اطبع هذه الصفحة


نزغـات في مناقشات

يسري صابر فنجر

 
إن غالب المناقشات والردود في الصحف والكتب ووسائل الإعلام عبر القنوات ومواقع الإنترنت والمنتديات وغيرها.. قد خرجت عن حدها إلى تنابز بالألقاب حسب الأهواء الشخصية والميول الذاتية مع اختلاف الغاية والهدف والمنهج، رغم وحدة الدين، والله عز وجل أمرنا بالفعل الحسن وبالقول الأحسن قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 52].

نَزَغَ الشَّيْطَان بَيْنَ الْقَوْم نَزْغًا: حَمَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِالْفَسَادِ، وَمِنْهُ: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: 100].

يقول العلامة عبدالرحمن السعدي: وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.

والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح؛ فإن من مَلَك لسانه مَلَك جميع أمره.

وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ} أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم {ليكونوا من أصحاب السعير} [ فاطر: 6 ].

وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة؛ فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها، فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم.

ولاستقامة أمرنا فهذه ضوابط مختصرة في المناقشات:


أولاً. يجب أن لا يخالف الموضوع القرآن والسنة وفهم القرون الأولى سلف هذه الأمة الأخيار.

ثانياً. العمل على توحيد كلمة المسلمين ونبذ الفرقة فيما بينهم.

ثالثاً. ترك الإشاعات والأقوال قبل التأكد من صحتها، ونذكر هنا مختصراً أيضاً ضوابط المسلم عند الإشاعات:

• أن تقدر حسن الظن بأخيك المسلم.
• أن تطلب على هذا القول دليلاً وبرهاناً.
• أن لا نتحدث بما سمعناه.
• أن نرد الأمر إلى أولي الأمر.

رابعاً: أن لا نتسرع في فهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه ونتأكد من صحة فهمنا لهما، وأن لا نحكِّم عقولنا القاصرة وأهواءنا.

خامساً: من الخطأ الفادح أن نأخذ ببعض الأدلة دون البعض بل لا بد نبحث عن جميع الأدلة.

سادساً: أن لا نعتقد فكرة أو منهج دون تفكر وتثبت منها وذلك بتتبع الدليل الصحيح والبعد عن الخلاف.

سابعاً: ضبط الرجال لا بحسب صلواتهم وعبادتهم بل بحسب اعتقادهم.

ثامناً: العدل مع المخالف بوصفه بصفته الحقيقية دون اتهام أو تعدٍّ عليه، ولو كانت هذه الصفة مدحا له أو ذما سواء.

تاسعاً: أن لا نيأس من دعوة المخالف الضال عن منهج السلف.

عاشراً: أن نقدر لكل وقت حقه، فلا نضيع الوقت ولا ننشغل عن العبادة المفروضة، وأن نؤدي واجباتنا مع ما نقصده من النقاش وما نبتغيه من حق.

إن اجتماع الكلمة وتوضيح المنهج يحتاج منا إلى جهد لا شطط فيه ولا تعدٍّ، مع الإخلاص وحسن النية، فعدونا اليوم قد جمع لنا قوته وعتاده وجعل الإسلام مطلبه الأول، وإفساد المجتمعات الإسلامية مآله الأوحد، وقد استفاد من فرقتنا وشقاقنا فيما بيننا ما لم تفده عدته وعتاده، نحتاج أن نجعل الحق نصب أعييننا فنعمل به، ويجتمع الصف عليه، ونؤلف القلوب به، ونتراحم فيما بيننا فيرحمنا ربنا ويمدنا بمدد من عنده، وبعونِ من فضله، ونصلي ونسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية