اطبع هذه الصفحة


نقد مقالة الإمام المختلس أخطر من المجاهر

زاهر بن محمد بن سعيد الشهري


بسم الله الرحمن الرحيم


اطلعت على المقال الذي كتبه خلف الحربي، في جريدة عكاظ العدد 3012 –
الثلاثاء 25 / 9 / 1430هـ بعنوان (الإمام المختلس أخطر من المجاهر)
ومما لاشك فيه أن الشرائع جاءت لحفظ ضرورات خمس، وهي حفظ الدين والنفس والعرض والنسل والعقل والمال، و حفظها كان من جانبي الوجود والعدم.
فشرع مايكون سبباً في حفظها، وبقائها ودوامها، وشرع من العقوبات ما يردع من التتعدي عليها.
والكاتب في مقاله نقد ماوقع فيه الإمام، من عملية اختلاس للأموال، من خلال الربط والمقارنة بينه وبين حادثة المجاهر (م.ع) الذي استعرض مغامراته العاطفية والجنسية كما يقول الكاتب.

وإن من المقبول عقلاً وشرعاً، أن الإمام إذا ثبت الخبر عليه فهو مخطيء ويستحق العقوبة، كما يستحقها المجاهر، لكن الذي لايقبل ولايصح هو المقارنة بين الإمام وبين المجاهر؛ لأنه ترتب عليها من خلال كلام الكاتب أموراً عظيمة منها:

1. التهوين من شأن معصية الزنا والتعدي على الأعراض.
2. أن جرم المجاهر أخف من جرم الإمام.
3. أن محاكمة المجاهر لاتكون منصفة وعادلة إذا لم يحاكم الإمام.
4. إظهار المجاهر بمنتهى البراءة والطهارة إذا ما قورن بإمام المسجد المختلس.

والمقارنة تكون مقبولة إذا كانت بين شيئين من جنس واحد بينهما اختلاف، أما إذا كانت بين شيئين متفرقين لم تصح المقارنة، قال تعالى: ( فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )

ولو سلمنا للكاتب مايريده من المقارنة لتعطلت الأحكام الشرعية والحدود، ولم يحاسب مقصر ولا عاصي.
والله عزوجل يقول: (كل نفس بما كسبت رهينة) وقال تعالى: ( ولاتزر وازرة وزر أخرى)

ومما ينبغي أن يعلمه الكاتب وغيره أن حفظ الدين يقدم على ما عداه من الضروريات عند المعارضة؛ لأنه المقصود الأعظم قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، وغيره مقصود من أجله، ولأن ثمرته أكمل الثمرات وهي نيل السعادة الأبدية في جوار ربّ العالمين، ثم يقدم حفظ النفس على حفظ النسب والعقل والمال؛ لتضمنه المصالح الدينية؛ لأنها إنما تحصل بالعبادات، وحصولها موقوف على بقاء النفس، ثم يقدم حفظ النسب؛ لأنه لبقاء نفس الولد إذ بتحريم الزنا لا يحصل اختلاط النسب، فينسب إلى شخص واحد فيهتم بتربيته وحفظ نفسه، وإلا أهمل فتفوت نفسه لعدم قدرته على حفظها، ثم يقدم حفظ العقل على حفظ المال؛ لفوات النفس بفواته حتى إن الإنسان بفواته يلتحق بالحيوانات، ويسقط عنه التكليف، ومن ثمة وجب بتفويته ما وجب بتفويت النفس وهي الدية الكاملة، ثم حفظ المال.

فخطر الزنا والاعتداء على الأعراض مفسد للحرث والنسل قال تعالى:( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا).
وما يحصل من انتهاك الأعراض والمجاهرة بذلك أشد مما يحصل من اختلاس المال، وكلاهما عظيم وذنب يستوجب العقاب.
فياليت شعري هل يساوى بين من يسلب اللقمة من أفواه الفقراء والمحتاجين، ويضمِّر بطونهم، وبين من يسلب أعزَّ ماتملك الحرة من العفاف والعرض والشرف.

إن العربي كان يقدم صيانة عرضه على حفظ ماله يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

لقد علمتُ بأنّـي غالـبي خُلُقـي --- على السماحةِ، صعلوكـاً وذا مـالِ
والمالُ يغشى أناساً لا طباخَ لهـم --- كالسيلِ يغشى أصول الدندنِ البـالي
أصـونُ عـرضي بمالي ولا أدنّسه --- لا بـاركَ الله بعد العرضِ في المـالِ
أحتال للمـالِ، إن أودى فأجمعـه --- ولسـتُ للعرضِ إن أوْدى بمُحتـالِ

وقال الإمام ابن العربي المالكي: " رُفِعَ إليّ قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها، ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج، فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟ وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج.. " انتهى كلامه.
وإني اذكر الكاتب بقوله تعالى:
{إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }.

كتبه / زاهر بن محمد الشهري
 

زاهر الشهري
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية