اطبع هذه الصفحة


المنصورون

يحيى بن موسى الزهراني

 
يدافعون عن أرضهم . . . فمن ذا الذي يلومهم
قيل إنهم إرهابيون ، وقيل قتله ، وقيل تخريبيون ، وقيل يزعزعون الأمن ، وقيل ، وقيل ، وقيل . . . لا لشيء إلا لأنهم يدافعون عن حقهم في العيش بأمن ، والحياة بأمان ، والسكن باطمئنان .
هل الإرهابي من يعتدي على بلاد الغير ، أم الذي يدافع عن بلده ؟
هل الإرهابي من يغتصب ثروات الدول ، أم الذي يناضل لطرد العدو ؟
هل الإرهابي من يقتل ويعتقل ويعذب ، أم من يريد الحياة المستقرة ؟
هل الإرهابي من ينتهك الأعراض ، أم الذي يدافع عن شرفه ؟
هل الإرهابي من يسن للدول والشعوب أحكاماً وقوانين وضعية ، أم الذي يجعل حكم الله دستوره ؟
هل الإرهابي من يطرد الناس من بلادهم ويشردهم ، أم الذي يريد الاستقرار والقرار ؟
أسئلة كثيرة تدور في المخيلة ، يعرف جوابها الصغير قبل الكبير ، والجاهل قبل العالم ، يدرك أهدافها ، ويتيقن خططها كل مسلم وكافر .
لكن لماذا يخيم الصمت الرهيب ، والوجوم العجيب ، على أفواه أهل الفك العقد ، والحل والربط ، ماذا دهى المسلمين ؟
كيف توانوا عن إقامة الحق ، ونصرة المظلوم ؟
أهو الخوف والرعب ؟ أم قول : نفسي ، نفسي ، كيف نخاف ، ونحن أمة نصرة بالرعب من مسيرة شهر ، كيف وقد قال الله تعالى : " ولينصرن الله من ينصره " ، كيف وقد قال الله عز وجل : " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ، كيف وقد أمرنا الله بنصرة الضعيف ، وأخذ حقه من القوي ، فقال سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يُسلمه " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبيان يشد بعضه بعضاً " .
لن ننصر الله تعالى إلا إذا أقمنا شعائر الدين ، وعملنا بأوامره ، وتركنا نواهيه وزواجره ، وتمسكنا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، هناك سننصر الله جل وعلا ، لأننا سنقيم شرعه فوق أرضه وتحت سمائه ، إذا نحن فعلنا ذلك فقد نصرنا الله عز وجل ، وحتماً سينصرنا لأنه سبحانه وتعالى يقول : " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " .
إذا حققنا الإيمان في قلوبنا ، واتبعنا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وظهرت بوادر الإيمان على الأجساد ، وتركنا المنكرات ، وهجرنا الموبقات ، وابتعدنا عن الصغائر المهلكات ، هناك سيتحقق الإيمان ، وسينصرنا الله عز وجل ، لأنه سبحانه وتعالى يقول : " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " .
إذا اتحدت قوى الإسلام ، واجتمعت رايات أهل الإيمان ، وكان خندقهم واحداً ، وصفهم واحداً ، ودينهم واحداً ، وربهم واحداً ، ونبيهم واحداً ، هناك سيكون النصر من الله تعالى القائل في محكم التنزيل : " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " .
كيف نخشى قوماً أذلهم الله ، وأهانهم ووعدنا بالنصر عليهم ؟ فيقول سبحانه : " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم " .
يا أمة الجهاد . . يا أمة المليار مسلم . . كيف نخاف قوماً قال الله فيهم : " وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون " ، وقال الله فيهم : " يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون " .
يا أمة الإسلام . . ما العذر أمام الله يوم نلقاه ، ولنا أخوة في الدين يضطهدون ، وبنا يستنصرون ، والله تعالى يقول : " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " .
رباه ما الذي دهى الأمة ، وقد أحاطت بها الغمة ، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، ويل لنا إن لم نتدارك أنفسنا ، ونرجع إلى ديننا ، قال تعالى : " أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " ، ولكن الله يمتحن الإيمان في القلوب ، والدين في النفوس ، فهلا من مشمر إلى الجنة ، وهلا من مسابق إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان ؟
لنا اخوة في الدين ، أزهقت الحروب أرواحهم ، وهدمت منازلهم ، ودمرت ممتلكاتهم ، وقتلت رجالهم ، ورملت نساءهم ، ويتمت أطفالهم ، وخربت ديارهم ، حرب ضارية ، وقوات معادية ، أهلكت الحرث والنسل ، وأكلت الأخضر واليابس ، اشتد أوارها ، وحمي وطيسها ، والمسلمون عبر الشاشات يشاهدون ، وفي الطرقات يفحطون ، وعبر القنوات يتنقلون ، فألا ليت شعري إذا وقفوا بين يدي الله بماذا سيجيبون ؟ وإذا سئلوا عن إخوانهم فما عساهم يقولون ؟
أسئلة سهلة ميسرة ، وإجاباتها شاقة معقدة .
العراق . . فلسطين . . أفغانستان . . كشمير . . الشيشان . . البوسنة والهرسك . . وغيرها كثير وكثير ، دول إسلامية ، وشعوب إيمانية ، تنادي وتبكي ، ثكالى من النساء ، ورضع من الأطفال ، وركع من الشيوخ ، شح الطعام ، وقل الشراب ، عراة ، جياع ، حفاة ، ضعفاء ، فقراء .
يريدون تحقيق الإيمان ، وتحكيم الإسلام ، والأعداء لهم بالمرصاد ، أمة الكفر ملة واحدة ، ونحن نتناحر ونتداحر من أجل أرض ، أو منصب ، أو جاه ، سبحان الله كيف خذلناه ، وتركنا نصرة دينه وتجنبناه .
فرحماك ربنا بعبادك ، وعفوك بخلقك .
آهات وآهات تطلقها القلوب قبل الحناجر ، ولكن هيهات هيهات أن تجد لها صدى ، أو تسمع لها دوياً ، وقد اعتلت قممها أمريكا ، وامتلكت زمامها إسرائيل .
لما لم يجد المسلمون في دول حوربت ، وشعوب قوتلت ، لما لم يجدوا نصراً من إخوانهم ، فروا من بلادهم ، وخرجوا من ديارهم ، فراراً من الموت ، وهرباً من القتل ، فأين الناصر والنصير ؟
يقول الله تعالى : " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً " ، ويقول سبحانه : " فقاتل في سبيل الله لا تكلف غلا نفسك وحرض المؤمنين على القتال عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً .
حقائق مرة ، وواقع أليم ، وخطب جسيم ، تمر به الأمة الإسلامية في هذا الزمان ، فهلا من عودة صادقة لدين الله تعالى ، لننتصر على الأعداء ، كما انتصرت قوات محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة مسلم على ألف من المشركين ، وعشرة آلاف فارس مسلم مجاهد ، على مائة ألف رومي كافر .
لقد وقعت الأمة تحت تأثير مخدر مستمر ، سببه القنوات الفضائية وما تبثه من هموم ، وتنفثه من سموم ، حتى تسممت أفكار شعوب الأمة ، وتورمت عقولها ، فخلطت الحقائق بالأكذوبات ، والصحيح بالسقيم ، فتخبطت الأمة خبط عشواء ، في ظلمات ظلماء ، وأفكار دهماء ، لا منجي منها إلا التمسك بالكتاب والسنة المطهرة ، والعودة إلى دين الله واتخاذه مسلكاً ومنهجاً لا حِياد عنه ، ولا مُبعد منه .
وزاد الطين بلة تلكم السفريات الغوغائية ، الغرامية العشوائية ، إلى بلاد الغرب الكافرة ، التي تسببت في قتل الغيرة ، وثوران الشهوة ، حتى تجمدت الدماء في العروق ، ونسيت الأمة نُصرة قضاياها العادلة ، وابتعدت عن عقيدتها الثابتة ، واتجهت إلى أمور تافهة ، من لعب ورياضة ، ورقص ، وغناء ، وحفلات داعرة ، ودعوات إلى الفاحشة ، وتجمعات فاجرة ، حتى تخدرت الأمة بتلك السموم ، وتحقق للأعداء ما كانوا يخططون له ، ويصبون إليه ، فأصبح كثير من المسلمين معاول هدم ، وأدوات دفن ، فمتى تصحوا الأمة من نومها ، وتفيق من سباتها ، وتنصر إخوانها ، وتنتشل نفسها من قاع الرذيلة ، إلى بر الفضيلة .

وأختم كلامي ، بقول الله تعالى : " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين " .
إنني لا أدعو إلى قتل الأبرياء أياً كانوا ، ولا أدعو إلى الخروج عن طاعة العلماء والحكام العاملين بشرع الله عز وجل ، بل أدعو إلى نصرة الإسلام والمسلمين أينما كانوا ، وحيثما وجدوا ، تحت رايات إسلامية ، وشعارات إيمانية ، تخشى الله تعالى وتتقه ، تجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
وإلا فالدنيا حقيرة ملعونة ، وكل أيامها معدودة ، فمن لم يمت اليوم ، مات غداً ، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ، تعددت الأسباب والموت واحد ، فإذا كان الموت لا بد منه ، فمرحباً به ، ولكن في سبيل الله .
فوالله ليس على الدنيا ندامة ، وليس الخروج منها شهيداً بخسارة ، بل ذلك الربح والمكسب والتجارة .

وأسأل الله تعالى بمنه وكرمه وإحسانه ، أن يكون ما كتبت خالصاً لوجهه سبحانه ، فهو على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، اللهم يا حي يا قيوم ، يا قوي يا عزيز ، يا من لانت لعظمته الصعاب ، ولجبروته الشدائد الصلاب ، اللهم عليك باليهود الغاصبين ، والنصارى المحتلين ، والشيوعيين المعتدين ، وغيرهم من الكفرة والفجرة والمشركين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم اشدد عليهم وطأتك ، وارفع عنهم يدك وعافيتك ، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين ، واجعلهم غنيمة للمسلمين ، اللهم أهلكم بالكوارث المدمرة ، والفيضانات المغرقة ، والأعاصير المهلكة ، اللهم أخرجهم من بلاد المسلمين ، أذلة صاغرين ، اللهم جمد الدماء في عروقهم ، وأيبس الطعام في أمعائهم ، اللهم شل أركانهم ، ودمر قوتهم ، وأغرق سفنهم ، وأسقط طائراتهم ، وفجر دباباتهم ، اللهم اجعل بأسهم بينهم شديداً ، اللهم اجعل غزوهم عليهم دماراً ، واعتداءهم عليهم وبالاً ، وظلمهم عليهم نكالاً ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

اللهم يارب العالمين ، يا ناصر المستضعفين ، يا من له جنود السموات والأرضين ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان ، اللهم انصرهم في العراق على أمريكا ومن تابعها ، وفي فلسطين على اليهود ومن هاودها ، وفي إندونيسيا على النصارى ومن ناصرها ، وفي الشيشان على الملاحدة ومن ساندها ، اللهم انصر المسلمين الذين يجاهدون في سبيلك ويقاتلون أعدائك ، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ، وعوناً ومعيناً ، اللهم قوي شوكتهم ، وكثر عددهم ، وزد عتادهم ، وسدد رميهم ، بحولك وقوتك يا رب العالمين ، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك يا أرحم الراحمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، اللهم بلغنا شهر رمضان ، اللهم اجعله شهر نصر ورفعة وتمكين للمسلمين ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وتول أمرنا ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية