اطبع هذه الصفحة


الامتثال طريق التمكين

يسري صابر فنجر

 
الهدم يحتاج إلى بناء جديد لا نقص فيه ولا تشقق ، بناء تجتنب فيه عوامل التعرية والأخطاء التي كانت في البناء السابق ، وكذلك الميلاد الجديد يحتاج إلى رعاية وتهيئة والإسلام والحج يهدما ما كان قبلهما هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ..." الحديث.
فمن أعظم دروس الحج الامتثال لأمر الله وأمر رسوله سواء ظهرت الحكمة من ذلك أو لم تظهر حجر يقبل هنا وحجر يرمى هناك وطواف وسعي ومبيت وتلبية وتكبير ونحر للهدي كل ذلك وغيره في الوقت المحدد له شرعاً فيخرج الحاج من حجه وقد اعتاد هذا الامتثال ، فيربي عليه أهل بيته وأولاده ويكون حجه قد غيّر سلوكه وهديه فيكون مربياً لأولاده بالقدوة.
فالامتثال هو القاعدة العامة والدعامة الأساسية للبناء الجديد ، وبه تكون الرعاية والتهيئة للميلاد الجديد:
الامتثال جعل شوارع المدينة تمتلئ خمراً لما نزل تحريم الخمر : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (المائدة : 90 ـ 92) .
الامتثال جعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعطي مسطح بن أثاثة من العطايا ما قد منعه منه بعد خوضه في حادثة الإفك قال الله عز وجل :{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( النور : 22).
الامتثال هو الذي جعل عمر رضي الله عنه يتوقف بعدما قرأ عليهم أبو بكر رضي الله عنه : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } (آل عمران : 144) .
الامتثال جعل الصحابي رضي الله عنه يترفع أن ينتفع بخاتمه الذهبي ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِى يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ ، وَقَالَ : « يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِى يَدِهِ ». فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
الامتثال جعل المهاجرات الأول شققن ما زاد من ثيابهن وغطين بها وجوههن ولم ينتظرن حتى يرجعن إلى بيوتهن أو يفصلن ملابس أو عباءات تتناسب مع الأمر الشرعي وإنما امتثلن للأمر في الحال فعن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } ( النور : 31 ). شققن مروطهن فاختمرن بها.
إن صور الامتثال والخضوع لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم عديدة ومتعددة قديما وحديثا صنعت علماء ومجاهدين تحرروا من رق الدنيا والنفس والشيطان إلى كمال الذل والخضوع لبوا نداء خالقهم فدانت لهم دنياهم تجدهم في الليل رهباناً وفي الجهاد فرساناً أعزهم الله بدينه وعبادته :

ومما زادني شرفاً وتيهاً ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيا

اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك خاشعين لك خاضعين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية