اطبع هذه الصفحة


وقفات حول الأحداث

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا ، أحمده تعالى وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، يُيَسِّرُ عسيرًا ، ويجبر كسيرًا ، وكان ربك بصيرًا ، سبحانه وبحمده ، جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يَذَّكر أو أراد شكورًا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أدَّخِرُها ليوم كان شره مستطيرًا ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، بعثه بالحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ، فصلوات الله وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا . . . أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فمن رام خيراً غفيراً ، ورزقاً وفيراً ، ومقاماً كبيراً ، فعليه بتقوى الله ، فمن حققها حقق في الدنيا مجداً أثيراً ، وفي الآخرة جنة وحريراً ، وروحًا وعبيراً .

أمة الإسلام : يُتهم المسلمون بين الفينة والأخرى ، بأنهم إرهابيون ، وتخريبيون ، والحقيقة أنهم أهل حب وسلام ، وألفة ووئام ، ولكن ما يفعله أعداء الملة والدين ، بالإسلام والمسلمين ، من استهزاء وتعد واضح ، وسب وتشويه فاضح ، أدى إلى غضب في الشارع الإسلامي ، لاسيما وحدث اليوم هو أعظم حدث في التأريخ المعاصر ، وأشد جرماً في الواقع الحاضر ، استهزاء بنبي المسلمين وحبيبهم ، وقدح في أعظم رجل في تأريخهم ، وأرحم إنسان بهم ، فلا غرو أن تثير تلك الاستفزازات مشاعر ما يزيد عن مليار ، من محبي النبي المختار ، صلى الله عليه وسلم ، ومن يفدونه بدمائهم وأرواحهم ، وأهليهم وأموالهم ، لا عجب والله ، أن يغضب المسلم وينتقم ، ويعتب وينقم ، فما يواجهه الغرب المتبجح ، ما هو إلا نتاج الاستهزاء والتكبر ، والعناد والتقعر ، شهدت حادثة الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم استنكاراً عالمياً ، وشجباً دولياً ، بينما لم تعره دولة الدنمرك أي عناية ، ولم توله أي اهتمام أو رعاية ، متجاهلة بذلك الرأي العام ، وضاربة عرض الحائط باحترام الأديان ، ما رجوا لله وقاراً ، فملأ الله قلوبهم وقبورهم نارً .

أمة الإسلام : تلكم الهجمة الشعواء ، ضد أفضل الأنبياء ، وإن كانت في ظاهرها محبطة لآمال المسلمين ، فقد جاءت مخيبة لأهواء الكافرين والمنافقين ، فقد آتت هذه الرسوم الاستفزازية أكلها ، وأنتجت الصور الكاريكاتورية ثمارها ، فقد توالت الصحف الأوروبية إعادة نشر تلك المهازل ، وأفرزت كثيراً من النوازل ، حتى أشعلت نار الغضب ، وأوقدت فتيل اللهب ، فقد كان كثير من الغرب في معزل عن الإسلام ، واليوم الكل يتشوق لمعرفة شيء عن سيرة نبي الكرام ، فجرت الرياح بما لا تشتهي السفن ، ورب ضارة نافعة ، يقول الله جل جلاله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، ويقول الحق تبارك وتعالى : { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } .

أمة الإسلام : في خضم هذه التضخمات السياسية ، والتراكمات الدولية ، والتبعات الكاريكاتورية ، والتداعيات الاستفزازية ، لنا وقفات تجاه الأحوال الواهنة ، ومواقف إزاء الأحداث الراهنة ؟ ومن هذه الوقفات ، وتلكم المواقف :
أولاً : ترك الغضب الإسلامي يجري مجراه ، حتى يتيقن الغرب أن الإسلام وإن ضعف في نفوس أهله ، وبلغ مبلغ الكتمان ، في أي زمان ومكان ، لأي سبب كان ، فظهوره وراد ، ودفنه شارد ، فالكامن بركان خامد ، والظاهر زلزال سامد ، فأهل هذا الدين ، أهل حمية إسلامية ، لا حمية جاهلية ، يحبون الله ورسوله والذين آمنوا ، ويتولون الله ورسوله والذين آمنوا ، ويتبرءون من الكفار والذين أشركوا ، ولا غرابة ، فالمؤمنون أخوة ، والمسلم أخو المسلم ، قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } .
ثانياً : قطع العلاقات الدبلوماسية مع تلك الدولة الكافرة ، حتى لو اعتذرت ، وتعهدت بعدم العودة إلى مثل ما قامت به ، فمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا توبة له ، ودمه هدر ، ولا يجوز التعامل معه ، إلا بلغة الحسام ، وعدم الاحترام ، ولابد فيه من حزم ، وغضب وجزم .
ثالثاً : الحذر كل الحذر من العنف داخل بلاد الإسلام ، والبعد عن تحطيم مقدرات الدول والشعوب الإسلامية ، فموجة الغضب العارمة ، ليست سبباً لقتل الأبرياء ، والاندفاع والإيذاء .
رابعاً : أن لا يقودنا ذلك ، إلى سب الأديان أو الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فالإيمان بهم جملة وتفصيلاً ، دين ندين الله به ، وركن من أركان الإيمان ، الذي لا يتم إيمان المرء إلا به ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ،
خامساً : الحذر من سب آلهتهم ، حتى لا يسبوا الله تعالى ، قال سبحانه : " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم " .
سادساً : أثبتت هذه القضية العادلة ، حب المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وذودهم ودفاعهم عنه ، فهو بذلك حقيق ، ولذلك حفي ، ولا غرابة فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كذلك يحبنا ويتمنى لو رآنا ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي " فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم : أوليس نحن إخوانك ؟ قال : " أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَلَكِنَّ إِخْوَانِي الذينَ آمَنُوا بي ولَمْ يَرَوْنِي " [ أخرجه أحمد وأبو يعلى ] .
سابعاً : أن ندلل على حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، باقتفاء أثره ، واتباع سنته ، وامتثال هيئته ، وأن نأتمر بأمره ، وننتهي بنهيه ، فهو القائل صلى الله عليه وسلم : " إنه من يعش منكم بعدي ، فسيري اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " [ أخرجه الترمذي وصححه وأبو داود وابن ماجة ] ، فأين الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأين الإتباع ؟ وهناك من سنن الحبيب ما اندثر ونُسي ، ومنها ما زهد فيه الناس وفني ، بل من السنن ما أصبح بدعة والعياذ بالله ، ومنها ما يُستحيا منه ، كإعفاء اللحى ، وتقصير الثياب ، وقول الحق ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا : ومن يأبى ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " ، فهل أطعنا النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون حياتنا كلها ، هل استنينا بسنته في هيئاتنا وبيوتنا ؟ أسئلة محيرة ، وأجوبتها مخجلة ، فقبل الغضب والاستنكار على الغير ، يجب أن ننكر على أنفسنا تقصيرها وتفريطها في اتباع نبيها صلى الله عليه وسلم ، انظروا أحوالكم وهيئاتكم ، وابحثوا في بيوتكم وشوارعكم ، وأعمالكم وأحيائكم ، فكم من منكرات تعج ، وتعديات تموج ، اعرضوا أنفسكم على كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه المصطفى ، فنحن بحاجة ماسة إلى تغيير كثير من الأوضاع ، وتعديل كثير من الطباع ، لابد من تبديل سيء الحال ، إلى أفضل مآل ، فأعظم دليل لمحبتنا لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، اتباع سنته ، والتقيد بهديه ، قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
ثامناً : الامتناع عن المظاهرات الشغبية ، الهوجاء التدميرية ، التي لا طائل من ورائها ، ولا فائدة من ورائها ، بل ربما اصطاد فيها من يريد تلويث الإعلام ، وإثارة الزوابع حول الإسلام ، فأخشى ما أخشى ، من تدخل أيد خفية ، يهودية أو نصرانية ، لتشويه صورة الإسلام ، وتعاليمه العظام ، وإخفاء سموه وسماحته ، وتعتيم المشرق من صورته ، فالعقل والحكمة ، أن ننتبه لمواطن الفتنة ، ونحذر الخوض في غمارها ، والإبحار في عبابها ، وما من حل إلا وله بديل ، يُعرف بالمتابعة والتأصيل ، فهناك المؤتمرات النافعة ، وتبيين الحقائق الغائبة ، ولنحذو حذو نبينا صلى الله عليه وسلم في تلك المدلهمات ، والأمور الملمات ، وعلينا أن نستمر في المقاطعة ما بقينا ، فهي سلاح ناجع ، ومخرج ناجح ، أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين ، إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً ، كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم لله بها " .
تاسعاً : على جميع المسلمين المقيمين في أرض الوثنية ، العودة إلى بلادهم الإسلامية ، والخروج من بلاد العلمانية ، خوفاً على أنفسهم وأعراضهم ، وفراراً بدينهم ، خشية الانتقام ، وعدم الأمان ، لقول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } ، وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " أنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أظْهُرِ المُشرِكِينَ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني رحمه الله ] .
عاشراً : ضرورة تعريف الكفار بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونبل أخلاقه ، وكريم خصاله ، وعظيم سيرته ، وفضائل سجيته ، في نشرات وكتب تعريفية بالإسلام ، وأبرز شخصياته ، فالوقت قد حان لتخرج البشرية ، من جحيم النازية والفاشية ، والسيطرة اليهودية ، والهيمنة الإسرائيلية ، فالقلوب للإسلام متشوقة ، ولرسوله متشوفة ، ولدراسته متطلعة ، ولمعرفته متلهفة ، فانشروا معالم دينكم ، والتعريف بنبيكم ، عبر وسائل الإعلام المختلفة ، لتتبينَ الحقائق ، وتُصَحَحَ الوثائق ، فكونوا خير سفراء لدينكم ، وأفضل دعاة للتعريف بنبيكم ، عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " بلِّغوا عني ولو آيةً " [ أخرجه البخاري ] .
الحادي عشر : ضرورة إظهار العداء لبني إسرائيل ، دولة الاحتلال ، وشعب الاغتيال ، جبناء الحال والمقال ، قال تعالى : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ } ، دولة يهود ، راعية الفساد والإفساد ، واضطهاد العباد ، فما من مصيبة تقع ، ولا فتنة تقمع ، إلا ولليهود منها أوفر الحظ والنصيب ، وما من دماء تراق ، ولا رقاب للموت تُساق ، إلا ولبني إسرائيل فيها يد من بعيد أو قريب ، قال تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، فلا عجب أيها المسلمون أن يدافع عن وجود بني إسرائيل شعوب غربية ، أوروبية وأمريكية ، لأنهم عانوا من وجودها عناءً ، وأنَّت دولهم من غدرها دهوراً ، ومن كيدها ومكرها سنيناً ، فهل ستعيد تلك الدول الكرة ، أم ستكرر التجربة ، كلا والله ، بل ستناضل عن بقاء بني إسرائيل ، كشوكة في حلوق المسلمين ، وقذاة في عيون المؤمنين ، وعقبة في اتحادهم وتعاونهم ، وألفتهم ومحبتهم ، سيما ومجالس الشيوخ والكونجرس يتزعمها اللوبي الصهيوني بأغلبية ساحقة ، فما من قرار يهدف لقتل المسلمين ، أو إرهابهم ، أو إخراجهم من ديارهم ، إلا وبصمتهم فيه ، وزهمهم يفوح منه ، وتوقيعهم يعلوه ، شاهت وجوههم ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، بارك الله لي ولكم في القرآن ، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان ، ورزقنا التمسك بسنة المصطفى من ولد عدنان ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم المنان ، فاستغفروا الواحد الديان ، يغفر لكم ما سلف وكان ، من الذنوب والعصيان .


الحمد لله الرحيم العلام ، الملك القدوس السلام ، يُجري الليالي والأيام ، ويُجدِّد الشهور والأعوام ، أحمد ربي تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعلنا خير أمة أخرجت للأنام ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بدر التمام ، ومسك الختام ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام ، وصحبه الأئمة الأعلام ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، تمسكوا بدينكم ، فهو عصمة أمركم ، وتاج عزكم ، ورمز قوتكم ، وسبب نصرتكم ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
أمة الإسلام ، ومن الوقفات حول الأحداث :
الثاني عشر : أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، تاج الرؤوس ، متربع في النفوس ، لا نسمح لأحد أن يمسه بسوء ، أو يتناوله خبيث موبوء ، فكل يوم تطالعنا الصحف الأوروبية بإعادة نشر تلك الرسوم الساخرة ، والتشدقات السافرة ، ثم يتبعها اعتذار من دولتها ، والتماس من حكومتها ، ألهذا الحد بلغ استهتارهم بنا وبنبينا ، والله لن نقبل منهم عدلاً ولا صرفاً ، ولا اعتذاراً ولا التماساً ، حتى نقيم فيهم حد الله جل وعلا ، إذ لا يدينون بمبادئ دينية ، ولا مذاهب ربانية .
الثالث عشر : الضمور الواضح ، والهدوء الراضخ ، لكثير من ساسة العالم الإسلامي ، وعدم تفاعلهم مع قضية الإساءة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم ، مما استدعى استنكار الشعوب الإسلامية لذلك ، وكان من الواجب ، قطع جميع العلاقات مع الدول الأوروبية دون تمييز ، أو غض النظر عن بعضها ، بل المفترض هو سحب سفراء الدول العربية والإسلامية من جميع الدول الأوروبية ، وطرد سفرائها من بلاد الإسلام ، وليدرك قادة وزعماء العالم العربي والإسلامي معاني هذه الآيات ، قال تعالى : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، وقال تعالى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، وقال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ، وقال تعالى : { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
الرابع عشر : حرية الرأي لا تعني التعدي على الأديان والأنبياء ، بل هي حرية محدودة بحدود ، مضبوطة بضوابط ، لا يُسمح فيها بالاستهزاء بالأشخاص ، أو الأعراف ، أو الأديان ، وهب أن رئيس دولة أو شعبٍ تعرض للسب والشتم والاستهزاء والازدراء ، فما عساها تكون النتيجة ؟ لا شك أن ثائرتهم ستثور ، وسيقيمون الدنيا ولن يقعدوها ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحق أن يُنتقم له ، ويُقاتل من أجله ، وتسفك الدماء لحرمته ، وهو أحق أن يُقتل خنزير أو قرد تجرأ عليه ، فيقطع لسانه ، وتسمر عيناه ، وتبتر يداه ، فأقل ما يُقدم لرسول الإنسانية ، وهادي البشرية ، لهو قطع جميع العلاقات مع دول الكفر ، ولا يغتر مسلم باعتذار بعض دول الغرب الكافرة ، فالكفر ملة واحدة ، قال تعالى : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } ، وقال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } .
الخامس عشر : وجوب التحام الشعوب وحكامها ، والحذر من اندساس من يريد الإيقاع بالأمة ، والاصطياد في المياه العكرة ، من خلال الأحداث الراهنة ، من حرق وتدمير ، وقتل وتفجير ، فكل ذلك سيصب في خزانة فرح الأعداء ، فتريثوا عباد الله ، لئلا تقع من الفتن والمحن ما لا تحمد عقباه ، فتهدر الدماء ، وتقع العداوة والبغضاء ، وهذا ما يريده اليهود والنصارى والعلمانيون والمنافقون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً } ، وقال سبحانه : { وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } .
السادس عشر : أوصي جميع إخواني من الأئمة والخطباء والدعاة ألا يندفعوا اندفاعاً ، يطفئ معه شعلة الدعوة إلى الله ، ويؤثر سلباً على مجريات الأجندة الدعوية ، فالله الله باللين والرفق ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، وكما قال ربنا جل وعلا : { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، نعم ! أيها المسلمون ، لا تحسبوه شراً لكم ، بل هو خير لكم ، فهذه الحادثة فرصة عظيمة للدعوة إلى الله تعالى ، ونشر تعاليم ديننا الحنيف ، وصور من تسامحه وتعاطفه ، ويسر تعاليمه ، والتعريف بنبيه صلى الله عليه وسلم ورحمته ، فربما لا تعود الفرصة ، لاسيما والأعداء بأمس الحاجة اليوم لمعرفة هذا الدين العظيم الذي يغضب له أهله إذا أُسيء إليه ، وينتقمون من أجله ، فهم الآن يتوافدون على المكتبات ، والمراكز الإسلامية المختلفة بحثاً عما يلبي رغباتهم ، ويشبع نهمتم عن دين الإسلام وخصاله والتعريف به .
السابع عشر : أظهرت هذه الأحداث ، المحبة العارمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظهر ذلك جلياً ، أخاف الغرب ، وأرهب أوروبا ، وأرعب أمريكا واليهود ، في كل دولة يقطنها مسلمون ، أظهروا حبهم ودفاعهم وإخلاصهم لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، من خلال مظاهرات سلمية ، واجتماعات مناهضة للحدث ، مما أثار مشاعر جياشة ، وأحاسيس عاطفية ، لدى كل مسلم شاهد تلك الحشود الهائلة ، وهي تحمل لافتات منددة بالإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فمن العاقل الذي ينتقد تلك الغضبة العارمة ؟ بل من السفيه الذي يمنع المسلمين من التعبير عن غضبهم تجاه عدوهم ، مبينين حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، فالله نسأل أن يجمع هذه الجموع في الجنة العالية ، وأن لا يحرمهم رؤية نبيهم صلى الله عليه وسلم ، والشرب من حوضه شربة لا يظمئون بعدها أبداً ، فالمسلمون أخوة ، أولهم وآخرهم ، { وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَۆخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱڎيمَـٰنِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ، فهذه الآية عامة في جميع التابعين والآتين بعد الصحابة إلى يوم الدين ، وفي صحيح مسلم من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللّهَ بِكُمْ لاَحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا " قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : " أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ " ، فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ : " أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ ، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ، أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ " قَالُوا : بَلَىٰ يَا رَسُولَ اللّهِ ! قَالَ : " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ، فَأُنَادِيهِمْ : أَلاَ هَلُمَّ فَيُقَالَ : إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : " سُحْقاً سُحْقاً " ، فاحذروا يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم أن تغيروا دين خليلكم وحبيبكم ، كي تلقوه يوم القيامة عند حوضه ، فتسلمون عليه ، وتشربون من يده الطاهرة الكريمة ، ألا فاثبتوا على دينكم إلى مماتكم ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .
الثامن عشر : الحذر من تخدير العالم الإسلامي بإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ، عبر الصحف الأوروبية ، التي أبانت عن مخططاتها ، وكشرت فيه عن أنيابها ، وأبانت سوء طويتها ، فلقد أظهر القوم حقدهم الدفين ، وحسدهم المكين ، كراهية للدين ، وبغضاً لسيد المرسلين ، صلى الله عليه وسلم ، فهم يعدون العدة لشن حملة واسعة على النطاق العالمي من أجل تشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضيع الحق ، وتنطمس شمس الحقيقة ، فيصبح ليس له مطالباً ، كما يرومون من وراء إعادة نشر تلك المهازل والمزاعم أن يعتاد المسلمون نشر تلك الأوهام الكفرية ، فيصبح الأمر لديهم عادياً ، ويجب أن يزيدنا كل ذلك إصراراً على معاداة أعداء الله ورسوله ، ويزيدنا ثباتنا نحو قضيتنا العادلة ، فلنرفع القامات والهامات ، ولا ننبطح ، أو نعجز أو نكسل في المطالبة بمعاقبة المسيئين وأعوانهم ودولهم ، من أجل ذلك لابد من أخذ أهبة الاستعداد ، لمواجهة ما يستحدث ويراد ، فحذروا يا رعاكم الله من أن تمر عليكم الأحداث مرور الكرام ، فأنتم المستهدفون ، وبها مقصودون ، حتى تنسلخوا من دينكم ، وترضون بسوء حالكم ، وتتركون نصرة نبيكم ، صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } ، فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ، قاتلوهم بأيديكم ، وأموالكم ، وأقلامكم ، ووسائل إعلامكم ، وبالبناء من حواراتكم ، والصحيح من سيرة نبيكم ، فذبوا عن حبيبكم وقدوتكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً ، جاهدوا أعداء الدين ، من الكافرين ، ففي ذلك نصرة لدينكم ، وذوداً عن رسولكم صلى الله عليه وسلم ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما كان من نبي إلا كان له حواريون ، يهدون بهديه ، ويستنون سنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ، ويعملون ما تنكرون ، من جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل " [ أخرجه الطبراني ] ، فكونوا عباد الله خير الحواريين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنكروا المنكر ، وغيروا سيء الأمر .
التاسع عشر : لن نقبل كمسلمين أي تسوية أو وساطة لحل هذه القضية الدينية ، إلا إذا عوقب المجرم ، بالعقاب الرادع والزاجر بحق تلكم الصحيفة الدنسة ، وكل من ساهم فيها بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ الوعود والمواثيق بعدم العودة لمثل تلكم الجريمة مجدداً ، ثم لو اعتذروا وتعهدوا ، فلن نقيم مع أعداء الله ، وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم علاقات ، بل ستقطع جميع العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها ، لأنهم آذوا الله ورسوله ، ومن يؤذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى المسلمين جميعاً ، لأنه رمز من رموزهم ، وأعظم رجل عندهم ، بل هو خير من وطأة رجله الثرى ، فانبروا عباد الله لنصرة حبيب الله وخليله ، ورسوله ومصطفاه .
العشرون : أن لا تأخذنا إساءة المسيء ، بعقوبة البريء ، فهناك أناس من الكفار لم يعجبهم ذلكم الفعل القبيح ، والرسم المشين ، بل أقاموا المظاهرات في بلدانهم احتراماً للأديان والأنبياء ، فليتنبه المسلمون لذلك .
الحادي والعشرون : الخذلان الواضح من قبل وسائل الإعلام في بلاد الإسلام ، فلم نرى قناة أو صحيفة أو إذاعة إسلامية ، أولت الموضوع حقه ، وأعطته قدره ، بل وهنوا لما أصابهم ، والتزموا الحياد في قضية هي قضيتهم ، وهم أولى الناس بالدفاع عنها ، فوسائل الإعلام هي دعيمة للإسلام ، وحصن حصين له ، فإذا لم يستفد منها المسلمون اليوم ، في هذه الأحداث الراهنة ، فمتى سيستفيدون منها ، بل لقد وصل الحال إلى التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر مواقع إلكترونية كموقع إيلاف ، وموقع قناة العربية ، في سب علني للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو عمل استفتاء لتعتيم القضية ، وتصغير الموضوع أمام الرأي العام المسلم ، حتى يقبل المسلمون ذلك ، ويعتقدون أنها قضية شخصية تهم رسول الله وحده ، دون أن يدافع عنه مسلم ، صحيح لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ، لكان هو أملك بالدفاع عن نفسه بأي طريقة شاء ، فإما أن يعفو ، وإما أن ينتقم ، لكنه مات صلى الله عليه وسلم ، وترك لنا مقاليد الدفاع عنه ، والذود عن عرضه الشريف ، ومكانه العالي النسب ، فهبوا أمة المليار لدفاع عن نبيكم صادق الأخبار .
الثاني والعشرون : في هذه الأوضاع المترادفة ، والطقوس المزدلفة ، ظهرت فئة المنافقين من بني علمان ، وهكذا هو دأبهم ، ينتظرون الأزمات ، والخطوب المدلهمات بالأمة ، فيصطادون في مستنقعات الاستخفاف ، وبؤر الإسفاف ، وليس غريباً عليهم ذلك ، فكبيرهم عبدالله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين وجدهم ، قد فعلها قبلهم يوم أحد ، حيث انهزم هو وجنوده وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يواجهون جيش المشركين ، ظناً منهم أنه سيقضى عليهم ، ونسوا أن الله ناصر رسول والمؤمنون لا محالة ، فأحداث اليوم أبانت أحفاد رأس المنافقين ، فلا غرابة ولا عجب أن يصطادوا في مياه عكرة ، علهم أن ينالوا شيئاً يسيئون به إلى الإسلام ، ورسول السلام ، ونبي الوئام ، قال تعالى : { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، ولقد فضح الله مخططاتهم في كل الصحف الإسلامية ، حتى عرفهم الصغير قبل الكبير ، والعامي قبل العالم ، والطالب قبل المعلم ، فلعنهم الله لعناً كبيراً ، وأخذهم أخذاً وبيلاً ، وشتت شملهم ، وفرق كلمتهم ، وأوهن قواهم ، وأضعف شوكتهم ، إنه نعم المولى ، ونعم النصير ، يريدون إثارة الفوضى ، وتشويه العلماء ، وسب الحكام ، وانقلاب الشعوب عليهم ، لمعرفتهم أنهم مدعومون من الخارج ، أمريكياً أو يهودياً أو غير ذلك من الطوائف والأحزاب ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، قال تعالى : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } .
فمن عرفهم وتأكد منهم فعليه بهم ، وبشخصياتهم ورؤسائهم ، فرؤوسهم قد أينعت وحان قطافها .
الثالث والعشرون : أفرزت هذه الأحداث ، وجود فئة من السفهاء والسذج والجهال من أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم ، الذين لا زالوا يُكسبون الغرب الكافر ويُربحونه ، ويزيدون من رفع اقتصاده وينمونه ، بشراء منتجات دول أوروبا سيما الدنمرك ، ولا يعرف العاقل واللبيب ما هذه التصرفات الرعناء ، والأفعال الغوغاء ، ألهذا الحد وصل الجهل والسذاجة بأبناء المسلمين ، أم أن سب نبيهم صاحب النسب الشريف ، والمقام العفيف ، العالي الكثيف ، لا يمثل لهم طعنة في عقيدتهم بسكوتهم ، وشرخاً في قلوبهم جراء تعاميهم وتجاهلهم ، فليفيقوا من نومهم ، وليصحوا من رقدتهم ، فالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم دين ندين الله به ، ونتقرب بحبه إلى الله تعالى ، فقد أظهرت الأحداث المؤلمة هشاشة إيمان كثير من المسلمين ، وضعف تمسكم بدينهم ، وخور دفاعهم عن الحق ، فما هم إلا كالإمعة ، إن أحسنهم أحسنوا ، وإن أساء الناس أساءوا ، فيا حسرة على تيه العباد ، أوقد ألماً في الفؤاد ، وليعلم كل من يشتري منتجات الكفار ، أنه معين لهم على معصية الله تعالى ، وأنه راض بما هم عليه من الكفر ، وأنه موالٍ لهم ، وساكت عن سبهم لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك من نواقض الإسلام ، المخرجة من دين الملك العلام .
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية