نعمت الله كفراً وأحلوا أنفسهم دار البوار . أهكذا يكون جزاء هذا الإحسان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

أقوال في التحذير من الذنوب :
* قال محارب بن دثار : إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهناً .
* سئل بن المسيب عن العبادة قال : التفكير في أمر الله والورع عما حرم الله عزوجل .
* وروي عن الحسن البصري أن كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
* وقال محمد بن كعب القرظي : ما عبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي .
* وقال بشر : إن العبد لذنب الذنب فيحرم به من قيام الليل .
* قال أبو الحسن المزين : الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب ، والحسنة بعد
الحسنة ثواب الحسنة .
* وقال أبي المعتمر بن سليمان : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .
* وقال الحسن : ما عصى الله عبد إلا أذله الله تبارك وتعالى .
* وقال الحسن : يا بن آدم ترك المعصية أيسر من طلب التوبة .
* وقال القائل : لا تنظر في صغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت .
* وقال سفيان الثوري :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عوقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
* وقال حسين بن مطير :
ونفسك أكرم عن أشايا كثيرة **** فما لك نفس بعدها تسعيرها
ولا تقرب الأمر الحرام فإنه *** حلاوته تفنى ويبقى مريرها
* فتفكر ، رعاك الله ، في أن الذنوب تنقضي لذتها وتبقى تبعتها .

أمور يجب الحذر منها :
وهناك ثمة أمور وجب الحذر منها وتحذير الغافلين عنها ، وهي أمور داعية ومعينة على فعل الفواحش ، وقد تكون من الأسباب المباشرة إلى ارتكاب فاحشة الزنا ـ والعياذ بالله ـ فهي وسائل قد يتوصل منها إلى ما هو أكبر منها ، ومن هذه الأمور ما يلي :
1- ترك المرأة تسافر بدون محرم : والمرأة هنا يقصد بها : الأم والأخت والبنت والزوجة والعمة والخالة وغيرهم من المحارم ، فيحرم سفر المرأة بدون محرم لأن ذلك يفضي إلى مفاسد عظيمة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : [ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ] ( احمد وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ] .
فترى المرأة تخاطب السائق والخياط وحتى صاحب الصيدلية والبائع وزوجها كالكيس لا يحرك ساكناً ، ولا يقول قولاً ، فلا غرو أن يحصل بذلك مفاسد عظيمة في المجتمع نحن في غنىً عنها .
2- الحرية في لبس الملابس : فلا مانع لدى كثير من أولياء أمور النساء ترك من تحت ولا يتهم أن يلبسن ما يصف البشرة ويكشف السوءة ، من البناطيل والمكشوف من اللباس ، وذلك بدعوى التقدم الحضاري والطفرة المادية ، وإذا أردنا الحقيقة فهي من أمور الجاهلية ولكن ما عساك تقول لمن أشربت نفسه حب التقليد الماجن المصادم للفطرة البشرية . أما الغيرة فلا مكان لها في قلوب أولئك الأولياء ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لا شيء أغير من الله ] ( البخاري وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ] ( البخاري ومسلم وغيرهما ) .
3- الأماكن العامة : فقد يخرج بعض الأولياء بمحارمهم إلى الأماكن العامة التي تكون المرأة فيها عرضة للنظر ، كما تطلق هي الأخرى نظرها هنا وهناك ، فيحدث الأمر والخطب الجلل .
وهناك أمور أكثر مما ذكرت ، ولعلي نهبت على أكثرها أهمية ، والله المستعان وعليه التكلان .
أطلق أسرك من نار جهنم ، بابتعادك عما حرم الله تعالى وحرم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأقبل على جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدها الله لعباده المتقين الخائفين الوجلين ، المنتهين عن محارم الله ، المتبعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

همسة :
همسة أهمسها في أذنك يا أخية ، محذراً إياك من الذئاب البشرية ، راقبي ربك عالم الخفية ، واحذري من كل رذيلة ورزية .
انتبهي أن تهتكي عرضك وعرض أهلك فهي المصيبة العظمى والطامة الكبرى فالمرأة لا عز لها بعد إيمانها إلا شرفها وحياؤها ، فإذا خلعت ذلك الحياء والشرف أصبحت فريسة في أيدي العابثين بالأعراض ، وأصبح يخشاك ويبتعد عنك أهل العفة والحياء ، فتصبحين منبوذة مبغوضة ، محتقرة منقوصة ، لا يَرغب بك أحد ، ولا يُلتفت إليك أبد ، بل تصبحين سلعة للذئاب البشرية لقضاء الوطر واللذة المحرمة ثم يبغضك كل الناس ، لأنك مبغوضة مرفوضة عند ربك ، ولو عرضت نفسك للزواج لما قبل بك إنسان ذا عفة ودين ، بل يهرب عنك الجميع ، لأنك دنست شرفك بالوحل والطين ، ولطخت نفسك وأهلك بثوب العار والفضيحة .
أما تخافين الله ؟ احذري أن تكوني عقبة في زواج أخواتك بفعلك للزنا ، بل كوني قدوة صالحة ومثلا يُحتذى به في أخلاقك وتمسكك بدينك وشرفك وعفتك وحياءك ، وانتبهي من كل ما يدعوا إلى الفاحشة والرذيلة من أفلام خليعة ساقطة وهابطة ، واحذري التليفون والمعاكسات الفاشلة ، وحذار من المجلات المسمومة الموجهة المرسومة ، وكفي عن الموضة الأجنبية ، وإياك والتشبه بنساء الكفرة والفجور ، دعاة التبرج والسفور ، ودعي عنك مصاحبة صاحبات السوء والفساد ، والداعيات إلى قتل العفة لدى العباد .
أما تطمعين في مغفرة الرب الغفور ، إذاً اعملي لحياة القبور ، ويوم البعث والنشور ، ذلك اليوم الذي يشيب فيه المولود ولا يعرف فيه أحد أحداً ، تحتاجين إلى حسنة فلا تعطين فاتقي الله يا من تؤمنين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً .
ثم عليك أيتها الأخت الكريمة أن تصاحبي الخيرات والطيبات من الصديقات والجارات والصالحات ، والزمي كتاب الله تعالى ففيه النور المبين الذي تمشين به في هذه الحياة الدنيا حتى تكوني على بينة وبصيرة بأمور دينك ودنياك . وأسأل الله سبحانه أن يثبتنا وإياك على صراطه المستقيم إنه سميع مجيب .

وهمسة أخرى :
أهمسها في أذنك أنت ، نعم أنت أيها الزاني فاتق الله في نفسك ، ارحم ضعفك من نار تلظى ، أعدها الله لمن أذنب وزنى ، فجسدك على النار لا يقوى ، فويل لك من عذاب لا تموت فيه ولا تحيى ، فالبدار البدار بالتوبة والتقوى ، والفرار إلى عالم الجهر والنجوى ، صاحب الجزاء الأوفى ، الله العلي الأعلى .
أيها الزاني ! اتق الله في أعراض المسلمين ، فوالله كما تدين تدان ، والجزاء من جنس العمل . يا من بليت نفسك بالزنا ! هل ترضى الزنا لأمك أو لابنتك أو لأختك أو لعمتك أو لخالتك أو لقريبتك ؟ لا أظنك إلا ستقول : لا ! إذاً كيف ترضاه لنساء المسلمين ؟ فكما أنك لا ترضاه لأهلك ، فكذلك كل إنسان لا يرضاه لأهله ، فكُفَ عن هذا الفعل المشين ، والعمل الخسيس القبيح قبل أن يداهمك هادم اللذات والشهوات ، ومفرق الجماعات والزناة ، ثم حين ذاك لا تنفع الحسرات والآهات ، ولا الصرخات والويلات . فيا من ظلمت نفسك وغيرك من المسلمين بالزنا والفعل المشين ، يقول ربك تعالى : { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } ( غافر52 ) ، أين أنت يا مسكين عندما يُنادى المؤمنون المتقون إلى جنات النعيم ، ثم تساق أنت ومن على شاكلتك إلى الجحيم والحميم ، فرحماك يا عليم يا حليم .
تب إلى الله قابل التائبين ، والعافي عن المذنبين ، أنسيت الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط وزلته والحساب وشدته ، أنسيت قول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ( النور 30 ) . أنسيت قول الله تعالى لك ولغيرك : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } ( الإسراء 32 ) ، أنسيت قول الله تعالى : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً } ( غافر 46 ) . إذا نسيت أنت ، فربك لاينسى : { وما كان ربك نسياً } ( مريم 64 ) وقال تبارك وتعالى : { في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ( طه 52 )
يا قاطعاً سبل الرجال وهاتكاً *** سبل المودة عشت غير مكرم
من يزني في قوم بألفي درهم *** في أهلـه يزنى بغير الدراهم
إن الزنا دين إذا استقرضـته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
لو كنت حراً من سلالة مسلم *** ما كـنت هاتكاً لحـرمة مسلم

وسيتبع هذا الموضوع ، الموضوع الآخر ، وهو فاحشة اللواط بإذن الله تعالى .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية