اطبع هذه الصفحة


آهات وصرخات ونداءات

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله مصرِّف الأمور ، ومقدِّر المقدور ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ [ غافر 19] ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وهو الغفور الشكور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنفع يوم النشور ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ، ومضاعفة الأجور ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور .
نحن في زمن ضعفت فيه الهمم ، وقلت العزائم والشيم ، ضعف الوازع الديني عند المسلمين ، قل الخوف من الله ، نزعت الرهبة ، وزالت التقوى ، إلا بقايا ممن رحم الله وعصم ، وإلا فغالبية المسلمين أهمهم الفائز في برنامج ( استار أكاديمي ) ، ومن يحصد المليون دولار ، ومسلسلات هابطة تدعو للرذيلة ، وتُذهب الفضيلة ، ومباريات في أوقات الصلوات ، وهلم جرا ، تفريط في الواجبات ، وترك للمأمورات ، وارتكاب للمنهيات ، فاللهم رُحماك رُحماك ، ألا وإن المستقرئ لأوضاع الأمة ليأكله الندم ، وتقتله الحسرة ، على ما آلت إليه الأوضاع ، كثر الناصحون ، وزاد المشمرون ، يسعون للصلاح والإصلاح ، لانتشال الأمة من هيامها ، وانتزاعها من غرامها ، فلا تجد إلا أجساداً لا عقول لها ، و قلوباً عليها أقفالها ، بل ربما أبغضوا الناصحين ، وأضمروا لهم الشر المبين ، أخرج بن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ ، أَوْ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً " .
والقابض على دينه اليوم كالقابض على جمرة ، أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّه قال : قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُوشِكُ أن يكونَ خَيْرَ مالِ المُسْلمِ ، غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبالِ ، وَمَواقِعَ القَطْرِ ، يَفِرُّ بدِينهِ مِنَ الفِتَن " .
فإذا كان هذا هو واقع الأمة فلا غرابة أن تأكلها دول الكفر ، وتستفرد بها دولة تلو الأخرى ، كما هو حاصلٌ اليوم ، عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يوشك الأمم أن تَداعَى عليكم ، كما تَداعى الأكلةُ إِلى قصعتها " ، فقال قائل : ومن قلةٍ نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غُثاء كغثاءِ السَّيل ، ولينزعنَّ الله من صدورِ عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ في قلوبكم الوَهن " ، قال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : " حبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموت " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني ] .
نحن أمة المليار ونصف المليار ، يخبو ضوءنا ، وتموت نارنا ، ويسيطر علينا عدونا ، نحن خمس القارة الأرضية ، وتُهمل أحوالنا ، وتضيع حقوقنا ، لأننا غثاء كغثاء السيل ، كثيرون وقلوباً شتى ، ألهتنا المصالح الشخصية ، عن المصالح العامة ، فلا ريب أن ينهال علينا الغرب الكافر ضرباً ورفساً وركلاً .
فمتى ندرك أننا أمة مجاهدة في سبيل الله ، أمة جعلها الله خير الأمم ، لتكافح وتدافع عن دينها ومقدساتها وأهلها ، أم أننا ننتظر في طابور الموت ، متى تدك حصوننا أمريكا وأعوانها ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا } [ النساء71 ] ، وقال سبحانه : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا } [ النساء102 ] .
كانت تلكم مقدمة في صلب موضوع شائك ، ألا وهو معاملة الأسرى المسلمين في معتقلات القوات الأمريكية والبريطانية ، وما يُعاملون به من وحشية وتعذيب ، لانتزاع اعترافاتهم من أجل موضوعات رسموها ليس لها وجود على الخارطة الأرضية ، وإني لأتساءل كما يتساءل الملايين من الغيورين أين تلكم المنظمات والهيئات والأمم التي تدعي حفظ حقوق الإنسان ؟ .
فمنظمة حقوق الإنسان الدولية اليوم ، استمدت أحكامها من قوانين وضعية ، لا تمت لأي دين بصلة ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل ليعلم الغافل والمداهن والجاهل ، والجبان والخائف والعاقل ، أن حقوق الإنسان الغربية المزعومة ، هي حقوق للكفار فقط ، أما المسلمون في كل أصقاع المعمورة فليس لهم حقوق إنسانية ، بل ليس لهم من يطالب بحقوقهم ، وإذا أردنا إيراد الأدلة ، فعليك بمجلد من النوع الكبير جداً ، لتسجل فيه انتهاكات الدول الكافرة لحقوق المسلمين ، وربما ينوء بحمله ، فتحتاج لمثله ، إن ما حصل للمسلمين في فلسطين منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً وهي ترزح تحت الاحتلال الصهيوني ، وحتى يومنا هذا لهو أعظم الأدلة على انتهاك القوم لحقوق الإنسان المفتراة ، فاليهود قاتلهم الله سجنوا كل من تطوله أيديهم من رجال ونساء وأطفال ، وفي سجونهم يلقى المسلمون من العذاب وشدة النكال ، ما لم يخطر على بال ، حتى أنهم استخدموا السجناء الفلسطينيين للتجارب الطبية بدل الجرذان والفئران ، فأين حقوق الإنسان ؟ .
ودعوني أتحدث عما يعرفه الناس ، وشاهدوه بأم أعينهم ، عبر الشاشات والصحف والمجلات ، ولكن طوته صفحات النسيان ، وهو في الذاكرة عالق في الأذهان ، تلكم المأساة التي حدثت في البوسنة والهرسك وراح ضحيتها آلاف المسلمين ، ما بين قتلى ، وجثث تدفن وترمى ، ونساء ثكلى ، وأطفال هلكى ، وأسر جوعى ، أحول تدمى لها القلوب المسلمة ، وتتفطر منها النفوس المؤمنة ، مقابر جماعية ، وإيذاء وأذية ، ووحشية وهمجية ، وأعمال إجرامية ، فهل ينسى تلكم الأحداث مسلم غيور على دينه ، غيور على محارمه ، كلا ، لا ينكر ذلك مسلم آمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً .
وهل نسي العالم بأسره ما حصل في كوسوفا ، لم يترك الصرب وسيلة وحشية تعذيبية إلا استخدموها ، تحت مرأى ومسمع من مجلس الأمن الدولي ، وهيئة الأمم المتحدة ، اغتصاب للمسلمات ، بقر لبطون الحوامل ، قتل للأب أمام أفراد أسرته ، انتهاك للأعراض أما أعين الآباء والأمهات ، أشلاء ممزقة ، دماء تراق ، رقاب تزال ، أركان تقطع ، وكما هو الحال بحكام الإسلام _ هداهم الله _ استنكار وشجب وتنديد ، لم يتجاوز طاولة الحوار ، ثم نجدهم يضربون بيد من حديد لمن ينكر عليهم هذا التخاذل ، ومن يحثهم لمواجهة الأعداء ، ومجابهة الألداء ، فيالها من فضيحة وعار ، وخزي وبوار .
ولا زالت موجة الحقد الصليبية تندفع بقوة ، وتنفث سمومها بشدة ، نحو دول الإسلام ، والأقليات المسلمة في العالم أجمع ، حتى شاهدنا ما حصل للمسلمين في أفغانستان ، وتبعهم الشيشان ، مآس تموت لها قلوب الصالحين ، وتتقرح لها أكباد المخلصين ، ولازال السكون والدعة هي سلاح الحكام _ أصلحهم الله _ الذين سيسألون عن خذلان إخوانهم المسلمين في كل مكان ، ولا يُقبل أي عذر في هذا التواني والتراخي الإسلامي الواضح ، الذي بسببه تعدى الكفار على شعائر الدين الإسلامي ، تعدياً سافراً ، وانتهاكاً صارخاً ، مزقوا كتاب الله تعالى ، وأحرقوه ، وأودعوه دورات المياه ، بل فعلوا أعظم من ذلك ، مزق الله ملكهم وملك من ساندهم ، أو سكت على فعلهم .
ثم تبع تلكم المهازل ، الاستهزاء بمن حاز أعظم المنازل ، الحبيب صلى الله عليه وسلم ، في رسوم مهينة ، وصور مشينة ، وتالله لو كانت لأحد الرؤساء لأقام الدنيا ولم يقعدها ، بل ربما أقام حرباً ضروساً ضد أصحابها ومصوريها ، وقطع العلاقات كلها ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من تقطع العلاقات لأجله ، وأجل من وقعت حرب لقدره ، ولكن كما تعودنا منهم _ أيدهم الله بالحق _ رعونة في القرارات ، وخضوع لأمريكا وحلفائها ، خوفاً وهلعاً ، ونسوا أن الله جل وعلا تكفل بنصرهم على عدوهم إذا نصروا ربهم ، وأقاموا شرعه في أرضه ، ولقد بُحت الحناجر ، وذهب صوتها ، وضعف رجاؤها ، وهي نُذَكِّر الناس بأن نصر الله قريب ، ثم لا تجد مجيباً ولا مستجيب ، قال الله تعالى : { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الأنفال26 ] ، وقال تعالى : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [ آل عمران111 ] .
وبعد هذا التعدي الآثم ، والتصرف الغاشم ، ضد نبي الإنسانية ، ورسول البشرية _ عليه من ربه أفضل صلاة وأزكى سلام _ نهق أمريكي في إذاعته ، يصف تساقط الحجيج حول الجمرات بأنهم كالبهائم ، وما علم الخنزير الجنزير ، أنهم شهداء عند الله ربهم ، لأن من مات بالبطن فهو شهيد ، وقد ماتوا تحت الأقدام دهساً ، فتقبلهم الله في الشهداء ، وكل يُبعث على ما مات عليه ، فسوف يُبعثون يوم القيامة ملبين ، بإذن رب العالمين ، ولم نرى أي رد في أي وسيلة إعلامية مسلمة على ذلك النجس الرجس ، فاللهم أخرس لسانه ، واقطع أركانه ، ورد كيده في نحره يا مجيب الدعوات ، يا قاضي الحاجات .
وفي إيطاليا وأمريكا ابتدعوا طريقة يهينون بها المسلمين ، ويلقمونهم التراب ، ويستهزءون بنبيهم وحبيبهم _ صلى الله عليه وسلم _ في عمل قمصان تحمل صوراً يشوهون بها نبي الهدى والرحمة ، فأسأل الله بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، أن يجعلها ثياباً من نار ، تكون من فوق رؤوسهم كالحميم ، يصهر بها ما في بطونهم والجلود ، ولهم مقامع من حديد ، يا قوي يا شديد ، يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام .
ولا زال مسلسل إراقة الدماء المسلمة يتطاول ، والوجوم الرهيب من المسلمين يتواصل ، حتى أزهقت أنفس الأقليات المسلمة في كل مكان يُذكر فيه اسم الله تعالى ، في أمريكا وأوروبا وأسيا وإفريقيا ، بل وصل الأمر إلى سجن الدعاة والعلماء في بلاد الإسلام ، لا لشيء ، إلا لأنهم قالوا اتقوا الله ، ودافعوا عن إخوانكم ، وجاهدوا في سبيل ربكم ، ولكنه الركون إلى الدنيا ، والتمسك بالكراسي الخداعة ، والمناصب البراقة ، قال تعالى : { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص83 ] ، فأي دين يدين به أولئك الناس ؟ وأي عدل ينشدونه ؟ وأي جنة يطمعون بها ؟ وهم يحاربون الله ، ويخذلون رسوله ، ويعادون أوليائه ، قال تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس62 ] ، وقال عز وجل : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [ المائدة55 ] ، وقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران21 ] .
واليوم زادت حمأة القوم الكافرين ، وتضاعفت سطوتهم على المسلمين ، حتى بلغت عقر دارنا ، يرسمون خطة ، ويضعون خدعة ، يضاهؤون فعل اليهود _ هزمهم الله _ يدسون الدسائس ، ويحيكون المكائد ، ليوقعوا بين المسلمين ، فمرة يدعمون صدام لغزو الكويت ، ثم ضخموا الأمر حتى بينوا للرأي العام العالمي أنه ينوي اجتياح السعودية ، فكانت أعظم ذريعة لدخول القوات الأمريكية إلى الجزيرة العربية خاصة ، والشرق الأوسط عامة ، وهكذا بدأت الأحداث الدموية التي لم يحسب لها المسلمون حساباً ، وهاهم يسددون ثمن أخطائهم ، ويدفعون فواتير ثقتهم بعدوهم ، الذي أكل الأخضر واليابس ، وأذاق المسلمين سعيراً ، وعذاباً أليماً .
وأيم الله أن نار صدام حسين ، أهون من جنة أمريكا وبريطانيا لأهل العراق ، التي أذلت العزيز ، وأهانت الكريم ، وقتلت المسلم ، وتركت الكافر ، وحدث عن ديمقراطية أمريكا ولا حرج ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، اللهم إنا نبراً إليك مما فعلت أمريكا وأعوانها ، ونعتذر إليك مما فعلت الأمة الإسلامية وتفرقها .
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، جُن جنون البقر الأمريكي كما يزعمون ، للانتقام والأخذ بالثأر ، ولا يدري العالم حتى هذه الساعة ما حقيقة برجي التجارة العالمي ، هل هناك يد يهودية للإيقاع بين المسلمين وأمريكا ، أم أنها خطة أمريكية في سبيل الحصول على الثروات العربية والإسلامية ، تحت غطاء مكافحة الإرهاب ؟ وأقسم بالله أنه ليس هناك إرهاب أعظم مما تفعله أمريكا وبريطانيا بالمسلمين في معتقلاتهم وسجونهم .
الحاصل ! أنه بعد أحداث برجي التجارة ، أعدت أمريكا العدة ، وأخذت الاستعداد والأهبة ، لمحاربة الإرهاب وأهله ، ويالها من ذريعة مكشوفة ، وحيلة ملفوفة ، وبدأت ببث الشائعات من خلال أجهزة أمنها ، ووسائل إعلامها ، أن المسلمين أهل إرهاب ، ويريدون امتلاك العالم ، والهيمنة عليه ، ولا شك أن الغرب الإلحادي المادي يخشى على نفسه ، أن يصيبه ما أصاب شقيقته في السير الأجوف ، والظلام الحالك ، ونجحت الخطة ، وانطلت على سُذج المسلمين ، حتى بدأ العملاء التعساء ، في نزع فتيل الإرهاب المزعوم ، وإشعال نار الإرعاب الموهوم ، والقبض على كل من له صلة بأي حادثة أمريكية في العالم _ كالمدمرة كول _ فوقع في الأسر أسود ونمور ، باعوا الدنيا وطلقوها ، واشتروا الآخرة وخطبوها ، يريدون تدمير دولة الشر الأولى في العالم ، وتخليص البشر من حقدها وحسدها ، وكبريائها وجبروتها ، لكنَّ هناك ساسة مطيعين بارين بأمهم أمريكا تحت تهديد واضح ، وركوع راضخ ، فكم مُلأت بالأبطال السجون الإسلامية ، ليتم تسليمهم لمعتقلات الكفار ، وأيم الله إن ذلك لخروج عن حوزة الإسلام ، ودخول في حياض الكفار ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ المائدة51 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [ التوبة 23 ] ، وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } [ الممتحنة 1 ] ، والآيات في ذلك كثير معلومة .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " [ قال الهيثمي : أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجالهم رجال الصحيح ] .
وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم قال : " لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ ، اجْتَمَعُوا عَلى قَتْلِ مُسْلِمٍ ، لَكَبَّهُمُ الله جِمَيْعاً عَلى وُجُوْهِهِمْ في النَّارِ " [ أخرجه الطبراني في الصغير ] .
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " مَنْ شَرَكَ فِي دَمٍ حَرَامٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْه آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله" [ أخرجه الطبراني ] ، قال الطيبي : هذا وعيد شديد لم ير أبلغ منه .
عن أبـي هريرةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أعانَ علـى قتلِ مسلـمٍ بشطرِ كَلِـمَةٍ ، لَقِـيَ الله يومَ القـيامةِ مكتوبٌ علـى جَبْهَتِهِ : آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله " [ أخرجه ابن ماجة والبيهقي وأبو يعلى ] ، قال سفيان بن عيينة : هُوَ أَنْ يَقُولَ : أُقْ ، يَعْنِي لاَ يُتِمُّ كَلِمَةَ اقْتُلْ .
وهذه النصوص الشرعية وغيرها تدل على حرمة قتل المسلم ، أو التعاون على قتله ، أو الإشارة والدلالة على مكانه ليقتله الكافر ، وعقوبة ذلك غليظة عظيمة ، وهي تكفير من فعل ذلك ، ومصيره نار جهنم ، وغضب الله عليه ، وهو آيس من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، ومع ذلك لم تسع من دل على مسلم ليقتله كافر ، كما هو الحال اليوم في المعتقلين في سجن جوانتنامو وسجن أبو غريب والسجون في فلسطين وأفغانستان وغيرها من السجون التي يقبع خلف قضبانها آلاف المسلمين الأبرياء ، الذين سلمهم رؤساء الدول العربية والإسلامية طاعة لأمريكا ، وعصياناً لله تعالى ، ضاربين بأحكام القرآن والسنة عرض الحائط ، قال سبحانه : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء14 ] ، فأين يذهب أولئك من عذاب القبر ، وعقاب الحشر ، ماذا سيقولون لجبار السموات والأرض ؟ ملك الملوك ، وقاهر الخلق أجمعين .

وفيما يتعلق بالأسرى المسلمين في سجن جوانتنامو ، طالب الاتحاد الأوروبي ، والأمم المتحدة ، ومنظمة حقوق الإنسان ، من أمريكا أحد أمرين :
الأول : محاكمة أولئك المعتقلين المعذبين ، منتهكي الحقوق ، في محكمة محايدة .
الثاني : أو إطلاق سراحهم فوراً دون قيود أو شروط .
وإن كانت المطالبة متأخرة كثيراً ، إلا أنه أذهلهم ما يرون ويسمعون من عذاب تنهد له الجبال .
فهل نادى أصحابنا بحقوق الأسرى ؟ هل عقدت المؤتمرات لفدائهم ؟ لم نسمع طلباً ، أو استنكاراً ، للانتهاكات الخطيرة التي تحصل في سجون الكفار بحق الأسرى المسلمين ، ولا ريب أن ذلك أمر خطير ، ووبال كبير ، لاسيما وهم يدينون بالإسلام ، وترابطهم رابطة الأخوة في الدين ، والله تعالى يقول : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة71 ] ، فإن لم يفعلوا ما أمرهم الله به في هذه الآية من التناصر والمودة فيما بينهم ، وإلا فلن يرحمهم الله .
وقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات10 ] .
وأمتِّع الأسماع ، وأكحل الأبصار ، بهذا الحديث العظيم ، عن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يَظلمُه ، ولا يُسلِمُه _ لعدوه _ ومَن كان في حاجةِ أخيهِ ، كان الله في حاجتهِ ، ومَن فَرَّجَ عن مُسلمٍ كُربَةً ، فرَّجَ الله عنهُ كُربةً من كُرباتِ يومِ القيامةِ ، ومَن سَتَرَ مُسلِماً سَترَهُ اللهُ يومَ القيامة " [ متفق عليه ] .
وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، وَلاَ يَحْقِرُهُ " .
لقد وضع رسول الإسلام ، خير الأنام ، أعظم الكرام _ عليه أفضل صلاة وأزكى سلام _ حقوق الإنسان قبل أكثر من 1420سنة ، عندما اجتمعت الأمة في حجة الوداع ، وحضر مراسيم وضع بنود هذه الحقوق أكثر من مائة ألف مؤمن آنذاك ، وكلهم روى ما حصل في ذلك اليوم الأغر ، عنِ عمرَ بن الخطاب رضيَ اللّه عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى : " أتدرونَ أيَّ يوم هذا ؟ قالوا : اللّهُ ورسولهُ أعلم ، قال : فإنَّ هذا يومٌ حَرام ، أتَدرونَ أيَّ بلد هذا ؟ قالوا : اللّه ورسولهُ أعلم ، قال : بلدٌ حرام ، أفَتدرونَ أيَّ شهر هذا ؟ قالوا : اللّهُ ورسولهُ أعلم ، قال : شهرٌ حَرام ، قال : " فإن اللّه حرَّم عليكم دِمَاءَكُمْ ، وأموالكم ، وأعراضَكم ، كحرمةِ يومِكم هذا ، في شهرِكم هذا ، في بلدِكم هذا " [ متفق عليه واللفظ للبخاري ] .
نعم أيها الناس في شتى البقاع ، وبين القلاع _ إنه محمد بن عبد الله ، صاحب الخصائصَ الفِخام ، والفضائلَ العِظام ، نبي في السّنَاء والبهاء هو الأبهَر ، وفي أمداء الطهر والروح هو الأطهر ، أعلاه الله وأظهَرَه ، وقدَّسه وطهّرَه ، وجّه لطاعته الوجوهَ ، وفرض على عباده أن يوقروه ، وأوجب عليهم أن يحترموه ويعزروه ، صلى الله وسلم عليه _ كفل للإنسانية حريتها وكرامتها ، وللبشرية واجباتها وحقوقها ، حرم التعرض للنفس أو المال أو العرض أو العقل أو الدين ، وهي الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها ، وحرم التعرض لها .
فهل احترم الكفار مشاعر المسلمين اليوم ، لما دنسوا كتاب الله ، وسبوا رسول الله ، وجردوا الأسرى من ملابسهم ، وتركوهم عراة ، في أساليب من التعذيب والقهر لم يشهد لها التأريخ مثيلاً .
الإسلام دين الرحمة والعدل ، دين الشفقة والعطف ، دين المعاملة الحسنة ، عن عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ يَشهدُ أن لا إله إلا الله ، وأني رسولُ الله ، إلا بإحدى ثلاث : النفسُ بالنفس ، والثيبُ الزاني ، والمفارقُ لدِينه التاركُ للجماعة " [ أخرجه البخاري ] .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفسه " [ أخرجه الدار قطني وغيره ] .
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدود على الجناة ، فقتل القاتل ، ورجم الزاني والزانية ، وقطع يد السارق ، وجلد ، ومع ذلك فهو أرحم الناس بالناس ، لكنها حدود الله ، ولابد للحدود من تنفيذ ، وللشريعة من تطبيق .
وكان هديه _ صلى الله عليه وسلم _ في تعامله مع الأسرى أكمل هدي وأحسنه ، وأجل خلق وأكمله ، كان كله رفقاً ورحمة ، وعطفاً وشفقه ، عن أبي هريرة رضيَ اللَّهً عنه قال : بَعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبلَ نجدٍ ، فجاءت برجل من بني حنيفةَ يقال له : ثُمامة بن أُثال ، فرَبطوهُ بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندَك يا ثمامة ؟ فقال : عندي خيرٌ يا محمدُ ، إن تَقتلني تَقتلْ ذا دم ، وإن تُنعِم تنعم على شاكر ، وإن كُنْتَ تريدُ المالَ فسلْ منه ما شئتَ ، فتُرِكَ حتى كان الغَد ثم قال لهُ : ما عندَك يا ثمامة ؟ فقال : ما قلتُ لك : إن تُنعِم تنعم على شاكر ، فتركه حتى كان بعدَ الغدِ فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك ، فقال : أطلقوا ثمامة ، فانطلَقَ إلى نخلٍ قريبٍ من المسجدِ فاغتسلَ ، ثم دخل المسجدَ فقال : أشهد أن لا إلهَ إلاّ الله ، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله ، يا محمد ، واللَّهِ ما كان على الأرض وجهٌ أبغضَ إليَّ من وَجهك ، فقد أصبحَ وَجهكَ أحبَّ الوجوهِ إليّ ، واللَّهِ ما كان من دِينٍ أبغضَ إليَّ من دِينك ، فأصبح دينك أحبَّ الدِّين إليَّ ، واللَّهِ ما كان من بلد أبغضَ إليَّ من بلدك ، فأصبحَ بلدكَ أحبَّ البلاد إليّ ، وإن خَيلَكَ أخذتني ، وأنا أُريد العمرةَ ، فماذا ترى ؟ فبشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمَرَه أن يَعتمر ، فلما قدِمَ مكة قال له قائل : صَبوت ؟ قال : لا والله ، ولكن أسلمت مع محمد رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ولا واللَّهِ لا يأتيكم من اليمامَةِ حَبةُ حِنطة حتى يأذَن فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم " [ متفق عليه ] .
يوم بدر لما أسر المسلمون سبعين من المشركين ، كانت المعاملة غاية في احترام حقوق الإنسان ، وقد استشار النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أصحابه في كيفية التعامل مع الأسرى ، فكانت مداولات ومشاورات ، وإليك نص الحوار ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لما كان يوم بدر ، هزم الله عز وجل المشركين ، فقتل منهم سبعون رجلاً ، وأسر منهم سبعون رجلاً ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعلياً وعمر رضي الله عنهم ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا نبي الله ! هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم للإسلام فيكونون لنا عضداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال : قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر رضي الله عنه ، ولكني أرى أن تمكنني من فلان ـ قريباً لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن علياً رضي لله عنه من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان ـ أخيه ـ فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم ، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ، ولم يهوَ ما قلت ، فأخذ منهم الفداء ، فلما أن كان من الغد قال عمر رضي الله عنه : غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر رضي الله عنه ، وإذا هما يبكيان فقلت : يا رسول الله :! أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الذي عرض عليّ أصحابك من الفداء ، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة ، لشجرة قريبة ، وأنزل الله عز وجل : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال 67 ] ، إلى قوله ، { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } من الفداء [ الأنفال 68 ] ، ثم أحل لهم الغنائم ، فلما كان يوم أحد من العام المقبل ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر ، من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفرّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، وأنزل الله تعالى : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ آل عمران 165 ] ، بأخذكم الفداء . [ متفق عليه واللفظ لأحمد ] .
وما أعظمها من كلمة قالها أعظم رجل منذ خلق الله البشرية ، عندما تمكن من أهل مكة وكادوا أن يكونوا أسرى ، ظهرت رحمته وشفقته ، ولم يرد للأسرى العذاب النفسي ، والموت البطيء داخل سجون المسلمين _ وهم أحق بذلك _ لما فعلوه بنبيهم من تكذيب وطرد وجراح ، ومع ذلك تمثلت الرحمة المحمدية ، والرأفة المصطفوية عندما قال لهم : " ما تظنون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال كلمته التأريخية المشهودة : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، هكذا فلتعامل الأسرى .
فكان النبي _ صلى الله عليه وسلم _ يعامل الأسرى معاملة حسنة طيبة ، من كان له فداء أطلقه وأخذ المسلمون الفداء ، ومن ليس له فداء ، بقي يعلم المسلمين القراءة والكتابة ، حتى يحفظوا كتاب الله تعالى ، ويكون لديه عشرة من المسلمين يعلمهم ، فإذا تعلموا كان فكاكه من الأسر ، مع ما يأتيه من الطعام والشراب ، وعرض الإسلام عليه ، دون تشديد أو تعذيب أو تهديد .
اليوم وعبر الشاشات المرئية ، والصحف المقروءة ، شاهد العالم كيف تعامل أمريكا أسرى المسلمين ، شهد العالم ديمقراطية أمريكا ، وطريقتها الوحشية في معاملة الأسرى ، في سجني جوانتناموا وأبو غريب ، وشاهد العالم ما فعله البريطانيون بأطفال عراقيون ، ضرب بالهراوات ، وطرق بالأخشاب على أجساد نحيله ، ولازالت مشاهد القهر والاستبداد مستمرة في فلسطين ، قتل همجي ، وتعدي جسدي ، فإلى متى هذا الذل ، وتلك الرعونة .
يجب على حكام المسلمين استنقاذ كل الأسارى من المسلمين في سجون الكفار ، لاسيما أسرى معتقل جوانتناموا ، الذي راح ضحيته الآلاف من المسلمين الأبرياء الذين لا ذنب لهم ، إلا أنهم مسلمون ، وقد قرر العلماء وجوب فكاك الأسير من سجون الكفار ، حتى لا يعذبونه فربما ارتد عن دينه ، أو فُتن فتنة لا يستطيع مقاومتها ، فيخون دينه وأمانته وأمته .
قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا } [ النساء75 ] ، قال القرطبي رحمه الله : أوجب الله تعالى الجهاد لإعلاء كلمته ، وإظهار دينه ، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده ، وإن كان في ذلك تلف النفوس .
فإنقاذ الأسرى واجب بالنفس والمال ، والمال أولى لأنه دون النفس ، وأهون منها ، عن أبي موسى رضيَ اللهُ عنهُ قال : قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " فُكُّوا العانيَ ـ يعني الأسيرَ ـ وأطعِموا الجائعَ ، وعُودوا المريض " [ أخرجه البخاري ] .
وإذا طلب الكفار فدية من المسلمين لإنقاذ أسراهم ، وجب على جميع المسلمين فداءهم ، وحرم خذلانهم ، قال تعالى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } [ البقرة 85 ] .
قال بن العربي : نصرة المسلمين المستضعفين في بلاد الكفار ، وإنقاذهم منهم واجب ، حتى لا تبقى منا عين تطرف ، إن كان عددنا يحتمل ذلك ، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم من بلاد الكفار وسجونهم ، حتى لا يبقى لأحدنا درهم .
قال تعالى : { وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ الأنفال 72 ] .
وقد أجمع العلماء على وجوب نصرة المسلم واستنقاذه من أيدي الكفار .
ونحن اليوم نرى ونشاهد ، ونسمع ونعاين ، آهات وصرخات المعذبين والمعذبات من المسلمين والمسلمات ، يستنصرون بالمسلمين في كل مكان ، لإنقاذهم من الذل والهوان ، والعذاب الذي لا يطاق ، نساؤنا يحملن سفاحاً من الجنود الأمريكيين والبريطانيين واليهود الإسرائيليين ، والأمة تضع كفاً على كف تشجع في الملاعب كرة من الجلد ، وآخرون يسكبون الدموع على بطل الفلم الذي مات ، وغيرهم يتابع وبشغف برامج الطبخ ، والأكل والنفخ ، والمأساة انشغال المسلمين بأمور تمهد لهم الطريق إلى جهنم والعياذ بالله ، انعدام الغيرة ، وقتل للفضيلة ، مصائب ومثالب تموج بالأمة ذات اليمين وذات الشمال ، ليس لها من دون الله كاشفة .
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الأموال ، وفضول الأحوال ، والقدرة والعدد ، والقوة والجلد ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لأن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي المشركين ، أحب إلي من جزيرة العرب " [ أخرجه بن أبي شيبة ] .
وأسرى المسلمين اليوم في عنق كل حاكم من حكام المسلمين ، فهم عنهم مسؤولون ، وبهم مرتهنون ، ويوم القيامة يحشرون .
نسأل الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمراً رشداً ، يعز فيه أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، اللهم ول على المسلمين خيارهم ، واجعلهم حماة لدينك ، ونصرة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم ، عذاباً على أعدائهم ، اللهم أيد الحكام بالعلماء الربانيين ، وجنبهم المنافقين العلمانيين ، اللهم انصر من نصر الدين ، واخذل من خذل المؤمنين يا رب العالمين ، اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية