اطبع هذه الصفحة


همة امرأة

يسري صابر فنجر

 
إن اهتمام غالب نساء اليوم بموضات وافدة سواء في الملابس أو أدوات التجميل والزينة بل في الألفاظ وطريقة الكلام همهن أن يلبسن أحدث الموضات ويتزين بأحدث الأدوات وآخر شئ يسألن فيه أنفسهن هل هذه الملابس تجوز شرعاً وهذه الأدوات هل هي مباحة ؟ وهذا نابع من فراغ فكري وروحي ، ومحاكاة الآخرين ، والنفس مولعة بما تعودت عليه من التقليد ، فيأتي إلينا من الغرب ملابس ضيقة وشفافة ومخصرة وفتحات لا حد لها ولا مقياس وهذه هي الموضة ، وهذا هو الجمال ! وهذا بسبب مركب النقص ، وعقدة التقليد ...

قل للجميلة أرسلت أظفارها = إني لخوف كدت أمضى هاربا
إن المخالب للوحوش نخالها = فمتى رأينا للظباء مخالبا

بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة = ونقلت عن وضع الطبيعة حاجبا وغدا نراك نقلت ثغرك للقفا = وأزحت أنفك رغم أنفك جانبا مَن علم الحسناء أن جمالها = في أن تخالف خَلْقَها وتجانبا؟

إن الجمال من الطبيعة رسمه = إن شذ خطّ منه لم يك صائبا

أين أنتن أيتها المسلمات من نساء يسألن عن الأجر والثواب يتلمسن رضى الرحمن في شأنهن وزيهن وهيئتهن ، يتنافسن لجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، يصبرن على الطاعة والجوع والعطش ولا يصبرن على المعصية والنار تموت حرة تقية أبية ولا تدخل بيتها حراماً فضلاً عن جوفها.

أين أنتن من هذه المرأة التي حافظت على سترها وعفافها واختارت جنة ربها رغم مرضها فعن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها وأين أنتن من أسماء خطيبة النساء لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجرها وبنات جنسها في عبارة وجيزة فقد أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه رضي الله عنهم فقال : بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك وأعلم نفسي لك الفداء أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأي إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلاهك الذي أرسلك وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً ومرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثواباً وربينا لكم أولادكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ قال : فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته وإتباعها موافقته تعدل ذلك كله قال : فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً.

بل هذا مثلٌ من عصرنا الحاضر " فابيان " عارضة الأزياء الفرنسية ، جاءتها لحظة الهداية وهي غارقة في عالم الشهرة والإغراء والضوضاء . .
تقول فابيان : لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ .
ثم تروي قصتها فتقول : منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولَفَت الأنظار جمالي ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ، واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير ، والشهرة والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه.

وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها ولكن كان الثمن غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ، وأفقد ذكائي ، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء .

إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول . . فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس ، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي ، والجسماني أيضاً !
وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء .
وتواصل " فابيان " حديثها فتقول : لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء والقسوة - بينما كنت أشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه كما كنت أسير وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة (لو) . . وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط .ا.هـ صاحبة الهمة العالية لسان حالها:
لست من تأسر الحلي صباها = فكنوزي قلائد القرآن وحجاب الإسلام فوق جبيني = هو عندي أبهى من التيجان لست أبغي من الحياة قصوراً = فقصوري في خالدات الجنان صاحبة الهمة العالية : تدفعها إلى المعالي ، وتسموا بها إلى الأمالي ، تنمي همتها فيها الفضائل وتبعدها عن الرذائل ، تدفعها إلى القمة والرفعة وتبعدها عن السفاسف ، تدعوها إلى العفة وتحذرها من النقمة.

بيد العفاف أصون عز حجابي = وبعصمتي أسمو على أترابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي = إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني أدبي عن العلياء = ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي

صاحبة المعالي تقلق الأعداء ، وتقر عين أمتها بها ، متعلقة بربها ، قوية بعزيمتها ، صادقة مع نفسها.
صاحبة المعالي تسموا بنفسها وبيتها وزوجها وأولادها تنمي فيهم الإيمان وتدفعهم إلى الطاعة تصنع منهم أبطالاً تخرج منهم علماء تثبتهم على الحق والعدل تحذرهم من الباطل والظلم.
صاحبة المعالي عندها ما يشغلها كما شغل أسلافها عائشة وأم سلمة وأم سليم رضي الله عنهن فلا تؤثر فيها رواية ساقطة ولا قصة هابطة ، عند النوازل تعرف ما تفعله كما فعلت سمية وأسماء وأم عمارة رضي الله عنهن.
أختي المسلمة هكذا أنت فكوني للمعالي شرفاً نسأل الله لك الهداية والتوفيق ، اللهم احفظ بنات المسلمين من كل سوء وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين

 

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية