اطبع هذه الصفحة


أدركوا بيوت الله عز وجل

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الثقلين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين . . وبعد :
نداء عاجل لكل من يهمه الأمر .
نداء لكل من يخاف الوقوف بين يدي الله تعالى .
نداء لكل من بيده الحل والربط .
نداء إلى وزير الشؤون الإسلامية .
نداء لجميع فروع الوزارة .
نداء لكل خطيب وداعية يخشى الله تعالى .
نداء لكل إمام مسجد أنيطت به مسؤولية المسجد وأمانته .
أن يتقوا الله تعالى في بيوت الله ، أن يخافوا الله عز وجل في المصلين الخاشعين القانتين .
أن يضربوا بيد من حديد على أيدي أولئك السفهاء الجهال الذين آذوا المصلين الساجدين الراكعين التالين لآيات الله تعالى .
أن يوجهوا وينصحوا ويرشدوا الناس كافة ، إلى تحريم أذية المسلم .
أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، فقد أضحت بيوت الله تعالى أماكن لعرض أحدث أنواع الموسيقى والأغاني عبر الجوالات .
لقد حصل في مسجدنا أن أحد جماعة المسجد ، انبعثت من جواله أغنية كريهة ، مما جعل الجميع يضيق بها ضرعاً ، وانتهره الكثير بعد الصلاة ، حتى بدى في موقف محرج لا يُحسد عليه .
وآخر خرج من جواله صوت موسيقى صاخبة والعياذ بالله ، مما جعل البعض يلعن ويسخط ، ويدعو عليه ، وبعد الصلاة ، لم يكن له وجه يواجه به الناس ، والأعين كلها ترقبه وترمقه ، وكان في موقف لو رأيته ، لما تمنيت أنك مكانه ولو أعطوك كذا وكذا .
ولأجل هاتين الواقعتين الذميمتين كانت هذه الأسطر ، والتي أقول فيها :
من كان يصدق أن مساجد المسلمين أصبحت أمكنة لعرض أنواع الموسيقى والأغاني ؟ من كان يعتقد أن بيوت الله تعالى أضحت مسرحاً لعرض أصوات الطرب والأهازيج ؟ .
لقد عجز الأعداء أن يحولوا بيوت الله إلى كنائس أو حتى أماكن مشتركة للعبادة ، تُدق فيها النواقيس والأجراس ، ولكن وبحيلهم الخبيثة ، ومكرهم ودهائهم المقيت ، استطاعوا أن يجعلوا لهم أذناباً من أبنائنا وإخواننا ليكونوا خير معين لهم على تنفيذ مآربهم ، وتنفيذ خططهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لقد أيقن الكفار أن الصلاة هي أعظم شعيرة عند المسلمين ، هي التي تربطهم بربهم ، وهي التي تريحهم من همومهم ، وتنفس عنهم غمومهم .
وعلم الأعداء أن للمساجد حرمة عظيمة عند المسلمين ، لأنها بيوت الله التي يُزار الله فيها ، ويكونون ضيوفاً على ربهم ، وعلموا أن للمساجد قدسيتها في القلوب المؤمنة ، ومكانتها في النفوس المسلمة ، وأنه لا يُسمح بتدنيسها أو خرابها ، أو الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال ، فإذا ما ذهبت هيبة المساجد ، ذهبت هيبة الصلاة ، ومن ثم الخوف من الله ، ومن هذا المنطلق حاول الأعداء جاهدين إيجاد طريق لإزالة هذه الحرمة من قلوب المسلمين ، وإذابة المهابة من الله في النفوس ، ولهذا عمدوا إلى مخطط الهاتف الجوال وإدخال الأغاني والموسيقى المحرمة إلى المساجد ، وقد نجحوا نجاحاً باهراً لم يسبق له نظير ، نتيجة الجهلاء والسفهاء من الناس ، الذين اتخذهم الأعداء مطية لتحقيق مآربهم ، والناظر في واقع مساجدنا ومرتاديها ، يدرك حقيقة النجاح الذي حققه الأعداء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفي هذه العجالة التي لا تحتمل الإطالة ، أذكر نفسي وإخواني المسلمين بخطورة إدخال الجوال إلى بيوت الله تعالى ، لعل الشاردين من أبنائنا يعودون ، والتائهين يستدلون ، وغيرهم يتذكرون ويعتبرون ، إن في ذلك لذكرى للذاكرين ، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
قال الله تعالى : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } [ الإسراء110 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " [ حديث صحيح ] ، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يرفعون أصواتهم بالذكر وهم مُحْرِمون فقال لهم : " اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، وإنما تدعون سميعاً بصيراً " ، ولما دخل المسجد عليه الصلاة والسلام وجد أصحابه وقد ارتفعت أصواتهم بالقراءة فقال : " لا يجهر بعضكم على بعض " ، وكانوا يرفعون أصواتهم بالقراءة في الصلاة ، فنهاهم عن ذلك وقال : " من ذا الذي ينازعني القرآن " أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فهذه النصوص الشرعية تدل على كراهة أو تحريم رفع الصوت بقراءة القرآن أو الأذكار في المساجد وهي بيوت الله عز وجل ، والقرآن كلام الله تعالى ، والذكر أفضل الأعمال ، وبنيت المساجد لذلك ، ومع ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزعج من حوله في المسجد بالقراءة ، لما في ذلك من إشغال الذهن ، وتشريد الفكر ، فلما كانت هذه فتنة ومفسدة للغير ، مُنع منها المسلم ، درءاً للفتنة ، وإغلاقاً لباب الإيذاء المترتب على رفع الصوت بين الناس ، لاسيما وهم يؤدون أعظم الفرائض .
فما بالنا اليوم بمن يأتون المساجد في ضيافة الرحمن جل جلاله ، واقفون بين يدي العزيز الجبار ، وبدل أن يخشعوا في صلاتهم ، وينصتوا لإمامهم ، ويُنيبوا إلى ربهم ، تجدهم يدخلون بهواتفهم المحمولة ، دون إغلاق ، بل يتركونها تعمل لينطلق منها موج هادر من الموسيقى المحرمة شرعاً وعرفاً ، تصعق المستمع ، وتشغل الخاشع ، تغضب الرحمن جل جلاله ، وترضي الشيطان وأعوانه ، أصوات مفجعة ، ونغمات مفزعة ، وأغان موجعة ، أدخلوها أعظم البقاع حرمة وقدسية ، وأحب البلاد إلى رب البرية ، فأين عقول أولئك البشرية ؟
والله تعالى يقول : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [ الحج30 ] ، ويقول سبحانه : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [ الحج32 ] .
وأي تعظيم لحرمات الله وأناس يدخلون بجوالاتهم إلى بيوت الله ، وأي تعظيم لشعيرة الصلاة وعبيد لله لا يخشون الله ولا يخافونه ، تنبعث من هواتفهم الموسيقى الماجنة الصاخبة ، وأدهى من ذلك وأمر ، وجود أصوات الأغاني داخل المساجد ، نسأل الله العفو والعافية ، ونسأله الثبات على دينه ، ونسأله أن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، إنها والله فتنة عظيمة ، ومصيبة كبيرة ، حطت رحالها بالأمة ، وياللعجب عندما ترى بعض الناس يسمع ولا ينكر ، بل ربما ابتسم أو ضحك ، أو قال لا دخل لي ، فأين الإسلام ؟ أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ أين الغيرة على دين الله ؟ وأين الغضب لله إذا انتهكت محارمه ؟
رُحماك ربنا بحال أمتنا ، أمة أكل عليها الزمن وشرب ، إلا من رحم الله وقليل ما هم .
فيجب على كل مصلٍ أن يتقي الله عز وجل ، وأن يجعل مخافة ربه نُصب عينيه ، وأن يغلق جواله إذا دخل المساجد ، أو يجعله على الصامت أو الهزاز ، ووالله إن إغلاق الجوال لهو أنجح وسيلة للخشوع ، وعدم التعلق بالدنيا .
فيجب على المسلم أن يكون وقَّافاً عند حدود الله ، مبتعداً عن النواهي ، منزجراً عن الزواجر ، حتى لا يشغله شيء عن صلاته ، فبقاء الجوال يعمل دليل على سخف الرجل وضآلة عقله ، وقلة تفكيره ، { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان44 ] .
ولا يختص الكلام بأصوات الموسيقى والغناء المنبعثة من الجوالات ، بل حتى أصوات الأذان وقراءة القرآن ، فهي أصوات تؤذي المصلي ، وتنزع طمأنينته وخشوعه لربه ، فلا يجوز لأحد أن يؤذي المسلمين والمصلين ، لاسيما وقت الصلاة ، لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة ، وهي عمود الإسلام وفسطاطه الذي لا يقوم إلا به ، فلذلك يجب العناية بالصلاة أشد عناية ، والاهتمام بها أعظم اهتمام .
ومن دخل المسجد وترك جواله يعمل فقد أساء وظلم وتعدى ، وأسرف وآذى ، والله تعالى يقول : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } [ الأحزاب 58 ] ، ويقول سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } [ البروج10 ] ، ولا يخفى على كل ذي لُب أو عقل راجح ما للجوال من مضار ومساوئ داخل المساجد .
وفي نظري أن مرد تطاير أصوات الجوالات في المساجد يعود إلى ثلاثة أمور :
الأول : الجهل بحكم الشرع في هذه النازلة والمعضلة الخطيرة :
وقد زال الجهل بفضل الله تعالى بصدور فتاوى العلماء بتحريم استخدام الجوال داخل بيوت الله عز وجل من خلال الخطب والمحاضرات والأشرطة والنشرات ، والمسلم يعلم علم يقين حُرمة الموسيقى والغناء ، فأي جهل بعد ذلك .
الثاني : النسيان :
الله تعالى لا يؤاخذ عباده بالنسيان ، لكن هناك الملصقات الحائطية ، والإرشادات الكتابية ، الدالة على تذكير المصلي بضرورة إغلاق جواله ، وهنا قد زال النسيان ، وهب أن مصلياً دخل بجواله ونسي إغلاقه ، فإن رنَّ وهو في الصلاة فيجب عليه أن يخرجه ويغلقه ، حتى لا يستمر في الرنين بين الفينة والأخرى ، وهذا أسلم حل لذلك ، وها قد انقشع غمام النسيان ، وظهر البيان بالبرهان .
الثالث : الكبر والعناد :
ولا أظن مسلماً متقياً عارفاً بالله وحدوده وعقوبته ، ويتكبر على الله وعلى عباد الله ، لأن الله هو المتكبر الجبار ، الله هو الكبير المتعال ، ولله الكبرياء في السموات والأرض ، الكبرياء رداء المولى جل وعلا ، في الحديث القدسي : " قال عز وجل ‏:‏ ‏العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته " ، الكبر من أشد الذنوب عقوبة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " [ أخرجه مسلم ] ، ولا يتكبر إلا إنسان فيه شعبة من الجنون ، أو ربما فقد عقله ، لأنها خُلة لا تنبغي إلا لله عز وجل وحده ، ولا أظن مسلماً عاقلاً يتلبس بصفة ليست له ، وليس من أهلها ، فهو عبد لله ، مملوك لله ، ضعيف ، فقير ، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، لا يملك حولاً ولا قوة ، فكيف يتكبر العبد وقد خرج من مجرى البول مرتين ، ويحمل في بطنه العذرة القذرة ، والله عز وجل منزه عن النقائص والمعائب .
ولكن هناك فئة من الناس ربما فقدوا الإيمان من قلوبهم ، ونزعوا الدين من صدورهم ، فلا يخافون الله ولا يتقونه ، ولا يردعه إلا حكم السلطان ، وجور الحكام ، وتسلط الأمراء ، كما قال عثمان رضي الله عنه : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " ، وهذا صحيح ، فبعض الناس لا يرتدع بآيات القرآن الكريم وزجرها ونهيها ، ولا بالسنة وتحذريها وتخويفها ، ولكن يخشى عقوبة غير الله ، ويخاف غير الله ، وهذه ثلمة في الدين والعياذ بالله ، فلو أمر السلطان بمنع الدخول بأجهزة الجوال إلى المساجد ورتب على ذلك عقوبة أو حتى بدون عقوبة ، لما دخل بها أحد أبداً ، فنسأل الله السلامة والعافية .
فألا يخاف من يدخل بجواله المسجد ويزعج المصلين ، ألا يخاف أن يرفع أحدهم يده متضرعاً لإلى الله تعالى بأن يهلكه أو يشل أركانه ، أو ينتقم منه بأي طريق كان ، فليتنبه صاحب الجوال لهذا الأمر ، فإنه ليس بالهين ولا بالسهل ، فالدعاء في ذلك الموطن مستجاب ، فربما أصابته دعوة الناس في ذلك المسجد ، فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة .
وأشير هنا إلى قول الله عز وجل : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم7 ] ، الجوال نعمة من نعم الله المتعددة والمتوالية علينا ، وفوائده لا ينكرها أحد ، وذلك إذا استخدم الاستخدام الأمثل ، أما إذا تم استعماله في المنكر والمحرم وذلك بإدخاله إلى بيوت الله للتشويش على الناس ، أو التجسس عليهم في مجالسهم ، أو تصوير الصور المحرمة واستقبالها ، أو إدخال نغمات موسيقية وأصوات محرمة فهذا وأمثاله حرام ، وهو من استعمال النعمة في غير مكانها ، بل ربما انقلبت النعمة نقمة والعياذ بالله ، ويجسد القرآن هذه الحقيقة في سورة النحل في قول الله تعالى : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل112 ] ، فهلا تأمل الناس هذه الآية ؟
قال تعالى : { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح 13] ، فهل إدخال الموسيقى أو الأغاني أو حتى الأذان وقراءة القرآن عبر الجوال ، وإزعاج الآخرين من المصلين ، هل هذا من توقير الله تعالى ، والأخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ؟
لا شك أن الجواب ، ليس ذلك من توقير الله عز وجل ، ولا هو من توقير النبي صلى الله عليه وسلم .
فالواجب علينا جميعاً شُكر هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا ، ومن شُكر هذه النعمة استخدامها في طرق الخير ، والحذر من طرق الشر ، حتى تدوم النعم ولا تزول .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه .

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية